شاعر شيوعي قديم يشرب كأس بيرة في بار الفردوس/ د. أفنان القاسم

أمتع ما في الجنة
أن تشرب كأس البيرة التي حَرَمت نفسك منها
وأنت بين الأحياء
بدافع التقوى
فكل شيء في الجنة مباح
الثدي والسلوى
كل شيء في الجنة لا ينام حتى الصباح
نيويورك وباريس ولندن وشنغاي قل هي
والقاهرة
كل شيء فيها يفوق خيال الشعراء
بعد أن ينتهي الخيال
ولا تبقى سوى الشهوة

*

هناك لا نفكر في عذاب النار
ولا في كيف نسعى إلى العَلْياءِ على ظهر الكلمة
كل الوجود هناك اختزال
لأصعب معادلة
لا شيء يأتي من فراغ
ولملء الفراغ
كان الثَّمَل
ابنَ الشفة
فلا معنى للأمل
ولا معنى للمقاومة
ولا معنى لكل المعاني التي نحاول بيعها على عجل
في سوق الدلالة

*

كل الوقت للمتعة
أيها الغمد الأحمر الذي صنعني
لا وقت هناك أكثر روعة
من وقتٍ الأحمرُ فيه لا يرعبني
الزمان لا يمضي بسرعة
وهو أبدًا لا يمضي
بروست هناك لا يكتب عن وقتٍ أضاعه
بروست هناك يكتب عن وقتٍ وجده مثلي

*

كلما أفرغتُ كأسي صبت فيها الملائكة
من بيرتها البنية ما يثمل عشرة من جبابرة الكحوليين
وأنا لا أثمل
دأبي كان ألا أثمل من جمع الثروة
على أكتاف جوهرة في كنز اسمها فلسطين
وألا أبخل
كنت ندي الكف عندما تغدو الكلمات شيئًا آخر غير الياسمين
شيئًا آخر غير الهمس
غير الملل
غير قرنفلٍ أسود
أخنقه بالقبل

*

وعرفت أن الثَّمَلَ مِنَّةٌ لكلِّ غريب
فقلت إني الغريب في عالمٍ لا يعرف الغريب
إني الغريب عن أحمرٍ لما كنت شيوعيا
وإني الغريب عن أسودٍ لما كنت إسلاميا
وإني الغريب عن أبيضٍ لما كنت درزيا
وإني الغريب عن الغريب عندما يغيب الحبيب
وعندما يحضر الحبيب

*

قالت الملائكةُ الغرباءُ عن أنفسهم هُمُ الغرباءُ في الدنيا وفي الآخرة
والألوان حمراء أم بيضاء أم سوداء تبيخ
كيف أكون إذن غريبًا عن نفسي من أجل كأس بيرة
تُديخ
لي كياني؟
كيف أتسلق كتف كامو
وأصعد إلى مجد الغير على سلالم الريح؟
كيف امتشق العبث لدى بيكيت
وأغدو إرادتي الأخرى كما كان إرادته الأخرى صلاح الدين؟

*

ولكني هوميروس القادم من الصحراء
متنبي فلسطين
شاعر العرب الأكبر
الشاعر القديس
سيد الأبجدية
المارد السجين
البناء الأوركسترالي للقصيدة
النبي الفريد
الشاعر العملاق
الشاعر النبيه
ولكني من خارج التناسخ
الموجود الوحيد

*

يا لبؤس البنفسج في الجنة عندما تخلو الجنة من الثَّمَل
يا لعتمة الشمس على الدروب عندما تنحدر السلالم
يا لمرارة الأغاني في الأفواه عندما تلفظ البراكين الدخان
يا لطلاوة الجحيم عندما يحترق الليلك
يا لذل القامة على يدٍ لم تظل تقاوم عندما ينحسر الموج
يا لوضوح الرسائل إلى غزاة يتقنون فك الطلاسم عندما يصطاد السمك صائده
يا لسعادة الوطاويط تحت سماءٍ من ماسٍ أسودَ اسمها سربية الأسف عندما لا تفتُكُ أسهم النار بها
يا لتعاسة الرماد بعد أن كان وردة والدخان بعد أن كان أغنية والحطام بعد أن كان أجسادًا للقوارب عندما تبكي بائعات الهوى في شوارع الشتاء قبل منتصف الليل

*

أريد العودة إلى الجليل لأثمل ثمل قديس في الجحيم
لأقطف باقة من أقاح الرامة
لأقرض بيت شعر أخير
لأقترض من صنوي الذي خانني ومات قبلي قصيدته الأولى
لأقضي وقتًا مع العاقين من أجدادي الموحدين
لأقترف مع الضوء الحراما
لأقتلع من حقولِ الدمِ جذرَ زرادشتَ المكين
لأقترب من ظلالي الهاربة
لأقتني قرط بغيٍّ استشهدت في دير ياسين
لأقعي على ظهرٍ عارٍ دون بطن
لأقاوم حيفا بسلاحها الثخين
لأستسلم لساق حيفا الملوثة

*

بادروا
كل سماء فوقكم من ثوب مريم
وكل ماء تحتكم من بئر زمزم

*

يموت منا الطفل في لينينغراد
ولا يتألم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى من أجل أرض الميعاد
ولا تتعلم
أن زمن الأسرلة من زمن العربان
والله أعلم

*

احكموا
احكموا على النحل من جندكم
بالغرق في بحار العسل
وعلى الزنابق في حدائق حقدكم
بالموت من كثرة القبل
وهددوا
بحبس الندى في الجيوب
واهدموا
مرافئ الأمل
واصرخوا في وجه أصدقائي الطغاة
لن تكسروا كؤوسنا
لن تهرقوا نبيذنا
نحنُ القضاءُ المبرّمُ منذُ الأزل

*

طريقكم من ورائكم طويل
وغدكم من ورائكم بعيد
وبحركم من ورائكم عميق
وبركم من ورائكم أوسع من برٍ في حلقِ تنينٍ عنيد
ونحن لم يزل أمامنا
طريقنا القصير
وغدنا القريب
وبحرنا الفستقيّ
وبرنا الناريّ
وخيرنا خير اللوطيّ
وشرنا شر الثنائي الجنسيّ
فما الذي يدفعكم
من جسدٍ لظل
وكيف يستدرجكم
من مطرٍ لبرق
سِفْرُ الهوس الممل

*

تعالوا
......
وراء كل حجر
دولار أخضر
وخلف كل عشب
صرصار أشقر
وبعد كل جسد ينام في الريح
شراع كان أحمر
ولم يعد له أي لون آخر
غير لون العلم المرفوع على ساريةِ قصرٍ مبنيٍّ من الحجر المرمر
أقول فيه ما لم يقله أحد غيري
أحلى القصائدِ بلِ الأكبر
وإذا ما نجت بعض الأبيات من سلطة السيف عليها
فكيلا تكون السماء إلى الأبد غائمة
ولا الكون دامسا
والأبيض أسمر

*

بادروا
كل سماء فوقكم من ثوب مريم
وكل ماء تحتكم من بئر زمزم

*

حرامكم حلال في الكتاب
حلالكم حرام في الدانوب الأزرق
بادروا بشهوة القتل في العناق
وصوبوا بدقةِ حارسِ المرمى

*

لا ترحموا الرحم
وسددوا عجز البنوك
إنّ نطفةً خضراءَ خيرٌ من ألفِ درهمٍ دفينٍ في الرمل
وإنّ ساقًا تحترقُ شوقًا في مانهاتن خيرٌ من ساقٍ تنام باردةً في صندوقٍ فولاذيٍّ بين العقود

*

بادروا كيفما اشتهيتم
واقتلوا بالحب قاتلكم
قاتلكم متيم
قتيلكم متيم

*

لم يزل كوبيدون من أجلكم في الليل ساهرا
ولم يزل إله العفو عليكم عند المقدرةِ غاضبا
كيلا تفتحوا مدرسةً للعذارى
كيلا تغلقوا سجنًا على النفوس
المعذبة
كيلا تعتذروا للحيارى
كيلا تحذروا طريق الغواية
كيلا تبددوا ما ترك الرواقيون من بقايا

*

ابن النحل أولكم
والضائع في وادي النيل
والمسبّح في ذهب الليل
من أجل المغضوب عليه
لخطأٍ دفعَهُ إلى امتطاءِ فرسِ المستحيل

*

كلكم أبناء الكلام المؤقت
فاستبسلوا
ضد الذات
تحت مدلول اللدغ المحدد
وأقسى اللدغِ
لدغُ عقرب
الروحِ اللامرئيّ

*

اندفعوا واعلوا
حتى قمم الجبال
اعلوا
واتركوا للسقوطِ أجنحةَ النسور
مع أصرحة حلب
عانقوا النجوم
يغار في أحضان غيركم
ثديُ زينبَ
كما يغار الكرم من شفاه العنب

*

حتى آخر الشوق الذي ظل لكم ظلوا
وحتى آخر الحبل الذي ظل لكم لا تملوا
فكل محارة ولها نهاية يجهلها الجلاد
وكل خاصرة ولها بداية يجهلها ساحر الكلمات
وشبقكم بداية النهاية
في جحيمٍ تصنعُهُ الحروفُ العاصية
من نار الإبداع

*

كيف يكون الثمين
من الإبداع
عندما لا تسمعون
أشعاري الماضية؟
كيف يدوم الأنين
على أفواه الجراح
عندما لا تفهمون
أشعاري الشاجية؟
أشعارًا كان يسمعها سيلين
ويفهمها لينين
ويطرب لها المساكين
في غيتو القلوب الحانية
فتصعدُ على سطحِ بيتي أقمارُ رام الله
الداجية
وغيرُ الجميل
من الأحذية

*

بادروا
كل سماء فوقكم من ثوب مريم
وكل ماء تحتكم من بئر زمزم

*

خوذة الجنديِّ في كتابي كانت زهرة
وهراوة الشرطي تفاحة
أو كمثرى
والغاز المسيل لدموع نينا ريتشي
عطرًا لغزة
غزة التي لم تعد تبكينا
بكاء الطائر الأبلق
غزة التي من داخل الأسوار
ترضينا
بعقابٍ سماويٍّ أحمق

*

من الحنين الدامي إلى الخضوع
تقدموا
من شارعٍ لشارع
من منزلٍ لمنزل
ومن برقعٍ لبرقع
على بطنِ غِرٍّ خجول

*

يصيحُ كلُّ حجرٍ مغتصَبٍ بمغتصِبِيه
وأتركني أغتصب إلى الحجرِ نظرة
يصرخ كلُّ صحنٍ من غضبٍ ليس له شبيه
وأتركني أخنق في فمي من أجلِ الصحنِ صرخة

*

في قافلة الشموع
تقدموا
على طريقِ أيديولوجيا تُوَافِقُ بقافيتها
من أين آكل الكتفا
حلم أسود يغدو أزرق
تحلق فيه النهود

*

يخدشُ كلُّ طائرٍ الجذعَ الذي لا يحميه
وأتركني أنزع من جناحه أيد البقاء
ينادي كلُّ ذئبٍ الذئبَ في أخيه
وأتركني أغلق الأذن بكف الرواء

*

لا تترددوا
عن الخروج
بعد أن ترك العطر جبنه
من ورائكم
إلى جيدٍ يتحدى

*

يدعوني إلى حفلٍ في قرطاجَ الأخضرُ السفيه
وأتركني مِخْلَبًا للأخضر
يتوجني في المنامة هدهدٌ دمويّ
وأتركني مِحْوَرًا للأحمر

*

تَقَدَّمَ المخيمُ من بنادقِ دايتون
تَقَدُّمَ الذبيح
وحجارة المنازل
تقدمت
وتقدمت بذهبها السنابل
في الصباح الجريح
تَقَدَّمَ الرضيع
والكهل العاجز
والأفعى الوفيُّ يسبقه الفحيح
تقدمت الأرامل
والثواكل
بعد أن قتل الشاعر فيه
الشاعر
دون وقف التنفيذ
تقدمت أبواب نابلس وجنين والخليل
وقمر حيفا الكاذب
قمر حيفا الزنيم
جاءت نوافذ القدس
والشمس التي أطفأها الشاعر في فضاء المنجل والشاكوش
جاءت
من نوافذ القدس
المطلةِ على النزيف
تَرَكَتْ في البقعةِ الحمراءِ طراطيرَ البنيةِ الفوقيةِ الخرعين
طيور الشوكولاطة
المصلحجية دولة وهوية
لقالق المزابل
والسوار دو باريه
تقدم العصاة ومعهم تتقدم الشمس والقمر
الصادق
والنجم الأبيّ
تقدموا وقد نفعت فيهم كل العبر
أغنياء بكثيرٍ من العواطف
والحنانِ الأبويّ
أقوياء بقليلٍ من المبادئ
والإباءِ الأمويّ
الحريةُ بحرٌ لكلِّ مغامر
يحسنُ العومَ
ولا يثنيهِ جزرُ الموجِ فيه

*

كل ماء تحتهم من إرادة البشر
كل سماء فوقهم من ثوب الإرادة

*

ليس هناك أقوى من فكرة انتهت
بعد أن فجرت في الأرجاء أقواس قزح الحرية
وأنا فكرة في الكأس لم تنته
أشربها جرعةً جرعة
وأدخل في زمني
الذي لم يعد زمنا
زمن العبودية
أنا الملقى على طرف
العالم
بعد أن خسرت العمر مرتين
مرةً شعرا
ومرةً تبرا
وكانت الأخطاء فاكهتي المنقوعة في السكر
أخطاءُ أَنْكَرَها المكانُ عليّ
فجعلتُ من الأراجيحِ مكانا
ومن رقصة الباسادوبلي قدرا

*

صُبي يا ملائكة السائل البنيّ في كأسي
لقد بدأ الثمل يجتاح روحي
الضالة
في الجنة أيضًا هناك الضلال
الجميل
الضلال تقوى في الجنة

*

انقذيني يا ملائكة من ورطةِ ((لماذا كنت؟ ))
وأكثرَ من جحيمِ ((لماذا فعلت؟ ))
أنا لست حرًا في الجنة
فهل أكون حرًا في الجحيم؟

*

اجعليني يا ملائكة غيرَ ما أنا في عالمٍ رقميّ
ربما تمدني الذاكرة الميكرومية بالتمرد والعصيان
فيهجرني دون كيشوت الذي فيّ
على طريق استغلال الرمان للرمان
إلى بطلٍ في الفيسبوك
يقضم النار كالتفاح
قدماه على الأرض
ورأسُهُ الكونُ الافتراضيّ

*

روحي على وشك أن تقيء روحي
الأنا في السماء ليست الأنا
وفي السائل البنيّ
الأنا هي التخارج والهوى
هو التساؤل
الأبديّ
كنا العدم
وغدونا
شيئًا آخر غير العدم
شرخًا في المرآة غدونا
وغيرنا
شمسًا على أكف القمم



باريس السبت 2011.03.12
ramus105@yahoo.fr


CONVERSATION

0 comments: