على طريقٍ بعيد (2)/ شوقي مسلماني

(1987)

1 ـ صبراً أيّتها المدينة
(إلى روح الشهيد الدكتور حسين مروّة)
كان شجاعاً وكانوا جبناء، كان حرّاً وكانوا أذلاّء
كان ابن المدينة الحقيقي، وكانوا غرباء
كان عنوان ثقافتنا، فقتلوه.
**

هم عبيد الفضّة وبطانة السلطان
يسيرون في الليل مثل لصوصِ الهيكل
هالهم أن تفضحهم عيناه الجريئتان، فقتلوه.
**

أَحبَّ فكتبَ بحبر القلب عن ثورة الزنج
مشى فهدهدتْه أحلامُ القرامطة
ونذرَ العمرَ للوطن الآتي، فقتلوه.
**

أيّتها المدينة التي ودّعتْ قلبها حين افتقدتْ روحَه
أيّتها المدينة التي خسرتْ أجمل عيونها عندما غدرَ به اللصوص
أيّتها المدينة التي يدنّس الطوائفيّون أطراف ثوبها بحقدهم
أنتِ أقوى.
*** ـ

2 ـ أولئك
يتردّدون عليكَ في الليالي الحالكة
يقتنصون من لحمكَ في عشاءات الخيانة
أولئك هم أيّها الوطن: "هُبل" القاهر المذلّ
وصاحب الألواح المزيّفة
والمصفّقون للمذبحة.
*** ـ

3 ـ للشفتين اليابستين
كان حزيناً مثل نبي رماه أهله بالجنون ورجموه بالحجارة
كان صابراً مثل نبي جاءه الوحي وعرف أنّها التجربة
كان آملاً مثل نبي آمن برحمة السماء
وأنّها لن تتخلّى عنه إلى الأبد

هكذا كان، هكذا عرفتُه
يتذكّر كأنّه في زاوية
وجهه شاحب، تنكسر عيناه على وهدة أشواكه
فيتأوّه ويستعذب السماء بابتهالات الجسد النحيل
من أجل قطرة ماء للشفتين اليابستين.
**

أين هم حبّات القلب الذي أضناه النبض شوقاً إليهم؟
أين جموعهم التي تهاوت كأوراق الخريف
في ليلة عاصفة؟.
**

كان يتساءل عن معنى الخناجر المخبّأة
تحت الثياب النظيفة وتجارة الأصدقاء
في سوق النخاسة
وهو صامت؟.
*** ـ

4 ـ ليل وذئاب
للذين يستشعرون فجأة ريح التخمة الموهومة في بطونهم الجائعة خصائص دون غيرهم تنطبع في عيونهم الجاحظة رعباً من أمس رهيب، وتنعكس على صفحة وجوههم الصفر كتأريخ لأرق لازمهم طويلاً وهم يتحيّنون الفرص مثل القطط الوحشيّة للتخلّص من سوء الطالع.
ومن خصائصهم ـ رحمنا الله ـ الشكّ بكلّ ما يحيطهم وبكلّ القيم الأخلاقيّة النبيلة التي يعتبرونها من صفات الضعفاء الساقطين والعاجزين عن تسلّق العلياء وهم لذلك في الدرك الأسفل من مجتمع الغاب حيث يحكم القوي ويخضع الضعيف ويشبع الأسد ويتضوّر جوعاً من ليس أهلاً للحياة في حياة يحكمها قانون البقاء للأقوى، وهم في ذلك يحاكون تجربة عاشوها فعلاً مع حديثي نعمة أمثالهم شهروا أظافرهم في وجوه الناس واندسّوا بينهم يوسعونهم عضّاً وطعنا وخيانة، وعذرهم في ذلك فلسفتهم التي ورثوها: "القوي يأكل الضعيف" "لا تؤخذ الدنيا إلاّ غلابا" "من لا يطأ الناس يوطأ بميسم" "من لا يظلم الناس فلعلّة لا يظلم" "إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب".
ما أقبحهم أولئك الذين تلتمع عيونهم فرحاً لاكتشاف الخسّة في أنفسهم الوضيعة.
Shawki1@optusnet.com.au

CONVERSATION

0 comments: