البحر/ د. نوري الوئلي

يا قارئ الشعر هل طابت لك الدارُ = واشتدّ عزمك واسْتهواك دينارُ
يا قارئ الشعر كم أعطتك مقتضبا = هذي الحياة وكم عزّتك أقدارُ
هل دار ليلك والآمالُ موصلة = أم أن حلمك عند الفجر أخبارُ
هل عشت دهرك والأيّام آمنة = أم أن دهرك مثل البحر أطوارُ
فالبحرُ يوما كأن الطير ساكنه = والريح منه الى الربان مضمارُ
جنّدت ركبك والأحلام مشرعة = والوهمُ أنساك أن البحر غدّارُ
تدنو من الجرف بالأسماك ممتلئا = فانتاب جمعك عند الجرف إعصارُ
هذي هي الحال إن ساقتك في جهل = سوءُ النوازع أو يحدوك أشرارُ
نلهو وتجري بنا الأيّام مسرعة = مثل الضياء كأنّ العمر مشوارُ
كم ضاع منّا خليل أو ذوي رحم = حتّى كأنّ جموع الأهل أنفارُ
صرنا كمن هجرالأوطان معتذرا = فالأهلُ ماضون والأصحاب زوّارُ
مثل القطار ركبنا من ولادتنا = فيه المحطّـّات للركاب أدوار
تعطى البطاقات لا ندري مقاصدها = والركب يسري كأنّ القصد أمتارُ
عند المحطات ترسينا مصائرنا = ونترك الركب والآمال أسحارُ
مثل الخيال فإن الموت يتبعنا = حتى علانا , فشدّ النعشَ مسمارُ
يأتي إلينا كأن النوم غالبنا = أو لم نر الموت للأحباب يختارُ
نجري من الموت والآمال تجرفنا = حتّى صحونا وزهو النفس ينهارُ
نعدو من الموت أميالا فنحسبه = قد غاب عنا وبعد الموت أشبارُ
ما لي أرى النفس قد هامت بزائلة = وانسابَ فيها إلى اللّذات إصرارُ
الوقت أصبح أموالا فما ملئت = منها العيون , كأن المال أنوارُ
الناس تلهث والدينار مطلبها = وهل تُشافي ثرى البيداءِ أمطارُ
هل أشبع الدهر نفسا أو شفى ضمأ = وهل أضاءت سرابَ البيد أزهارُ
هذي هي الحال لا تفرح بزائلة = فما استدامت لأهل الأرض أعمارُ
هذي الحياة فلا تيأس لنائبة = إن النوائب للألباب إنذارُ
ما لي إذا ملئت بالمال أوديتي = فانتابني سقم وانتابها نارُ
حسبي الفُتاة وخيط الصوف يسترني = والسّعْف سقفي وطول الدار أشبار
ما يشبع النفس والأطماع سُفْرتها = إلا التراب , وتعلو الجسم أحجارُ
ما يذكر الموت إلا مؤمن فطن = قد ساقه العقل واستقرأه أبصار
الناس موتى وهم في حالها هرج = والصالحون بها أحياءُ أبرارُ
ما فاز فيها شقي أو أخو جهل = بل فاز فيها إلى الجنّات أخيار


CONVERSATION

0 comments: