تكاد القيم الاخلاقية تكون نسخة متكررة عند كل الديانات. لا تختلف الا بالتفصيلات. فالزنى مثلاً هو من أشهر الممنوعات الاخلاقية. فهو محرّم عند الصابئة وكذلك في الهندوسية و الزرادشتية والبوذية. وتأتي الديانات السماوية للتأكيد على ما سبق التعارف عليه في هذا المجال لتقول: لا تزنِ. ورغم ان المسيح قال: مَن منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر. فان المروجين للشريعة الاسلامية يرون ان الرجم بالاحجار، وحتى الموت، هو الحكم على الزانية. هذه الوصايا موجهة أصلاً الى الرجل: لا تقتل. لا تزنِ. لا تسرق. لا تشتهِ امرأة قريبك... ولكن حكم الشريعة، يطال المرأة وكأنها مارست الزنى وحدها. هي التي تُرجم. وربما الذي شاركها فعل الزنى يكون اول الراجمين. فهل يُعقل ان يقول الله للرجل: لا تزنِ ثم تُعاقب المرأة؟ أما السرقة فهي ايضاً محرمة في كل الاديان: لا تسرق. عقوبتها في الاسلام رهيبة. الفقهاء لا يختلفون على العقوبة وهي قطع يد السارق. بل يختلفون على مدى القطع: هل هو حتى المعصم او الكوع او الكتف... اذن الزنى والسرقة من المحرَّمات في كل الاديان.
اشهر حديث يعتبره السلفيون، و الجهاديون والداعشيون، تذكرة دخولهم الاكيد الى الجنة ملخصه: وإن زنى وإن سرق. يُروى عن أبي ذر الغفاري عن النبي أنه قال: كل من قال لا اله الا الله، ومات عليه، دخل الجنة. فسأله ابو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ أجاب النبي: وإن زنى وإن سرق. كرَّرَ ابو ذر السؤال ثلاث مرات. فكرّر النبي الاجابة نفسها. في المرة الرابعة قال النبي: وإن زنى وإن سرق رغم أنف ابي ذر... هذا ما يفعله المختبئ بالدين، أي دين، في كل مكان وزمان: يزني، يسرق، يقتل، يكذب، يفخخ، يفجر، يشن الحروب، يشتهي مقتنيات الغير و... يذهب الى الجنة. كثير من الباحثين في الشؤون الاسلامية يعتبرونه من اكذب الاحاديث. فالمعروف عن ابي ذر انه مشهور بادبه ولطفه واحترامه الشديد للنبي. ولا يمكن ان يعيد عليه السؤال اربع مرات. فهذا اقرار منه، في اربع مرات متتالية، انه لا يصدق ما يسمعه من النبي. اضافة الى احترام النبي الشديد لاحد اوائل المسلمين (الرابع او الخامس) وتقديره الشديد له واعتباره من رفقائه النجباء. فلا يمكن ان يجيبه بهذا الشكل: رغم انف ابي ذر... هذا عدا عن معارضة هذا الحديث لتعاليم كثيرة تحثُّ على السلوك الحسن والاخلاق العالية والتي ينسفها هذا الحديث من اساسها. كما ينسف المهمة التي قال النبي في احد الاحاديث انه اتى من اجلها: "ما أُرسِلْتُ إلا لاتمم مكارم الاخلاق". فأين مكارم الاخلاق في "وإن زنى وإن سرق"؟ يعتبر بعض الباحثين ان هذا الحديث مدسوس وهو امتداد للعقلية القبلية التي كانت مسيطرة في الجاهلية واستمرت حتى اللحظة الراهنة ولو باشكال مختلفة. فكل شيء مبرر من أجل مصلحة القبيلة: الكذب، الخداع، ألوعد بالشيء وتنفيذ عكسه، نقض المعاهدات، الوشاية، الحرب النفسية، اطلاق الاشاعات... والحرب الصفرية. إما أنا او انت. لا حلول وسط. حتى الزنى والسرقة يغطّيهما "الدين" اذا كانا من اجل خدمة القبيلة التي تستنفر عنصريتها، تتقوقع، وتتماسك ضد الآخرين. تتعصّب لافرادها وتقف معهم وتدافع عنهم "وإن زنوا وان سرقوا..." تلفظ من يتحفّظ على مواقفها من ابنائها وتعتبرهم من الخونة وتحلِّل فصلهم من العشيرة وتستبيح دمهم. اما الذين يدخلون القبيلة مقاتلين بسيفها فمرحب بهم طالما انهم يتقيدون بامر اليوم. هذا بالضبط ما تفعله اليوم "القبائل" السلفية الجهادية وكل القبائل السياسية. انهم ذاهبون الى الجنة "رغم انف ابي ذر!"
عندما يتواجد القبليون في بلاد متقدمة يستنفرون قبليتهم ويتقوقعون داخل غيتواتهم ويقومون باعمال تخريب متعمّد ضد كل من يحاول تفكيك هذه الغيتوات او اختراقها او ضد كل من يتوهمون انه ضدّهم. والقبليون هنا هم من كل الاديان والاعراق. عندما تنظر اليهم تعتقد انهم متمدنون لأنهم يلبسون الطقم وربطة العنق ويركبون السيارة وكل ادوات النقل الحديث. و يتواصلون عبر أحدث وسائل الاتصال. وعندما تحتك بهم او تعمل معهم او تختلف مع واحد منهم تكتشف مدى تغلغل الصحارى في عقولهم، ومدى تعطشها للماء والفكر والهواء. وبلحظة ينتقلون من الحضارة الى منطق البداوة ومنطق وإن زنى وإن سرق.
بعضهم لا يتمدن حتى في المظهر. يرتدي ملابس الصحراء ويدّعي انها اللباس الاسلامي. ويرخي لحية الجهل ويدّعي انها لحية الايمان. ويحجِّب العقل قبل الجسد. وفي مسألة الحجاب فكل القبليين يحجِّبون العقل. المسلم واليهودي والمسيحي يحجِّبون العقل لتبقى السيطرة لزعيم القبيلة، إن كان بمعناها السياسي او الديني او المذهبي. ويبررون ما يفعلون بإن زنى وإن سرق...
ماذا فعل هذا الحديث بالاخلاق والقِيَم؟ الفساد متغلغل في كل قبيلة وفي كل دوائر دولة اتحاد القبائل. والدولة هنا هي كل دولة من المحيط الى الخليج. الرشوة سيدة الصفقات. الغش في كل شيء. التلوث.الكذب. السرقة. القتل. العمالة. الخيانة. الاستغلال. الزنى. لم يبق قيمة انسانية واحدة الا واغتُصِبَتْ باسم "وإن زنى وإن سرق..." خذوا مثلاً قضية التحرش الجنسي. هذه التي كانت اكثر احتراماً في الجاهلية. والتي عبَّر عنها ابن شدّاد بقوله: أَغضُّ الطَرْفَ إن بَدَتْ لي جارتي/ حتى يواري جارتي مأواها. فرغم ان المجتمعات الاسلامية مغلقة، محجبة، مرتدية النقاب، حيث لا ترى من "العورة" أي المرأة، الا كتلة سوداء تتحرك. ورغم ان دُعاة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذروة نشاطهم. ورغم انهم يتحدثون عن العفة ليل نهار. الا ان نسبة التحرش بهذه الكتل السوداء المتحركة قد بلغ ذروته في افغانستان والسعودية ومصر وفي الكثير غيرها. والسبب؟ افعل ما تشاء. تصرف كما تشاء. ارتكب كل الرذائل ثم قل: اشهد ان لا اله الا الله، تحجز تذكرة دخولك المضمون الى الجنة. اما غير المسلمين فيرتكبون كل الرذائل ايضاً، ومن دون ان يشهدوا، يتلحفون بان زنى وان سرق.
متى نخرج من دولة القبائل الى الدولة المدنية العادلة؟ عندها ان زنى احدهم او سرق، ربما يذهب الى "الجنة" ولكن قبل بلوغها يقضي عقوبته، كفترة نقاهة، في احد السجون لنرد شره عن المجتمع.
0 comments:
إرسال تعليق