بلا شك ان اي جريمة تحدث لا بد من البحث اولا عن المستفيد، والمستفيد الاكبر من جريمة قتل رمز نضال الشعب الفلسطيني ياسر عرفات هي اسرائيل التي يبدو انها جندت بعض العملاء من اجل تسميمه بمادة البولونيوم المشعة التي اثبتت المخابر الفرنسية والسويسرية وجودها داخل اشياء عرفات وما تبقى من جثته.
تمر الذكرى التاسعة لمقتل عرفات مع تزايد الضجة حول من قتله والكشف عن الذين نفذوا هذه الجريمة التي تحاول اسرائيل نفي مسؤوليتها والتي تعتمد على ما يبدو ان ليس عند الطرف الفلسطيني دلائل تثبت فرضية قتله بواسطة عملاء يعملون لحساب دولة الاحتلال، ولكن مجرد تأكيد وجود مادة البولونيوم في جثة عرفات تثبت التهمة ضد المحتل الاسرائيلي، لان هذه المادة غير شائعة ولا تملكها سوى عدة دول ومن بينها اسرائيل.
ولكن الامر متروك للتحقيقات وكشف المخابر التي ستقول كلمتها الاخيرة في هذه القضية، ولكن بالرغم من ان اكثرية الشعب الفلسطيني تؤمن بأن من قتل عرفات هي اسرائيل، فدائما يطرح سؤال ماذا سيفعل الطرف الفلسطيني ان تأكد بأن اسرائيل هي التي تقف وراء مقتل عرفات.
من المعروف ان السلطة الفلسطينية التي دخلت في مفاوضات جديدة مع دولة الاحتلال والتي تراهن على حل القضية الفلسطينية من خلالها،ولكن بدون وقف الاستيطان من الجانب الاسرائيلي يعتبر اذعانا لما تريده اسرائيل، ومن شروط العودة الى المفاوضات من الجانب الاسرائيلي كان عدم ذهاب السلطة الفلسطينية ومنعها من الانضمام الى منظمات دولية واهمها الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، بعدما حصلت أخيراً على مكانة دولة بصفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بذلك تكون اسرائيل قد ابعدت نفسها عن المحاسبة بمساعدة الطرف الفلسطيني مما يشجعها على ارتكاب المزيد من الجرائم والقتل وسرقة الاراضي وبناء المزيد من المستوطنات، ومن غير المعروف كيف ستتصرف القيادة الفلسطينية في حال ثبت ان اسرائيل هي التي سممت عرفات، ام ستخاف السلطة من وقف المفاوضات والمساعدات المالية من اجل استمرارية هذه السلطة على هذا النحو الذي يعارضه معظم الفلسطينيين.
اسرائيل تملك اوراق ضغط كثيرة بمساندة الولايات المتحدة، ويمنعان الطرف الفلسطيني من ممارسة صلاحياته في الامم المتحدة، وتساهم السلطة الفلسطينية وقبولها الاملاءات والوعود الكاذب الاسرائيلية على الطرف الفلسطيني الذي يأمل بأن تتغير سياسات المحتل ولكن دون جدوى.
إن اسرائيل لم تقتل ياسر عرفات فحسب فهي قتلت الكثير من القيادات الفلسطينية وعلنا ولم تحاسب على افعالها، وهي تقتل الفلسطينيين على الحواجز كل يوم بدم بارد وتصادر الاراضي وتهود القدس، وهذه الجرائم التي تقترفها دولة الاحتلال لا تقل اجراما عن قتل ياسر عرفات الذي دافع عن الحقوق الفلسطينية حتى اخر لحظة من حياته، ولذلك قررت اسرائيل التخلص منه ظنا منها بأن اخرين سيقدمون لها التنازلات والاذعان لمتطلباتها الامنية والسكانية والتخلي عن الارض والمقدسات.
اسرائيل رأت بمن يطالب بالحقوق الفلسطينية كاملة اي الضفة الغربية والقدس الشرقية وطبعا غزة بأنه يهدد امن اسرائيل، ولذلك راهنت اسرائيل على إيجاد قيادات قادرة على تقديم التنازلات بعد التخلص من ياسر عرفات، ولذلك رأت دولة الاحتلال بمحمود عباس ابو مازن الشخص الذي من الممكن ان يحقق لها ما تريد، ولكن بالرغم من التنسيق الامني مع دولة الاحتلال ورفض اي انتفاضة ومنع الكفاح المسلح من قبل السلطة الفلسطينية الا ان اسرائيل لم تقدم للطرف الفلسطينيي حتى هذه اللحظة اي شيء من الحقوق السليبة، وانما يجري بناء المزيد من المستوطنات ويزداد الاحتلال اكثر توحشا.
ونسمع من وقت الى اخر بأن ابو مازن والطرف الفلسطينيي غير مهيئين للتوقيع على السلام مع اسرائيل بالرغم من ما تقدمه هذه السلطة من تساهل مع اسرائيل، ويبدو ان الطرف الفلسطيني لم يتعلم من الدروس الماضية ومن الممكن ان يحصل مع ابو مازن ما حصل لعرفات ان هو اصر على المطالب الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس.
ان ياسر عرفات ضحية من ضحايا اسرائيل الكثر والشعب الفلسطيني نفسه هو الضحية الكبرى، ويجب على اسرائيل دفع ثمن جرائمها حتى ولو انسحبت من كامل الضفة الغربية، لان الجرائم لا تزول بالاقدمية، وانما تنتهي بمحاكمة المجرم على جرائمه.
0 comments:
إرسال تعليق