تأتي عملية شهداء القنيطرة التي نفذها الجيش السوري بالتعاون مع محور المقاومة ايران وحزب الله ضد "جبهة النصرة"، جيش لحد السوري في الجولان،تتويجاً وإستكمالاً لما قاله سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه بعد عملية شبعا الإستراتيجية،بأن قواعد الإشتباك قد تغيرت،وان جبهة الجولان ستتحول الى ساحة اشتباك مفتوحة مع المحتل من أجل تحرير الجولان المحتل،واسرائيل التي بذلت جهوداً كبيرة من أجل إقامة حزام امني يمتد من القنيطرة السورية الى مزارع شبعا اللبنانية،بحيث يشكل الدرع الحصين والحامي لحدودها ومستوطناتها امام أي هجمات سورية او لقوى محور المقاومة،معتقدة بأن محور المقاومة ليس في وضع يسمح له بتغيير قواعد الإشتباك،ولعل عمليتها الإجرامية في القنيطرة ،والتي إستهدفت كل مكونات هذا المحور،أرادت ان توجه من خلالها رسالة واضحة لهذا المحور بانها لن تسمح بتحول الجولان الى ساحة حرب استنزاف ضد جيشها ومستوطناتها في هضبة الجولان السوري المحتل،وتنامى الوهم لديها بأن هذه العملية ستشكل عنصر تحول استراتيجي في الوضع،معتقدة بان حزب الله ومعه محور المقاومة لن يجرؤ على الرد،وبالتالي تفقد الجماهير العربية وجماهير المقاومة الثقة بالحزب والمحور،ولكن المفاجأة ان الرد كان سريعاً وفي وضح النهار،وحمل طابعا استراتيجياً،بحيث قلب الموازين وغير قواعد الإشتباك،ولم تقم اسرائيل بالرد رغم كل "الجعجعات" والتهديدات التي صدرت عن القيادتين العسكرية والسياسية الاسرائيليتين،وأبتعلت الرد على امل ان تكون عملية شبعا إغلاق للملف.
جاءت التطورات بعد عملية شبعا الإستراتيجية متسارعة،حيث أقدمت عصابات "داعش" على حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة،وهذا الحدث كان ضروري من اجل تعزيز الدور الأردني في خدمة السياسة الأمريكية،وهذا يجعل المبررات "الثأرية" الأردنية للرد على جريمة "داعش" مصوغة امام الجماهير الأردنية،من حيث مشاركة الأردن في الحرب البرية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في الظاهر ضد "داعش" والإرهاب في سوريا والعراق ،ولكن هناك اجندات مخفية لهذه الحرب البرية،ألا وهي فرض شروط على محور المقاومة،والعمل على تقسيم وتفكيك أراضي الدولة السورية،بالرهان بالذات على "جبهة النصرة" في الجنوب السوري التي تحظى بالدعم والرعاية من الأردن والسعودية وقطر وتركيا،وتحتضنها اسرائيل كجيش لحدي سوري يحمي حدودها،ويمنع أي هجمات عليها.
العملية العسكرية الواسعة التي نفذها الجيش السوري بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني وقوات النخبة في حزب الله،هي حرب استباقية ودفاعية في نفس الوقت،حرب يراد منها إرباك وإفشال مخططات المحور المعادي في شن حرب برية،وقودها الأساسي قوات عربية من الأردن وغيرها من دول المحور المنضوي تحت راية واشنطن،وقبل الحديث عن الغايات والأهداف من هذه العملية ذات البعد الجيوستراتيجي،لا بد من التأكيد بان عملية شعبا،اكدت على مجموعة حقائق مؤلمة بالنسبة لإسرائيل وامريكا والتوابع من مشيخات النفط والكاز الخليجية وجماعة التتريك،تتلخص في وحدة الجبهة مع تعدد محاور القتال،والثانية وحدة المقاومة مع تعدد العناوين، والثالثة وحدة الهدف مع تقاسم في المهمات أو توزيعها.
وفي الوقت الذي يحقق فيه الجيش السوري انتصارات كبيرة في جبهة القنيطرة - درعا،انتصارات تسقط ما خططت له اسرائيل وحلفائها في سنوات في أيام معدودة ،تذكر بما فعلته المقاومة اللبنانية وحزب الله بجيش لحد في الجنوب اللبناني،ألا وهو دحر واسقاط مشروع الحزام الأمني،او الجيش اللحدي السوري"جبهة النصرة" كوريث لما يسمى بالجيش الحر،وكبديل عنه في أي مفاوضات سياسية قد تجري مع النظام السوري مستقبلاً،ومما زاد الوضع تعقيداً امام اسرائيل وحلفائها بأن "جبهة النصرة" تم إدراجها ضمن قوائم الإرهاب،حيث نجحت موسكو في تمرير قرار تحت الفصل السابع لتجفيف موارد الإرهاب وإضافة اسم «جبهة النصرة» إلى جانب اسم «داعش» فيه،مع ضمان تصويت بالإجماع في مجلس الأمن الدولي،وفق نص يمنع دول الجوار من المشاركة في بيع النفط المنهوب من قبل «داعش» و«النصرة» من سورية والعراق، ومنع تسهيل المتاجرة بالآثار المسروقة.
الإنتصارات المتحققة على جبهة درعا – القنيطرة من قبل محور المقاومة،هذا المحور الذي سيحيي ذكرى الشهيد عماد مغنية "الحاج رضوان" في تلة الحارة الإستراتيجية التي إستعادها الجيش السوري،تلك التلة التي دمرتها عصابات النصرة ولم تجرؤ على تدميرها اسرائيل،إسرائيل باتت مرتبكة وقلقة جداً من هذه التطورات،وهي الان على ضوء هذه التطورات عادت لتطلب من جديد عودة القوات الدولية الى هضبة الجولان،بعد ان تم طردها من قبلها وقبل حلفائها،ظانة بأن ما قبل شبعا هو ما بعدها.
الإنتصارات المتحققة في الجنوب السوري ،في جبهة القنيطرة – درعا. قلبت كل الحسابات وفاجأت اسرائيل،التي قال نائب رئيس الشاباك السابق فيها معلقاً على إنتصارات الجيش السوري وبالحرف الواحد "من أين جاء بشار الأسد بكل هذه الجحافل العسكرية التي اقتلعت النصرة من مناطق واسعه في الجنوب السوري و بعمليه صاعقه ؟!! على جنرالاتنا أن يعيدوا حساباتهم دائماً مع هذا الرجل.
عملية صاعقة ومخطط لها بعناية وذات بعد إستباقي واستراتيجي،هدفت لتحقيق جملة من الأهداف،يقف في مقدمتها إفشال الحلقة الرابعة من العدوان على سوريا من خلال العدوان البري،الذي ستكون الأردن رأس الحربة فيه،بينما كانت الحلقات الثلاثة السابقة قد قادتها قطر- تركيا "الإخوان المسلمين" السعودية "بندر ربن سلطان رأس حربتها" ومن ثم "داعش" متفرعة عن القاعدة.
والأهداف الأخرى لهذه الحرب لإقتلاع وتدمير الحزام الأمني الممتد من القنيطرة السورية وحتى شبعا اللبنانية،كدرع منيع لحماية اسرائيل،ومحمية تابعة للسعودية وقطر والأردن وتركيا،وبما يحكم الطوق حول قوى المقاومة اللبنانية وبالذات حزب الله،تدمير غرفة العمليات المشتركة المقامة هناك على مثلث الحدود السورية – الأردنية – الفلسطينية من قبل المخابرات الأردنية والإسرائيلية والخليجية والتركية.
قطع التواصل والصلات والإمدادات ما بين "داعش" في الشرق السوري وعصابات النصرة في الجنوب السوري،وتوفير أعلى قدر من الحماية لدمشق العاصمة،ومنح الجيش السوري القدرة على تنظيف جبهة الجولان وريف دمشق الشرق ،الغوطة الشرقية من العصابات المجرمة.
هذه العملية ذات البعد الإستراتيجي ستظهر نتائجها في المدى القريب على المشهدين السوري والإقليمي،حيث حليف سوريا الإستراتيجي بوتين يحقق نجاحات في أوكرانيا ويفرض شروطه،وكذلك ايران حلفائها في اليمن "الحوثيين" يفرضون شروطهم وحضورهم،والحلف المعادي يحصد المزيد من الهزائم والإنتكاسات.
0 comments:
إرسال تعليق