مقامات قتيل الزمان السَهَرْعندي ـ مقامة 22/ د. عدنان الظاهر

 الراحل عبد اللطيف الراوي
في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني عام 1994 قُتِلَ الصديق الدكتور عبد اللطيف عبد الرحمن عبد المجيد  الراوي ( أبو دريد ) في سوريا إثرَ إنقلاب سيارته التي كان يقودها ليلاً.
 1 ـ  في العراق
من هو الدكتور عبد اللطيف الراوي ـ أبو دُريد ؟؟
 أمامي وثيقتان فيهما تباين طفيف. عنوان الأولى ( صورة عن قيد السجل المدني )  صادرة في اليوم الأول من شهر كانون الأول عام  1985 عن القيادة القومية لحزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا / مكتب شؤون العراق.
المعلومات المثبَّتة في هذه الوثيقة تقول :
الإسم والشهرة : عبد اللطيف عبد المجيد
إسم الأب : عبد الرحمن
إسم الأم : سعيدة محمد
محل وتأريخ الولادة : بغداد 1940
الدين والمذهب : مسلم
ذكر أم أنثى : ذكر
وضعيته العائلية : متزوّج 
ثم نقرأ : أُخرِجت هذه الصورة عن جواز سفر عراقي رقم  ك 642 من بيروت في 9/6/1984 .
 في الوثيقة الثانية التي تحمل عنوان ( بطاقة تعريف ) والصادرة عن القيادة القومية لحزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا / مكتب الأمانة العامة... نقرأ المعلومات التالية :
الإسم والشهرة : عبد اللطيف عبد المجيد
إسم الأب : عبد الرحمن
إسم الأم : شمسة
المهنة : أُستاذ جامعي
الوضع العائلي : متزوّج
مكان الإقامة في القطر : حمص ـ حي الوعر 
ثم نقرأ ما يلي :
كلية الآداب منذ 1984 
هذه البطاقة صالحة إعتباراً من 9/1/1991 ولغاية 8/1/1992 . ثم نقرأ تحت هذا الكلام الملاحظة التالية : إنَّ المواطن العربي ( العراقي ) الملصقة صورته أعلاه مقيم في القطر العربي السوري ومعروف من قبل مكتبنا، وتُعد هذه الوثيقة بمثابة هوية شخصية للتعريف به. توقيع : مدير مكتب الأمانة العامة.
أستبق الأحداث فأناقش هذا الموضوع  الآن. لأنَّ المرحوم وإنْ أقام في سوريا وعمل مدرساً  ثم  رئيساً لقسم اللغة العربية في جامعة البعث في حمص حتى تأريخ وفاته عام 1994 ... لم ينتمِ لحزب البعث السوري أو   العراقي أبداً.   كيف حصل على هاتين الوثيقتين إذن... ربَّ سائلٍ يتساءل ؟؟ الجواب غاية في البساطة . حصل عليهما بوساطة قريب له من العاملين في مكتب القيادة القومية في دمشق. بعد أن غادر الجزائر عام 1984 ونجح في تمديد أو تجديد جواز سفره العراقي في بيروت في التاسع من شهر حزيران عام 1984 لمرّة واحدة،  ظلَّ الفقيد بعد ذلك  دون جواز سفر عراقي. وطوال عدة  أعوام ما كان في حوزته جواز سفر سوري. لذا سعى ـ وقد إنتهت صلاحية جوازه العراقي ـ  للحصول على بطاقة تعريف  لتجنب بعض المضايقات المحتملة والمتوقعة بالنسبة لرجل ليس في حوزته أية وثيقة تعريفية ولا جواز سفر بلده. 
الفقيد في بغداد 
مارس أبو دريد التعليم الإبتدائي  في بعض مدارس مدينة جلولاء  ثم في بغداد ولسنوات طويلة. أمامي هوية الإنتساب لنقابة المعلمين العراقية التي  
 تحمل الرقم 18034 حاملةً المعلومات التالية :
الإسم والشهرة : عبد اللطيف عبد الرحمن
الوظيفة : معلم مدرسة الإنطلاقة المسائية
العنوان الدائم : حي الصناعة 346 / 6 / 5 
محل الولادة وتأريخها : راوة 1940 
 المحافظة : بغداد 
تأريخ الإنتماء : 1 / 1 /  1959 
توقيع : عبد الحميد حسن مزعل / رئيس فرع بغداد.
من هذه الهوية نفهم أن الفقيد كان قد باشر ومارس مهنةَ  التعليم  في العام الأول من ثورة الرابع عشر من  تموز 1958 ، أي في العام الدراسي 1958 ـ 1959.
فضلاً عن إنشغال أبي دُريد في أداء واجباته التعليمية والتربوية... كان يكتب في صحافة بغداد مقالات أدبية وتعليقات سياسية بشكل دائم فحمل هوية الإنتماء إلى نقابة الصحافيين العراقيين التي أقرأ فيها ما يلي :
الإسم : عبد اللطيف عبد الرحمن الراوي
الولادة : 1940
العنوان : محرر
الرقم : 148
التأريخ : 18 / 5 / 1970 
تواقيع : أمين الصندوق. أمين السر. النقيب.
كتب ومراسلات وأبحاث
حفلت الفترة الواقعة ما بين مباشرته التعليم الإبتدائي لأول مرة في حياته 
( عام 1958 ـ 1959 ) وهو في الثامنة عشرة من عمره، وتأريخ مغادرته وطنه العراق في خريف عام 1977 مُعاراً للتدريس في جامعة وهران في الجزائر...حفلت بالكثير من النشاطات المتنوّعة ما بين الكتابة في الصحافة المتداولة يومذاك  والبحث في الأدب القديم وكتابة القصص والشعرثم التفرغ لنيل درجة  الماجستير في الأدب التي حصّل عليها بإمتياز من كلية الآداب في جامعة بغداد في عام 1972 كما إخال. 
في هذه الفترة بالذات تمَّ نضج الفقيد أبي دريد العلمي والأدبي وتوسّعت دائرة معارفه وأصدقائه بفضل شخصيته التي تتميز بالمرح والقوة والوفاء والصراحة والتفاؤل العنيد. نشاطاته الإجتماعية خارج بيته وتفرغه لنيل درجة الماجستير وبعدها الدكتوراه التي أخذها عام 1977... كل هذه النشاطات لم تشغله عن القيام بواجباته تجاه زوجه أم دريد وطفله دريد وبقية بناته. كان زوجاً مثالياً وأباً مثالياً وكان أكثر ما يعجبني حين أزوره في بيته الطريقة التي يعامل بها أطفاله ولاسيّما كريمته ( سُرى ). كان المرحوم يجلس على الأرض أو ينحني إنحناءة كبيرة  جداً لكي يتواصل بالحديث مع الطفلة  سُرى. كان يكلّمها كما يكلّم الكبار الناضجين. كان يرى المرحومة والدته في وجهها، وكافة إخوته الصغار. كان بارّاً رؤوفاً رحيماً.
كان بيته مزاراً لأصدقائه ومضيفاً حقيقياً. كنتُ أجد لديهم كل ما تتوق إليه نفسي من طعام. كانت أم دريد تُهيء  لي السمك بنوعيه المشوي والمقلي. وكان الفقيد يشرف بنفسه على تهيئة حلاوة الجزر التي كنتُ أحب. 
كان المرحوم يحمل همومي معي مناصفةً. وخاصةً حين تُصاب سيارتي بعطلٍ أو عطب. كان صديق الفقراء  والعمال والمساكين والشغيلة والكسبة. لذا كان هو من يتولى مشاكل سيارتي حيث يعرف الكثير من عمال الميكانيك وورشات التصليح. كما كان صديق دلالي البيوت وخاصة في منطقة القاهرة من بغداد. سعى مرةً لدى أحدهم أن يبتاع لي بيتاً لكنْ ما كان حينذاك معي ما يكفي من نقود.
ما كنتُ أزوره في بيته ويزورني في بيتي فقط. كنتُ أزوره أثناء ساعات دوامه المسائي في مدرسته الإبتدائية  إذ كنتُ أشارك طلبته مقاعدهم الخشبية المتواضعة. كان المرحوم يرى في ذلك أحد  مصادر سعادته في تلكم الحُقْبة. كما كنا نقوم بصحبة عوائلنا بسفرات سياحية في  أيام الجمع حاملين معنا طعامنا وأواني ومعدّات الشاي. كان هو من يقوم بإعداد الشاي الممتاز نيابةً عن الجميع. زرنا الرمادي والفلوجة وبحيرة الحبانية وبساتين سدة الهندية على ضفّة نهر الفرات. وقمنا مع جمع من الأصدقاء بسفرات نهرية في دجلة وإحتفلنا في جزيرة ( أم الخنازير ). كما كنتُ أزوره بين فترة وأخرى في ( معتكفه ) في مكتبة كلية الآداب. كان لطلبة الدراسات العليا مقصورات صغيرة معزولة جيداً عن بعضها يسمونها
( معتكفات ) واحدها ( مُعتكف ). كانت تؤجّر لهؤلاء الطلبة ولم تكن مجانية. كان إجتماعياً جدّاً يحب المرح ويجيد قص النكتة الساخرة ذات الدلالة السياسية. 
عبد اللطيف الأعزب عام 1965
لا أحد على وجه الدقة يعرف متى بدأ الفقيد بكتابة الشعر. غير أني وجدتُ فيما ترك من مخطوطات ودفاتر وأوراق وكتب وأبحاث منشورة... وجدتُ أربعة أبيات من الشعر سأنقلها مع المقدمة التي كتبها بخط يده :
{ قال عبد اللطيف الراوي أيام شبابه وعزوبيته ورخاوته الفكرية حوالي عام 1965 }
بين آلامي وحسّي
قد عرفتُ اليومَ نفسي
بين أشلاء الضحايا
والأماني صُغتُ رمسي
هيَ دنياكَ فدعها
تعبثُ اليومَ بأمسي
هيَ دنياكَ فدعها
كلُّ ما فيها " يُفسّي ".
الأبيات مزيج من الحزن والتشاؤم والسخرية المكشوفة كما نرى في البيت الأخير. كان عمره يومئذٍ خمسة وعشرين عاماً وكان عازباً يمارس حريته في بغداد عاصمة الرشيد يومَ أنْ كان في العراق نوعاً  يسيراً من الإنفراج السياسي. كتب المرحوم فيما بعد ، وكما سنرى لاحقاً، الكثير من القصص القصيرة في كلٍّ من الجزائر وسوريا. كما كتب ونشر  بعض الشعر ذي التوجه والروح الصوفي. كان معجّباً ومحبّاً لعلي بن منصور الحلاّج.
مع الدكتور قاسم السامرائي / 1972
من مدينة ( لايدن ) الهولندية، وفي الأول من شهر آب 1972 ... كتب الدكتور قاسم السامرائي ( شقيق الأستاذ الدكتور يوسف عز الدين، رئيس
 المجمع العلمي العراقي  الأسبق ) إلى الفقيد رسالة طريفةً أنقلها بنصها أمانةً لتأريخ كلا الرجلين. [[  كان السامرائي قاسم زميل دراستي في دار المعلمين العالية للسنوات  1955 ـ 1958. درس هو الأدب العربي وكنتُ أدرس الكيمياء ]]. 
Dr. Q. Al- Samarrai
Boerhaavelaan 128 
Leiden
Holland
1 / 8 / 72
أُستاذي الكريم
تحية الود....
لقد سمعتُ حين كنتُ في بغداد في شهر تموز الماضي بأنك تنوي نشر مختارات من شعر إبن الحجّاج من نسخة المتحف البريطانية وقد عثرتُ على هاتين المقطوعتين من شعره في الكتاب الذي أشتغل بتحقيقه الآن وآمل أنْ يُنشر قريباً. إلاّ أنني وجدتُ في المقطوعتين بعض العقبات وربما تصفّحت بعضُ ألفاظها. فهل أرجو من أستاذي الكريم أن يتفضّلَ بتقويم ما يراه فيهما. وأكونُ مسروراً لو  تسلّمتها بأقرب وقت يسنح لك.
إنَّ إسم المخطوطة " كتاب الإنباء في تأريخ الخلفاء " لمحمد بن علي بن محمد إبن العمراني الذي كان حيّاً حتى سنة 560 هجرية. والمخطوطة محفوظة في مكتبة جامعة لايدن.
سلامي إليك وأرجو لك خيراً وسعادة.
                                                              المخلص
                                                           قاسم السامرائي
مع رسالته هذه أرسل الدكتور قاسم السامرائي صفحتين من الشعر للشاعر إبن الحجّاج.
يلفت نظري في رسالة الدكتور قاسم للفقيد سمو أدبه وتواضعه إذ خاطب فقيدنا بكلمتي " أُستاذي الكريم " حين كان هو يحمل شهادة الدكتوراه التي ما كانت مع الفقيد. فضلاً عن فارق العمر، فالفقيد أصغر من الدكتور قاسم بخمسة أعوام على ما أحسب.
مع هاشم الطعّان (   17 / 5 / 1973 )
إنسياقاً مع طبعه المجبول على المرح والنكتة الساخرة وإعجابه بالشاعر الخليع والبذئ اللسان إبن الحجّاج ... كتب الفقيد في التأريخ المذكور في إعلاه  في بعض دفاتره ما يلي :
{ حدّثنا هاشم الطعّان عن شيخه إبراهيم السامرائي بعد بطل بيرة ما قاله عبد الحميد ديب  ( ت 1959 ) } :
كأني  حائطُ   كتبوا   عليهِ
هنا يا أيها المزنوق طرطرْ
فلو طاوعتني يا ( أ... )  يوماً
لنِلتُ من المنى عسلاً وسكّرْ
أردنا أنْ ننيكَ بكَ الليالي
فناكتنا  و ( ز... ) الدهر أكبرْ
المرحوم الطعّان سياسي  عراقي وأديب  وربما شاعر معروف في الأوساط الأدبية العراقية. أما المرحوم  الأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي فإنه اللغوي المعروف والأستاذ الجامعي وصاحب التآليف في النحو وقواعد اللغة العربية.
محنة الفقيد مع حزب البعث الحاكم في العراق
 1972 ـ 1977
كان أبو دُريد  ضحية أُخرى من ضحايا حزب البعث العراقي. فلقد وقع عليه الكثير من الحيف والتمييز الوظيفي والأكاديمي ولاسيّما خلال أعوام الجبهة الوطنية مع حزب البعث في أواسط سبعينيات القرن الماضي. فبالرغم من حصوله على درجة الماجستير في الآداب وبإمتياز أبقاه نظام البعث الحاكم معلِّماً على ملاك التعليم الإبتدائي. في حين تمَّ تعيين الآخرين من الحاصلين على هذه الشهادة مدرسين في الجامعات العراقية. كانت هذه الفئة بعثيةً أو مواليةً لحزب البعث وما كان الفقيد كذلك.  بل والأشنع من ذلك.... بقيَّ على ملاك التعليم الإبتدائي المسائي حتى بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الأدب من جامعة بغداد. وقصته مع الدكتوراه قصة طويلة المحزن فيها أكثر من المفرح. رفضتها لجنة المناقشة وأعطته حق الإعتراض على قرارها فإعترض. وإستطاع الوصول إلى أحد أعضاء القيادة القومية لحزب البعث ( أظنه الدكتور شبلي شميّل العيسمي ) وعرض عليه أن يكونَ عضواً في لجنة المناقشة أو حتى مشرفاً على رسالته. أعيدت مناقشة الرسالة ثانيةً وحضرها عضو القيادة القومية فحاول بعض الأساتذة البعثيين عرقلة منحه درجة الدكتوراه بحجج أقل ما يُقال عنها إنها مُغرِضة وواهية وسياسية وليست أدبية أو علمية. طالت المناقشة لأثنتي عشرة ساعة مع بعض فترات الإستراحة لتناول بعض الطعام والشراب. ما حصل ذلك في تأريخ مناقشة الرسائل. أخيراً قررت اللجنة المشرفة منحه شهادة الدكتوراه بعد أنْ إفتضح موقفها غير الأخلاقي وغير الموضوعي واللئيم . أخبرني الدكتور عبد اللطيف بعد ذلك ببضعة أيام أنَّ عضو القيادة القومية كان ( شريفاً ) إذ إتخذ مواقف منصفة بحق محتوى الرسالة وبحق صاحبها. كما ساهم في النقاشات بشكل موضوعي وجاد فغلّب بذا كفّة المصوتين لصالح إجازة الرسالة فأُجيزت بالفعل. حصل ذلك عام 1977 .
سنرى بعد قليل سخف مسؤولي حزب البعث وحساسيتهم المفرطة ضد كلَّ من هو غير بعثي أو منتمِ لعقيدة سياسية أخرى . سنرى مدى الجهالة والأمية والحقد على المواطن العراقي الشريف والنظيف من غير البعثيين.
الفقيد والدكتور غسان العطية  
في الفترة القصيرة ( أقل من عام ) الممتدة بين حصول الفقيد على شهادة الدكتوراه ومغادرته العراق للعمل في جامعة وهران في الجزائر...واصل المرحوم التعليم المسائي في ذات المدرسة الإبتدائية التي إعتاد التعليم فيها لسنوات طويلة . في هذه الفترة قام مركز الدراسات الفلسطينية في بغداد بتكليفه بوضع بحث تأريخي  موثَّق  حول [ عُصبة مكافحة الشيوعية في العراق ]. أُثَبِّت أدناه صورة هذا الكتاب مع كل ما جاء فيه.
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة بغداد                                             العدد / 1728
مركز الدراسات الفلسطينية                          التاريخ / 2/5/ 1977 
                                     ـ أمر إداري ـ
يُكلَّف الدكتور عبد اللطيف عبد الرحمن بإعداد ملف وثائقي عن عُصبة مكافحة الصهيونية في العراق ( خاص لمركز الدراسات الفلسطينية ) وإعتباراً من تأريخه أعلاه.
                                                      الدكتور غسّان العطيّة
                                             رئيس مركز الدراسات الفلسطينية  
نسخة منه إلى /
مديرية الداخلية العامة / راجين تسهيل مهمة الموما إليه
لجنة التوثيق في المركز
السيد الدكتور عبد اللطيف عبد الرحمن / بناء على الإتفاق الذي تمَّ معكم بتأريخ 2/5/1977.
ملفّة الكتب الصادرة.
أنجز الفقيد هذا المشروع الهام الذي كلّفه الكثير من الجهد والطاقات. إذ أُضطر لإنجازه على الوجه المطلوب أن يقابل شخصيات سياسية كثيرة من الذين عاصروا زمن تشكيل هذه العصبة وإجازتها من قبل وزارة الداخلية العراقية  بتأريخ السادس عشر من شهر آذار سنة 1946 . أذكر من بين هذه الشخصيات إسم الدكتور عبد القادر إسماعيل البستاني. فضلاً عن الرجوع إلى الإضبارات السرية التي تحتفظ بها  [  مديرية الشعبة السياسية والتحقيقات الجنائية ] التابعة لوزارة الداخلية العراقية يومذاك. 
كان حماسه لإنجاز هذا المشروع كبيراً. ما كان يترك  فُرصةً مهما صغُرت  دون أن يهتبلها لإثارة المناقشات حول هذه العصبة. كان أخطر ما في إستنتاجات بحثه هذا البرهنة على أنَّ هذه العصبة كانت تستغل الحزب الشيوعي العراقي واجهةً لها لتمرير وخدمة مخططات صهيونية بعيدة  المدى ستفيدُ منها دولة إسرائيل التي قامت بعد ذلك بعامين. 
( 1947 عام التقسيم. الخامس عشر من شهر آيار 1948 قيام الدولة العبرية بالتصويت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ).   
تم طبع هذا التقرير في حينه  بشكل كتاب يضم 125 صفحة من القياس المتوسط وبحروف صغيرة جداً. ولأسباب معينة لم يحمل هذا الكتاب إسم مؤلفه. 
أُكتوبر 1977 / الرحيل الأخير
إثر تدخّل بعض أقارب الفقيد أبي دُريد وبوساطة بعثي قديم هو الطبيب الدكتور عزة مصطفى ( كما أخبرني هو )، أفلح الصديق المرحوم الدكتور عبد اللطيف في الحصول على موافقة وزارة الداخلية لإعارة خدماته للتدريس في جامعة وهران الجزائرية. كانت الجزائر بحاجة لخدمات أساتذة عراقيين في شتى الإختصاصات فكان الفقيد أحد الذين تقدموا بطلب للتدريس هناك. إذا قرأنا معاً كتاب وزارة الداخلية العراقية حينذاك سيتولانا العجب وما هو أكبر من العجب.
ما كانت علاقة الفقيد بوزارة الداخلية ؟؟ سؤال كبير. بعد حصوله على درجة الدكتوراه، بقي الفقيد معلِّماً محسوباً على ملاك التعليم الإبتدائي الذي كان حينئذٍ تابعاً لوزارة الداخلية العراقية / الإدارة المحلية.
فيما يلي أنقل نص هذا الكتاب الذي ما أنزل الله بمثيله من سلطان... وإنها لَعجائب وغرائب ومصائب حزب البعث الذي حكم العراق خمسةً وثلاثين عاماً عجافاً.
محافظة بغداد/ الإدارة المحلية                 بسم الله الرحمن الرحيم
                                                        الجمهورية العراقية
التعليم المحلّي                                      
العدد/ 1/ 13ق3 / 7583
التاريخ 9/10/1977
                                     ( أمر إداري )
بناءً على ما جاء بأمر وزارة الداخلية/ الإدارة المحلية/ التعليم المحلي المرقّم 21845  في 6/10/1977 
تقرر إعارة خدمات الدكتور عبد اللطيف عبد الرحمن المعلِّم على ملاك مديرية التربية لمحافظة بغداد/ الرُصافة للتدريس في جامعة وهران في الجزائر لمدة سنتين للعامين  الدراسيين 77/78 و 78/ 1979 على أنْ لا تتحمل خزينة الإدارة المحلية أية نفقات أو رواتب طيلة مدة الإعارة وفقاً لأحكام المادة ( 38 ) من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المُعدّل وأنْ يتم إستيفائها من الجهة المستعيرة وفق أحكام المادة ( 14 ) من قانون التقاعد المدني رقم { ...3 ... غير واضخ } لسنة 1966 المُعدّل ويُعتَبر الأمرُ نافذاً من تأريخ الإنفكاك.
                                                                   توقيع
                                                            جميل أحمد العدّاد
                                                              محافظ بغداد
                                                       ورئيس مجلس المحافظة 
نسخة منه إلى / ـ
وزارة الداخلية/ الإدارة المحلية / التعليم المحلي
وزارة المالية/ مديرية المالية العامة/ الخدمة
وزارة التربية/ المديرية العامة للعلاقات الثقافية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / دائرة العلاقات الثقافية
سفارة الجمهورية العراقية / الجزائر/ الدائرة الثقافية/ عن طريق وزارة الخارجية
رئاسة ديوان الرقابة المالية
مديرية المحاسبات العامة
مديرية التربية لمحافظة بغداد/ الرُصافة/ لإجراء اللازم
مديرية الخزينة المركزية
مديرية الإدارة ـ التعليم المحلّي
ذاتية التعليم/ السيد عادل
  =     = / السيد وليد ـ للتأشير
فائز/ 8/  10
[[  قد يكون " فائز " هو الموظف الذي قام بتهيئة وطباعة هذا الأمر الأداري. أما 8 / 10 فإنه يمثِّل على الأرجح تأريخ كتابة الأمر... إذ صدر في 9 / 10 / 1977  ]].
2 ـ في الجزائر / 1977 ـ  1984
غادر الفقيد الدكتور عبد اللطيف عبد الرحمن الراوي وطنه العراق في خريف عام 1977  للتدريس في جامعة وهران الجزائرية. 
إنقطعت أخباره عني.
غادرتُ العراق المغادرة الأخيرة في اليوم التاسع من شهر تموز عام 1978 ، أي بعد  مغادرة الفقيد بحوالي الثمانية أشهر. جرت في غضون هذه الأشهر الثمانية أحداث جسام على أرض العراق. أصابني ظلمٌ وتمييز كما أصاب غيري من العراقيين داخل وخارج الجامعات العراقية فإنتهيتُ إلى قناعة فحواها أنْ لا مكانَ لي في بلدي العراق وأنَّ الأوضاع السياسية تسير سريعاً من السيّء إلى الأسوأ وأنَّ العراق مُقدِمٌ على كارثة. كان خروجي من العراق أشبه بالمعجزة، فلقد وجدتُ نفسي في الساعات الأخيرة ممنوعاً من السفر. ختموا بهذا المنع على جواز سفري. تمّت المعجزة ـ  ولا يسمح المجال لشرح ظروفها وتفاصيلها ـ فغادرت  الوطن فجر التاسع من تموز 1978 كما ذكرتُ للتو. كان لديَّ عرض للتدريس في جامعة الفاتح في العاصمة الليبية طرابلس.
ما الذي حصل في الجزائر  للصديق المرحوم أبي دُريد ؟ لا أدري. لكن وجدت بين أوراقه ووثائقه التي زوّد ني بها مشكوراً شقيق الفقيد السيد
( إسماعيل )... وجدتُ رسالة طريفة تلقي المزيد من الأضواء على تميّز شخصية الفقيد ومدى إتساع علاقاته مع الناس ولاسيّما المثقفين والشعراء وغيرهم من عامة الناس كما رأينا فيما سبق من هذه الدراسة.  الرسالة هي جواب من الشاعر العراقي ( سعدي يوسف ) يرد فيها على رسالة وتكليف من الفقيد أرسلها من الجزائر للشاعر  سعدي يوسف في بغداد. أنقل نص جواب الأخ سعدي يوسف بخط يده الجميل :
سعدي يوسف
مجلة " التراث الشعبي "
المركز الفولكلوري
مفرق الكرادة ـ بغداد
                                   بغداد في 10/7/1978 
العزيز عبد اللطيف
تحية وسلاماً...
وأرجو أن تظلَّ دائماً بخير...
في لهاث الصيف أكتب إليك. دماغي  سائحٌ  سائلٌ، وزجاج النافذة جمر... وأنتَ في وهران البحرية...
على أي حال...
رأيتُ هاشم وأبلغته بالكتاب التراثي الذي أرَدته، لكنه قال إنه لا يعرف بالضبط ماذا تُريد...ورأساً تحولت المسألة إلى مهزلة....كطريقته. كما نقلتُ إلى عبد المجيد تحيتك.
ما زالت جلسة النبيذ حية في ذاكرتي، وأنا أشكر أم  دُريد على صبرها، وبذخها...
تحيتي إلى الأخ هادي وإلى جميع الأصدقاء.
                                                        واسلم صديقاً كريماً.
                                                                توقيع
سعدي يوسف
ملاحظات على  جواب الشاعر سعدي يوسف /
أولاً ـ تأريخ هذا الجواب : غادرت العراق كما قلت قبل قليل في التاسع من شهر تموز 1978 ، أي قبل كتابة الأخ سعدي لرسالته الجوابية هذه بيوم واحد فقط !!
ثانياً ـ ورد إسم ( هاشم ) . يغلب على ظني أنَّ المقصود هو ( هاشم الطعّان )... وقد سبق وأن ورد هذا الإسم في واحدة من الفقرات السالفة.
ثالثاً ـ ورد إسم ( عبد المجيد ). أكاد أكونُ شبه متأكدٍ أن المقصود هو الدكتور عبد المجيد بكتاش... الأستاذ السابق في كلية الآداب / جامعة بغداد. كانت علاقة المرحوم بهذا الأستاذ ( وهوكذلك زميل لي خلال أعوام الدراسة في جامعة موسكو ) قوية وحميمة إلى أبعد الحدود. وكان الدكتور عبد المجيد قد حضر ساعات مناقشة رسالة الفقيد لنيل درجة الدكتوراه. كانت بيننا ثلاثتنا علاقات متينة. 
رابعاً ـ ورد في رسالة الأخ سعدي إسم ( هادي ). إني أجهل هذا الإسم ولا أعرف صاحبه.
خامساً ـ يتضح من فحوى جواب الأخ سعدي إنه كان قد زار الجزائر ووهران وحلَّ ضيفاً في منزل المرحوم الدكتور عبد اللطيف.
رسالة طريفة حقاً.
قلت كانت قد إنقطعت عني أخبار الصديق عبد اللطيف. كان هو ما زال  في الجزائر وكنتُ أنا أواصل العمل أستاذاً مشاركاً في جامعة الفاتح في طرابلس الليبية. غير أنَّ لديَّ اليوم وثيقة تكشف ما كان مستوراً عني وما كنتُ أجهل من أمر الفقيد في الجزائر. الوثيقة صادرة من مكتب المستشار الثقافي العراقي في الجزائر. أنقل نصها كما هو، لكني سأهمل عنوان السفارة العراقية  المكتوب باللغة الفرنسية. 
     سفارة                                                                                                                                                                             الجهورية العراقية
الدائرة الثقافية
الجزائر  
العدد : 679
التاريخ : 3/6/1980 
                  السيد عبد اللطيف عبد الرحمن عبد المجيد / جامعة وهران 
                                     م / إنهاء إعارة خدمات
إشارةً إلى كتاب وزارة الحكم المحلي ـ ذاتية التعليم المحلي المرقم  3348 في 22/5/1980  تقرر إنهاء إعارة خدماتك للتدريس في القطر الجزائري في نهاية السنة الدراسية الحالية 1979 ـ 1980 راجين العلم مع التقدير.
                                                                  توقيع
                                                          المستشار الثقافي 
علي حسين عكلة 
نسخة منه إلى /
مسؤلة البعثة في وهران / يُرجى إبلاغ الموما إليه وإعلامنا بتأريخ إنفكاكه
الملفة الشخصية
الصادرة
ماذا نقرأ في هذا الكتاب ؟ نقرأ ما يلي :
أولاً ـ سوء أدب المستشار الثقافي العراقي في الجزائر. خاطب الدكتور الأستاذ في جامعة وهران (( السيد )).
ثانياً ـ كانت هناك في وهران مسؤولة عن البعثة العراقية ؟! أي مسؤولة أمن أو إستخبارات. لم  يذكر المستشار إسمها. لا نعرف من هي ؟؟
ثم الإصرار على سوء الأدب إذ طلب المستشار من هذه { المسؤولة }
[[  إبلاغ الموما إليه ]]... كأن الأستاذ غير البعثي  مجرد  نكرة لا يستحق إحترام وتقدير من يمثل بلده ودولته في الديار البعيدة. وكان هذا دأبهم مع غير البعثيين حتى داخل العراق. 
ثالثاً ـ نفهم من محتوى هذا الكتاب أنَّ الدكتور عبد اللطيف الراوي بقي يمارس التعليم في جامعة وهران  عاماً ثالثاً ، إذ أُعير أساساً لمدة عامين فقط  للتدريس في هذه الجامعة. 
لا غرابة في الأمر. كان صدام حسين قد أطاح في شهر تموز 1979 بأحمد حسن البكر ونصّب نفسه رئيساً للجمهورية. ثم غزا إيران وأشعل معها حرباً ضروساً إستمرت ثمانية أعوام إحترق فيها الأخضر واليابس.
فكيف يؤوب الدكتور عبد اللطيف إلى وطنه المحترق سياسةً وحرباً ؟؟ كيف يعود لبلده وما كان بعثي الهوى أو الإنتماء ؟؟ هل يعود ثانيةً للتعليم الإبتدائي المسائي مع شهادة الدكتوراه وثلاثة أعوام في التدريس الجامعي ؟؟ كيف يعود لعراقٍ غادره أصدقاؤه على عجل وقبلوا بالتشتت هنا وهناك هرباً من سجن وإعتقال وتعذيب وقتل ؟؟ هكذا كان مصير من لم يساوم البعث ولم يطأطئ لنظام حكمه هامةً. آواخر عام 1979  وأوائل عام 1980 رفضت السفارة العراقية في العاصمة الليبية طرابلس  وحكومة بغداد تمديد جواز سفري. ثم لاحق البعثيون بعض أصدقائي والبعض من أهلي. كان الفقيد على علم بما كان يجري في العراق من مظالم ومآسٍ وإغتيالات وسموم لكل من يعارض النظام أو يرفض الدخول تحت خيمته المشبوهة. 
على أية حال... وصلتني أوائل العام 1980 رسالة من الفقيد يطلب فيها مني بعض المجلات الثقافية. كما أرسل لي في هذه الرسالة طلباً للعمل في جامعة الفاتح الليبية. لم يشرح لي سبب هذا الطلب لكن ما كان عسيراً عليَّ أن أتفهم الدوافع. أرسلتُ له على الفور ما تيسر من مجلات ثقافية ليبية وغير ليبية، وقابلت رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية في جامعة الفاتح وسلّمته طلب الفقيد مع ما أرسل لي من شهادات ووثائق وما نشر من أبحاث. وعد رئيس القسم بدراسة الموضوع وقال راجعني بعد شهر. راجعته فقال إنه لم يبتَّ في الأمر بعدُ. راجعته بعد شهر آخر فقال : متأسف، ضاعت أوراق صديقك. قابلته ثانيةً في نفس اليوم حاملاً نسخاً أخرى من وثائق الفقيد. قال راجعني بعد شهر. زرته بعد شهر فكرر نفس الحجة السابقة : للأسف لم أجد الوثائق. أتيته بصور أخرى من الوثائق وكانت لحسن الحظ معي في حقيبتي اليدوية  التي أحملها عادةً معي. قابلته للمرة الأخيرة قبيل إنتهاء العام الدراسي ففاجأني بعد كل هذه المماطلات والعذاب بالقول وبالحرف الواحد : ـ مع إحترامي لجامعة بغداد.... كنتُ أحسبُ صاحبك خريج جامعة السوربون !! 
مرَّ العام الدراسي 1979 ـ 1980 ولم أستطع أن أُغادر الأراضي الليبية ولم أتمتعْ  بالعطلة الصيفية لأنَّ حكومة البعث تركتني بدون جواز سفر.
تموز 1981
بمساعدة أحد أطراف الجبهة الوطنية العراقية المعارضة لنظام صدام حسين في العراق...  أصبح في حوزتي  جواز سفر بلد عربي مكنني من السفر خارج الجماهيرية العربية الليبية لقضاء شهر تموز ونصف شهر آب هي تمام عطلتنا الصيفية. زرتُ وعائلتي بعض العواصم الأوربية وكانت العاصمة الجيكية ( براغ ) إحداها. لي في مدينة  براغ ذكريات عزيزة مع الأخ الفنان الصديق ( محمود صبري ) المقيم منذ أوائل  ستينيات القرن الماضي  في هذه العاصمة. 
دخلت بعد ظهر أحد الأيام بناية السكن المخصص للسياح الأجانب ففوجئتُ بأم دُريد والدكتورة أم ذكرى ( جليلة التكمجي ) وكانت حقاً مفاجأة المفاجآت. معنى ذلك أن الصديقين ( عبد اللطيف الراوي )
 و ( عزيز وطبان ) وصلا مع عائلتيهما من الجزائر لقضاء العطلة الصيفية أو جزءٍ منها في مدينة براغ. لم يمضِ وقتٌ طويل حتى إلتأم شمل الأصدقاء . طلب المرحوم الدكتور عبد اللطيف الراوي شاياً إنْ كان معنا شئٌ جيد منه. كان معنا بالفعل شاي ممتاز حملناه معنا من العاصمة الليبية طرابلس. شرحت للفقيد تفاصيل موقف رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية / جامعة الفاتح والكيفية التي تعامل بها مع طلب العمل في قسمه ثم تهكمه السافر من جامعة بغداد. لم يهتمْ المرحوم كثيراً لهذا الموقف، لم ينفعلْ ولم يغضب فإستنتجتُ أنَّ أموره هناك في الجزائر ليست سيئة. 
لم يطلْ المقام بي وعائلتي في مدينة براغ  إذ إستأجرت سيارة وأخذنا نتجول ونسيح بها في المناطق الجيكية المتاخمة للحدود مع جمهورية ألمانيا الغربية كما كانت تُسمى يومذاك. أقمنا في سكن جميل وسط غابة ليس بعيداً عن مدينة ( كارلوفي فاري )  الشهيرة بمياهها المعدنية ومشافيها. قضّينا في تلكم الربوع أسبوعاً واحداً، وحين رجعنا إلى 
( براغ ) كان الأصدقاء قد غادروها ربما إلى الجزائر. 
كيف سارت أمور فقيدنا في الجزائر وجامعة وهران بعد لقائنا ذاك ؟ لم يكتب لي فضاعت أخباره عني.
لديَّ وثيقة من بين الوثائق التي وصلتني من شقيق المرحوم الصغير السيد ( إسماعيل ) مؤرَّخة في الثاني عشر من شهر حزيران ( يونية ) 1983 أنقل محتوياتها رغم صعوبة ذلك، إذ أنَّ بعض الكلمات  ليست تامة 
 الوضوح، وأنَّ اللغة ليست لغة الكتب والأوامر الرسمية المتداولة والمألوفة  في العراق. 
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة وهران
مديرية الموظفين
مصلحة الأساتذة الشرقيين
الرقم : 249 
شهادة تجديد العقد
              يشهد نائب مدير جامعة وهران المكَلَّف بالإدارة والوسائل العامة أنَّ عقدَ السيد عبد اللطيف عبد الرحمن... عراقي الجنسية والذي يُدرِّس بمعهد اللغة والأدب العربي ... برتبة أُستاذ مساعد... قد تمَّ تجديده للسنة الجامعية 1983 / 1984 والتي حُددتْ بدايتها بتأريخ 7 سبتمير 1983 صباحاً.
       وقد أُعطيت هذه الشهادة  لسيادته بناءً على طلبه لتقديمها إلى من يهمه الأمر.
وهران في  12  حزيران 1983 
نائب مدير جامعة وهران المكلَّف بالإدارة والوسائل العامة. 
توقيع فوق ختم دائري مكتوب في وسطه : الجمهورية الجزائرية الدمقراطية الشعبية ثمَّ  علم الجزائر. ومكتوب في الدائرة التي تليها بإتجاه محيط الدائرة : جامعة وهران. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وهناك ثلاثة أختام أخرى غير واضحة ولا أهمية لها أصلاً. 
عداً للأدب العربي في جامعة وهران حتى نهاية شهر حزيران 1984 . وإنه أهمل إخطارالمستشار الثقافي العراقي في الجزائر بتأريخ 3 / 6 / 1980 بأمر إنهاء إعارة خدماته للتدريس في القطر الجزائري. وإنه قطع علاقاته الرسمية والوظيفية مع حكومة العراق، وإنه ـ بناءً على ذلك ـ قد واجه مشاكل مع الحكومة والسفارة العراقية في العاصمة الجزائر فيما يخص تمديد أو تجديد جواز سفره العراقي. وجدتُ الدليل القاطع  على هذه الإستنتاجات غير الهيّنة في الكتاب الذي يحمل عنوان ( صورة عن قيد السجل المدني ) الصادر عن القيادة القومية لحزب البعث في سوريا / مكتب شؤون العراق. هنا الدليل القاطع، حيث صدر في العاصمة اللبنانية بيروت، و بتأريخ التاسع من شهر حزيران عام 1984 ... صدر بإسم المرحوم جواز سفر عراقي يحمل الرقم ك 642 . لقد سبق الكلامُ عن هذا الموضوع في بداية بحثي هذا. لِمَ إختار الفقيد سفارة العراق في  بيروت
لتمديد أو تجديد جواز سفره بدل محاولة ذلك في سفارة العراق في العاصمة الجزائر نفسها ؟؟ لا نحتاج إلى تفكير عميق لإدراك الأسباب ومعرفة الجواب. 
الأنشطة الأدبية والأكاديمية والأبحاث والتحقيقات في الحُقبة الجزائرية
إزدهرت في جامعة وهران كفاءات الفقيد الدكتور عبد اللطيف الراوي وبانت مواهبه التي حاول نظام صدام حسين قتلها كما هو دأبه وطبعه مع كافة الكفاءات والمواهب العراقية غير المنتنمية لحزب البعث العراقي. نشر في تلكم الحُقبة العديد من المقالات وحقق بعض كتب التراث مع زميله وصديقه الدكتور محمد حسين الأعرجي. لاشكَّ إنَّ الدكتور الأعرجي يعرف الكثير عن أحوال وأوجه نشاطات فقيدنا الراحل الدكتور عبد اللطيف الراوي. وإني لأتمنى أن يساعده وقته لكتابة ما لا أعرف عن نشاطات ونتاج فقيدنا في مجالي البحث والتأليف. 
3 ـ  في سوريا / 1984 ـ 1994
على الدوام مرعبٌ هوالفراق
عن الوطن... ولكنْ...
كلّما كانت رائعةً أغنية الشاعر
كانت المنافي أبعد
( مايكل أنجلو ). 
هذا ما إستعاره الفقيد بما يشبه المقدمة لمجموعة من قصصه القصيرة التي كتبها في أزمان مختلفة وأماكن متفرقة. كتب بعضها في العراق في عام  1969  وكتب البعض الآخر ـ  ربما ـ في  الجزائر، وكتب أكثر الباقي في  سوريا ( 1984 ـ 1993 ).
كما كتبت أم دُريد السيدة المرحومة  ( بُثينة ) تقديماً آخرَ لهذه المجموعة القصصية تحمل تاريخ العام 1985 ، كتبتها في دمشق. قالت فيها :
(  تقديم ) 
إبقَ كُحلاً في عينيَّ اللتين
أتعبهما المنفى....
وتتسللُ في الغَبَش صَبا
تمسحُ الشَجنَ عن روحي الخافقة
واسرِ دماً في القلبِ الذي
ما هدأَ يوماً عن الهمسِ باسمكَ يا عراق.
بُثينة
دمشق 1985 .
( صبا هي الإبنة الثانية للفقيدين أبي وأم دُريد ).
غادر الفقيد الراحل الدكتور عبد اللطيف عبد الرحمن الراوي صيف عام 1984  الجزائر وكانت أبواب وطنه العراق موصدة أمامه. إتجه وعائلته وأطفاله الصغار نحو سورية، حيث كان له هناك أقارب من الدرجة الأولى. بقي على ما يبدو فترة من الزمن في العاصمة السورية دمشق دون عمل. لكنه إلتحق ً بجامعة ( البعث ) في مدينة  حمص للعمل مدرِّساً ثم رئيساً  لقسم اللغة العربية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
واصل الفقيد نشاطاته التدريسية والأكاديمية  في جامعته الجديدة فنشر البحوث في مجالات اللغة والآداب وواصل كتابة القصص القصيرة التي لم ينشر منها شيئاً. لكنه كتبَ في شهر كانون الثاني عام 1994  شعراً منثوراً كان فيه شديد التأثر بعلي بن منصور الحلاّج ثم بالكثير من آي القرآن الكريم. عنوان هذا الشعرهو  " سورة الموت الجميل " .... نشره صديقه وزميله في جامعة البعث في حمص الدكتور عبد إلاله نبهان في مجلة الموسم / العدد 29 عام 1997. لقد علّقَ الدكتور نبهان في حاشية القصيدة قائلاً (( هذا آخر ما خطّه المرحومُ الدكتور عبد اللطيف الراوي بقلمه )).  كما نشرفي عام 1988  مع الدكتور عبد الاله نبهان ... نشرا تحقيقاً ل ( رسالة في صناعة الكتابة ) من جزأين نشراهما في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق. كما نشر الدكتور عبد اللطيف  بحثاً  في عام 1990 في مجلة ( بحوث جامعة حلب / العدد الثامن عشر 1990 سلسلة الأداب والعلوم الإنسانية  ) تحت عنوان (( الشعر العربي المعاصر بين الإبداع  والتلقّي )). الطريف أنَّ الفقيد كان في بحثه هذا مع الشاعرين أمل دنقل وسعدي يوسف، لكنه كان ضد الشاعر عبد الوهاب البياتي.  
لا أعرف لشديد أسفي جميع ما كتب الفقيد وما نشر خلال الحُقبة السورية هذه. لقد رحل وترك خلفه ما ترك إما في مدينة وجامعة حمص أو لدى بعض أقربائه في سوريا.
الراوي وشبح الموت
في أغلب ما كتب الفقيد من قصص... كان موضوعا الغربة والتغرب ثم هاجس الموت هما الموضوعين السائدين في قصّه الأدبي. كان شديد التعلّق ببغداد عاصمة بلده ووطنه. لم يفارق شبحُ الموت عيني هذا الرجل المتغرِّب الذي قبل التشرّد مع زوجه وأطفاله لكي يحافظَ على شرف إنتمائه السياسي وهيبة معتقداته وسمو قناعاته. نعم، كان خاطر الموت معه... قريباً منه... يعايشه معايشة يومية، فما تفسير ذلك ؟؟ كان حدسه صائباً، فلقد سبقته أم دريد إلى عالم الأموات  تاركةً وراءها الطفل دُريد وشقيقاته الأصغر منه سُرى وصَبا و سُها. توفيت في سوريا ودُفنت هناك تحت ثراها.
 وجدتُ ذكرَ الموت في القصص التالية : 
عزاء هو الموت
 وضع تحتها تأريخ  18 / 11 / ــــ دون ذكر سنة الكتابة. يبدو أنَّ الفقيد كتب خواطره هذه بشكل قصيدة، فأكثر كلامها جاء بشكل تفعيلات أو فيها إيقاع يحسه القارئ بيسر. قال في أولها ما يلي :
أكلّما لاحَ وجهُكِ في مرايا الروحِ صفّق الجناحانِ منّي وغطّاني السلامُ.
سبحتُ لا أدري بأي البحارِ يكونُ إشتهاءُ الغَرَق. واللوعةُ الأولى لحالات النَزَق.  تدنو فتدفعني وتدفعني وتهزُّ مهدي، يا للحْدي كيف لا يعرفُ أنَّ ليلي قد دنا، وأنَّ  نومي فيهِ ينبوعُ غَسَق.
الدفّان. يوم ماتت كميلة. هاملت. الخوف من العَتمة. 
حملت قصصه الأخرى العناوين التالية : 
 ـ الموت على الطريقة الموسولينية ( كتبها في بغداد عام 1969 ). القصة تنتظر دراسة خاصة بها وبأحداثها. تناول الفقيد فيها بعض تفاصيل واقعة سياسية معينة كان هو أحد المشاركين فيها وكان طرفاً فاعلاً فيها. 
ـ الكراسي . كتبها عام 1984 .  وهي قصة تناولت موضوعاً سياسياً آخر شديد الحساسية. سلك الفقيد في سرد أحداثها أسلوباً رمزياً في الأغلب الأعم من محتوى القصة. لكنه ـ مع ذلك ـ أبان بعض الخطوط والقليل من التفاصيل حول جوهر القصة ومحتواها. إنها بحاجة إلى وقفة طويلة متأنية
  ـ مجموعة قصص قصيرة جداً... كما وصفها كاتبها فقيدنا. كتب خمساً منها عام 1986 وكتب السادسة عام 1988. وترك القصة السابعة التي تحمل عنوان " مشاريع " بدون تأريخ.
ـ  الجنّي. كتبها عام 1986 في حمص.
ـ الحرب. كتبها كذلك في حمص بتأريخ 26 / 9 / 1988 
ـ الخروج من القشرة. بدون تأريخ.
ـ تهويمات مسحوقة. بدون تأريخ.
ـ خاطرة لا تحمل تأريخاً. أقتبس بعض ما جاء فيها إذ ذكر إسم صديقه 
" سعدي يوسف " : 
غرَّبني الربُّ...
صادقته... شكَّ بسلوكي وشقَّ لي طريقاً مُغلّقةً...
....
آذنتنا الذنوبُ بالرحيل...والمهاري الشقرُ بالسِفاح... فأي الخيول إختياري يكونُ...
قِدْ الشمعة في الزوايا المسكونةِ والمهجورة... قِدْ الشمعةَ في زاوية الجامع (    )... فغداً يُصلّي إماماً سيّدُ الشهداءِ حمزة.
يجتمعُ الرهطُ المزرّكشُ في بقايا العراق... يدبُّ قُنفذٌ في آخر الليلِ... أشعلَ في جناحيهِ الهوى شاعرٌ جميلٌ كان إسمه سعدي يوسف. 
 ملاحظة : ألمس وأتحسس هنا نبرة  عتب ومرارة فيما يتعلّق بالشاعر سعدي يوسف إذ قال الفقيد [[ ... كان إسمه سعدي يوسف ]]. ما أسباب ذلك ؟ لا أدري. الفقيد وحده من يدري.
ـ برويز خان
  وضع الفقيد تحت هذا الإسم تأريخ الإثنين 10 / 5 / 1993 .
أنقل حرفياً ما جاء في هذه الخاطرة... وذلك  بالنظر لتفرّدها وخصوصيتها من حيث أنها تمثّل ـ رُبّما ـ  آخر ما كتب... فضلاً  عن
  عنوان الخاطرة. كتب ما يلي :
الساعة الواحدة والربع بعد منتصف الليل ( حمص ـ الوعر ).
ليلة إثر أخرى أؤجل الكلام والرسائل والمواعيد وأركن إلى الكسل... يتراكم الكسل والهم والشعور بالقهر والمرض وحب الوصول إلى النهاية... لم يعُدْ هناك شئ يُقلقني أو يحرّك داخلي... أيها الإغتراب تقدّمْ. لم يتقدّمْ... أيها الندمُ التوفّز أل... لا شئ يستثير ولا شئ قادر على أن يستلّني من الإستسلام. أهيَ النهاية ؟ لم تكلّمني... كانت مُضطجعةً قربي لم تناغني... صالحتها... هل تودين أنْ تستمرَ الرِحلة هنا وهناك... لم تُجبْ. عاتبتني بعينيها، كأنها تقولُ لمن نتركهم ؟ 
 بعد قرابة الثمانية أشهر من كتابته لهذه الخاطرة المُثقلة بالألم والقهر والكسل وإستشعار أو دنو النهاية.....  وفي الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني ( يناير ) 1994 غادرنا الصديق الدكتور عبد اللطيف عبد الرحمن عبد المجيد الراوي ... إختطفه القدر في حادث مؤسف أودى بحياته فترك جامعته ورئاسة قسمه وإبداعاته الأدبية والجامعية... ثم ترك وراءه الطفل دٌريد وشقيقاته الثلاث الأصغر منه سنّاً [[ سُرى وصَبا وسُها ]]  فأصبح الأطفال الأربعة أيتاماً بعد أن فقدوا الأم أولاً ثم تبعها أبوهم. 
غادر الفقيد الصديقُ الحياة عراقياً صميماً من حيث الأصل والمولد
 والنشأة.  وظلَّ محافظاً ومعتزاً بعراقيته وبجواز سفره العراقي 
{{ الصادر  في بيروت عام 1984 }}. غادر الحياة إلى العالم الآخر وهو في الثالثة  والخمسين من العمر لا أكثر. 
 ولعل الكتاب التالي هو آخر  كتاب يصدر بحق الفقيد خلال حقبة حياته في سورية. لا يحتاج هذا الكتاب إلاّ إلى تعليق واحد على درجة كبيرة من الأهمية : هو أنَّ الفقيد وبعد خدمة عشرة أعوام في إحدى الجامعات السورية ... لم يكنْ أكثر من (( متعاقد )) في أعراف هذه الجامعة. الأسباب واضحة : ما كان الفقيد حاملاً للجنسية السورية ولا كان منتمياً لحزب البعث. ألا فليسمعْ رفاق  وأصدقاء ومعارف وأهل الفقيد !!.
نص الكتاب كما يلي :
الجمهورية العربية السورية
جامعة البعث
الرقم 325 / ص آ
التأريخ  5/5/ 1994
                      إلى محكمة البداية المدنية
إنَّ المرحوم الأستاذ الدكتور عبد اللطيف عبد المجيد عمل متعاقداً مع جامعة البعث بمرتبة أستاذ وشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب منذ بداية العام الدراسي 86 ـ 1987 وحتى وفاته والأستاذ المرحوم من مواليد العراق ـ قرية راوة 1940 ويحمل شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد بإختصاص الأدب العربي المعاصر ونقده. وبناء على طلب ذويه أُعطيَ هذا البيان.
عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية
توقيع
الدكتور محمد طاهر الحمصي  
 ثم ختم دائري في وسطه شِعار الجمهورية العربية السورية مُحاط بالكلمات التالية : جامعة البعث. عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
ثم يُكرر هذا الختم أسفل الأول حاملاً  توقيع العميد وإسمه مختوماً بختمه الخاص ثم كلمات مختومة تقول : مُصدّق / كلية الآداب والعلوم الإنسانية.                             
لم يذكر هذا الكتاب إسم المرحوم كاملاً، أعني (( عبد اللطيف عبد الرحمن عبد المجيد )). ثم نعتَ مدينة راوة، مسقط رأس الفقيد، ب (( قرية راوة )) في حين إنها قضاء وليست قرية.
القائمة التالية تتضمن جرداً  بما نشر الفقيد من مقالات وأبحاث أعدّها الدكتور عبد الإله نبهان ونشرها كمقدمة لقصيدة ( سورة الموت الجميل ) مارة الذِكْر : 
ـ المجتمع العراقي في شعر القرن الرابع الهجري . مكتبة النهضة، بغداد
[ هذا البحث هو رسالة الماجستير للفقيد ].
ـ  ليل بلا عيون. قصص. مطبعة الأزهر ـ بغداد 1967 .
ـ في النثر العربي الحديث. جامعة البعث ـ حمص 1992 م.
ـ النقد العربي القديم ( بالإشتراك مع سمير معلوف ). جامعة البعث، حمص 1991 .
ـ مباديء النقد. جامعة البعث. حمص 1991 .
ـ تراث الحلاّج ( بالإشتراك مع د. عبد الأله نبهان ). دار الذكرى ـ حمص 1995 م. [ واضحٌ أنَّ هذا الأثر تمَّ نشره بعد رحيل الفقيد ].
ـ رسالة في صناعة الكتابة [ لقد سبقت الإشارة إلى هذا الكُتيب ].
ـ بداية حال الحلاّج ونهايته ( لإبن باكويه ) بالإشتراك مع د. عبد الأله نبهان ( تحقيق ). نٌشِرَ في مجلة اللغة العربية بدمشق ـ مجلد 66 ـ ج4 .
ـ بالإضافة إلى رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه ولم تُطبعْ كاملةً ، ومقالات نُشرِت في مجلات عربية كمجلة معهد المخطوطات ومجلة جامعة البعث وغيرها.
ملاحظة ختامية : تستحق قصيدة (( سورة الموت الجميل )) وقفة طويلة متأنية من أجل دراستها وتقويم منحاها وإستيعاب ما ورد فيها من أفكار فلسفية وتجليات صوفية مستوحاة من عالم علي بن منصور الحلاّج. 

CONVERSATION

0 comments: