يتدلّى مَعَ خيطِ الشمس/ شوقي مسلماني


1 ـ شهوةُ القَرش

كشفَ عالِمُ أحياء، أنّ السمكةَ الضعيفةَ لا أمان لها، إلاّ في التواري بين الصخور، غير أنّ القرشَ مُزوَّدٌ بما يُعيّن له مكان السمكة الضعيفة بالذات، فيجتاحُها اجتياح عاصفة، وإذّاك يجتاحُ القرشَ جنونُ الشهوة، فلا تبقى سمكة في الجوار، مهما كانت سليمة، بمأمن مِنَ الخطرِ المُظلِم.

2 ـ محضرُ لقاء الآب وآبوب

ـ "كيف الحال أيّها الآب"؟.
ـ "سيّئة"!.
ـ " أيّها الآب سلامتك! ماذا تشكو؟ آمل أن يكون أمراً عارضاً"!.
قاطعَه الآب وأعلن:
ـ "أنا يا آبوب صحّتي عامرة، وإنّما المكان صار لا يُطاق".
إعترفَ آبوبُ:
ـ "صحيح".
وأردف وهو ينحني فوق مكتبه ويتظاهر أنّه يمسح غباراً:
ـ "الظروف غير ملائمة، التعقيدات متكاثرة، والأوضاع دقيقة".
قالَ الآب فيما يتجهّم:
ـ "مَن المسؤول"؟.
رأى آبوبُ تجهّمَ الآب، وقال ملصِقاً ظهرَه بالمقعد:
ـ "أنتَ أعلم"!.
إقتربَ الآبُ إلى حافّة مقعدِه، وقال بلهجةٍ مستغرِبة:
ـ "أنا أعلم"؟!.
نهضَ آبوب ودار حول مكتبه وقال:
ـ "أيّها الآب! الآباب لا يتركنا لحالِنا".
اتّسعتْ عينا الآب كأنّما لا يصدِّق ما يسمع، وتساءل:
ـ "الآباب! إشرحْ لي مِنْ فضلِك"!.
أعطى آبوب ظهرَه للآب. مشى عائداً إلى مقعدِه، فيما يقول:
ـ "منذ استلمتُ هذا المكان، إستلمتُ أن ألتزمَهُ، لا كما يقولون أنّي تلزّمتُه، أنا أريد أن أرفع وأن أوسّع، إلاّ أنّ الآباب لا يُسهّل عليّ ذلك. جعل آبابا معي في القمرة، بدل أن يعلّقه في السجن مِنْ قدميه"!.
رمقَه الآبُ، وقالَ بصوتٍ صارم:
ـ "أنتَ أيضاً مسؤول. الجميع يقولون أنّ الحقّ هو على الآباب! كأنّما الآباب مشجب"!.
إستدركَ آبوبُ، وقال بصوتٍ آسف:
ـ "أقسمُ بأبيك أيّها الآب، أنّي في المرحلة الأخيرة حاولتُ إستعادة زمام الأمور، غير أنّ آبابا سارعَ إلى إعاقتي".
أمعنَ الآبُ به النظرَ، وقال:
ـ "لماذا يُعيقُك آبابا"؟!.
ألصقَ آبوبُ ظهرَه بمسندِ المقعد، وقال:
ـ "لأنّ آبابا يُريد أن تعضَّ كلابُه الناسَ الطيّبين".
أسندَ الآبُ ظهرَه، وقال بلهجةٍ فيها مرارة:
ـ "فقط آبابا لديه كلاب يريدها أن تعضّ الناسَ الطيّبين"؟!.
وقفَ آبوب وقالَ، بألم:
ـ "ما الذي تقصدُه أيّها الآب"؟!.
وقفَ الآبُ، وقال:
ـ "أنتَ تعرف ماذا أقصد، يوجد حصانٌ أصيل، وأنتَ تحاول أن تقتلَه. عظامُه بارزة مِنَ الجوع، هل هذا جائز؟! هل يموت حصان أصيل لكي يعيش بغلك"؟!.
تململ آبوب، وقال، جالساً في مقعدِه:
ـ "البغلُ أيّها المبجّل يحمل على ظهرِه ما لا يطيقه الحصان".
قالَ الآب بصوتٍ آسفٍ، وساخرٍ في آنٍ، وهو يستند بكفّيه إلى المكتب، ويُقرِّب وَجهَه مِنْ آبوب:
ـ "أهكذا يُلتزَم المكانُ؟! يُقتَلُ الحصان الأصيل لأنّه يحمل أقلّ؟! إنّك يا آبوب تجعل المكان مقفِراً، ليس فيه سوى آبابا، وكلابه المفترِسة".
وقفَ آبوب، وقالَ، فيما يمشي:
ـ "عندنا أحمال أيّها الآب! ونحن نحتاج إلى بغال".
مشى الآب وتواجه مع آبوب، وقالَ بلهجةٍ حادّة:
ـ "إذا يا آبوب لا تكفّ عن الحصان، فأنا أيضاً لن أدعكَ وشأنك! فالمسألة باتت واضحة، أنتَ تريد بغالاً! يجب أن تلزم حدودك".
رجع آبوب إلى مقعدِه، وقال بلهجةٍ لا تنمّ أنّه يريد أن يقرّ:
ـ "يدُ آبابا طويلة".
قاطعَه الآبُ، وقال له بصوتٍ مرتفع:
ـ "أنتَ أوحيتَ".
إبتسمَ آبوب فجأةً، وقال بلهجةٍ مهدّئةٍ، وماكرةٍ في آن:
ـ "علينا أن نصبر".
قالَ الآب بعد أن نظر إلى آبوب، ومشى صوب الباب:
ـ "إعملْ ما بدا لك يا آبوب، إنّما خذْ حذرك".

3 ـ العلوج

يهبونكم بعضاً ممّا هو أصلاً لكم
قولوا: ما هو بقدرِ شُبِّه لكم
ويقولون لكم:
"اشكروا
حتى لا تزول النِعمُ".

CONVERSATION

0 comments: