"وقت اللي طلّ القمر \ من بيروت جانا الخبر \ سألنا أيش في يا بشر \ قالوا أبو طوني انتصر" .. وقالوا أيضاً: "اعتزّوا يا لبنانيي \ بالأخوين فرنجيّة \ الأوّل جاب الإستقلال \ والثاني الجمهوريّه".
حاز السيدّ سليمان قبلان فرنجيّه رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة في 17 أب 1970 منافِساً حاكم مصرف لبنان الأستاذ الياس سركيس. كان عدد مجلس النواب في حينه 99 نائباً انقسموا عاموديّاً، فأعطى 49 أصواتهم للأوّل و49 أعطوا أصواتهم للثاني، وكان الصوت الأخير "صوت الشعب" بتعبير النهار البيروتيّة من نصيب فرنجيّة.
رفض رئيس مجلس النوّاب الرئيس صبري حماده النتيجة، وهو المحسوب مع رئيس الوزراء رشيد كرامي على الشهابيّة، معتبراً إن الرئيس يجب أن يحوز ثلثي أصوات المجلس، أي 66 صوتاً .. على الأقلّ، هنا أيضاً يضعنا الأستاذ روي عريجي مؤلّف وموثّق كتاب "رئيس من الشعب" في أجواء ذلك اليوم العجيب، فما أن يستقرّ وعي المعارضة على معنى الطعن بالنتيجة حتى تتوتّر الأجواء ويعلو الصياح ويلجأ بعض النوّاب خوفاً إلى تحت الكراسي فيما تظهر المسدّسات والبنادق والرشّاشات ويسري خبر ما يجري في البرلمان إلى الخارج فتلتهب السماء بالرصاص قبل أن يؤوب المشرّعون جميعاً إلى رشدهم ويقرّوا لابن الشمال سليمان فرنجيّة بأن يكون الخامس في ترتيب رؤساء الجمهوريّة اللبنانيّة منذ الإستقلال.
ينقل الأستاذ عريجي في كتابه أن الشهابيّة حكمت لبنان 12 سنة، قدّمت الأجهزة الأمنيّة على الحياة المدنيّة، والموظّفين المجهولين على السياسيين المعروفين، ويعطي مثلاً أن الجنرال فؤاد شهاب كان من مقرّه في عجلتون يواجه بموظّف غير معروف هو الأستاذ الياس سركيس حاكم مصرف لبنان شخصيّات سياسيّة وشعبيّة معروفة من أوزان سليمان فرنجيّة وكميل شمعون وريمون إدّه وبيار الجميّل وصائب سلام وكامل الأسعد وجوزيف سكاف وكمال جنبلاط، وينقل حتى مَن كان يجلس إلى جانب مَن داخل البرلمان، وحتى ماذا كان يلبس هذا وماذا كان يرتدي ذاك: جلس سليمان فرنجيّة بين عثمان الدنا وفؤاد غصن وكان يرتدي طقماً غامق اللون. الشيخ بيار الجميّل جلس إلى جانب الوزير عادل عسيران وكان يرتدي طقماً رماديّ اللون. ارتدى كامل الأسعد وعدنان الحكيم وسميح عسيران وموريس الجميّل الطقم الأبيض. وكان شمعون يرتدي سترة طحينيّة اللون وبنطلوناً أبيض. والرئيس عبد الله اليافي يرتدي جاكيت بيضاء وبنطلوناً رماديّاً. ومعروف سعد قميصه فوق البنطلون. وأيضاً يسجّل أن النائب سايد عقل كان أوّل المقترعين في الدورة الأولى.
مقدّمة الكتاب للأستاذ فؤاد دعبول الذي يؤكّد نعومة وشدّة الرئيس الجديد، وأن انتصاره كان الإنتصار الديمقراطي الأوّل على تدخّلات المكتب الثاني الذي كان نواة النهج الشهابي. فمن هو الرئيس الجديد؟ هو مزارع وأيضاً رجل أعمال، أوّل من نصب تفّاح الغولدن والستاركن في إهدن والزاوية، بدأ حياته السياسيّة نائباً سنة 1960، شغل مناصب وزاريّة، ومن ألقابه: "أبو طوني" و"الشايب" إلى جانب "البيك" و"سيدنا". شقيقه الأكبر حميد فرنجيّه وزير خارجيّة سابق ومرشّح للجمهوريّة منافساً كميل شمعون. أبوه! قبلان فرنجيّة نائب سابق، جدّه سليمان مدير الناحية في العصر العثماني. يحبّ الخيل، يرتاح لحركتها، يؤنسه صهيلها. يفضّل المجدّرة والسليق والكشك وكبّة الراهب. تطربه الأغاني الجبليّة والفلكلور: أبو الزلف، العتابا والميجانا. هو ماهر بالمحبوسة. وعلى لسانه دائماً "الله يرضى عليك" و"يرحم أبوك". وهو ذاته الذي انتدبه العرب متحدّثاً باسمهم في دورة فلسطين لعام 1974 في الأمم المتّحدة، وهو ذاته الذي وقف بضراوة ضدّ مخطّطات هنري كيسنجر وموفده دين براون، وهو ذاته الذي في أيّامه أصبح غسل الكلى على نفقة وزارة الصحّة، وهو ذاته صاحب الشعار الشهير: "وطني دائماً على حق".
يوم فاز فرنجيّة برئاسة الجمهوريّة دخل أحدهم إلى مطعم في الروشة وأكل ورفض أن يدفع الحساب، ولمّا سأله الغارسون عن السبب قال إنّه زعلان من انتخاب سليمان فرنجيّة رئيساً، لكن بالمقابل، كما يرد في كتاب "رئيس من الشعب" الذي يسجّل كلّ التفاصيل ويكرّرها مراراً والشيّق في آن، هبّت جماهير غفيرة إلى الشوارع تعبّر عن فرحتها بفخامة الرئيس سليمان بك فرنجيّة. لعلع الرصاص. مئات آلاف الطلقات. واحد من فرحته أضرم النيران بسيّارته عند مدخل زغرتا، وواحد إهدني استقدم خبيراً بالتفجير ظلّ دوي متفجّراته يُسمع لثماني ساعات من السادسة مساء إلى الثانية بعد منتصف الليل. وعندما سئلت سونيا فرنجيّة كريمة الرئيس عمّا يتميّز به والدها قالت "قلبه الطيّب" وعندما سئل طوني فرنجيّة نجله عن العمل الذي يتمنّى على والده القيام به بعد تولّيه مهمّات الرئاسة قال: "إن أملي كبير أن يتمكّن والدي من تحقيق المصالحة الوطنيّة وجمع شمل العائلة اللبنانيّة فمتى تحقّقت الوحدة الوطنيّة يسهل حلّ كلّ المشاكل الأخرى التي تعاني البلاد منها".
في 17 آب 1970 كان لبنان على شفا هاوية حين أعلن رئيس المجلس النهجي الشهابي وجوب إعادة الإنتخابات، لكن العقل الباقي في البلد دخل على الخطّ في اللحظة الحاسمة وفرض القبول بالنتيجة: 49 صوتاً للأستاذ سركيس و50 صوتاً للسيّد فرنجيّة، وإعلان رئيس المجلس ذاته دستوريّة وقانونيّة الإنتخاب، بينما غاب العقل عن البصر والسمع في سنة 1975 لينفجر لبنان حرباً دمّرته. لبنان اليوم يتأرجح بين لبنان 1970 ولبنان 1975 فهل يدخل العقل على الخطّ علّ وعسى يجنّب لبنان الإنفجار بعد هذا الإحتقان؟.
"رئيس من الشعب" عن "القارح ـ زغرتا" و280 صفحة، يزيّن غلافه كاريكاتور شهير للرئيس فرنجيّة صنيع رسّام الكاريكاتور الشهير بيار صادق، ويسلّط أضواء كاشفة في ذكرى مرور أكثر من 40 سنة على انتخاب الرئيس فرنيجّة رئيساً، معايناً أيّاماً مضت من عمر لبنان علّ وعسى أيضاً نستقي منها عبرة.
0 comments:
إرسال تعليق