(1)
الغجريةُ تحبُّ الرجالَ ، والأدبَ
وتحبني أيضاً
ترسمُ في النهارِ وجوهَ الرجال
وتكتبُ في المساءِ إحتراقاتــَها
حزنها قال لي :
زحفَ الرجالُ إليها
وحين أحسّوها دافئة كمدفأة
قبّلوها كلسعاتٍ
وقهقهوا كثيراً
ورحلوا
فبكتْ ، وتصاعدَ مِن زندِها
نارٌ ، ودخان
(2)
الغجريةُ تحبُّ الرجالَ ، والأدبَ
وتحبني أيضاً
لكنها تتصور ، أن القبلةَ كلسعةٍ
وهذه علــّتها الأولى
(3 )
كان الفصلُ شتاءً
والوقت مساء
وكنت كعادتي صامتاً
أتمتم قصيدة حبٍّ للمدفأة
وتعرفون أنّ العيونَ في المساء
تعرف كل اللغات
لـــذا غمرنا ضوء القمر
وغَفَتْ على كتفي
ونَستْ الرجال
والمدن المنهارة
(4)
ولابدّ أن أعترفَ
تحسستُ خدّها قبل أن تنهض
كانت دافئة جداً
وخدّها كان يتوهج
هل رأيتم أرض الصيفِ كيف تتوهج ؟
(5)
فتحتْ عينيها كالنورِ
حدّقــَت طويلاً
وضمتني بشدة
ونامت فوق صدري
نمنا يومينِ
تحتَ أوراقِ الشجرِ ، والمطر
احترقنا وأصبح الجسد رماداً
وعندما جاءت أول شمس نحونا
بكت وبللت زندي
وتمتمتْ : قلبي تشكلَّ بالأمسِ
عصفوراً وطار
(6)
في الصباح حبٌّ ، وقهوةٌ
قالت : أحبُّ غادة السمان
قلتُ : إذاً أنت دافئةً
قبلتني ، واشتعلت غابة
(7)
غريبان كنّا والتقينا
أصبحنا شجرة لوزٍ واحدة
لا تزال شوارع دمشق
تتذكرُ أقدامنا
وهَمَسنا عن الحبِّ والمستقبلِ
غريبان كنا
وافترقنا
طيفيَ هو طيفكِ ، زهرة ، وخنجر
(8)
حبٌّ في أولِ الصباح
حبٌّ في آخر الليل
الجسدُ هو الجسرُ ، واللغةُ ميتةٌ
قبّلتني عند الباب العتيق
فرقصنا كفراشتين
(9)
تشبهينَ شجرةً كبيرةً
كبيرة
تمدّ أغصانها في فضاءِ الدنيا
وتثمرُ عنباً ، وتيناً ، ولوزاً
برتقالاً ، وياسمين
وأشواقاً ، وضوء
تشبهينَ شجرة كبيرة
كبيرة
في الروح جرحٌ صغيرٌ وقديم
يسألُ : من أين يبدأ أول العشقِ ؟
كم مساحاته ؟
هكذا تبقينَ حاضرةً
كجرحٍ صغير ، وقديم
كشجرةٍ كبيرة ، كبيرة
(10)
الغجريةُ
عصفورةٌ حنونةٌ ، وحزينة
لا أحدَ يعرفُ عمرَ حزنِها
كشمعة تحترقُ
ويحتويها القلبُ
تعشقُ الرجالَ
والأدبَ
والخمرَ
أحياناً وجهُها أحمرٌ مُحترقٌ
أو أزرقٌ يبكي
خرجنا نلهوا تحتَ المطرِ
ضاعتْ بينَ أصابعي وأصابع المطر
في آخر الليل كانت تغفو فوق صدري
ضمّتني عند الباب العتيق
قبـّلتني
رقصَ نورٌ في قلبي
ورجعتُ
(11)
وجهكِ ناعمٌ كوردةٍ
صدركِ صغيرٌ كباقة ريحان
أشمّكِ وأفرحُ
أشعليني بأصابعكِ الطويلة ، هيا
لننجوا من هذا الفراق اللعين
وليبارك حبنا التراب
والأشجار
وآخر المساءاتِ
وشروق الشمس
ها هو المساءُ والعاشقُ ينتظرُ
تعالي ، ومعكِ غصن ريحانٍ
لنشم الريحان معاً
ونشتعلُ معاً
(12)
الغجريةُ
قلبها السهول الفسيحة ، الفسيحة
الروابي التي تعانقُ الضبابَ
العناقَ الأبدي
حين َ تفتح عينيها على السهول
تراقصها الزهراتُ والعصافير
ونسمة الصباح
الآن تنعقدُ الرقصات
غجرية ، وزهرات ، وسهول
ومزمار النسمة
بعد لحظاتٍ ينحلُّ جسمها الغزير
يصبحُ آلاف النحلات الفرحات
يصعدُ الجميع نحو السماء
يبتسمُ القمرُ للحبيبة
ويبدأ الرقصُ الأبدي
غجرية ، وسهولها ، وحبيبها ، القمر
كل هذه الطقوس كانت ميلاد عاشق ، وعاشق
(13)
الوجهُ غجريٌ
العيونُ ترسلُ شوقاً
المعاركُ الصغيرة في العيون
والكبيرةُ في العمقِ
القامة سموٌ الى الألفةِ
والأصابعُ رائعة لجمع الزهور
عند النبعة
يا صوتها الآتي خافتاً
محمَّلا بالغربة والعذوبة
يتوهج الوجه فراشات
الأصابعُ للزهور ،، والاحتراق.
.............
القصيدة من ديوان .... غجرية ومطر ناعم)
0 comments:
إرسال تعليق