جديد النائب جنبلاط موقفه أنه مع "جبهة النصرة" ضد النظام السوري، لأنه وحسب جديده من حقّ الشعب السوريّ التعاون مع الشيطان ما عدا إسرائيل، وتمّم ذلك قلقا على الدروز بقوله: أن العلويين سيعودون إلى الجبال بعد سقوط النظام وأمّا الدروز فسيكونون وسط بحر من السنّة (!).
إذا كان ما نُقل في وسائل الإعلام دقيقا نصّا، فجنبلاط يعتبر "جبهة النصرة" شيطانا وكذلك إسرائيل، وهو مع هذا الشيطان ولا يسعنا إلا أن نبارك له بهذا "المَع" وهو حرّ في خياراته.. ومع هذا، هو ليس حرّا بتاتا في تضمينه موقفه القلق على الدروز في سوريّة الذين سيبقون في البحر السنيّ بعد سقوط النظام بغياب ملاذ جبليّ آمن لهم كما العلويّين(!).
إذا كانت مواقفه نابعة من أحقاد على النظام السوريّ على خلفيّة استشهاد والده الكبير، الذي لا أشك أن عظامه تتململ في رمسها بغض النظر عن المتّهم باغتياله وأومن أن تراب رمسه يهتز من وقع أقدام همجيّة المعتدين على سوريّة، إذا كان هذا هو محرّكه فعلى حدّ علمنا أن الأحقاد قد مُحيت بالدعم السوري غير المحدود له في حرب الجبل وعلى مدى سنوات طويلة تلت، نقول ربّما "أحقاده" بغياب سبب عقلانيّ آخر لموقفه، ونقول ذلك أيضا لأن، لا النضال اسم جبهته التي يقف على رأسها، ولا التقدميّة ولا الاشتراكيّة صفات حزبه الذي يقف على رأسه، يمكن أن تتلاءم مع نضاليّة وتقدّمية واشتراكيّة جبهة النصرة وحمدَيها ومن لفّ لفهم من النعاج المسمّنة والمهترئة ولا مع "الأردواغلويّين" الظلاميّين، أو من امتطى ظهور هؤلاء أو أولئك من شياطين إسرائيليّة كانت أو غربيّة. أمّا الكلام الطائفيّ العاديّ في لبنان على ما يبدو، كان غريبا كليّة علينا نحن فلسطينيّي البقاء إلى وقت قصير مضى وقبل أن تنطلق عندنا "جبهات نصرة" بأسماء مختلفة وأدوات مختلفة ورغم ذلك ما زلنا نستحي أن نتطرّق إليه، تماما كما هو عيب وغريب على الشعب السوريّ. ولكن وبما أن جنبلاط يقسّم الشعب السوريّ هكذا كما حلفاؤه الجدد في جبهة النصرة، فلا بدّ من بعض ملاحظات، إذ يبدو أن جنبلاط يغيّب عن المشهد تاريخ "الموحدين المسلمين الدروز".
"الموحّدون المسلمون الدروز" بالمصطلح السوريّ- اللبنانيّ أو "العرب الدروز" بمصطلحنا، ومنذ أن وجدوا قبل ألف عام مذهبا إسلاميّا اجتهاديّا عاشوا في بحر من السنّة ولم يبتلعهم هذا البحر رغم العواصف العاتية، هذا إضافة إلى أن مثل هذا الكلام يتضمّن أولا وقبل كلّ شيء إهانة للسنّة، فهل بحر السنّة في سوريّة كلّه قروش ستلتهم الدروز ما أن يسقط النظام السوريّ؟!. القروش في السنّة، والسنّة منهم براء، هم تماما أولئك الشياطين الذين يُعلن أنه معهم، ويرى أن للشعب السوريّ الحقّ أن يتحالف معهم.
غاب كذلك عن جنبلاط أو غيّب في تصنيفه الشياطين، أن الشياطين على عكس البشر لا تتقاتل فتعرف كيف ترصّ صفوفها في مواجهتهم أحسن كثيرا من البشر، فلم يعُد خافيا على أحد اللهم إلا على عميل أو جاهل أو مغرر به أو متجمّل بالحريّة، أن جبهة النصرة على تعاون وثيق مع إسرائيل ويكفينا دليلا على الأقل حقيقة استهدافها البنى التحتيّة السوريّة ومراكز عسكريّة سوريّة لا دور لها في حربهم على سوريّة اللهم إلا أنها عيون على الشيطان إسرائيل الذي استثناه جنبلاط، ومثالا مركز الاستطلاع على الجبهة السوريّة الإسرائيليّة أو قواعد الصواريخ أو مراكز البحث العلمي .
إن حقّ الشعب السوريّ حسب جنبلاط ، في التحالف مع الشيطان النُّصرَويّ لإسقاط النظام هو بالضرورة تحالف موضوعيّ مع الشيطان الإسرائيليّ وإن صنفه جنبلاط بالممنوع التحالف معه، خصوصا وأن كل إستراتيجيّي هذا الشيطان يرون في بدائل الرئيس الأسد والقيادة السوريّة الحاليّة وأيّ كانت هذه البدائل، أفضل استرتيجيّا لإسرائيل رغم كلّ تبجّح العرب.
بالنتيجة فمواقف جنبلاط غريبة على تراثه (كمال جنبلاط العروبيّ التقدّمي الاشتراكيّ) وتجعل من اسم جبهته خواء ومن اسم حزبه مجرّد شعار كان والده دفع عرقه ودمه ليكون هذا الشعار واقعا. وممجوجة مواقفه لا بل مُعيبة في تغليفه إياها بالقلق على مصير دروز سوريّة، وعلى الأقل من منطلق أن دروز سوريّة هم الأكثريّة بين دروز المنطقة وهم طليعة الدروز على الأقل في القرن الأخير ويعرفون جيّدا اجتراح المواقف وبالذات القوميّة، وكذلك مُعيبة من منطلق الإهانة التي تتضمنها تجاه السنّة وبالذات السنّة السوريّين.
مواقف جنبلاط نابعة عن خيار سياسيّ هو حرّ فيه وحرّ في يكون مع الشياطين ولكنه ليس حرّا في اعتبار مواقفه حماية للدروز، ولن يشفع له تصنيفه الشياطين إلى ال"كشير- صالح" للتعاون كجبهة النصرة وال"طريف- طالح" للتعاون كإسرائيل، بلغة أبناء عمومتنا اليهود.
لا ضير إن ولجتُ في خاتمة هذا المقال إلى بعض المحطّات في علاقتنا مع جنبلاط. انطلقت شرارة هذه العلاقة في لقاء على هامش الأربعين للراحل المرحوم الرئيس حافظ الأسد تموز 2000 في القرداحة إذ التقينا نحن وهو في موقف إكرام للراحل، وتطوّرت الشرارة لاحقا إلى لقاءات عمّان ربيع وصيف العام 2001. ولا أكشف سرّا إن قلت: أن جنبلاط وبعد لقاء ربيع ال2001 حطّ مباشرة في ديوان الرئيس بشّار الأسد وكان لقاء عمّان الآنف الذكر على جدول الأعمال.
وانطلق مشروع التواصل لرفع العزلة عن فلسطينيّي البقاء بكل شرائحهم وبالذات العرب الدروز بزخم أكبر وبفضل القيادة السوريّة وما قدّمته للمشروع إنسانيّا وقوميّا. أوائل ال2005 وبعد اغتيال المرحوم الحريري ومواقف جنبلاط التي استجدت، اختلفت مواقفنا وبقينا نحن على تواصل مع سوريّة كانت ناصيته وفد أيلول ال2007 الذي ما زالت تحاكمنا إسرائيل عليه، وقبلها كنّا أصدرنا بيانا انتقادا لمواقفه تجاه سوريّة تحت عنوان "ليس هكذا تورد الإبل يا وليد"، وإن لم يفسد الخلاف بالرأي للود قضيّة حينها، إلا أن العلاقة معه شهدت اختلافا كان أوجه لقاء في باريس لفتنا فيه نظره إلى خطأ خياره.
وكما هو معروف عاد جنبلاط وعدّل موقفه، وخلال الفترة التي سبقت هذا الموقف الجديد كان لنا لقاءات عدّة بعضها بمبادرته، سمع فيها وجهة نظرنا القاطعة حول الموقف السابق والنيّة التي كانت بدأت تختمر في رأسه للعودة عنه والذي اعتبرناها عودة إلى الأصول وسرّنا ذلك. وعاد وتجدد مشروع التواصل مع سورية ولبنان الذي ما زلنا كما أسلفت ندفع ثمنه محاكمات على يد المؤسسة الإسرائيليّة، ورغم محاولات التخريب من عندنا بعد أن أُسقطت الأقنعة عن وجوه الكثيرين في قصور الدوحة بعد أن أزكمت الأنوفَ رائحةُ الدولار.
المفاجأة الكبرى كانت بانقلابه مرّة أخرى على سوريّة، بعد اندلاع الحرب المغطاة بشراشف "الربيع العربي" الملطّخة عليها، وظللنا على ثبات موقفنا مع سوريّة وقيادتها في مسيرة الإصلاح وضد العدوان، وعاد الاختلاف ليكون سيّد الموقف.
حقيقة نقولها لأنفسنا أولا أننا امتنعنا كلّ هذا الوقت عن تناول هذا الموقف كتابة، لكن أن تبلغ الأمور بجنبلاط أن يُعلن أنه مع جبهة النصرة ويغلّف ذلك بقلق على الدروز من البحر السنّي السوريّ (!) الذي نجزم أنه كان نظيفا آمنا وسيبقى نظيفا آمنا تسبح معه وفيه كل المذاهب وكلّ الأديان بعد أن يلفظ ويدا بيد مع الآخرين، من أحشائه وقريبا كلّ هؤلاء الشياطين أكلة لحوم البشر، أن تبلغ بجنبلاط الأمور هذا الحدّ، فهذا كثير ويستأهل الإدانة وليس الملامة.
جوال: 0507208450
الكتروني:sa.naffaa@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق