وطن الهواجس والوصاية/ عباس علي مراد

قبل اندلاع الفتنة الكبرى في العام 1860 كان جبل لبنان يحكم بنظام القائمقامتين ،والتي قضت ان يحكم المقاطعة الشمالية من الجبل قائمقام مسيحي والمقاطعة الجنوبية يحكمها درزي ، جاء هذا التقسيم بعد ان بدأ الوهن يضرب الدولة العثمانية ونتيجة لتدخل الدول الاوروبية التي كانت تتطلع الى توسيع نفوذها في تلك المنطقة من العالم.
لم يقف نظام القائمقامية عائقاً امام اندلاع الفتنة عام 1860 والتي انتهت بإنشاء نظام المتصرفية ،حيث اصبح جبل لبنان منفصلاً من الناحية الادارية عن باقي بلاد الشام، وكان يحكم الجبل متصرفاً مسيحياً عثماني واستمر العمل بنظام المتصرفية حتى العام 1918 ونهاية الحرب العاليمة الاولى وهزيمة العثمانيين ودخول المنطقة العربية تحت وصاية الانتدابين البريطاني والفرنسي واللذين قسما المنطقة بموجب اتفاقية سايكس بيكو.
وقع لبنان تحت الانتداب الفرنسي ،ونتيجة مصالح استعمارية التقت مع مصالح بعض اللبنانيين وهواجسهم تم ضم الاقضية الاربعة، واعلن الجنرال غورو عن تأسيس دولة لبنان الكبير عام 1920 فرفضت شريحة واسعة من اللبنانيين هذا الاجراء بسبب الهواجس المضادة .
بعد الاستقلال عام 1943 ، ولد ما عرف بالميثاق لتنظيم العلاقات بين الجماعات الطائفية، تعرض الاتفاق لهزات عديدة كانت اخطرها واوسعها احداث 1975 والتي اتت على الميثاق وولد في نهايتها عام 1989 ما عُرف بإتفاق الطائف نسبة الى المدينة التي استضافت ما تبقى من نواب المجلس النيابي  الذي انتخب عام 1972 وكان المؤتمر برعاية الممكلة العربية السعودية.
بقيت الاعراف تتقدم على النصوص في ادارة الدولة سواء لناحية تأليف الحكومات ووضع قوانين الانتخابات وادارة البلاد، ولم يُنفذ اتفاق الطائف او نفذت بعض بنوده بطريقة انتقائية، وقد غطت الوصاية السورية عورات عدم تنفيذ الاتفاق بعد ان سلم اللبنانيون للسوري بإدارة البلاد ولكن ذلك لم يدفن الهواجس التي تتحكم بمكونات البلد الطائفية والمذهبية التي بقيت تنمو نتيجة الاخفاق في بناء دولة المواطن.
بعد احتلال العراق العام 2003 بدأت بوادر الأزمة تظهر بين الولايات المتحدة التي كانت تنوي بناء شرق اوسط جديد وسوريا نتيجة الخلافات بالنظرة لمستقبل المنطقة الى ان كان خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، ولكن بعكس ما كان يعتقد اللبنانيون بأنهم نالوا استقلالهم فإذا بالوصاية الاميركية تحل محل الوصاية الورية وتبدأ بحياكة الخطوط العريضة والتدخل في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية عبر بعض السياسيين وعبر مجلس الامن الدولي الذي اصدر القرار 1559 الى ان كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وظهر انقسام افقي وعامودي في الحياة السياسية اللبنانية فبرزت مجموعتين سياسيتين وهما 8 و 14 آذار.
ادى هذا الانقسام لهجمة سياسية غير مسبوقة على المقاومة التي حررت معظم الاراضي اللبنانية من الاحتلال الاسرائيلي في ايار عام 2000 ،وبدأت تطل على المشهد سياسة التحريض المذهبي وفي العام 2006 شنت اسرائيل عدوانها البربري على لبنان ولكن صمود لبنان شعباً وجيشاً ومقاومة افشلت الهجوم واوقعت هزيمة مدوية بالجيش الاسرائيلي.
لم يشفع فريق 14 آذار للمقاومة انتصارها ورفع من وتيرة هجومه على سلاحها  فوقعت احداث 7 ايار 2008 نتيجة محاولة الحكومة اللبنانية السيطرة على شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة وقد تلا تلك الازمة تسوية سياسية عرفت بإتفاق الدوحة والتي رعتها قطر.
لم تستطع التسوية وضع حد للهواجس المتبادلة بين مكونات الاجتماع اللبناني حيث لدى المسيحي هواجس العدد ،ولدى السني هاجس السلطة، والشيعي هاجس التهميش ،والدرزي هاجس البقاء، اضافة الى ما تقدم من هواجس، هناك هواجس الافرقاء لدى كل طائفة للأمساك بقرار الطائفة والاستئثار بحصتها في الحكم والسلطة وظهر ذلك جلياً خلال مناقشة مشاريع قوانين الانتخابات سواء في الهيئة العامة او اللجنة الفرعية، فالبعض يتحصن وراء قانون الستين، وآخر يريد مشروع القانون الارثوذكسي وآخرون يحبذون الدوائر الصغرى كما يرى غيرهم الحل بالنسبية وهناك من يراها في المزاوجة بين النسبي والأكثري هنالك من يطرح قانون الصوت الواحد.
في الوقت الذي تقف فيه المنطقة العربية عند تقاطع تاريخي مفصلي سيشكل طبيعة نُظم الحكم في المنطقة بعد التغييرات التي حصلت نتيجة  ما عرف بالربيع العربي.
 حاول اللبنانيون اللعب على الكلام او دفن الرأس بالرمال كالنعامة، وولد ما عرف بمصطلح النأي بالنفس عن الازمة السورية،
لم يكن لهذا النأي اي مفعول يُعتد به خصوصاً عندما تحتدم حرب المصالح الدولية والأقليمية، فجاءت استقالة الرئس نجيب ميقاتي قبل اسبوعين كأنها ردّ سياسي من الولايات المتحدة والسعودية على ايران وسوريا اللتين كانتا قد اسقطتا حكومة  الرئيس سعد الحريري مطلع العام 2011.
كُلف تمام سلام بتشكيل الحكومة الجديدة ونال اكثرية 126 نائبأٌ ورفع شعار حكومة المصلحة الوطنية ،ورغم تفاؤل اللبنانيين بهذه الأكثرية، لكن البلد دخل في الفراغ السياسي وابتدع الرئيس المكلف مصطلح اطفاء المحركات في الوقت الذي تستغل بأقصى طاقتها محركات القوى المحلية لتظهر مواقف القوى الاقليمية والدولية الحاضنة، ففريق يريد حكومة سياسية موسعة، وآخر يريد حكومة انتخابات او حكومة تكنوقراط، او من غير المرشحين للانتخابات. ولم تغب عن الرسائل المتبادلة مسألة الهواجس حول من يتولى ما يسمى عجباً الحقائب السيادية (المالية، الخارجية، الدفاع والداخلية) التي تتولاها الطوائف الاربع الكبرى بالاضافة الى وزارتي الاتصالات والطاقة.
أخيراً هل دخل لبنان في مرحلة الوصاية السعودية المباشرة وحل السفير علي عوض العسيري محل غازي كنعان والسفير جفري فيلتمان؟.
يقول السفير العسيري ان الممكلة على مسافة واحدة من الجميع ولا تتدخل في الشأن اللبناني كما كان يقول بنفس الكلام الوصي السوري والاميركي وقبلمها المصري،انشائياً هذا الكلام صحيح، لكن فعلياً فالكلام الانشائي لا يوجد بنوك تتعامل معه ولا حتى الصفحات الثقافية في الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية الا اذا كان له رصيد سياسياً.
فهل هي صدفة ان يحط الوزير جبران باسيل في السفارة السعودية  ويحل ضيفاً على السفير العسيري، وهل كانت صدفة ان  يقول قائد القوات اللبنانية سمير جعجع في الماضي الغير بعيد فليحكم  الاخوان وهل  تأييد جنبلاط لجبهة النصرة مجرد زلة لسان!
انه لبنان الذي تطواطء طوائفه ومذاهبه وزعماءه على تجديد هيمنتهم وتقاسم مغانم السلطة على حساب المصلحة الوطنية وان رفع الرئيس المكلف شعار حكومة المصلحة الوطنية،لاننا رأينا كيف عُطلت حكومة كلنا للعمل وبقيت بلا عمل بحجة انها حكومة حزب الله، حتى انها تهربت من اقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين ،الذين يشكلون الشريحة الكبرى من اللبنانيين بكل تلوينهم الطائفية والمذهبية والسياسية ويعيشون بمستوى متدني.
 انه لبنان الذي اعتاد الوصاية منذ العام 1860!
 بالمناسبة عادت أللجنة الخاصة باخراج القانون الانتخابي وشغلت محركاتها لإخراج التوصيات!.
عباس علي مراد
سدني استراليا

CONVERSATION

0 comments: