سماء العراق/ د. نوري الوائلي


عبر رحلاتي بين أمريكا ودول الخليج لأول مرة تحلق
الطائرة في سماء العراق فكتبت هذه القصيدة لبلد الآحرار
بلد الشهادة والأيمان

طالعتُ أرضك في السماءِ هميما = وقرأتُ أسمكَ كالجروحِ أليما
وجمعتُ ذكراً ، قد أناخ بخاطري = طرباً ، وأوزعني شدى و غنيما
وشممتُ عطرك في الأثير فعانقت = روحي بطيبك بلسماً ونسيما
ونظرتُ عبر نوافذي فأجابني = أفقُ الجمال حضارةً وصميما
ودخلتُ فجّاً والغيوم سواتر = فأحالها شوقي اللهيب هشيما
فرأيت ليلاً والعراق ضياءه = كالبدر تغبطه النجومُ وسيما
وشعرتُ أمناً والممات يحيفني = فالموتُ أضحى في العراق نعيما
وملكتُ دفئاُ كالرضيع إذ أعتلى = صدر الحنانِ وأسهب التنويما
يعلو ، وتعلو في جوانبه الدّما = ويصيرُ لون الخافقين رثيما
ورأيتهُ صرحاً يلملمه الرّدى = نحوَ المعالي سالماً وقويما
وعبرت زاخو والشمال ونينوى = وقربت بغداد الفداء كليما
ورفعتُ قلبي للسلام محيّيا = أرضَ الشهادة والفدى وكظيما
وعبرتُ بابلَ ثمّ واسط لاهفاً = ورمقتُ عيني للجنوب هميما
ولمحتُ ثغرَ الرافدين عجالة = كالفجرِ يمحقُ ظلمةً وبهيما
الأرضُ حمراءٌ وزهرٌ أحمرٌ = والجذر تسقيه النحورُ سديما
ما كان يبقى في الإباء ويرتقي = أو يعتلي فوق النجومِ رقيما
لولا الحناجر والضحايا والتقى = وقلوب شعب لم تر التسليما
والماجداتُ الى الفخار بشائرٌ = يعلو بهنّ دمُ العراق عظيما
لم تُدنِ قدرك للشموخ مناصب = أو كنت ترجو في سواك زعيما
بل كان شعبك لا يزال كأنّه = قلبٌ يطلّ على الممات كريما
فرأيتُ أرضك كالبدورِ تنيرها = شمسُ المقابر , لم تر التعتيما
ونسوك يا ساقي العراق بنحره = فيضاً يفيض على الغمامِ نقيما
لولاك ما رفعوا نواصي عزة = أو قارعوا في الرافدين حسوما
هل يمسحون عن اليتيم مآتماً = أو ينصرون من الظليم مظيما
أيتامُ شعبي لن يعيشوا ذلة = أو يلبسوا فوق الضلوعِ رديما
علماً تطول على الفخارِ مرفراً = بيدِ الشهيدِ ، وترتقي التعظيما
وتعيشُ رغم الموجعات معافياً = وتكون فوق العاتيات سَهوما
هذي الجنائنُ في رباك علامة = ويطولُ سومرُ حاضراً وقديما
وهي المسلةُ لا تزال كأنّها = ثغر ويحسبها القضاةُ نديما
عَلَّمْت دنيانا الكتابة أحرفا = ورسمت فيها ملهما وحكيما
ما دمت تركعُ للسماء موحِداً = ستدوم سيفاً للسلامِ صروما
وتجيبك الأقدارُ عند نوازع = وتزيحُ عنك المانعاتُ حتوما
القيدُ حولك كالعظام تحيله = قيمُ الحرائر والنحورُ رميما
ما نام في أرض الأباة أذلةٌ = أو ترتضي دون التقاة زنيما
سيدومُ في أرض العراق ويرتقي = نهجُ السماء مبادئاً ورسوما
ويقومُ في ظل الصّلاة مُوحَدا = يبني المفاخرَ شامخاً معصوما
لن يرتضي شعبُ المبادئ مُلحِدا = او جاهلاً يعلو الزمامَ دميما
سيضلُ أسمك يا بلادي رايةً = فوق الصدور ومعلماً وتميما
وتكون فينا والسلام هوية = فخراً بها نطوي الزمانَ صريما
عشتُ العقودَ عن المنابع مبعد =والبعدُ يفتلُ في الصدورِ غريما
بالليل يكرمني التهجدُ غفوةً = والدمعُ يُسدي للقذى الترميما
أحيا التنائي والفراقَ كأنّني = في العيدِ أحيا مرغماً ويتيما
ستضل في قلبي أنين مواجع = تعلو ، فأعلو قامةً وشميما
كالعاشقين إذا ذكرتك مولعاً = والهائمين الى الكواعبِ هيما
ما دمت تنزف والفراق يلمني = سأعيش دهري يا عراق فطيما
وعبرت أرضك ساعة فحسبتها = الإلهامَ والتاريخَ والتقويما
وعبرت أرضك والعناقُ يشدّني = بالرافدين أصالةً وحميما

CONVERSATION

0 comments: