رئيس تحرير مجلة الرسالة المصرية يحاورني/ كريم مرزة الأسدي

 خلال الستة أشهر الماضية ، أجريت ستة حوارات معي ، الأول أجرته الشاعرة والصحفية المتميزة الأستاذة ميادة أبو شنب حول قصيدتي عن المرأة ( رفيقة الدهر هل باليوم تذكارُ؟!) ، والتي نظمتها إثر دعوة منها بمناسبة يوم المرأة العالمي لصالح مؤسسة المثقف العربي  ، والثاني أجراه الشاعر والكاتب والصحفي المصري المعروف الأستاذ هاني الشافعي ، رئيس تحرير (مجلة الرسالة) المصرية لصالح مجلته ، والثالث بحلقتين أجراه الأستاذ الأديب  والقاص الكبير حمودي الكناني لصالح مؤسسة المثقف العربي  ، والرابع بعدة حلقات  أجرته الشاعرة والإعلامية البارزة سناء الحافي لصالح جريدة ( الحقيقة العراقية) . شكراً لأخوتي الكرام ، وأخواتي الكريمات على هذا الجهد المتميز ، والشكر موصول للمؤسسات والمنابر الثقافية والإعلامية الشريفة لنشر الوعي الفكري والعقلي والأدبي بين أفراد أمتنا المجيدة .     
وهذا هو الحوار الذي أجراه رئيس تحرير مجلة الرسالة المصرية الأستاذ هاني الشافعي مع الشاعر والباحث كريم مرزة الأسدي:
مقدمة المجلة : 
كريم مرزة الأسدي
هو شاعر يتنفس الشعر بسلاسة يخرجه عذبا صافيا تتطرب له الأذن وتنصت له الروح ويتفاعل مع العقل بلا حواجز وهو الكاتب الذى يأخذك بأفكار متجددة تنبع من أصالة البيئة العربية وتاريخها وهو الناقد البارع يقيس بميزان الحق القصائد ليميز بين طيبها ويشد على يد الشعراء ليصنعوا للروح الإنسانية أجود القصائد ،وهو الباحث الذى انبرى عمرا ودهرا ليخرج لنا من عبق التاريخ الماضى ما نتزود به لحاضرنا ومستقبلنا
تراه فتتمثل سماحة أهل العراق. 
الحلقة الأولى
قبل الحوار
بادئ ذي بدء أشكر مجلة الرسالة الرائعة الواعية ، ورئيس تحريرها الإعلامي والأديب المعروف على المستويين المصري والعربي الأستاذ هاني الشافعي على إجراء هذا الحوار ، ونرجو من الله التوفيق كي يكون مفيداً ناجعاً للقارئ الكريم في مثل هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمة ، ونظراً لتشعب الأسئلة المحسوبة بشكل دقيق كي تلبي طموح الصحفي المتمرس ، وتغطي نهم المتلقي الباحث عن كل جديد ، ولكلّ جديد لذة ، سأحاول الموازنة بين الإيجاز والأطناب والمساواة حسب مقتضى الحال :
س 1 - مَن أنت ؟
أنا إنسان عربي مسلم ، ولدت كبقية بني البشر على بقعة من الأرض ، حظاني الله شرف مكان نجف الكوفة حيث مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، وعلى العموم كما قلت في قصيدتي عن الإنسان التي نظمت بمناسبة مرور خمسين عاماً على منظمة حقوق الإنسان العالمية - نشرتها المنظمة في كتاب ، وتصدرته ، وصحف ومواقع عديدة - ، مطلعها :
الانسُ انسٌ ولم ينقصْهُ عنوانُ *****دهداهُ للجور ِ طغيانٌ وإذعانُ
حرية ُ المرءِ قبلَ الخبزمطلــبُـها ***إنْ أدركَ المرءُ أنَّ الخبزَ سجّانُ 
وفي قصيدة وجدانية أخرى أقول :
هذي الحياة ُ ترى الممات َبدايةً*** لتفتح الأجيـال ِ في الزمكانِ 
فتعيدُ نشأتها ،وتسحقُ سلفـه ***** وتركّبُ الإنسانَ بالإنسان
إذن أنا ابن الإنسان -كما يقول السيد المسيح (ع) - ، وعلى حد الحديث الشريف : كلكم لآدم وأدم من تراب ، فأرى الناس كلهم سواسية كأسنان المشط .
الديانة مسلم وأتشرف ، ولكن لا أرى إكراها في الدين ، والنص القرآني جلي : (لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ) ، وكما قلت في مطلع قصيدتي عن النبي الكريم (ص) :
هدىً أنزلتَ أحمدَ والكتابا *** لقدْ فتحا الى الإسلام ِ بابــــا 
تكاملَ فيهما شرعٌ رحيبٌ *** فهلْ عذرٌ لمنْ ضلَّ الصوابا؟
وأعتزّ بعروبتي اعتزاز إنساني كبقية بني البشر ، واعتزازهم بأرومتهم ، وأعشق لغة العربية حتى النخاع ، وربمّا هذه الخصلة جعلتني ،وبالأحرى استحوذت عليّ ، فشغلتني عن التعلم بإجادة لغة أجنبية ثانية ، وبالرغم من أنَّ دراساتي الجامعية في كلية طب الأسنان ، والعلوم باللغة الإنكليزية عدا التربية وعلم النفس ، وذكرت هذا العشق بأبيات من قصيدة لي :
لا تراني واحداً ، تحتَ لساني *** أمّةٌ ،ذرّاتها صاغتْ كياني 
يعربيٌّ فــي دمائي والأماني ** وإذا ما متّ ُبارضي فاقبراني
لغةُ الضّادِ وربّي قد حباني* سرّها المكنون في حسن المعاني
وتجلّتْ لغةٌ منها منها بياني*** بانســيابٍ وشجونٍ وافتنانِ
ياعراقٌ أنتَ ينبوع المعاني ***طيبكُ الغافي ولا طعمُ الجنان
هذا أنا إنسان مسلم عربي عراقي. 
س 2 - حياتك رحلة بحث عن المعرفة بين انماط مختلفة من العلوم التطبيقية والنظرية صف لنا تلك الحياة البحثية كيف بدات وكيف تسير ؟
1 - مرحلة الدراسة المدرسية والأكاديمية ، والبحث الخارجي : 
نحن من عائلة نجفية عريقة جداً بالقدم ،و تنعت بالثراء - سنأتي عليها - لذلك منذ طفولتي ، وبالتحديد عند تخرجي من المرحلة الأبتدائية ، ولم يتجاوز عمري اثني عشر عاما ، كان بإمكاني أن أشرع باقتناء الكتب ، وتأسيس مشروع مكتبة خاصة تلبي طموحاتي لاستلهام ميولي الأدبية ، إضافة لمكتبات النجف الخاصة والعامة العامرة بأندر المخطوطات ، وأمهات المراجع والمصادر ، إذ كنت أقضي فيها وقتاً طويلاً ، وساهمت بتأسيس أحدها ، وكنت أميل للشعر والأدب بحكم بيئتي النجفية العريقة في هذا المجال منذ مدرسة الكوفة حتى يومنا ، بداية الطريق حفظت أشعار أكبر شعراء العراق الشعبيين كعبود الكرخي:
بغداد مبنية بتمر * فلش واكل خستاوي
والخستاوي نوع من أنواع التمور الجيدة ، وقصيدته :
ساعة واكسر المجرشة *** والعن أبو راعيها 
هم هاي دنيا وتنكضي ** وحساب أكو تاليها!!
)المجرشة آلة قديمة كان يجرش بها الرز قبل تقشيره) (تنكضي : تنقضي) ،سخرية مريرة من الحياة ومعاناتها بالنسبة للفقراء والكادحين.
ومثله العبقري الثاني حسين قسام صاحب ديواني (قيطان الكلام وسنجاف الكلام):
قيطان الكلام اللي يشتري منّهْ ***طيف ايشوف جنّهْ بروضة الجنة
(قيطان : الخيط الذي يضبطون فيه الحذاء)، (الطيف : الحلم) 
ومثلهما عبد الأمير الفتلاوي وحسين أبو شبع ، ولكن من مدرسة ثانية ، ونظمت في الثاني متوسط قصيدة شعبية رائعة موزونة تماماً ، هزلية هادفة على غرار قصائد العبقري الخالد حسين قسام ، ولكن لم يصدق أحد أن القصيدة لي ، واتهموني بسرقتها ، ومن يومها توجهت للشعر العربي الفصيح - وأنا أميل- فبادرت بشراء( الشوقيات) ، وإلى اليوم لدي نسخة منه ، رفيقة العمر ، ومثلها دواوين الجواهري ، والسياب ، ونزار قباني والسيد أحمد الصافي والسيد محمد سعيد الحبوبي وابن أخيه السيد محمود... ، وبدرجة ثانية شعراء المهجر كجبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي ومن الشعراء القدماء احتل المتنبي والمعري ودعبل وأبونؤاس وأبو فراس الحمداني ، وهيمنت عليّ كتب المدرستين العراقية والمصرية بكل أقطابهما كالعقاد وطه حسين وأحمد أمين وضيف ، وموسى سلامة وعبد الحليم منتصر والرافعي والمنفلوطي ومحفوظ والسباعي ومحمد عبد الحليم ،هؤلاء طبعا إضافة إلى العراقيين كالدكاترة الوردي ؤمصطفى جواد وعلي جواد الطاهر ومهدي البصير وجواد علي وحسين أمين ، والأستاذ جعفر الخليلي والعلماء الأفاضل السيد محسن الأمين والشيوخ الأجلاء الشبيبي والشرقي واليعقوبي - وهؤلاء شعراء أدباء- والأميني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء .. ومن المجلات مجلة العربي وقد واكبتها من أول عدد صدر أواسط 1958م حتى الغزو العراقي للكويت ، ولم يفتني أي مقال للعالم الكبير الدكتور أحمد زكي ، وبدرجة ثانية مقالات الدكتور محمود السمرة ، ومجلة الإيمان النجفية لصاحبها الشيخ موسى اليعقوبي ، ومجلة الهلال المصرية ، ولا أنسى كتب التراث كألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وكتب الجاحظ والأغاني ... هذا وأنا أتكلم عن مرحلة المتوسطة والثانوية ، إذ كنت متفرغاً لدراسة المناهج المدرسية ، والكتب والمواضيع الخارجية التي ذكرتها وذكرت رجالها ، ولم أشتغل في حياتي شغلة أخرى حتى تخرّجي من الجامعة ، في الرابع الثانوي بدأت أنظم بعض المقطوعات الشعرية والقصائد وعرضتها على بعض المختصين ، فشحعوني وباركوا ، وقدمت وأنا في الخامس ثانوي بحثاً عن الخوارزمي عالم الرياضيات الشهير ، وقد عاصر الخليفة المأمون ودارحكمته ،وله يعود فضل كلمة علم الجبر العالمية ، واللوغارتيمات ، ونشرته مجلة البراعم التي كانت تصدرها إعدادية النجف للبنين (مرحلة ما قبل الجامعة ) ، وإلى اليوم العدد محفوظ في مكتبات النجف العامة ، ولكن عند دخولي جامعة بغداد ودخولي كلية طب الأسنان ، ثم إلى جامعة البصرة لدراسة العلوم الطبيعية ، والتربية وعلم النفس ، انشغلت بالنشاطات الطلابية ، فأصبحت عضواً إدارياً في جمعية العلوم الطبيعية.
2 - المرحلة المهنية : التدريس والثقافة التربوية والعلمية ، ولم تخلو من إشعاعات شعرية وأدبية : 
وبعد تخرًجي أخذت مهنة التدريس تستحوذ على نشاطاتي ، فأصبحت سكرتيرا لمدرسي العلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياء في محافظة واسط ، ونقحت كتابي علم النبات للخامس الثانوي ، وعلم الأحياء للثالث المتوسط ، وساهمت في وسائل الإيضاح ، ثم دخلت معهد تدريب المدرسين والقادة التربويين ، وتبوّأت مراكز إدارية ، وأشرفت على الأمتحانات العامة كمدير للمراكز الأمتحانية العامة ، وأوفدت إلى الجزائر لسنتين ، ولم تكن الساحة العراقية تساعد الموهوب على حرية الفكر والإبداع إلا ضمن مؤسسة النظام الحاكمة ، ولكن عند خروجي للمغرب عام 1978م ، ودرّست في معاهدها التعليمية كمدرس للعلوم الطبيعية ، ومن ثم للتربية وعلم النفس ،و واصلت نشاطي الثقافي والشعري ، فنشرت في الصحف المغربية كالميثاق الوطني والمحرر والأنباء ،والأنباء كانت الناطقة بلسان الدولة ، فأجرى الصحفي السوداني الكبيرالأستاذ طلحة جبريل - وكان رئيس القسم الثقافي فيها -ربيع 1980م حواراً صحفيا تحت عنوان (من وادي عبقر ) ،، ونشر الحوار في الصفحة الأخيرة منها ،شاغلة معظمها، وتعتبر الصفحة الأولى الثانية لأهميتها ، بعد أن نشر قصيدة لي من قبل عنوانها - البسيط - (يا مغرب الخير قد أجّجت َماضينا) ، وفيها مسحة من الأشجان والوصف والخيال :
يا مغرب الخير قد أجّجت ماضينا *** إنّا قصدناك كي تمضي مآسينا 
نتجاوز الأشجان والمناجاة ، وننقل إليكم مقطعاً من الوصف والخيال على سواحل المحيط :
في صحوة الدّهر والأيّام ضاحكةٌ *** إنّا وجدناك ريحاناً ونسرينا
وفي زمانٍ نرى الأيّــــــامَ باكيةً ****تصّير الحزنَ أنغاماً فتشجينا
وتسبحُ الحورُ كالأسماكِ لاهيةً *** تصارعُ الماءَ يصرعها فتلهينا
حمراءُ زرقاءُ والألوانُ زاهيةٌ *** تكسو المفاتنَ ألـــواناً فتزهينا
رحلت إلى دمشق ، وشاركت في نشاطات ثقافية ، وألقيت قصائد شعرية في عدة مناسبات ، وفي بديات السنة الثانية هاجرت إلى الجزائر ، وقمت بمهام تدريس العلوم الطبيعية ، ونشرت العديد من القصائد في صحيفتي الشعب والجمهورية ، ودعيت للمشاركة في مهرجان المربد الخامس الذي أقيم في كانون الأول 1985م في مدينة البصرة ، واعتذرت بالرغم من المغريات المادية الهائلة ، وذكرت ذلك في شعري من بعد في دمشق حيث ماء الفيجة الذي ينعش القلوب ،قلت :
تكفيك كرعةُ ماءٍ أنت شاربها *** أن تجزل الشكر ، وهو الباردُ الشبمُ
والغير أغراك بالنعمى فما انزلقتْ ** تلكَ الشهامةُ تـــأبى الشعرَ ينتظم
3 - المرحلة السورية : التفرغ للدراسة والبحث والتأليف والنشر:
بعد أن رجعت من الجزائر إلى دمشق عام 1987م ، تفرّغت تماماً للبحث والتأليف والنظم والنشر،إذ تراكم في عقلي الباطن والظاهر(الوعي واللاوعي) كمٌ من المعلومات العلمية والأدبية ، والتطبيقات العملية ، والتجارب الحياتية ، والمنهجية في كيفية ترتيب ومزج هذه العلوم ، وفبل هذا وذاك معرفة النفس لهذا التراكم الكمي ، والموهبة الربانية في القدرة على استلهام الشعر الشعر ، وليس الشعر النظم ، ثم الإصرار على مواصلة المشوار الذي دفعتني الطبيعة إليه ، فشددت العزم على التوطن في مكتبات الشام من الصباح حتى المساء متنقلاً بين مكتبة الأسد العامرة ، والمكتبة الظاهرية ، ومكتبة مركز البحوث ، والحق كنت أحظى برعاية خاصة ، لكثرة ترددي ، وجديتي ، والمكتبات الحوزوية في السيدة زين ، إضافة لما أستعير من الكتب من هذه المكتبات وغيرها لتكون بحوزتي - مع مكتبتي الخاصة - في سهرة الليل ، وغالبا ما تستمر سهرتي حتى الصباح ، خصوصا عند نظم الشعر ،فكانت حصيلة هذا المجهود اللذيذ ، تأليفي للكتب التالية ( للعبقرية أسرارها ..تشكّلها ..خصائصها ..دراسة نقدية مقارنة) ، (نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية...مقارنة بين النحو البصري والنحو الكوفي) ، و (تاريخ الحيرة... الكوفة ...الأطوار المبكرة للنجف الأشرف) ، وهذه الكتب قد طـُبعتْ ، وطبعت معها ثلاثة دواوين شعرية في الفترة نفسها ، والعشرات العشرات من البحوث والمقالات والقصائد التي نشرتها الصحف والمجلات والمؤلفات العراقية والسورية والعربية ، وكُتب عن مؤلفاتي ، وعن كاتب هذه السطور العديد من المقالات في الصحف والكتب ، وحتى في الإذاعة السورية ، والتلفزيون ، وتعلمت كثيراً ، ودرست أكثر ، ، وكنت أرى القول لا القائل حتى لو كان من أكبر العمالقة العرب أو الغربيين ، انتقد القول أو أتني حسب اجتهادي ، وأبين حججي الدامغة حسب وجهة نظري، وأصبحت أشمل وعيا، وأعمق إدراكا ، فزاد تعلقي بالعقاد والوردي والمازني والدكتور زكي مبارك ، والدكتورجواد علي ، ومن الشعراء ابن الرومي وأبي تمام والشنفرى وامري القيس ، ونازك والبياتي ومظفر ، وحافظ وبدوي الجبل ، وقرأت بإمعان وتأمل وتفكر لشكسبير وشوبنهور وأليوت وبودلير وبروست وغيرهم بالعشرات . 
وعرّجت على أدونيس ويوسف الخال ، ود.عبد العزيز المقالح وغيرهم ، وتجربة ما تسمى قصيدة النتر، وأنا أطلق عليه النص الأدبي - إلا من باب المجاملة ، أطلق على متعاطيها الشاعر ، وللنص بالقصيدة ، لإثراء الأدب العربي ، ولغتنا الجميلة ، وإلا - مرّة ثانية - هو من باب النثر ، فأنني أرى أيّ قصيدة يجب أن تخضع لمقاييس (علم العروض والقوافيوالضرائر الشعرية ) ، والآن انتهيت من تأليف كتاب حول هذه ، وقد أوسمتها بها ، على كلّ حال كانوا أعجز من أن يجرفوني إلى تجربتهم غير العربية ، وللعربية خصوصيتها ،ومعظم من يتعاطى هذا التجربة ، لم يرزق الموهبة الشعرية الحقيقية ، والكرة الآن بملعبهم ، ونتمنى لهم التوفيق ، ولكن نذكر أنّ كثيراً من التجارب ، سادت ثم بدت ، كالموشح والمواليا ، والقوما الغدادي ، والبند وغيرها .
وشاركت بدمشق في العديد من المناسبات الشعرية الهامة ، وما أكثرها ، أذكر منها :
بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس منظمة حقوق الإنسان العالمية ، وأصدرت المنظمة كتاباً بالمناسبة ، وشارك معي كل من الشعراء: جابر الجابري ، مصطغى المهاجر ، محمد مظلوم ، رياض النعماني (شعبي) ، والشيخ عبد اللطيف الخفاجي، وكان عريف الحفل الأستاذ زهير الزاهر ونشرت قصيدتي عدة صحف مطلع القصيدة :
الأنسُ إنسٌ ، ولم ينقصْهُ عنوانُ *** دهداهُ للجورِ إذعانٌ وطغيانُ
حرية المرء قبل الخبزِ مطلبها*** إن أدركَ المرءُ أن الخبز سجّانُ
وفي الحفل الذي أقامه المثقفون العراقيون لتأبين شاعر العرب الأكبر الجواهري ، مع عائلة الفقيد ، وكانت قصيدتي العمودية الوحيدة في الحفل ، وبلغت أبياتها أربعة وثمانين بيتاً ، وشارك معي الباحث المرحوم هادي العلوي ، والدكتور عبد الحسين شعبان ، والكاتب عامر بدر حسون ، والشاعر زاهر الجيزاني ، وألقى كلمة العائلة الدكتور فلاح الجواهري نجل الفقيد ، وكان عريف الحفل الشاعر والصحفي جمعة الحلفي : ونشرتها عدّة صحف عربية وعراقية ومطلعها : 
عمرٌ يمرُّ كومضـــة الأحــــــلام ِ*** نبضُ الحياةِ خديعة ُ الأيّـــــام ِ
هلْ نرتجي من بعدِ عيش ٍخاطفٍ **أنْ نستطيلَ على مدى الأعوام ِ
أبداً نسيرُ على مخــاطر ِ شفرة ٍ***حمراءَ تقطرُ من دم الآنــــــام
وفي المهرجان الذي أقامه المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم في الجمهورية العربية السورية ،سنة1998م ، بمناسبة عيد الجلاء السوري ، وبدعوة من السيدة الأستاذة الدكتورة صالحة سنقر وزيرة التعليم العالي والبحث والعلمي ، شارك الشاعر بقصيدة (58 بيتاً) مع العديد من شعراء العرب الكبار منهم محمد التهامي من مصر ، والأخضر السائحي الكبير من الجزائر ، والدكتورة مها قنوت من سوريا ، وعبد الرحمن رفيع من البحرين ، وهلال العامري من عُمان ، فوزي عطوان من لبنان ، ونور الدين صمود من تونس ....ونشرت القصيدة في الصحف السورية ومطلعها :
سنا العروبةِ من عينيكِ يا شامُ *** لو أنكِر المجدُ أنتِ الألفُ واللامُ
قديســــــة ٌ قد حباكِ اللهُ جنتهُ *** من غوطتيكِ يبثُّ الشـــــعرَ إلهامُ
يبثـّكِ الوجدَ من أحشاءِ خافقةٍ *** حروفها الــــدمُ لا حبرُ وأقـــــلامُ
4 - الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية :
هاجرت إلى أمريكا عام 1999م تحت وطأة الظروف السياسية القاسية ، ولكي أتنسم طعم الحرية في القول والكتابة والشعر لما فيه مصلحة أمتي وتراثها دون أن أحيد عن الطريق الذي رسمته عن الأصالة ، والتطلع الإنساني دون غمط الأمم الأخرى حفّها في التراث الإنساني الخالد ، وتعاون الحضارات وتكاملها خير عميم ، وتصارعها وتشتتها شرٌّ وبيل ، وهذا لا يعني التنازل والخنوع ، بل كلّ الأمم على قدم المساواة ، والتباين بين الأمم والأفراد حكمة ربانية غاية الدقة ، لذلك أقول في أحد قصائدي :
هذي الخلائقُ أورادٌ منســـــقة ٌ **** منْ كلِّ جنس ٍ على الترباءِ أفنانُ
فالارضُ مزرعة ٌ للناس ِ تنبتهمْ**فالعربُ روضٌ وأهلُ الصين ِ بستانُ
لو أنَّ كلَّ بقاع ِ الارض ِ يملؤها ****خـــــلقٌ تشـــابه هدَّ الخلقَ خلقانُ 
ماكان نيسانُ تهواهُ القلوبُ شذىً ****لو أنَّ كلَّ شهور ِ الدهر ِ نيسانُ
جزماً هذا ليس تبريراً لوجودي في أمريكا ، فالدولة أكبرمني بكثير، بل من كل دول العالم كدولة ، ولكن الناس والشعوب تقف على قدم المساوا من حيث الكرامة والتطلع والحرية ، المهم كثفت جهودي لمواصلة المسيرة الإبداعية شعراً ، والعلمية بحثاً ، خصوصاً وقد جلبت معي أكثر من عشرين دفترأ ، جمعت فيها نصوصاً شعرية ، وأدبية ، وتاريخية للاستشهاد بها أو نقدها ، وكلها مسنودة بقائليها ، أو رواتها مع المراجع أو المصادر التي نقلت منها ، ومعلومات كاملة عن هذه المصادر ، وتلك المراجع ، وعشر حقائب كبيرة من المستنسخات والكتب التي أقتنيتها لبحوثي ، إضافة لما أشتريت من داخل أمريكا بواسطة البريد من مؤلفات دورات ، ولكن بالتأكيد هذه القلة لا تشبع نهم الباحث المحقق الثبت ، فلجأت إلى الشبكة العنكبوتية ، وما فيها من موسوعات ومكتبات كبرى ، فكفتني ، ووفت للعلم والأدب ، ولكن توجد أخطاء مطبعية عديدة في مطبوعاتها السريعة ، يستطيع الباحث الحاذق أن يتلافيها بالرجوع إلى عدة نسخ ، أو مرجع ، للتحقق والتثبت ، واعتماد الصحيح منها . 
قضيت مع دعبل بن علي الخزاعي سنتين بحثاً ودراسة شاملة من حيث النسب والقبلية والولادة والنشأة والبيئة والولاء الديني والشهرة وأخباره وجرأته المتناهية وكرمه الشديد ، وسخريته وهجائه ومديحه ورثائه ...والصور الشعرية والصيغ البلاغية ، والقواعد النحوية ، والمسائل العروضية ...وعثرت على العديد من الأبيات اليتيمة والنتف والمقطوعات غير مثبتة في كلّ دواوينه المحققة ، سنأتي على سبب الأختيار ، ولماذا دعبل الخزاعي الوجه الآخر للشعر العربي ؟!.
وكتبت مقالات أدبية وقراءات نقدية للعديد من الشعراء العرب من الشنفرى ومن في عصره مرورا بكل الأعصر: كعب ، الحطيئة ، الفرزدق ،جرير ، بشار، الصريع ،دعبل ، أبو نؤاس ، ابن الرومي ، ابن المعتز ، المتنبي ، المعري ، الرصافي ، السياب ، السيد جعفر الحلي ، الشيخ جواد الشبيبي الكبير ، الشيخ محمد علي اليعقوبي ، البياتي ، الجواهري ، إلى قراءات نقدية لشعراء معاصرين ، ومعظم مقالاتي أو بحوثي عنهم تشغل عدّة حلقات ، وجمعت هذه في كتاب أوسمته ( شعرو شعراء ... مواقف وطرائف / دراسات أدبية وقراءات نقدية .
ودرست وبحثت في علم (العروض والقوافي والضرائر الشعرية ) ، وهذا اسم لكتاب سيطبع قريباً مع كتاب (شغر وشعراء ...) ، أما كتاب التجديد في الشعر العربي من العصر الجاهلي ، فهو على طريق الإنجاز ، وكمل منه التجديد في العصر الجاهلي ، وصدر الإسلام ، والأموي ، ودخلت في العصر العباسي ، انتهيت من بشار والصريع ، وابن المعتز ..مازال ينتظر الجهد والسعي ، مثله مثل كتاب (هؤلاء بين أيدي هؤلاء) 
أما على مستوى المجال الشعري فنظت قصائد عديدة ، حظت برضا شعبي عراقي ، وذوق أدبي عربي ، وألقيتها في تجمعات عديدة ضمّت الآلآف أوالمئات أوالعشرات في أمريكا والسويد والعراق ، ونشرت في العديد من المواقع العراقية والعربية ، وإليك منها :
قصيدة نظمت قبل سقوط النظام السابق ، وتوقعت أن يثور الشعب والجيش لإنقاذ العراق من الخطر الداهم ، ولكن خاب ظني ، وحدث ما حدث من مآسي يشيب لها رأس الرضيع ، وألقيت في تجمع للجماعة الإسلامية في أمريكا وكند في ولاية تنسي الأمريكية ضم المئات من العوائل العراقية ، وقلة من العوائل العربية ، وكذلك ألقيت في تجمع باستوكهولم ، ومالمو ، وفي العراق ، وهذا مطلعها - الوافر - : 
وعجَّ عجاجُها فغداً يثورُ ***عراقٌ فالعروقُ به تفورُ
إذا ما كانَ في الثوراتِ شرٌّ*** فكلُّ شرارةٍ وبها شرورُ
فما كان العراقُ بذاتِ يومٍ **على الطرقاتِ تنهشهُ النسورُ
وها مطلع لقصيدة من البحر (الطويل) ، عارضت بها قصيدة للشاعر والإعلامي العراقي علي مولود الطالبي أهداها لي :
حنانيك لي بين الفراتين ِ أضلعُ *** تُلملمُ أنـــــوارَ الجهامِ وتســـطعُ
تَهيَّجَ قلبي لوعةً بعـــــــدَ فرقةٍ *** تهيمُ بآفاقِ الغروبِ وتَبــــــــدعُ
ألا يا قوافي العينِ للشوقِ أدمعي *** فيالكِ مـــــنْ عينٍ وعينِيَ تدمعُ
وهذا مطلع قصيدة قصيدة من البحر البسيط ، نظمت بمناسبة يوم المرأة العالمي :
رفيقة الدّهر هل بـ (اليوم ) تذكارُ *** وبنـتُ حـواءَ أجيالٌ وأعمــــارُ 
منْ ذا توهـّمَ أنَّ (اليــومَ) مكرمة ٌ *** فكلّ ُثامــن ِمـــــنْ آذارَ (آذارُ ) 
أمَّ الوجـودِ لقـــــدْ خبّأتكِ حِكـَماً *** للكالحاتِ ، إذا مــــــا هبَّ إعصارُ 
أنتِ -كما زعمَ الماضون من نفري-** بنتُ الجمال،وفي الصدرين إيثارُ
وهذا مطلع لقصيدة نظمت بمناسبة منح جائزة درع المثقف العربي (2013م) لكتاب هذه السطور ، وهي أيضاً من البسيط : 
دعْ عنْكَ ما ضاعَ منْ أيّامِكَ النّـُجبِ ***وعــشْ بدنيــــاكَ بيـنَ اللهِ والكُـتبِ
كفاك جيلانَ عمراً رحـتَ تحملهُ **** بين الضياعِ وبينَ الحاقدِ الخَرَبِ
وهذا مقطع من قصيدة وجدانية من الوافر بحق الأديب زاحم جهاد مطر ، وكان قد نشر عني مقامة أدبية :
وضعنا الشّمسَ مرتكزاً مدارا *** أبــــــتْ إلاّ يهيمُ بها الغَيارى
فراحتْ تُشْبعُ الآفـاقَ نوراً *** ومــــا جحـدتْ يمينـاً أو يسارا!
وسارتْ بينَ ديجورٍ وجـــــورٍ *** فشعشعَ عـدلـُها يلـــجُ الدًيـارا
وقالتْ شيـمتي تأبى ومجدي ** "سحائبُ ليس تنتظمُ" القفـــــارا
فمـدّتْ ترفـــدُ الصحرا بجــارٍ *** وقـــــد جابتْ جواريها الجـوارا
المحصور بين الأقواس لعجز بيت للمعري ، (الجاري) الراتب الشهري ، كما كان يطلق عليه في العصر العباسي ، واحقيقة غي كل قصائدي الوجدانية ، أنطلق فيها من الخاص إلى العام حيث الهموم الوطنية والعربية ، وإليك مقطع من قصيدتي من شعر التفعيلة تحت عنوان ( وفمي طلق اليدين من شعاع المشرقين) ، ونظمت في بدايات ما سمي بالربيع العربي : 
قدْ تواريتُ وراءَ الأفقِ
كي أبحثَ عنْ كنزي الثـّمينْ
وتعاليتُ عنْ الحقدِ الدّفينْ
وتنشـّقتُ انعزالا
وتنسّمتُ خضارا
وهمومي تتوالى
بينَ أولادٍ حيارى
ودموع ٍتتجارى
وفمي طلقَ اليَدَينْ !
لشعاع المَشـْرقـَيَنْ
هذه عينات من شعري في هجرتي الأخيرة ، وما زال الجهد مستمر ، كما ذكرت سابقاً ، لطبع مؤلفاتي المخطوطة و،وتكملة الأخرى ، والله الموغف لكلِّ خير :
على المرء أن يسعى بمقدار جهده *** وليس عليه أن يكون موفقا
س 3 - هل اشبعت طموحاتك الاسرية ؟
الإنسان جبل على أن لا يشبع من تحقيق رغباته وأمانيه ما دام يتنفس نسمة الهواء ، ولكن يختلف الناس في المقدرة على ذلك ، وكما يقول المتنبي ( على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ)، ثم تطلعات البشر تختلف من فرد إلى آخر ، فما هي هذه الطموحات ، هل اقتصادية ، فكرية ، فنية ، تعليمية ، وظيفية ، سياسية ، دينية ، أخلاقية ، ، وما هي مداها ، فكما أقول في بيت :
النسر يشمخ للجوزاء مطلعهُ *** والدود يطمحُ للأقدامِ والكعبِ وربما الإنسان ليس وحده هو صاحب القرار أحيانا ، فهنالك إرادة الله ، وضربات الحظ ، يقول حافظ ابراهيم :
فــإذا رزقــت خـلـيقة مـحـمودة *** فـقـد اصـطـفاك مـقسم الأرزاق
فـالـناس هــذا حـظـه مــال وذا ****عــلـم وذاك مــكـارم الأخــلاق
من حيث طموحاتي الأسرية ، الحمد لله من باية زواجي قبل ثلاثين عاماً إلى يومنا الحاضر ، لم تحدث أي شائبة ، أو مشكلة أسرية ، وكعائلة شرقية ، القرار الأخير لؤب الأسرة ، دون أي إجحاف لدور الأم و الأبناء ، والناحية الأقتصادية بحكم عمل الوالدين ، وولديَّ الآن شغلهما المهني يوفر لهما وللعائلة مردوداً جيداً أكثر بكثير من أقرانهما ، وعلى أبواب التخرج من الجامع ، زالابنة ، أنهت دراستها الجامعية ، وتزوجت ، ولهل ابنتها ، والولد الكبير تزوج ينتظر سحب زوجته ، فمن الناحية الاقتصادية فوق المتوسط ، وأنعم الله علينا بزيارة العديد من الدول الأوربية والعربية ، وأمريكا ، نعم أنا لدي طموح فني أدبي فكري ، أحاول إنجازه ، والمادة ضرورة ملحة لترسيخ هذا الطموح ، وكما قال المتنبي : 
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله *** ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
ونحن نسعى جاهدين لتكامل الجانبين خدمة للأجيال والتاريخ ، في ظل الظروف الرديئة التي تمر بأوطاننا في إهمالها وعدم دعمها للمجال الثقافي في أبعاده الفكرية والفنية والأدبية ، وأخص وطني العراق ، فقد ضاعت المقاييس تماماً ، وتغلبت المحاصصة ، والتكتلات النفعية ، والنفاق الثقافي والإعلامي على حساب العبقرية العراقية ، والزمن كفيل بقلب الأمور ، وإحقاق الحق ، فلا يصحّ إلا الصحيح ، والآتي قريب 
س 4 - ما اثر بيئة النجف بقداستها عند الشيعة على تكوين كريم مرزة الإنسان ؟
جزماً لو لم تكن النجف ، لم يتكون كريم ، وغير كريم ، فالنجف وريثة الكزغة ، والكوفة وليدة الحيرة ، وهذا المثلث لا تتجاوز أبعاد أضلاعه عشرين كيلو متر ، وهذا المثلث أنجب المئات من عبافرة العرب ، وحضن أخرين مثلهم ، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الأعشى ، الأخطل ، الكميت ، دعبل ، أبو دلامة ، مسلم بن الوليد ، أبو العتاهية ،أبو قتيبة الدينيوري الكسائي ، الفراء ، ثعلب ، ابن الكلبي ، أبو حنيفة النعمان ، ابن الإعرابي ، المتنبي ... وفي عصرنا الحاضر الجواهري ، السيد أحمد الصاقي النجفي ، الشبيبي ، الشرقي ، اليعقوبي ، السيد مصطفى جمال الدين ، الوائلي ، الدكتور المخزومي ، الدكتور عبد الرزاق محي الدين ، الشيخ المظفر ... وغيرهم وغيرهم وأستثنينا مراجع الدين الكبار .
ولعلني أول من ثبت أن النجف أصبحت مدينة آمنة بشكل رسمي مشروع منذ عهد المعتضد العباسي سنة (282 هـ / 895 م) ، وذلك في كتابي ( تاريخ الحيرة ...الكوفة ...الأطوار المبكرة للنجف الأشرف) ، اهتم بها من بعده الحمدانيون والبويهيون ، وحاول الفاطميون من بعد ، ولكن بشكل بسيط لحساسية موقف العباسيين منهم ، وافتتحت جامعة النجف على أغلب الظن قبل جامعة الأزهر الشريف بخمسين عاماً - طبعاً بعد التحقيقات الرصينة - ، إذ افتتحت جامعة الأزهر (380 هـ / 980 م) ، ومن بعدهما تأسست جامعة بولونيا في إيطاليا (513 ههـ / 1119 م) .
بقت جامعة النجف في حدود الفقه وأصوله ، والأدب وشعره ،والعلوم الإنسانية ، ولم تفكر بالعلوم البحتة ، ولكن هذه العلوم بدأت تدخل العراق مع نهضة المدارس الرسمية ، فاستطاع النابهون من أجيال النجف المعاصرين لهذه النهضة ، أن يمدّوا جذورهم مع امتداد الموروث الأدبي ، وأن يغرفوا من معين العلوم الحدثة ، وأزعم أنني كنت من هؤلاء المحظوظين ، فبالرغم من أنني حزت على درجات عالية في علوم الرياضيات والكيمياء والفيزياء (علوم الطبيعة ) ، والأحياء (الحيوان والنبات)، أهلتني أن أحصل على كرسي في كلية طب الأسنان ، وكان يومها يعزّ حتى على الأذكياء ، يأتي بعد كلية الطب مباشرة ، أقول كنت ذا موهبة متميزة باللغة العربية ، ضعيفاً في اللغة الإنكليزية ، ربما يعود السبب لطرق تدريس اللغات الأجنبية ، أو خلل في الأذن تجعلها تميل لاللغم الأم ، ومع أن دراساتي العليا كانت باللغة الإنكليزية حصراً ، ولكن ما زال النطق بها لا الكتابة ضعيفاً ، المهم كنت أتردد في النجف على الجوامع ، وفيها من علماء الدين من يقومون بالتوعية الدينية ، واللغة العربية هي الوعاء الأساسي لهذا العلم ، إضافة إلى أنني كنت من المؤسسين لمكتبة الحجة في جامع النجم أبان دراستي الثانوية ، ساعدني هذا كثيراً للإلتصاق بعالم الكتب والبحث والقراءة ، والأحتكاك بمكتبات كبرى ، تُعدّ من أكبر المكتبات العامة في العراق كلّه.
لم تكن النجف مدينة طائفية بالمرّة في زمان نشأتنا وترعرعنا ، لأسباب عديدة ، منها أولا النجف وأهلها نزعتهم عروبية ، بل كانوا من أشد المتحمسين للقضايا العربية ، فليس غريباً أن يفتي علماء النجف بالجهاد في ليبيا عام 1911م ضد الاستعمار الإيطالي ، وأن يتفق علماء النجف مع شيوخ عشائر الفرات الأوسط لتنصيب فيصل الأول بن الشريف حسين ملكاً على العراق ، ويذهب ابن النجف الشيخ محمد رضا الشبيبي رسولاً عنهم للحجاز ، ويقدم بالملك الشريف ويتوجوه على عرش العراق ، وانتفضوا ضد معاهدة بلفور (1917 م) ،ووقفوا بحزم شديد ضد نزعة الأتراك لضم ولاية الموصل إلى تركيا ، وستمرت انتفاضاتهم للوقوف مع ثورة مصر (1953م) ، و مع تحرير تونس والمغرب (1956م) ، وفي السنة نفسها ثارت وقدّمت الشهداء لمساندة مصر في معاركها في قناة السويس ، وأبان الثورة الجزائرية (1962م ) ، وحتى انتكاسة 1967 م) ، وحرب تشرين (1973 م) ، والنجف شغلها الشاغل الهم العربي والإسلامي ، الدكتور محمد حسين آل ياسين يعتمد ( فلسطين في الشعر النجفي) لرسالة الدكتوراه ، وينالها بامتياز ، الشيخ اليعقوبي لديه عشر قصائد عن شمال افريقيا ، ومثلها عن فلسطين ، والجواهري قصائده عن فلسطين ومصر ودمشق ولبنان وبلدان شمال إفريقيا ملئت دواوينه ، وكذلك بقية شعراء النجف الشبيبي ، صالح بحر العلوم ، علي الشرقي ،السيد مصطفى والصافي ، ويحق لي أن أفتخر ، إنني ابن هؤلاء الكبار ، فكان شعري يغطي كل المساحة العربية .
ثم أن مدرسة النجف الفقهية ترى كلّ من ينطق بالشهادتين ، ويؤمن بالميعاد مسلماً لا يحل دمه ولا ماله ولا عرضه ، إضافة لقول الإمام علي (ع) : الإنسان إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ، من أين تأتي الطائفية والتمايز الديني في مثل هذه الأجواء - وأنا أتكلم عن جيلنا - ، والنجف كمرقد للإمام ، وكمدرسة حوزوية إسلامية ، يأمّها الناس من كل أنحاء العالم للزيارة أو قراءة الفاتحة ، أو للاستمتاع والتنور ، ذابت فيها النظرة الضيقة للإنسان والإنسان الآخر ، وملم أر في حياتي هذه التفرقة ،ولا أظلم ثقافتي العربية وتجربتي ونظرتي الإنساتية .
والنجف مدينة في قلب المحيط الشيعي ، عمرها لم تحتك صراعاً مع بقية الطوائف والأديان والأقليات ، فمن أين يتولد حقدها على الآخر ، وحتى في زمن الصراع بين الصفويين والعثمانيين ،وهي فترة صغيرة جداً في زمنها - ثلاثة مراحل ، مجموع سنواتها خمس وثلاثون سنة - وقفت مرجعية النجف على الحياد ، واعتبرت الأمور مصالح سياسية ، ليس لها علاقة بالعقائد ، لهذا كلّه أنا إنسان عربي مسلم وكفى ، وقدمت العروبة على الإسلام لا من باب التفضيل ، إذ لا علاقة بين العرق والدين ، وإنما لأنني تعلمت لغتي قبل ديانتي ، ولغتي هي التي علمتني كل الأشياء ، احتراماتي وتقديري للقارئ الكريم وأعتذر عن الإطالة ، شكراً 

CONVERSATION

0 comments: