هل مصر تسير في نفس طريق سوريا؟/ أنطوني ولسن

دعونا نستعرض الوضع في كل من سوريا ومصر .
أولا : الوضع في سوريا
سوريا والوضع السوري قد تجاوز حدود الثورة وما أطلق عليه " الربيع العربي " وتحول إلى إبادة للشعب السوري وتهجيره وأصبح وضع من يعيش على أرض سوريا  بين المطرقة والسندان . بين الجيش النظام السوري ، وبين من يطلقون
على أنفسهم الجيش الحر ، والعالم يعرف جيدا من هم الجيش الحر الذي تقوده جماعة الأخوان المسلمين وغيرهم من جماعات الأسلام الراغب في السيطرة والحكم في سوريا .
أنا هنا لا أدافع عن الرئيس السوري بشار الأسد . فهو مثله مثل كل من يتولى حكم العرب سواء كان عسكريا أو مدنيا ، ما أن يتولى أحدهم الرئاسة يكون جُل همه تمكينه من الجلوس على الكرسي طوال عمره إلى يوم وفاته . بعدها يبدأ الرئيس بتمكين أهل الثقة المراكز والوزارات الهامة بالدولة سواء أقارب الرئيس أو أقارب مساعدي الرئيس . هذا شيء لا يستثنى منه رئيسا أو ملكا أو حاكما عربيا .
على هذا وضع الرئيس بشار لا يختلف عن وضع الرئيس مبارك أو بقية الرؤساء العرب . من حق الشعب أن ينتفض ويطالب بحقه في الحياة . ومن حقه أيضا الثورة ضد حاكمه وإقالته وتقديمه للمحاكمة إذا لزم الأمر . لكن بالطريقة الديمقراطية دون إسالة دماء ، بل عن طريق فترة إنتقالية يتولى إدارة شؤون البلاد إما القضاء أو نائب الرئيس أو قوة من الجيش .
وهنا يختلف الوضع مثلا في مصر عن سوريا .
ثانيا : الوضع في مصر
في مصر خرج الشعب عن بكرة أبيه في ملحمة لم تحدث في تاريخ العرب والمسلمين . تاريخ العرب والمسلمين ينتقل الحكم بعد موت الحاكم ملكا كان أو سلطانا أو حاكما تلقائيا لأكبر أبناء الحاكم أو من يغتال الحاكم يتولى هو الحكم وهذا شيء عادي جدا في تاريخ العرب .
نعود إلى سوريا ومصر موضوعنا الأساسي .
في سوريا الجيش السوري قلبا وقالبا مع الرئيس بشار الأسد .
في مصر الجيش المصري لم يتدخل في الأمر لصالح مبارك كما كان ينتظر الرئيس مبارك منه . بل وقف محايدا مدافعا وحارسا للثورة المصرية التي تكاتف جميع أبناء مصر من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال والشرق والغرب بما فيهم بالطبع شعب سيناء والشعب النوبي .
تجمعت ملايين الشعب المصري على مستوى الجمهورية وكان لها صوت واحد ردده الجميع " إرحل ... إرحل .. إرحل " .
في سوريا ظهرت فئات لا تمثل الشعب السوري تمثيلاً كليا كما حدث في مصر . لكن كانت للمليشيات الخارجية وعلى رأسها ميليشيات الأخوان والتيارات الأسلامية والتي كانت تمول من الخارج وأصبحت تعرف بأسم الجيش الحر هي التي قامت بثورة ضد الرئيس بشار الأسد للأطاحة به .
وعلى الجانب الأخر في سوريا نجد أن الرئيس بشار الأسد والجيش السوري يتم تمويلهم عسكريا من إيران ومن روسيا و تأيد الصين . ومازال القتال دائرا .. ومازال الشعب السوري يعاني من ويلات الحرب  ، ومن فرّ منهم يعاني من الوضع المزري الذي وضعو  فيه كالاجئين سوريين .
نعود إلى مصر بعد نجاح الثورة المصرية وإرغام الرئيس مبارك على التخلي عن الحكم للمجلس العسكري للقوات المسلحة على أمل أن يعيده المجلس العسكري إلى سدة الحكم بعد أن تهدأ الأمور .
لكن تغيرت الأمور بعد ترك الثوار ساحات الثورة التي إندلعت في جميع أنحاء الجمهورية على أساس أنه تم لهم ما ثارو من أجله وهو خلع مبارك وإجباره على ترك الحكم  ، فظنوا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيتولى إدارة البلاد لحين إجراء إنتخابات جديدة ...
حدثت أشياء كثيرة منذ ذلك الوقت وحتى الأن ، فقد تولى الأخوان والسلفيون بعد الأنتخابات لمجلس الشعب الأغلبية في المجلس الذي تم حله بأمر من المحكمة الدستورية العليا . وأنتخب مجلس الشورى بنسبة ضئيلة مقارنة بإنتخابات مجلس الشعب لعزوف الكثير من الشعب عن الأشتراك في التصويت . وبدون شك كان ذلك خطأً إرتكبوه ضد مصر والشعب المصري نتمنى أن يتفاداه الشعب إذا حدثت إنتخابات أخرى في أي وقت .
بعد ذلك أصبح لمصر رئيس منتخب من جماعة الأخوان وبدأت نواياهم المستأسدة في السيطرة والتمكين من جميع المؤسسات الحكومية ومفاصل الدولة ، مع العمل على تفتيت قوة القضاء والداخلية لتحل محلهما قضاة إخوان وميليشيات إخوانية بالنسبة للشرطة ، مع محاولة تفتيت قوة الجيش المصري وتولى ميليشيات الجماعة الأخوانية إدارة الجيش . وبهذا يكونوا قد نفذوا أوامر أميركا وإرضاء إسرائيل بإضعاف الجيش المصري الذي يعتبر أقوى قوة حربية في المنطقة العربية
الجيش المصري الذي أظهر وأثبت أنه لا يريد السلطة وسلم السلطة بعد إنتخاب د. محمد مرسي رئيسا للجمهورية . مع العلم أنه كان من الممكن أن يتولى أحد أفراد المجلس الأعلى للقوات المسلحة رئاسة الجمهورية " الفريق سامي عنان " . لكن المشير طنطاوي رفض ذلك .
تولى الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزارة الدفاع والأنتاج الحربي وقيادة الجيش المصري ، وعَلَقَ ومازال يٌعلق الشعب المصري عليه كمنقذ لمصر مما هي فيه . وأكد البعض ذلك في ثقة كبيرة في أن الجيش سيتدخل في الوقت المناسب . وسخر البعض من هذا القول متساءلين عن متى يكون هذا الوقت المناسب ؟ وما هي دلالاته التي سيستجيب لها الجيش المصري ويتدخل لأنقاذ مصر والشعب المصري ؟
على الجانب الأخر ، إن كان في الأتحادية حيث الرئاسة أم في مكتب الأرشاد في المقطم حيث يوجد المرشد العام ونوابه لا يرون الأنتظار حتى التأكد من أن الجيش قلبا وقالبا معهم . فبدأت الأستعدادات في صحراء ليبيا بتجهيز ما يسمى الجيش المصري الحر ، على غرار " الجيش السوري الحر " . يرتدي بعض الأشخاص الملابس العسكرية للجيش المصري يقف أمامهم شخص مأجور يدعي أنه ضابط منشق وأنهم جنود وضباط إنشقوا عن الجيش المصري تماما كما حدث في سوريا .ويُعد نفس الشيء في سيناء عن طريق وحدات من حركة حماس يرتدون الملابس العسكرية للجيش المصري ويعلنوا إنشقاق بعض من قوات حراس الحدود المصرية المنضمين إليهم ويتم تكوين قوات مضادة لقوات الجيش المصري بأسم الجيش المصري الحر . والسؤال هنا .. نجحت الفكرة في سوريا ، فهل تنجح في مصر ؟؟!!. مع الأخذ في الأعتبار أن الجيش السوري وقف مع الرئاسة ضد الجيش الحر . فهل يحدث العكس ويقف الجيش المصري مع الشعب ضد الجيش الحر المكون من مليشيات الأخوان والرئاسة ومن يساندونهم ؟؟!!.؟
 بكل ثقة وإيمان أقول نعم سيقف الجيش المصري مع الشعب المصري الذي هو جزء منه في مواجهة أيّ من تسول له نفسه في الأعتداء على مصر والشعب المصري .
نعود إلى عنوان المقال :
هل مصر تسير في نفس طريق سوريا ؟؟!!.
هناك بعض الأحداث التي حدثت في الأونة الأخيرة تشير إلى أن جماعة الأخوان تواجه مشكلات لم تكن في حساباتها .
إنشاء " جمعية الأخوان المسلمين " يزيد الخلط حول معرفة هوية الأخوان . هل هم جماعة " جماعة الأخوان المسلمين " ؟ أم هم حزب " الحرية والعدالة " وهو حزب يتبع " الأخوان المسلمين ؟
إذا هم جمعية فعليهم فعليهم تقديم كل ما يخص الجمعية من أموال ومن يديرونها ، والهدف من إنشاءها ...إلخ  من مستندات لتقديمها إلى الجهاز المركزي للمحاسبات بعد الموافقة من الجهات الرسمية بالموافقة أو عدم الموافقة على تكوين الجمعية بناء على ما تقدموا به من مستندات .
أما عن الجماعة فقد أثبت أنها محظورة ولم يتم الأعتراف بها سياسيا .
بالنسبة للحزب فقط تم الأعتراف به كحزب سياسي منفصل عن مرشد الجماعة ونوابه أو مستشاريه .
على كل الأحوال لا مكتب المرشد سيوافق على كل هذه الإشكاليات . ولا من  الجهات الرسمية ألمنوط بها تحديد هوية الأخوان .
تصرف الرئيس د. محمد مرسي في مؤتمر الدوحة لجامعة الدول العربية لم يكن على مستوى رئيس أكبر دولة عربية في المنطقة حتى لو كانت تمر بأزمة مثلما يحدث الأن . والخطاب الذي ألقاه سيادته أيضا كان صدمة بالنسبة لأبناء مصر في الداخل والخارج . لا أريد أن أشير إلى عدم إستقبال أمير قطر للرئيس المصري ، لأن العلاقة بينهما ليست علاقة سوية بين بلدين على علاقة ترتكز على التعاون والتلاحم فيما يهم البلدين .
أيضا زيارة الرئيس أوباما لأسرائيل والحفاوة التي أستقبل بها مع الوعود التي أعطاها للدولة العبرية بإعلانه أن القدس هي عاصمة الدولة الأسرائيلية دون تقسيم . وتقبل الشارع العربي المسلم الخبر ببرود تام دون ما إبداء الرأي في هذا الموضوع ولم يتحدث أحد من العرب في مؤتمر الدوحة عنه . ولا أعرف أين إختبأ صفوت حجازي الذي بح صوته وهو يهتف ( رايحين رايحين ع القدس بالملايين ). والتقي الرئيس أوباما بالرئيس محمود عباس أبو مازن الرئيس الفلسطيني وانتهى اللقاء دون الأشارة إلى ضرورة الأعتراف بالدولة الفلسطينية .
أكتفي بهذا الجزء عن المشكلات التي واجهت الجماعة لم تكن في حساباتها .
أعود إلى سوريا وما حدث في مؤتمر الجامعة العربية الذي تم عقده بالدوحة من تمثيل سوريا ثوريون لم يرقو إلى مستوى ممثلي الدولة بعد ، فيه مغالطة مقصودة وكان من الأفضل تركه خاويا حتى تنتهي الأزمة في سوريا والتي أتمنى أن تتدخل هيئة الأمم المتحدة وتأمر بوقف القتال فورا وإرسال قوات فصل بين الفريقين وإعلان إنتخابات جديدة يترشح لها من يترشح والصندوق هو الفيصل وكفى الشعب السوري معاناة وتشرد وقتل ... حرام حرام حرام .. إتقوا الله الشعب السوري شعب عظيم وصاحب تاريخ مشرف .
شاهدت اللقاء المتميز بين الأستاذ محمد حسنين هيكل والأعلامية المتميزة الأستاذة لميس الحديدي . اللقاء بدون شك كان ممتعا . أنقل لكم بعضا من النقاط التي سجلها قلمي أثناء المشاهدة .
** ما حدث للإخوان أثر عليهم وعلى " مرسي " . ** " مرسي " يعاني من مشكلة كبيرة أن الجماعة لم تكن منصفة معه . ** يقول المثل أن الجماعة " كابسه على نفسه " ** دخول الجماعة بقوة لأنقاذ " مرسي " ، كان تجاوزا للحدود بين المقطم والإتحادية . ** واقعة المقطم كشفت المركز الحقيقي لتوجيه السلطة . وهذا ما لا يريده " مرسي " .
أكتفي بهذا الجزء مع العلم أن الأستاذ هيكل نصح الرئيس مرسي والجماعة بأخذ أجازة بعيدا عن العمل . لأن الضغط كان واضحا أثناء إلقاء خطابه في الدوحة وغيره .
قبل أن أختم سأحاول الأجابة على عنوان المقال :
هل مصر تسير في نفس طريق سوريا ؟؟!!.
والأجابة دون لف أو دوران بنعم إذا إستمر الوضع على ما هو عليه .
أتوجه إلى الشعب المصري بهذه الكلمة :
أرجو من جميع طوائف الشعب المصري المهتم بمصر أن يقوم بمليونية واحدة  على مستوى الجمهورية تظهر فيها ملحمة 25 يناير 2011 التي شملت جميع أبناء مصر الأحرار ويكون لهم شعار واحد .. إرحل .. إرحل .. إرحل ، إن كان ذلك بالنسبة لرئيس الجمهورية والحكومة. وأن يكون شعار الشعب شعارا واحدا( مصر دولة إسلامية سنية وسطية وليست إخوانية أو سلفية ) . ولا خوف من الموت . وليكن شعارنا .. نموت .. نموت .. وتحيا مصر .

CONVERSATION

0 comments: