-أكاديمية
القاسمي
بلغتني رسالةٌ مِن الأستاذ بروفيسور فاروق مواسي تقولُ: آمال
عزيزتي، لكِ محبّتي قبل تحيّتي. أنتِ لا تعرفين كم أثارتْ ورقتي من نقاشٍ في
الجلسة، وحتّى الساعة الأخيرة من المؤتمر، في الأمسيات وفي الحافلة، مُذها وعلامات
الإعجاب بالمحاضرة لا عهدَ لي بمثلها. النقاشُ بينَ مُهاجمٍ تقليديٍّ وبين مُؤيّدٍ
مُتحمّسٍ فماذا أحدث؟ أُرفقُ لكِ النصّ فانشريه.
أ.د فاروق مواسي
شارك في مؤتمر جامعة جدارا- الأردن بين 24-26 آذار 2015، حول المرأة في
الخطاب الأدبيّ الإبداعيّ والإعلاميّ والثقافيّ والفنّيّ والفكريّ، وكانت مُقرّرة
المؤتمر: د. خولة شخاترة، ورئيس اللجنة التحضيرية: د. هيثم العزام. وقد أثارَ
البحث نقاشًا جادًّا ومثيرًا، بسبب جرأةِ آمال عوّاد رضوان على الخروج عن المألوف
الصّرفيّ والتركيبيّ النحويّ، ودهشة انزياحاتِها.
مداخلة أ.د فاروق مواسي جاءت بعنوان: "آمال عوّاد رضوان
وتطويع اللغة في شعرها":
آمال عوّاد رضوان شاعرةٌ مِن الجليل، لها في قصائد النثر:
"بسمة لوزية تتوهج"[1]،
"سلامي لك مطرًا"[2]،
"رحلة إلى عنوان مفقود"[3]،
كما أنّها نشطت في إعداد مجموعاتٍ أدبيّة: "الإشراقة المُجنّحة"[4]
وهو كتابٌ يَجمعُ
لحظاتِ البيتِ الأوّلِ لدى شعراء كثيرين، "نوارس من البحر البعيد"[5]،
وهو كتابٌ يتناولُ المشهدَ الشعريَّ
الجديدَ في الجليل والمُثلث، و"محمود درويش- صورة الشاعر بعيون فلسطينية
خضراء"[6]،
و"رؤى" كتابٌ في المقالةِ والأبحاث، كما أنّ لها دراساتٌ أخرى في المَجلّاتِ
والصّحف. ولن تتوقف هذه الدراسة على العناوين، سواء في أسماء المجموعات أو في
أسماء القصائد، فهي وحدها دالّةٌ موحيةٌ تَشي بأكثرَ مِن دلالة، وتتوسّعُ فيها، بل
هي بحاجة إلى دراسةٍ خاصّةٍ في سيميائها.
لكنّي هنا سأتوقف على مغامراتِ تطويع
اللغة، ممّا يُحسَبُ عادةً بأنه لحنٌ أو خطأ، سواء في استحالةِ المعنى، أو في الصّرف
أو النحو. بالإضافة إلى المغامراتِ اللغويّةِ التي تعمَدُ إليها الشاعرة آمال، فثمّة
ما يدعو إلى الاهتمام بهذه القراءة، وهو الربط بين المرأة الشاعرة، من حيث كونها
امرأة تتلمّسُ طريقها ووجودَها في مجتمعِنا العربيّ، وبين جموحِها اللغويّ،[7]
وبالتالي فهو نوعٌ من التمرّد، والخروج عن المألوف المتبع، فالمرأة في الأدب هنا
رياديّة، تشقُّ طريقها، تبتكرُ، ترفضُ المألوفَ، وتبتدعُ، وربّما تعكسُ بذلك شخصيّتها
هي. تقولُ آمال وهي تعتزّ بامتلاكِها القياد:
أهيمُ بِرَجُلٍ قلبُهُ مُلكي/ وأنا
القابِضَةُ على أقفالِهِ/ مَرْهونٌ بأسْري .. / يَلْتاعُ بِسِحْري ../ قلمُهُ يَنْبِضُ بِحِبْرِ حُروفي/ قلبُهُ
يتلوَّنُ بِخَمْرِ قطوفي[8]
المرأةُ الشاعرةُ حتّى في عنفوانِ غزَلِها
تشعرُ بقوّتِها، مِن خلالِ تأكيدِ ذاتِها وكينونتِها.
إنّ لديها الشعورَ بأنّها قويّةٌ مالكةٌ بيدِها الزمام:
أَشتاقُكَ ../ أيُّها المَجنون/ إِلى ما لا
نِهايةٍ مِن جُنونِك/ أَشتاقُك ../
وما
مِن أحَدٍ يَراكَ شَفِيفًا كَمايَ/ كم أُدمِنُها دِنانُ حُزنِكَ/ أنادِمُها
بِكَلماتٍ فيها بَعْثي المنتَظَر"[9]
في مجموعةِ الشاعرةِ الثانية (سلامي
لك مطرًا)، مضت الشاعرة تُعنونُ قصائدَها، بمَعانٍ فيها الغرابة والخروجُ عن
المألوف، ولأنقلَ لكم عناوين النصوص، نموذجًا لِما انطلقت فيهِ في مجموعاتِها
الثلاث، وهي في هذه العناوين توقفُ المتلقي أمامَ أكثر مِن سؤال:
خُرَّافَةُ فَرَحٍ،
حورِيَّةٌ تَقْتاتُ
مِنْ ضِرْعِ النُّجومِ، سَماوِيَّةُ غُوايَتي،
فِتْنَةُ رُؤًى
عَذْراء، نَدًى
مَغْموسٌ بِغَماماتِ سُهدٍ،
أنّى يُبَلِّلُني
غُبارُ التَّثاؤُبِ جَذِلا؟ شاهِدَةٌ فَوْقَ لَحْدِ
النَّهار، اُسْكُبِيكِ في دَمِي، إِلَيْكِ أَتوبُ
غَمامًا، زَغَبٌ شَمْعِيّ،
في مَلاجئ البَراءَة..إلخ
ولا شكّ أنّ هذه العناوينَ وغيرَها، تثيرُ في المتلقي تداعياتٍ وتساؤلاتٍ، وتعكسُ
أمامَهُ ملامحَ غامضةً كثيرة مُتراكبة ومُتفاعلة.[10]
*بالإضافة إلى الانزياحات[11]
الأخرى الكثيرة التي تفاجئ المتلقي بالدهشة، وتدعوه لأن يُعمل الخيال نحو:
"لاَ تَجُزّي لُؤْلُؤُ نَبْضِي"
(رحلة..ص126)، "وَفِي شِعَابِ غصَّةِ اضْمِحْلاَلِي" (رحلة..ص107)،
"مُطَعَّمَةً بِبَيَاضِ وَفَائِكِ!" (رحلة..ص119)، "رِمَالِ
الآهِ" (رحلة.. ص121)، "أَمْوَاهَ نَارٍ" (رحلة.. ص121)......
إلخ
*وثمّة تراكيب فيها الإضافات غريبة تبعث على التعجّب، نحو "فِي
أُفُقِ وَشْوَشَاتِ اللَّيْلِ"
(سلامي...، ص 29)، "بِتسابيح نَوافيرِ
أنْفاسِكِ!"
(سلامي...، ص 41).
ونحن هنا لا نتساءلُ عن منطقيّةِ كلّ انزياح ومدى التلويح فيه، والبُعد الكنائيّ، كما
لا نعمدُ إلى محاولةِ شرحهِ وتأويلهِ، ذلك لأنّ الانزياحَ ظاهرةٌ، تُترك للمتلقي
ليعالجها قبولاً أو رفضًا. ولكن ما يهمّني هنا انسياقُ الشاعرة نحوَ مَداليل، تؤكّدُ
استقلاليّتها في الخلق، ومكانتها مجتمعًا وأدبًا.
*يرى الكاتب عبد المجيد إطميزة أن وظيفة الانزياح الرّئيسةُ "ماثلةٌ
فيما يُحدِثُهُ مِنْ مُفاجأةٍ، تُؤدّي بالمُتلقّي إلى الغِبطةِ الذّهنيّةِ،
والإمتاعِ الوجدانيّ، والإحساسِ العذب بالأشياءِ إحساسًا مُتجدّدًا. والغايةُ مِن
لجوءِ شاعرتِنا لأسلوبِ الانزياح، أنّها ارتأتْ في عصْرِنا الحاليِّ، أنّ الشِّعرَ
لمْ يَعُدْ وسيلةً رئيسةً في حِفظِ الموروثِ القبَليِّ والدّينيّ والاجتماعيّ، معَ
دخول وسائلَ أخرى وأساليبَ أكثرَ مُرونةً وقبولًا لدى النّاس، فاتّجهَتِ الشّاعرةُ
لقضايا أكثرَ حميمةً وقُربًا مِن نبْضِ الشّارعِ وضميرِ الأمّة، كالقضايا
الإنسانيّةِ والاجتماعيّةِ والسّياسيّة {........}، ومُحاولتِها خرْق سُننِها
العاديّةِ، والتّحليق في فضائِها الرّحب، وكلُّ هذا يَحتاجُ لفنونٍ أخرى غيرِ
الدّارجةِ والمُتعارَفِ عليها، فاعتمدَتْ أساليبَ الانزياحاتِ؛ لتُلبّي رَغبتَها،
وتُشبعَ روحَها وغريزتَها، بابتكارِ لغةٍ شِعريّةٍ عذبة المَذاق".[12]
إذن؛ فالانزياحُ يُثيرُ التداعياتِ لاستيعاب كثافةِ العبارةِ،
وزخم المَعاني التي تتواشجُ معَ مَعانٍ أخرى، وبالتالي تتواصلُ وِفقَ مَناظير
جديدة، ورؤى تبحث عن تأويل وتعليل.
*ثمّ إنّ الاشتقاقاتِ الصّرفيّةَ تظهرُ
بارزة، وتشي بهذا الجنوحُ إلى التجدّدِ والانطلاقِ نحوَ لغةٍ جديدة. ومن طبيعةِ
اللغةِ، كلّ لغةٍ، أن تستوعبَ في كلِّ عصرٍ محاولاتٍ تجديديّة، وإلّا، فكيفَ تتطوّرُ
وتصبحُ كالشجرةِ تسقط منها أوراقٌ، وتنمو مكانها أوراقٌ جديدة. ورغم ذلك، فالطفرةُ
في التجديداتِ تدعو لدى البعض إلى النفور والاستهجان، بينما تتحمّسُ القلّة
القليلة لها، لأنّ اللغة المعياريّة هي الأوجبُ في رأي المجتمع في السائدِ
والإعلام.
*تابع كلٌّ من د. فهد أبو خضرة[13]
والباحث محمد عدنان بركات نوعيّاتِ المغامرةِ اللغويّة لدى الشاعرة، وكنتُ قبلَ
ذلك وقفتُ على بعضِها في محاضرةٍ ألقيتها حول مجموعتها الأولى في الناصرة سنة
2005، وإليكم مختارات منها: تقول : "اسْتدِرْ حَيْثُكَ" (رحلة الى عنوان
مفقود. ص 122) أي حيثُ أنتَ، فهذه إضافةٌ لا عهدَ لنا بمثلِها في اللغة.
وتقول: "مَاضٍ تَحَلْزَنَ بِالْحُزْنِ" (ص
122)[14]،
"زَوْبَعَتْنِي" (ص 112)، "كَمْ شَعْشَعَ مُتَفَيْرِزًا"
(ص 122)، "كَوْثِرِي نَهْرَ قَلْبِي" (ص 119)، "تُسَدِّرُنِي بِدَعْواتِ مَلائِكَتِكِ"
– (أي من سدرة المنتهى-ص 119). فهذه اشتقاقات مستحدثة ومثيرة للتساؤل حول إمكان
قبولها أو رفضها أو الحيادية فيها.
*بالإضافة إلى ذلك استخدامُ الضمير
المتصل، على طريقة أفعال القلوب وتقبلها الضمير المتصل مفعولاً به، نحو (حسبتني،
خلتني)، فتكتب: وأَرْسُمُني (ص74)، "ظَننتُني أحملُ كلماتٍ
يُفتّقُها شِعري" (ص67)، " .. وأذرفُني نردينًا
رقراقا" (ص40)، "كَيفَ آمرُنِي أَن أُغادِرَكَ؟"
(ص 22)، "أُلَمْلِمني لكَ ظِلالاً" (ص17)، "أأسْكُبُني
رَعشاتٍ تَصهُركَ" (ص17)، "بنسيمِكَ أَكُونُ
مَلكْتُنِي"، "وَبِغُبَارِكَ أَكُون خَسِرْتُنِي"
(ص21)، "أتنهَّدُني ... أعزفُني"(ص 84)، وغيرها كثير.
*ولا تكتفي بياء المتكلم، بل يمكن استخدام أي ضمير آخر: "نرسمُنا
قِصَصًا تَتلوَّى لَوعةً" (ص25)، "أنولَدُ فِينَا؟"
(ص15)، "أَنَا مَنْ طَرَّزَتْنِي عَيْنُ إِبْرَتِي قَلْبًا يَتَثَاءَبُكِ"
(رحلة الى عنوان مفقود ص105).
*بل تجعل الفعل اللازم متعديًا:
"يَنْبِضُنِي جُنُونُ ضَوْئِهِ فِي خِيَامِ الْعَتْمَةِ!" (رحلة
الى عنوان مفقود ص 106)، "فيتسربلُني عِطرَ حروفٍ وسِحرَ كلمات (بسمة لوزية
تتوهج ص 71).
*ثم إن تكرار الحروف لترسيخ الكلمة
معنى وصوتًا ظاهرة قد سُبقت فيها الشاعرة، [15]حيث
تكتب "درررررر" (ص122)، "آآآآآآآه" (ص105)،
"رحمااااااك" (رحلة..ص 122) " ومثلها شااااردة، تطووووووف، تخوووووور....إلخ.
*أما الحروف المتقطعة أفقيّا وعموديّا فقد وردت في شعر كمنجز
(Cummings)
الأمريكي، ووردت كثيرًا في العربية في أشعار مجلة شعر البيروتية، ولدى
أنطون شماس في الشعر الفلسطيني كذلك،
ولكنها لدى الشاعرة تكثر بصورة لافتة باعثة على
التساؤل، والشرح، والإبانة: "وَ... نَ فِ ي ضُ صَلاَةَ صَمْتٍ! (رحلة
الى عنوان ص119). ومثلها أ حِ بُّ كِ
(بسمة لوزية.. ص72)، حيث نحسُّ وقعَ هذا الحبِّ وشدّتهُ، ومثلها: تُ ثَ رْ ثِ
رُ كِ جُمُوحَ تَحَدٍّ يُهَدِّدُنِي! (رحلة..108)، وكذلك: لِتَعْتَلِيَ عَرْشَ فَ ر ا ق،
أَأَقْتَرِعُ...عَلى كِ
سْ رَ ةٍ مِنْ
خُبْزِ نُعاسِكِ؟ أَأُقامِرُ على نَ غْ مَ ةٍ مِنْ ماءِ
هَذَيانِكِ؟ أَتُبَعْثِريني
بِـ حَ
فْ نَ ةٍ مِنْ
خَميرَةِ أشْعارِكِ؟ (سلامي لك مطرا).
*والنماذج الأخيرة وردت مقطعة بصورة عمودية
للتدليل على التقطير والفرط والتوزيع
الحركي. إلامَ
أَ
قْ
طُ
رُ
نِ
ي
رِثَاءَ فِرْدَوْسٍ نَارِيٍّ عَلَى سَوَاحِلِ بَرَاكِينِي
(رحلة الى عنوان مفقود ص109).
ومثلها: بِوَدَاعَةِ
غَيْبُوبَةٍ مَحْمُومَةٍ تَ نْ فَ رِ طُ عَنَاقِيدُ
لَهِيبِهَا (سلامي لك...، ص28).
ومثلها أيضا: مِنْ مِعْصَمَيْكِ عَ لَّ قْ تُ كِ نَجْمَةً (رحلة الى عنوان
مفقود ص113).
*وجرأة الشاعرة آمال عوّاد رضوان تتجلّى في خلق اشتقاقاتٍ
ضمنَ هذا التوزيع الحرفيّ فتكتب: تَ ر ا مَ حْ تِ بِبَاحاتِ بَوْحي (رحلة
...، ص 95)، والفعل مرتبط بالرمح، كما تكتب...
أَ ...
... رْ ...
...جَ ...
...حْ ...
... تِ ...
... نِي...
عَلَى بَارِقَةِ عَرْشٍ بَيْنَ أَسْنَانِ أُكْذُوبَةٍ"
(رحلة... قصيدة "على مرمى خيبة")، وغيرها.
*تنهج الشاعرة مذهب من استخدم (ال الطائية) في اللغة، وقد
وردت في الشعر القديم، حيث اشتهر في ذلك بيت الفرزدق:
مَا أَنْتَ بِالحَكَمِ التُرْضَى
حُكُومَتُهُ * وَلاَ الأَصِيلِ وَلاَ ذِي الرَّأْيِ وَالجَدَلِ
فتقول الشاعرة: "ومِن على بُرجِ
عشقي اليتصدَّع/ أترقّبُني" (بسمة لوزية تتوهج ص69)، "المَجهُولُ اليَكْمِنُ خَلفَ
قَلبي" (ص 18)، " تعزفُني زفراتُك الْتَلْهَثُ/ حفيفَ تَميمةٍ مُقدّسةٍ" (ص 72)،
"لأظَلَّ ضَميرَكِ اليَسْتَتِرَ
خَلْفَ جِبالِ صَمْتِكِ "(سلامي...،
ص 36)، ومثلها التترعين "أيَّتُها
الغابَةُ التَتْرعينَ
بِوَحْشِيَّةِ الجَمَالِ(ن.م، ص 36)، و
"يَدْرُجُ نَوْمُكِ اليَتَّكِئُ/
عَلى عُكّازِ صَحْوَتي" (ن.م، ص 36)، ومثلها "لِسانَ القَلَم اليَصْهَلُ: أُحِبُّكِ. (ن.م، ص 39،
46).
*أما النعوت فمنها ما هو غير مألوف: " أَيَا أَيُّهَا الْبَحْرُ
الْعَارِي/ مِنْ مَوْجِكَ العشتار" (رحلة..، ص123) ،
وعشتار كما نعلم هي إلهة الحب والخصب عند شعوب كثيرة، وهذا التعبير لا عهد للعربية
فيه، ونحو ذلك كثير ممّا فيه تخريجات نحوية وشواهد نادرة.
*من الخارج عن مألوف اللغة استخدام
(كماي) بمعنى كمثلي: وما
مِن أحَدٍ يَراكَ شَفِيفًا كَمايَ (بسمة لوزية تتوهج ص14)، ""أنا
لَسْتُك.. وَما كُنْتُك" (بسمة
لوزية..... ص67)، " مَا من أحدٍ
يعرفُني/ إلاَّيَ
وروحُ الشَّوق" (ن.م- ص46)، " كيفَ.. وأنا مَن كُنْتُكَ../ وَجُلُّ
كلِّي فِيك ؟" (ن.م. ص67)، " وَكُلُّ كُلِّكَ يَشوقُني/ ولا
أُريدُ الشَّوقَ يُؤطِّرُني" (ن.م ص16). و "كماك": مَن ذا
يَبْتَلُّ بِوَهْجِ
لَيالِيَّ العَذْراءَ كَماكِ؟! (سلامي لك... ص108).
*كما تجمع قُزح على (قزحات- "تَجمَعُني
قُزَحاتهُ إضمَاماتٍ فوَّاحَةً/ تَزدانُ بِها مَنابرُ مَسامِعي" بسمة
لوزية تتوهج ص13)، وتبتدع/ تبدع إضافة "مئة عيونك" وَمِئَةُ عُيونِكِ
تُلاَقِحُ عَيْنِي/ وَ.. تُلَاحِقُ
ظِلِّيَ الْحَافِي؟ (رحلة الى عنوان مفقود ص112) مع عدم تقيدها بالنحو
المعروف.
*إن عناوين النصوص لدى الشاعرة كما
أشرت، تثيرُ تداعياتٍ وتساؤلاتٍ شتى، ولعلّ ما يهمّنا هنا، أنّ بعضَها ينمُّ عن
موقفِ الخروج عن السائد، منها قصيدة "عُصفورَةُ النَّار"[16]،
و"أَنفضُ الغُبارَ عَن مَتحفِ فَمِك" (ص30)، ففي نحوهما نلمسُ شخصيّة
الشاعرة غيرَ المستكينة، رغم ما تملي سيرورة الحب.
*في نصّها "سيرة ذاتية""[17]
ما يُعبّرُ عن هذا الواقع المُدهش الذي تمرُّ به، بل تجد هناك تعابيرَ غيرَ مألوفةٍ
لغويًّا، وتلمسُ أنّ لديها شخصيّةً مستقلّةً، تتعهّدُ نفسَها بنفسِها. تقولُ: "سِحرُ
الكلمات" هو عجوزي المستعارُ، وراعي انتظاراتي المؤجّلةِ بفوّهةِ مغارتِهِ
الخضراء، يَحرسُ بتمائمِهِ ومشاعلِهِ عرائشَ كرومي، عندما تتسلّقُ عليها دوالي
قلبي وذاكرتي المنهوبةُ، ونصوصي الوجدانيّةُ المكدّسةُ على رفوفِ فسحاتٍ تعذّرَ
التقاطُها.
بعشوائيّةٍ لذيذةٍ انفرطتْ قطوفُ أساريرِها على أطباقِ
البراءة عبْرَ صفحاتِ النّت، لتؤبّدَ دهشةَ صمتٍ عبَرَتْ كالرّيح، فوقَ ظلالِ
الفصولِ والعمر، إلى أنْ كانتْ ومضةٌ مخصّبةٌ بأحضانِ سحابةٍ متنكِّرةٍ، تراذذتْ
من جلبابِها "آمال عوّاد رضوان"، ومنذُها، وآمال لمّا تزل آمالُها حتّى
اللّحظة تتلألأُ بـ :
*بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام
2005.
*سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007.
*رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام
2010.
*كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال
عوّاد رضوان/ عام 2012.
*كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية
في شعر آمال عواد رضوان 2013.
وبالمشاركة مع الشّاعر محمّد حلمي الرّيشة كانت الكتب
التالية:
*الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/
شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007
*نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في
فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008
*محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008
صفوة القول:
*آمال عوّاد رضوان في نصّها الشعريّ تقتحمُ عوالمَ جديدة، تتّجهُ
إليها المفرداتُ باشتقاقاتٍ غير مألوفة، وبسياقاتٍ مُستجدّة، فإذا بالمتلقي يَقفُ
حائرًا أمامَ موسقةٍ ما، ويَرى تشكيلًا لغويًّا لا عهد له بهما. ومن هنا، فليسَ مِن
اليسيرِ أن يَنفرَ المتلقي أو يُلغي نصَّها، ويَضربُ عنه كشحًا، فهذه النّصوصُ
تجمعُ بين الواقع والفانتازيا، وتلعبُ فيها الذاكرةُ مع الانطلاق، كما تلعب هي
بالكلمات، فإذا استخدمت (تنـَـيْرنت") أو (تحلزن)، (فردِسـي)، (فيرزي) فهي
تدهش وتفاجئ.
*إضافةً إلى استخدامها (الـ؛ الهمزة واللام) مع الفعل
المضارع، أي الـ الطائية، وذلك من غير ضرورة وزنية- كما ورد في الشعر القديم، وهي
بمعني الذي، نحو: "اليكمن"، "اليتصدّع"، "التـتكئ"،
وهي كثيرة، وكأنّها تريدُ الاختزالَ ورفضَ الزوائدِ وإيجازِ الموجز.
*ومِن دوالّ المعاني التي تتمثلُ في التشكيل البصريّ إيحاءٌ؛
صورةً وصوتًا، ما سبقها إليه (كمنجز) الأمريكي، فكلمةُ (تطوف) تجعلها في كتابتِها
(تطوووووف)، وكأنّ الواو تدلُّ على التكراريّة في الطواف صوتًا ومعنى، وكلمة (شاردة)
تتعدّد ألِفاتُها حتى تشردَ الكلمة مع المعنى. بل إنّ السطرَ الشّعريَّ يَحفلُ
أحيانًا بهذه الوسائلِ الفنيّة:
رأفةً بي/ أيقظيني مِن حُلُمٍ تَغُطِّينَ في شَهدِهِ/
لِأَنسِجَ/ مِنْ توَهُّجِ عينيكِ العسليّتيْنِ/ شمـوووسًا / يااااااانعةً بِكِ/ أو
أقماااارًا / تغسِلُ العتمةَ عن رمشِ
حُلُمٍ بحجمِ دمعة![18]
*ومن مغامراتِها اللغويّة استخدام ياء المتكلم مع الفعل،
وذلك على غرار أفعال القلوب، فإذا صحّ لنا أن نقولَ: "أحسبُـني"،
"خلتُـني"، فهي تكتب: "أُلملمُني لك ظلالاً"، "أَسْكُبُني
رعشاتٍ".. إلخ.
كما أشرت– أعلاه- إلى ملامحَ لغويّةٍ أخرى فيها غرائبيّةُ
المبنى على ما ألفناهُ، نحو الإضافات المستجدّة، نحو: "اسْتدِرْ حيـثُـكَ"!"،
"مائة عيونك"، "كماك"!
*ومثلُ هذهِ الابتكاراتِ اللغويّةِ الّتي ذكرتُها، استخدمت
الشاعرة انزياحاتٍ مدهشةً لا أقلّ، وذلك في استعاراتٍ غريبةٍ نحو: "أشجار توهُّجي"،
"مَناقيرُ فراخِ الحنين"، "إبط القمر"، "تسابيح نوافيرِ
أنفاسك".
والسؤالُ الّذي نسألُهُ هنا: هل نُفسِحُ مجالًا لهذه
المغامراتِ اللغويّةِ الجريئة، وهذا الاقتحامَ الذي تحاولُ الشاعرةُ مِن خلالِهِ،
أن تَربطَ بينَ انفعالاتِها وبينَ أدائِها؟ وأيًا كانت الإجابة، فإنّ الشاعرةَ لها
شخصيّتُها وحضورُها وجرأتها، تنتزعُ مكانةً لها عبرَ لغتِها، وعبرَ الانزياحاتِ
المُثيرةِ للتّساؤل، ووفقَ مَنظورِها، حيثُ أنّها امرأةٌ عاشقةٌ تُرسلُ سلامَها
مطرًا، وتُطلِقُ بسمةً لوزيّةً تتوهّجُ، وباحثة عن العناوين المفقودة.[19]
جاء في صحيفة الدستور/عمان/ عمر أبوالهيجاء:
لقد استطلعت "الدستور" آراء كوكبة من الأدباء والنقاد الأردنيين والعرب،
حول القاموس الشعري ومدى تأثيره في سياق البنية الشعرية أو الإبداعية للمثقف، من
خلال القاموس اللفظي الذي يستند إليه، ويغرف منه معانيه وألفاظه، فجاء في رد د.
فاروق مواسي:
أرى أن "القاموس الخاص" له علاقة وثيقة
بالأسلوب، وإذا كان بوفون قال: "الأسلوب هو الكاتب"، فإن المعجم الشعري
أيضًا يحدد تعريف الشاعر من خلال نصه الشعري. والمعجم الشعري هو روح النص، تجد في تضاعيفه
الألفاظ واختيارها، وتجد الانتقال وتراسله، كما تجد طريقة الإيقاع الموسيقي أو
الدلالي، أو النزول في المعنى، بمعنى طرح العبارة من دون سياق وتقديم. إنه
"روح النصّ"، و"الروح" هنا من أمر الشاعر.
وكنتُ قد وقعت في أكثر من امتحان لمعرفة من هذا الشاعر أو
ذاك- من شوقي إلى السياب إلى نزار، عبد الصبور..إلخ. فما كاد القارئ يقرأ بضعة
أسطر حتى أقول: هذا والله شعر يوسف أبو لوز، أو هذا شعر يوسف عبد العزيز، أو شعر
يوسف الصايغ، بالطبع يجب أن تكون هناك قراءة ومتابعة ومعرفة أولية لن أغامر في
تحديدها، وأنا أزعم لنفسي أنني أتابع، وأن لدي مسبارًا للصدق في النص، فهل أدعي
وأغالي؟ أترك ذلك للقارئ لتصديقي أو للشك فيما خطر لي بالقول!
تنتبه كاتبة لقصائد الشاعرة آمال عوّاد رضوان، فتقول:
اُنظروا إلى نصّها، ففيه عَناصرُ الوُجودِ والحياةِ: "ندى، ضفاف، سدود،
أخاديد، فيضانات، بحر، تجلّدَ، قوسك القزحي، يفيضُ، يغسلُ، موجات وشلّالات"،
فأقول: هي بينت سمات ودليلا أو مفتاحا لنصوص الشاعرة، ومن حقها أن تتيقن أن عالم
الشاعر يتراوح ويتجلى بين مفردات تشكل لوحة نسميها باسم الشاعر.
أعود إلى الأسلوب لأسأل: هل كان النص ساخرًا أم ساردًا؟ هل
هو يستخدم اللفظة الشعبية أم يتعمد العبارة القديمة؟ هل هو يتفلسف ويفكر أم يكتب
شعرًا رعويًا؟ هل يكرر أم يقطّع الكلمات أم يتخيرها منغومة؟ الأسلوب هو الكاتب،
والمعجم الشعري هو الشاعر، ولكن ليس كل منا يهتدي، فالأمر يحتاج إلى متابعة ومعرفة
وتدبر وأصول.
[1] - رضوان، آمال. بسمة لوزية تتوهج. (طباعة
خاصة)- 2005.
[2] - رضوان، آمال. سلامي لك
مطرًا. رام الله. دار الزاهرة والمركز الثقافي- 2007.
[3] - رضوان آمال. رحلة إلى عنوان مفقود. رام الله: دار الوسط-
2010.
[5] - رضوان، آمال. (بالاشتراك).
نوارس من البحر البعيد. رام الله: بيت الشعر الفلسطيني- 2008.
[6] - رضوان، آمال.(بالاشتراك). صورة
الشاعر بعيون فلسطينية خضراء. رام الله: بيت الشعر- 2008.
7- يرى
راشد عيسى في تراكيب "عذاري الأشجان،
ومحافل الحزن، وتفاحة الفؤاد، ونبيذ الحسن، ودم الموج"،أنها تنظوي كلها تحت
سقف الاستعارة والتشبية البليغ في مراوغة بلاغية نشطة ومكثفة. فالذات المتكلمة أو
المخاطبة في نصوص الشاعرة ذات تكاملية متعلقة بالكينونة الأنثوية الخالصة. (انظر
مقالة عزيزة علي في صحيفة الغد الأردنية 28/12/2012.) -[7]
1. [11] - عن ظاهرة الانزياح
ومفاجأة القارئ انظر:
شتيوي، صالح. ظاهرة الانزياح الأسلوبيّ، مجلّة جامعة دمشق، المجلد 21،
العدد (3+4) 2005، ص 83.
[12] - إطميزة، عبد المجيد: قراءة
تحليلية في شعر آمال رضوان. الناصرة: منشورات مواقف– 2013. وقد نشرت
المادة كذلك في عدد مجلة مواقف (84- 85)/2013، ص 104.
[13] - انظر كتاب رضوان، آمال. حتفي يترامى على
حدود نزفي. رام الله: دار الوسط، ص
62- 64، ص 9- 19.
[14] - أرقام الصفحات إذا لم يذكر
الكتاب- هي من كتاب . بسمة لوزية تتوهج.
[15] - وجدنا نماذج كثيرة من ذلك في ديوان أنطون شناس
أسير نقظتي ونومي.انظر كتابي:
مواسي، فاروق. عرض ونقد في الشعر المحلي. القدس- 1976، ص 71- 83.
[16] - بسمة..، ص 27.
[17] - رحلة إلى...ص 17-
18.
[18] - رحلة...ص 22-23.
[19] - من النقاد الذين انتبهوا إلى الصلة بين إبداعها
وبين موقفها وجموحها للانطلاق كان الناقد العراقي علي الفواز:
"إن شعرية آمال رضوان هي شعرية "كفاية الحلم" كما يسميها ابن عربي،
إذ هي تستدعي وتستحضر سيرة فقدانها، حتى تبدو وكأنها مروية حلم نشوة الابتهاج، وله
قسوة المكاشفة، هذا الانجرار الحسي يجعلها أكثر إبغالاً في تلذذ الكشف..."
انظر كتاب رضوان، آمال. حتفي يترامى على حدوده نزفي، ص 170.
0 comments:
إرسال تعليق