1 ـ
ماذا يعملُ في الليل؟
هل لا يزالُ يصدُّ عن ذاتِه؟.
**
هل لا يزالُ في الليل هو ذاتُه
مرّة أخضر، مرّة أصفر، ومرّة أحمر
ومرّة منطفئ؟
هل لا يزالُ في الليل، كثيراً، يلتفتُ مهزوماً؟.
**
"قبضنا عليكَ متلبّساً
إذن، الجوعُ والعطشُ هما في العقليّةِ السحريّة"؟
قالوا له، فأدركَ أنّهم جماعة العقليّة السحريّة
وقالَ مستخِفّاً: "وأنا ذاتي القائل
أنّ المحلَّ يمكن أن يكون في محلٍّ آخَر"
ومع ذلك ظلّتْ أشباحُهم تلاحقُه
جنونٌ ما يرفعُ الغطاءَ عنهم.
**
إذا
مسّتْه الشمسُ.
**
مَنْ يُخاصِمُ الموسيقى
لن يفقَه عواءَ الذئب.
**
وسمعتُ
لكنْ لم أصغِ
واستيقظتُ
لكنْ لم أفق
وحلمتُ
لكنْ أبداً لم آمل.
**
وقالَ بكِبَرٍ، وقالَ غائباً
وقالَ: لن تعلمَ إذا لم تعملْ
وقالَ: التَقى ذاتَه في سكونِ الليل
فيما ينظرُ في شريطِ الذاكرة
مغمِضاً عينيه
وقالَ أنّ طَرَفاً لِخَيط
فيما يعلمُ أنّه خَيط لا طَرَف له
وقالَ أنّه مُصاب بطلقةٍ مِن كاتم
وقالَ ماشياً ـ واقفاً، وقال مذرَّراً ـ ملتئماً
وقالَ: القضاءُ السياسي ذاتُه الجريمة الموصوفة
وقال مصلوباً
على شُرُطِ الكهرباء.
**
وأظنُّ إنّي، ولا أظنُّ إنّي
وأظنُّ كأنّي، ولا أظنُّ كأنّي
والهيبةُ هي احترامُ الذات
وأتأمّلُ بساعةِ الحائط
كيف تنزفُ الوقتَ قطرةً قطرة
وأعبرُ مستعجِلاً، شارعاً، في المطر
وفي يدي مظلّة، هي لعبة أطفال، زهريّة
وأعملُ دائماً ما أنا ذاتي أُنهي عنه دائماً
خصوصاً أخيراً، بدلَ العكس
الفوزُ يكون أيضاً بالنقاط.
**
وبسرعةِ الغزال أو النمِر
وبقوّةِ الأسد أو الفيل
وبتفاهةِ أصفق، وباعتزازِ نسِر
وبلطافةِ شقائقِ النعمان
وبخوفِ أرنب
وإنّنا انتثارُ القمح في أرضٍ مفلوحة
وبمصادفاتٍ ليست مصادفات
وبطيبةِ فيلسوفٍ وقعَ بشرِّ طيبته
ويموتُ دائماً.
2 ـ
إسمعْ
لو لا إتّصال
لا إنقطاع
وأنا لا أُغامر
بل أَقطع.
**
كلُّ ما تسمعه أو تراه هو محاكاة لمُعلَن وكامِن
الكلُّ ولا استثناء، مثلاً: إبن رشد
أبو العلاء المعرّي، كليلة ودمنة
عبدالله بن المقفّع، برتراند راسل متحدّثاً حزيناً
عن النَفَس الشيطاني
جوردانو برونو محروقاً
كارل ماركس صاحب كتاب رأسِ المال
ذاته الذي لا يجد ما يقتاتُ به هو وزوجتُه وأطفالُه
أو يردّ الطبيبَ عن بابه لأنّه لا يملكُ ثمنَ الزيارة
غاليلو الذي رأى أعمق وأبعد ممّا رأوا
وهذا ما أثارَ رجالَ دينٍ حبسوه
ولكنّه مِنْ محبسِه ظلَّ يسترقّ النظرَ عبْر نافذةٍ إلى الشمس
الأنبياءُ أيضاً صنعوا تواريخ
والذين اشتغلوا بتأليفِ ألف ليلةٍ وليلة
ولينينُ الذي قبْل بضعة سنواتٍ فقط من وفاته متأثّراً بجراحه
وصلَ إلى الكرملين
داروين صاحبُ شجرةِ الصداقة
فيلليني مصوِّراً الطمعَ والجشع
أي أعلى مراحلِ الأنانيّة
شارلي شابلن مستخِفَّاً
ومستهزِئاً.
**
يقتعدُ صندوقاً خشبيّاً بجوارِ كشكٍ مشيَّدٍ على عجل ـ يبيعُ سكاكر وسجائر وصحفاً ولوازمَ مدرسيّة وحتى منزليّة مثل حنفيّات وفناجين قهوة عند رصيفٍ ضيّقٍ وينظرُ إلى المارّة والسيّارات كأنّه يُشاهد مشاهد تلفزيونيّة أو عرضاً مسرحيّاً (والحكمةُ هي معرفةُ ردِّ الفعل) وهو ذاتُه يتسكّعُ أيضاً في شارعٍ تناهى إليه، مع الضجيجِ الصادر عن حركة السيّارات وأصوات الباعة والمشاجرات، صوتُ موسيقى من ملهى (يسمعون النداءَ، ومن دون استفسارٍ ومناقشةٍ يتبعونه بظهورٍ مستقيمة ورؤوسٍ عالية وأيدي مسبَلة غير مبالية وأذيال ـ تكاد تُرى بالعين المجرّدة ـ مُشرّعة) وهو ذاته عندَ قمامة، وهو ذاتُه عندَ جسرٍ متهدّم. وقتيلٌ محترق لا يزالُ منه الدخانُ يتصاعد. ومجدَّداً تخترقُ جدارَ الصوت على علوٍّ منخفضٍ طائراتٌ حربيّة (الموسيقى موسيقى للأطفال، وموسيقى شبابيّة، وموسيقى كلاسيكيّة) أو على هذا النحو. وكان كلّه نيام طوال سنوات.
**
المومياءاتُ بين ظهرانيكَ وتنطق
المومياءاتُ لا يمكن ولا يمكن ولا يمكن
ما هذه الخِرَقُ؟ ما هذه الحساسيّةُ المُفرِطة؟
همساتٌ، في الوسط، صداها يتردّدُ في الأطرافِ قاطبة.
**
حبالُ الغسيل، علبُ السردينِ طبقاتٍ طبقات
المساءاتُ الحزينة، المدارسُ الضيّقة
عدمُ خداع الذات، وأبطالٌ يصعقون الموت
عرباتُ الباعة، مهرجانُ البؤس
صرّافو العملة، المقاهي الذكوريّة
المظاهراتُ الطلاّبيّة (الطلاّب مؤشِّر)
الخروجُ من السينما واكتشافُ أنّ الدنيا ليل
البحثُ في القمامة (الفقرُ المدقع مؤشِّرٌ، ولا يمكن أن تخطئه عينُ كريمٍ إبن كِرام)
أحياءُ الصفيح، إنخفاضاتٌ تحت سطح البحر
"العمّالُ اللاشرعيّون" يبيعون قوّةَ عملهم بأبخسِ الأثمان
أدواتُ الطبقةِ المسيطرة
صيّادو السمك الصغار الذين وقعوا في شباكِ شركاتِ صيدِ السمكِ العابرةِ للمحيطات
تصديرُ الشباب، تجارةُ سرقة أعضاءِ المرضى.
**
الخيطُ غير المرئي
الفاصلُ بين مساحتين
أجهزةُ استشعار، إشاراتُ مرور
الذين يرتعدون
الأفقُ الآخر
الحلقاتُ سلاسلٌ سلاسل
قطْعٌ ووصْلٌ من دون انقطاع
سياقٌ يدورُ مع مِنشَرِ الغسيلِ الدوّار
في مساءٍ مهجورٍ عاصف
صناعةُ الشحاذة المزدهرة
إطلاقُ رصاصٍ عشوائي
محاضَرةٌ مناظَرة، ومناظَرةٌ مُحاضَرة
الإنتثارُ، شررٌ، منظرٌ آخر
كلُّ القطاعات الخيِّرة من أجل منظرٍ جديدٍ آخر
الساديُّ على رأسِ سلطةٍ مُحاط بأركانٍ ساديين مثله
إستعارةُ تاريخٍ ممُزّق
الراوي الذي لا يسمعه أحد
وهو لا يكفّ عن فتح وإغلاق فمه
محاولاتٌ لفكِّ معاني ومغازي وأسرارٍ
إشاراتٌ تظهرُ وتستتر
تَنَاقصُ مساحات.
**
دموعٌ بها تتناسقُ وتتكاملُ أجزاءُ الصورة
أو حياةٌ عبرتْ
إذا هو ليس هو فمن هو يكون؟
إذا رأسُه ليس هو ذاتُه رأسُه فأين هو رأسُه؟
إذا يداه هما يدا أحدِ آخر فيه فأين هما يداه؟
إذا قدماه هما قدما أحدِ آخَر فيه فأين هما قدماه؟
كفا شرّاً أن تقولَ لحمارٍ يا حمار
الإقامةُ ثمنُها القلَقُ اليوميّ الذي لا ينتهي
وسنواتٌ ألواحٌ مُصمّدة، وسنواتٌ شهودُ زورٍ
وسنواتٌ موتورون واترون، وسنواتٌ مثيرةٌ للسخطِ ضحكاً
وسنواتٌ بدائيّةٌ تعملُ يدويّاً
وسنواتٌ بعضُها عرباتٌ مجَنزَرة
وبعضُها عرباتٌ نصف مجَنزَرة
وبعضُها سيوفٌ أو خناجر
الخوفُ هو من إنقطاعٍ كهربائيّ مُفاجئ.
**
وجلسَ
على كرسيّ دوّار
أبداً لا يكفُّ عن الدوران.
0 comments:
إرسال تعليق