دون كيخوتات الأدب والنت وآليات النقد/ أبو يونس معروفي عمر الطيب

تعرف اليوم الساحة الأدبية الجزائرية زخما هائلا من الحركية بفضل الشبكة العنكبوتية ولكن من جهة أخرى نجد إن هذه الوسيلة أقحمت بفضل تقنياتها البسيطة "كبسة زر" الغث والسمين وساوت بين ا الأدباء الحقيقيين وأشباه الأدباء هؤلاء الذين صاروا يزاحمون أصحاب الحرفة على الساحة الأدبية متخذين من موجة الحداثة مطية يردون الوصول عبرها الى مجد يرونه قريبا عن وهم ،ولا شك في ان النقاد لا يلقون لهم بال حتى لا يصنعون من النكرة شيئا معروفا .. وربما يجدون الأمر طبيعيا كنتيجة للتحول سرعان ما يتلاشون كالزبد أو لأنهم لم يجدوا شيئا في خربشاتهم يرقى إلى مستوى النقد .

ربما التكنولوجيا أتاحت حرية تدفق المعلومات بسرعة وغزارة عن أي علم كان إلى عامة الناس ومن أي شخص أو مكان ولم يكن في مقدروها وضع قواعد تقنية أخلاقية  من شأنها أن تضبط كل فاسد أو مغلوط فظهر الكلام النابي القبيح وكل أنواع السباب والتنابز بالألقاب.. وكثر القفز وركوب المنابر ، باستعمال تقنية النسخ واللصق ، بل وصار التناص تلاصا في وضح النهار .   ولم يبقى للأصيل من الأدب والعلوم الأخرى ضامن إلا السلوك الأخلاقي الذاتي وفي نفس الوقت الدليل الأوحد على صلاح سريرة الإنسان كانسان والعكس صحيح ، فسلوك الكاتب أو المبدع مرآة عاكسة لما هو مستقر في دخيلته ، يقول الإمام الغزالي " فإن كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة وقد ذهب القاضي الجرجاني في تحليله الملكة الشعرية إلى ابعد من ذلك فقال : «وقد كان القومُ يختلفون في ذلك...فيرقّ شعرُ أحدهم، ويصلُب شعرُ الآخر، ويسهل لفظُ أحدهم، ويتوعّر منطقُ غيره؛ وإنما ذلك بحسَبِ اختلاف الطبائع، وتركيب الخلْق؛ فإن سلامةَ اللفظ تتبعُ سلامة الطبع، ودماثة الكلام بقدر دماثة الخِلقة "[1]
كنتيجة حتمية للثورة الثقافية التكنولوجية فإننا صرنا كثيرا ما نعثر في طريقنا على بعض من هواة الأدب ممن أسكرهم المدح الكثير من شليلات المنتديات وأشباح النت التي صنعوها لأنفسهم وربما كتيبات أوسموها بالدواوين أو كتبوا جملا لا تفيد في شيء ولا تتشابه في جنسها مع ما تعارف عليها العرب قديما وحديثا  ثم راحوا يقارنونها بروايات لطفي المنفلوطي  فوهم يركبون غيمة التوهم ويحلمون بمجد المتنبي والقباني وهمنغواي وهم ليسوا من الشعراء أو الكتاب إلا من الطبقة ما بعد الرابعة
هناك أيضا فئة أخرى تمخضت عن تكنولوجيا الإعلام فظهر ما يسمى بالإعلام اليكتروني فنجد من هب ودب وبكبسة زر يفتح صفحة ويصنع منها زوروا وبهتانا فضاءً للأدب مدعيا الصنعة وهؤلاء غرتهم أماني مواقع وصفحات انشأوها بفضل تقنية مارك زوكربيرغ وبيل غيتس وعمدوا إلى عرض كتابات غيرهم عليها كخدمة مجانية ثم أرادوا من خلالها الحصول على ألقاب تضاهي بل وتفوق ألقاب الروائيين والكتاب على الساحة الأدبية الذين ينشرون لهم بل وجدناهم يساومون من ينشرون لهم وهذا لعمري طموح الأغبياء " les ambitions des imbéciles"وليت هذه الصنوف جميعها المحسوبة بغير وجه حق على الأدب  اكتفوا بما حصلوا عليه زورا وبهتانا بل وجدناهم يتطاولون على غيرهم من الأدباء المبتدئين ويطالبونهم بتقديم فروض الولاء والتقديس ، ولا شك أن هذا ما يسمى بمرض الوهم" fiction" الذي يعرف على انه صورة ذهنية مركبة ليس لها ما يطابقها في الخارج[2] لأنهم في الحقيقة لم يجدوا من يردعهم ويعيدهم إلى مقاعد رُتبهم .أو ربما تغاضى عنهم النقاد عن عمد حتى لا يصنعون من النكرة شيئا أو ربما لأنهم لم يجدوا شيئا في خربشاتهم يرقى إلى مستوى النقد  
في المقابل أيضا نجد بعض النقاد  يحاولون الاختباء وراء الأمانة العلمية والمسؤولية الأدبية لإخفاء مزاجيتهم رغم أن النقد يظل أداة واحدة ولكن يبرز من حيث هو كفعل لأسباب عديدة لعل أهمها أن يأتي النقد لعوامل شخصية أو لإثبات الوجود ، أو لتعكر في المزاج  أو لاعتقاد من توهم بصواب الرأي، وقد يأتي النقد ليحُط ّمن قيمة ومكانة الآخر ([3]) أو يكون الناقد مأجورا أو حسب الطلب وفي كل الأحوال فان هذا النوع من النقد الذي قد يصنف ضمن النقد المزاجي الذي ومهما حاولنا أن نخرجه من دائرة النقد "النزيه" فانه سيظل يخدم الأدب والأدباء ، إذا ما اشتمل عناصر نقد موضوعية تحمل حقائق لا يمكن تجاهلها ، فالمعيار هنا إذا هو جوهر النقد وليس سببه. وما يحمله من ثبوت سيشفع له فيما ظهر من اجله ، فالناقد بنقده مهما كان السبب سيظل مرشدا لأنه كثيرا ما يرد كاتبا مغرورا إلى صوابه أو يهدي شاعرا ضالا إلى سبيله" ([4])
وهذا لا ينزه الناقد من الخطأ فـ "الناقد لا ينجو من زلة أو هفوة فقد يرى القبيح جميلا أو يحسب الصحيح فاسدا وما ذاك إلا لأنه بشر" ([5]) وما قد يراه البعض في النقد تحاملا  فقد يستحسنه البعض الآخر. وذلك لان أساليب تحليل الخطاب تعددت لتعدد المناهج النقدية وصارت متداخلة فيما بينها إذ لا يمكن المباشرة في منهج دون التطرق للآخر نظرا للصلات التي تربط هذا المنهج بذاك رغم أنها مختلفة في مصطلحاتها ومفاهيمها إلا أنها من جهة أخرى تتفق من حيث الدراسة النصية في اعتماد بعضها على تحليل الصورة كما الحال بالنسبة للمنهجين الموضوعاتي والنفسي اللذين يختلفان فقط من حيث الغاية ، هذا التعدد الزاخر في أدوات و آليات النقد  جعل الكثير من النقاد يعمدون في تحليلاتهم إلى الاشتغال بأكثر من منهج للوصول إلى الهدف الذي قامت عليه الدراسة  وبذلك نجدهم قد سنوا مناهج أخرى جديدة مبنية على التزاوج. 
ومن جهة أخرى  نجد السرد مختلفا من حيث الخطاب في صيرورته الطبيعية باعتباره نظما كلامية لا تنتهي إلا بانتهاء الإنسان فقد سار الخطاب سيرا توسعيا في امتصاصه التنوعي لكافة الأجناس ليتلون بذلك بألوانها في ظاهرة تعددية وهو ما يصطلح عليه بالتعدد الأسلوبي  الذي طرح في النهاية على النقاد والدارسين إشكاله تحديد خصائصه النوعية .

 المراجع
01- معجم الفلسفة التعريف رقم
02- القاضي الجرجاني؛ الوساطة؛ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم؛ علي محمد البجاوي
03- كيف تتعامل مع النقد المقالة الصحفية عمود 2000 للمؤلف  "   
04-كتاب الغربال للأديب ميخائيل نعيمة 
05- نفس المرجع
 القاضي الجرجاني؛ الوساطة؛ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم؛ علي محمد البجاوي [1]
معجم الفلسفة التعريف رقم 1118   [2]
  كيف تتعامل مع النقد المقالة الصحفية عمود 2000 للمؤلف   [3]
  كتاب الغربال للأديب ميخائيل نعيمة  [4]
 كتاب الغربال للأديب ميخائيل نعيمة  [5]

CONVERSATION

0 comments: