مقامة 3
( تمهيد ترطيبي )
على قَدْرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ
وتأتي على قَدْرِ الكرامِ المكارمُ
توكّلتُ ... سأسافرُ إلى جزيرة تنيريفا وهي إحدى جزر الكناري الكبيرة وأزور هناك أهل كناريتي التي قضتْ نحبها إنتحاراً . لا ريبَ إنهم يعرفونني ولديهم صورتي حسب طلبهم حين كنتُ وابنتهم في طور الخطوبة المُبكّر . ولديهم رقم تلفوني وعنوان بيتي . سأفاجئهم بهذه الزيارة بعد أنْ خبّرتهم بما آل إليه مصيرُ ابنتهم الصغرى . وسأفاجئهم أكثر بطلب يد الأخت الكنارية الوسطى ولا أدري ولا غيري يدري هل سيستجيبون لطلبي أمْ أنَّ مصير ابنتهم الأخرى المأساوي سيجعلهم يرفضون ! وصلت مطار عاصمة هذه الجزيرة وأخذت سيارة تاكسي وتوجّهتُ صوب بيت ذوي الفقيدة . وجدتهم حزانى يلفّهم السواد وصور المرحومة تغطي جدران البيت . دلفتُ إلى الحجرة التي خصصوها لي . جلستُ على كرسيٍّ هزاز فغفوتُ . كانت السفرة بالطائرة طويلة . دخل عليَّ والد الفقيدة . أشعل الضوء فانتبهتُ وصحوتُ . إبتسم الرجلُ رغم الحزن البادي عليه . كان مُتشّحاً بالسواد الكامل . قال هيّا انهض فالعشاء جاهز . أي عشاء في مثل هذا الجو الثقيل الحزين ؟ إعتذرتُ وقلت أكلت في الطائرة ما فيه الكفاية . قال انهض فالمائدة جاهزة ونحن جميعاً في انتظارك . تبعته فقادني إلى حيث حجرة الطعام . تخذت مجلسي وسطاً بينه وبين حرمه المصون السيّدة كناريّة . شغلت ثلاث كناريات ثلاثة مقاعد تواجهنا على طرف المائدة الآخر . كانت وسطاهنَّ أكثر شقيقاتها جمالاً . في ريشها ثمّةَ عقيق ومرجان فضلاً عن ذهب منقارها ودقّة نحته أما عيناها فيا سلالالالالام ! سبحان مَنْ خلق . خلقَ الإنسانَ من قَلَقْ ! قلتُ في سرّي هذه خطيبتي .. هذه هي الأخت الوسطى حسب تسلسل الأعمار . هذه نصيبي في حياتي ، أمّا ما غادر ومن غادر فذلكم شأنٌ آخر . الحياة الجميلة باقية ومستمرة تنتجُ البدائل وتبدع الأفضل والأكمل والأكثر حسناً ونشاطاً . هل أفتحُ الموضوع الآن ونحن جميعاً على مائدة طعام العشاء ؟ لا ، ليس من اللائق أبداً . لم يسألوني كم يوماً سأبقى في ضيافتهم لكني سأختار اليوم المناسب وسأختار الوقت المناسب لأطلب وسطاهنَّ من أبويها . خيرُ الأمورِ أواسطها . حملتُ لها معي حلقة خطوبة من الذهب الأبيض الخالص المطعّم بالماس وأحجار الزمرّد الأخُضر والزافير العميق الزرقة مع نماذج شتّى من خيرة ما في الأسواق من عطور باريسية .
مقامة 4
نهضتُ صباح اليوم التالي على صوت بكاء ونحيب . خير إنشاء الله ؟ وجدوا الكنارية المُرشّحة للزواج مني ميّتةً في فراشها . قلتُ فلنستدعِ طبيباً . قال والدها لا فائدة من ذلك . فارقت الحياة مُذْ أنْ آوت لفراشها ليلة أمس . إذاً أنا وجه نحس لهذه العائلة الكريمة التي شرّفتني بقبولها مصاهرتي من إثنتين من بناتها . فلأرحل على عَجَل قبل أنْ يصيبهم مكروه آخر بسببِ وجودي معهم . سأرحل لكنهم رفضوا فكرة مغادرتي . قالوا فلتبقَ معنا نتقاسم الحياة معاً في جزيرتنا الشهيرة محاطين بالماء من كافة الجهات وعلى يميننا جزيرتا فويرتي فنتورا ولانزاروته إلى الأعلى وتحتنا جزيرة كران كناري فما يريدُ البشرُ اليومَ أكثر من هذا ؟ يأتينا السيّاح أفواجاً أفواجاً من كافة أنحاء العالم يعومون في مياه البحر الدافئة صيفاً وشتاءً ويركبون الجِمال أو يقامرون في كازينوهات المقامرة بالروليه الأمريكي الذي غزا العالم خاصةً بعد انهيار المنظومة الإشتراكية السابقة .
فنادقنا من فئات الأربع والخمس نجمات تعرض على نزلائها الأطعمة والأشربة لأكثر من 12 ساعة في اليوم . فكّرْ جديّاً قبل أنْ تركبَ الحماقة رأسك فترحل عنّا عائداً إلى بلدك البارد البعيد وإلى مدينتك التي لا تقع على ساحل بحر وخالية من الجِمال . فكّرْ ألف مرة رجاءً . يتمنى الناسُ العيشَ هنا بيننا فوق هذه الجزيرة وأخواتها الباقيات من جزر الكناري وحضرتك تنوي العودة إلى برد وثلوج بلدك ! هذا هو الجنون بعينه وهذا هو عين الغباء . ها لنا بعدُ إبنتان واحدتهما فلقة قمر وأكثر فاخترْ مِنْ شئتَ ولا ترحلْ . أعاده هذا الأمر لعقود سلفت حيث تلقّى أكثر من عرض واحد من من آنسات حسناوات محترمات للبقاء معهنَّ في القارة البعيدة لكنه عاند وركب رأسه فاعتذر وغادر ثم ندم ! لا يُعيدُ التاريخُ نفسه ، صحيح . أمامه تجربة مُرّة لم تزلً حيّة تعايشه وتحيا معه . تذكّرَ أيام محنته بعد تركه البلد الواسع الجميل عائداً إلى بلده ومسقط رأسه . حاصرته الذئاب وأجاعته وأذلّته فاحتار ماذا يصنعُ وما سيفعل بحياته وهو محاصر وجائع ؟ أقفل وراءه إذْ غادر أبواب ذاك البلد الذي آواهُ وأكرمه ورفع من قدْره . لاحقته ذات الذئاب قبل ذلك بعقد من الزمان بل وحاولت قتله عَلناً وعلى مرآى الملأ فسال دمه بريئاً ولم ينصره أحدٌ ممن إنتسب إليهم ودافع عنهم وكاد أنْ يُضحّي بحياته من أجلهم . حسبهم فقراءَ جياعاً مُستضعفينَ وما كانوا ، لكنه هو اليوم فقير ومحاصر وجائع وضعيف القوى والوجود وعزَّ الناصر ! ساوموه فرفض أنْ يساوم . أغروه فتعالى على ما قدّموا له من مغريات . قالوا له ستندم وستجوع وتتآكل فأجاب : أجوعُ ثم أموتُ ولا أتنازل عمّا أنا فيه اليومَ أو عمّا كنته قبل عقد من الزمان حين عزمتم وأقدمتم على قتلي . إستحضر جميع هذه الصور المتفاوتة الألوان والشدّة . إستعاد فقرات من ماضيه تتعلق بتلك المرحلة الأكثر إحراجاً وقتاماً وقساوة . وضعها نُصبَ عينيه محاولاً قراءتها مجدداً ليفكك الرموز والأسرار . أين كان الخطأ ولماذا كان ؟ ما كانت العوامل المساعدة ومن لعب دوراً في إقدامي على إرتكاب ذلك الخطأ ؟ هل أنا رجلٌ مُسيّر وأية قوة تسيّرني وتلعب بي كيفما تشاء لا كما أنا أريدُ وكما أشاءُ ؟ يقال هناك عوامل موضوعية وأخرى ذاتية تلعب تلك حيناً وتلعب الأخرى أحياناً أخرى . تجاربي علّمتني أنَّ العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية تتداخلان وتتبادلان الأدوار أو تلعبانها معاً بالتوازي أو بالتعارض . إذاً من الخطل والغباء التساؤل عمّا حدث ومن كان المسؤول عمّا وقع . أنا ، نعم أنا المسؤول سواسيةً مع ما ومن يُحيط بي في هذا العالم . لا يُصوّتُ وترٌ باردٌ إلاّ إذا وقعت عليه ضربةُ يدٍ أو ريشة . أين مكمن هذا الصوت ومن وكيف أُخفي حتى ساعدته يدٌ على التصويت ؟ الوتر لا يُغنّي من تلقاء ذاته .
( تمهيد ترطيبي )
ماتت عصفورة جزر الكناري ... فارقت فجأةً الحياة . هل أصابتها عينٌ أو أُغتيلت أو انتحرت ؟ قالت لي واحدة من صويحباتها بل إنتحرت ! كيف ولماذا وهي على أبواب عُرسها ؟ إعتلت أعلى شجرة في الغابة ومن هناك أسقطت نفسها على رأسها فتحطمت عظامها وفارقت الحياة . لم ينفعها طبٌّ ولا طبيب . ولكن لماذا ؟ لا أحدَ يدري . يقال إنَّ عريسها هو الوحيد الذي يعرف سرَّ إقدامها على الإنتحار . عريسها ؟! نعم ، عريسها . لكني أنا عريسها ... أنا الذي يكلمكِ في هذه اللحظة فكيف أعرف سر موتها ! يُقال .. أجابتْ . يُقالُ ولا دخانَ بلا نار .
يا ويلي ضيّعت العصفور ... أغنية سوريّة قديمة .
رفضتني سنجوباية ، وخيّبت بموتها ظني عصفورة كناري أدهشني ريشها الذهبي وعقيق منقارها فإلى أين سأتجه وأي هدف جديد أضع أمامي والحياة خيبات ومرارات ؟ أأظلُّ أختبرُ وأظلُّ أُجرّبُ طوال عمري وما نتيجة التجريب والإختبارات ؟ هذه هي الحياة اقبلها كما هي أو تخلَ عنها طواعيةً كما فعلت صاحبتك الكنارية .
قررتُ أنْ أصمدَ أمام مصائب الحياة والخيبات . قررتُ أنْ أقابل الصدمة بصدمة حسب قانون نيوتن في الفعل ورد الفعل : لكل فعل ردُّ فعلِ يُساويهِ في المقدار ويُعاكسه في الإتجاه . صدمتني الحياةُ فلأنطحها بصدمة توازيها قوّةً وتعاكسها إتجاهاً . أفلمْ نتعلم في مدارسنا الإبتدائية أنَّ الدُنيا للغلاّب ؟ إذاً عليَّ أنْ أغلبَ الدنيا وأنْ أتغلبّ على المشاكل والصدمات ... يجب ويجب وإلاّ ... ! ولكنْ كيف سأصدم الصدمة ومن أين وكيف لي أنْ أُعدَّ القوة اللازمة للتصدي والتحدي ؟ يقال إنَّ في مادة الكون قوى خارقة سريّة وعلنية قادرة على تغيير أو تطوير كل شئ في الدنيا وقد طوّرت وغيّرت نفسها مراراً حتى أنتجت الكائنات الحية والبشر في أعلى سُلّم تطور المادة . إذاً فيَّ قدْرة على التغيير والتطوير فلأبدأ مشروعي الجديد رغم أنَّ البدايات صعبة ومعقدّة في بادئ الأمر . ألم يقلْ المتنبي :على قَدْرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ
وتأتي على قَدْرِ الكرامِ المكارمُ
توكّلتُ ... سأسافرُ إلى جزيرة تنيريفا وهي إحدى جزر الكناري الكبيرة وأزور هناك أهل كناريتي التي قضتْ نحبها إنتحاراً . لا ريبَ إنهم يعرفونني ولديهم صورتي حسب طلبهم حين كنتُ وابنتهم في طور الخطوبة المُبكّر . ولديهم رقم تلفوني وعنوان بيتي . سأفاجئهم بهذه الزيارة بعد أنْ خبّرتهم بما آل إليه مصيرُ ابنتهم الصغرى . وسأفاجئهم أكثر بطلب يد الأخت الكنارية الوسطى ولا أدري ولا غيري يدري هل سيستجيبون لطلبي أمْ أنَّ مصير ابنتهم الأخرى المأساوي سيجعلهم يرفضون ! وصلت مطار عاصمة هذه الجزيرة وأخذت سيارة تاكسي وتوجّهتُ صوب بيت ذوي الفقيدة . وجدتهم حزانى يلفّهم السواد وصور المرحومة تغطي جدران البيت . دلفتُ إلى الحجرة التي خصصوها لي . جلستُ على كرسيٍّ هزاز فغفوتُ . كانت السفرة بالطائرة طويلة . دخل عليَّ والد الفقيدة . أشعل الضوء فانتبهتُ وصحوتُ . إبتسم الرجلُ رغم الحزن البادي عليه . كان مُتشّحاً بالسواد الكامل . قال هيّا انهض فالعشاء جاهز . أي عشاء في مثل هذا الجو الثقيل الحزين ؟ إعتذرتُ وقلت أكلت في الطائرة ما فيه الكفاية . قال انهض فالمائدة جاهزة ونحن جميعاً في انتظارك . تبعته فقادني إلى حيث حجرة الطعام . تخذت مجلسي وسطاً بينه وبين حرمه المصون السيّدة كناريّة . شغلت ثلاث كناريات ثلاثة مقاعد تواجهنا على طرف المائدة الآخر . كانت وسطاهنَّ أكثر شقيقاتها جمالاً . في ريشها ثمّةَ عقيق ومرجان فضلاً عن ذهب منقارها ودقّة نحته أما عيناها فيا سلالالالالام ! سبحان مَنْ خلق . خلقَ الإنسانَ من قَلَقْ ! قلتُ في سرّي هذه خطيبتي .. هذه هي الأخت الوسطى حسب تسلسل الأعمار . هذه نصيبي في حياتي ، أمّا ما غادر ومن غادر فذلكم شأنٌ آخر . الحياة الجميلة باقية ومستمرة تنتجُ البدائل وتبدع الأفضل والأكمل والأكثر حسناً ونشاطاً . هل أفتحُ الموضوع الآن ونحن جميعاً على مائدة طعام العشاء ؟ لا ، ليس من اللائق أبداً . لم يسألوني كم يوماً سأبقى في ضيافتهم لكني سأختار اليوم المناسب وسأختار الوقت المناسب لأطلب وسطاهنَّ من أبويها . خيرُ الأمورِ أواسطها . حملتُ لها معي حلقة خطوبة من الذهب الأبيض الخالص المطعّم بالماس وأحجار الزمرّد الأخُضر والزافير العميق الزرقة مع نماذج شتّى من خيرة ما في الأسواق من عطور باريسية .
مقامة 4
نهضتُ صباح اليوم التالي على صوت بكاء ونحيب . خير إنشاء الله ؟ وجدوا الكنارية المُرشّحة للزواج مني ميّتةً في فراشها . قلتُ فلنستدعِ طبيباً . قال والدها لا فائدة من ذلك . فارقت الحياة مُذْ أنْ آوت لفراشها ليلة أمس . إذاً أنا وجه نحس لهذه العائلة الكريمة التي شرّفتني بقبولها مصاهرتي من إثنتين من بناتها . فلأرحل على عَجَل قبل أنْ يصيبهم مكروه آخر بسببِ وجودي معهم . سأرحل لكنهم رفضوا فكرة مغادرتي . قالوا فلتبقَ معنا نتقاسم الحياة معاً في جزيرتنا الشهيرة محاطين بالماء من كافة الجهات وعلى يميننا جزيرتا فويرتي فنتورا ولانزاروته إلى الأعلى وتحتنا جزيرة كران كناري فما يريدُ البشرُ اليومَ أكثر من هذا ؟ يأتينا السيّاح أفواجاً أفواجاً من كافة أنحاء العالم يعومون في مياه البحر الدافئة صيفاً وشتاءً ويركبون الجِمال أو يقامرون في كازينوهات المقامرة بالروليه الأمريكي الذي غزا العالم خاصةً بعد انهيار المنظومة الإشتراكية السابقة .
فنادقنا من فئات الأربع والخمس نجمات تعرض على نزلائها الأطعمة والأشربة لأكثر من 12 ساعة في اليوم . فكّرْ جديّاً قبل أنْ تركبَ الحماقة رأسك فترحل عنّا عائداً إلى بلدك البارد البعيد وإلى مدينتك التي لا تقع على ساحل بحر وخالية من الجِمال . فكّرْ ألف مرة رجاءً . يتمنى الناسُ العيشَ هنا بيننا فوق هذه الجزيرة وأخواتها الباقيات من جزر الكناري وحضرتك تنوي العودة إلى برد وثلوج بلدك ! هذا هو الجنون بعينه وهذا هو عين الغباء . ها لنا بعدُ إبنتان واحدتهما فلقة قمر وأكثر فاخترْ مِنْ شئتَ ولا ترحلْ . أعاده هذا الأمر لعقود سلفت حيث تلقّى أكثر من عرض واحد من من آنسات حسناوات محترمات للبقاء معهنَّ في القارة البعيدة لكنه عاند وركب رأسه فاعتذر وغادر ثم ندم ! لا يُعيدُ التاريخُ نفسه ، صحيح . أمامه تجربة مُرّة لم تزلً حيّة تعايشه وتحيا معه . تذكّرَ أيام محنته بعد تركه البلد الواسع الجميل عائداً إلى بلده ومسقط رأسه . حاصرته الذئاب وأجاعته وأذلّته فاحتار ماذا يصنعُ وما سيفعل بحياته وهو محاصر وجائع ؟ أقفل وراءه إذْ غادر أبواب ذاك البلد الذي آواهُ وأكرمه ورفع من قدْره . لاحقته ذات الذئاب قبل ذلك بعقد من الزمان بل وحاولت قتله عَلناً وعلى مرآى الملأ فسال دمه بريئاً ولم ينصره أحدٌ ممن إنتسب إليهم ودافع عنهم وكاد أنْ يُضحّي بحياته من أجلهم . حسبهم فقراءَ جياعاً مُستضعفينَ وما كانوا ، لكنه هو اليوم فقير ومحاصر وجائع وضعيف القوى والوجود وعزَّ الناصر ! ساوموه فرفض أنْ يساوم . أغروه فتعالى على ما قدّموا له من مغريات . قالوا له ستندم وستجوع وتتآكل فأجاب : أجوعُ ثم أموتُ ولا أتنازل عمّا أنا فيه اليومَ أو عمّا كنته قبل عقد من الزمان حين عزمتم وأقدمتم على قتلي . إستحضر جميع هذه الصور المتفاوتة الألوان والشدّة . إستعاد فقرات من ماضيه تتعلق بتلك المرحلة الأكثر إحراجاً وقتاماً وقساوة . وضعها نُصبَ عينيه محاولاً قراءتها مجدداً ليفكك الرموز والأسرار . أين كان الخطأ ولماذا كان ؟ ما كانت العوامل المساعدة ومن لعب دوراً في إقدامي على إرتكاب ذلك الخطأ ؟ هل أنا رجلٌ مُسيّر وأية قوة تسيّرني وتلعب بي كيفما تشاء لا كما أنا أريدُ وكما أشاءُ ؟ يقال هناك عوامل موضوعية وأخرى ذاتية تلعب تلك حيناً وتلعب الأخرى أحياناً أخرى . تجاربي علّمتني أنَّ العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية تتداخلان وتتبادلان الأدوار أو تلعبانها معاً بالتوازي أو بالتعارض . إذاً من الخطل والغباء التساؤل عمّا حدث ومن كان المسؤول عمّا وقع . أنا ، نعم أنا المسؤول سواسيةً مع ما ومن يُحيط بي في هذا العالم . لا يُصوّتُ وترٌ باردٌ إلاّ إذا وقعت عليه ضربةُ يدٍ أو ريشة . أين مكمن هذا الصوت ومن وكيف أُخفي حتى ساعدته يدٌ على التصويت ؟ الوتر لا يُغنّي من تلقاء ذاته .
0 comments:
إرسال تعليق