عبر حفيف موج أليف يبحر القارىء في ديوان شعر الشاعرة سوريا بدور ، رنين العبارات يزقو كمثل عصافير الصباحات الحلوة، بدءاً من وفائها لذكرى أبيها " إلى أبي الذي أوقفني تحت شمس الحرية والتمرد" ، حيث كانت سوريا رائدة في الانتفاع من قوة جناحيها المميزين لتحلق فوق مسارات الطيور العادية، طارت عالياً في سماء الإنسان وعبرت حواجز الطائفية والمذهبية بفعل إيمان عميق جذرته تنشئة المرحوم شكيب بدور.
على امتداد صفحاته المئة والأربعة والعشرين تتصاعد لحظة الرسم الجمالي في ديوان الشاعرة سوريا بدور، حيث تبوح لنا على أولى درجات السلم الذهبي في " لك العمر"
" لك العمرُ
وجهاً تشكلَ بين خرائب هذا الخلاء
تملى حنين الحجارة
بين سديم الزمان العتيق
وبين حياد السماءْ
وبين مجيء الوجوهْ
وبين رحيل الوجوه لما لا تشاءْ"
ومن رحيق ورد الدرجة التي تليها في سلّم سوريا " أوافيك في اللحظة المشتهاة" تدرز الشاعرة خرزاً ماسياً على لوحة حب سموءلي الوفاء ثريُّ الإباء :
" آلا جئتني ؟
سيداً يستقيل من المجد يأتي إلى فيء شعر ظليل
ينام كما يهجع الأنبياء مدى لحظة الإنصهار
وراء شعاب الحقول
يفيق كما تنهض الأرضُ حين قدوم الفصول
وإذ لا يظل مكانٌ لنجمة صبح على وجهي المستحيلْ
أوافيكَ في اللحظة المشتهاة
كعرسِ القبيلة بين صهيل الخيولْ"
على الدرجات الباقية من السلم الذهبي سوف تنساب عينا القارىء على مدارج قصائد سائغة سلسة عذبة المذاق : "كذا تشتهيك العناصر" ، "السراب" ، "انتظار"، "وسوف أحبك" ، "إذا كان" ، "صلاة الفراشات رقص" ، "خارج إعصار الغابات" ، "جنون" ، "أنا الأميرة في الحقول" ، "أعدُّ تجاعيد روحي" حيث تهدي هذه القصيدة إلى مسقط رأسها قرية بكيفا ، " القدم الغريبة" ، "الطاحونة المهجورة" ، "رؤيا" ، "عودة" ، "رحيل النهر" ، "ليست وهماً" ، "إلى جدتي" حيث تقول سوريا بأن جدتها كانت تشتهي الموت لتجتمع بأولادها الراحلين، "شهداء" ، "راعية الأيام" ، "أغنام الجنَّة" ، "نداءٌ جميل" ، "عاصفة" ، "خارجة عن نعمة عشتار" ، "أما من زائر يأتي؟" ، "لم يحضروا دمعاً" ، "المساءُ الأخير" ، "أحزنني البحر" ، "الأيقونة البلهاء" ، "أحلامُ الماء" ، "سفر" ، "ينابيع" ، "ولدت مع الله" ، "جعبة الريح" ، "قوس قزح بالأسود"، "دربُ اللبن" ، "عرَّافة" ، "هنا جسدي" ، "يدان" ، "مدينة الشيطان"، "موتُ نجمة"، "يا سيدي القمر" ، "عندما كنتُ صغيرة" ، "سيِّد الرعود" ، "لحظة حب" ، "ينابيع روحكِ" (تهديها سوريا إلى نسرين) ، "عروسٌ من البدو" ، وفي أعلى السلم ترتع أبياتٌ حزينة موشاة بالإباء " إلى شاعر" .
كم كان بودي لو اتسع حجم المقال لحجم الديوان والتقديم الوافي لكل تلك القصائد الغنية بالحدث والضاجة بشعر يلج برفق عبر مسام الروح ويلتصق بها. تحية للشاعرة سوريا بدور ولشعرها العابق بنسيم الحور السامق في بكيفا.
0 comments:
إرسال تعليق