نـداء إلى الفـلاح الـذكي/ مهندس عزمي إبراهيم

المقال، أي مقال أو قصيدة، هو عبارة عن رأي كاتبه، صاغه في قالب لغوي بأسلوبه الشخصي. وعرضه على القراء كوحدة مكتملة مستقلة تقف على أرجلها، أي على ما فيها من فكر وتحليل. قطعاً يُسعِد الكاتب أن يعرف مدى نجاح مقاله، وصداه لدي قارئيه، إعجاباً أو اعتراضاً. ولكن في حقيقة الأمر، سواء علق عليه القراء بالتأييد  أو بالمعارضة أو بالإضافة بقصد تكملة الموضوع، أو حتى لو مروا به مر الكرام دون إبداء رأي، فهذا لا يضير الكاتب أو ينقص منه. وبقولي هذا لا أنفي أهمية التعليقات مؤيدة أو معارضة لدى الكاتب، فهي مقياسٌ لوقع ما كتب على مَن قاموا بالتعليق.
المقال عامة هو طرح موضوعٍ من زاوية معينة هي رؤية الكاتب للموضوع، لم يخرج عن كونه رأي شخص واحد، هو كاتب المقال. والتعليقات الجادة هي مجموعة مساهمات القراء بآراء تضيف وتثري المقال وتزيده أبعاداً وأعماقا. وذاك يخدم الموضوع لا الكاتب. والكاتب بالطبيعة يهمه الموضوع وإلا ما كان طرحه للقراء. وبرغم أن التعليقات هي صورة من التواصل الأخوي المُستَحَب بين الكاتب والمعلقين، إلا أن تشجيع التعليقات ليس استجداءًا من الكاتب لإرضاء نزعة شخصية، بل لإثراء الموضوع المعروض.
في تطبيق ما جاء بهذه المقدمة، أشير إلى مقالي السابق الذي نشر منذ بضعة أيام بهذا الموقع بعنوان "ما يلزم الأقباط.. جبهتان". حيث تلاقى الكاتب مع نخبة طيبة من الأخوة الكرام المعلقين القادرين والجادين فساهموا مشكورين بأفكارهم وآرائهم في الموضوع الهام المعروض بالمقال، وهو موضوع مدى احتياجنا إلي الوحـدة الإعلامية والسياسية للأقباط.
هذه الوحدة كما قلت بالمقال المشار إليه "هي فكرة قديمة قدم كل الاستعمارات التي جثمت على صدر مصر" وكما قلت أيضاً "هي محاولة نحو أمل كل قبطي عاقل على سطح الأرض"  وكما قال الأخ القدير منير بشاي في أبلغ وأبدع تعبير عنها "ان الوحدة ليست فكرة وليست جديدة ولكنها أمل على كل لسان وهى موجودة منذ وجد الأقباط فى التاريخ."
الهدف هو تكوين جبهة اعلامية سياسية للأقباط تساهم في الساحة المصرية تضامناً مع أخوتنا المسلمين المعتدلين المستنيرين المجاهدين في إقرار الحرية في مصر الوطن، وفي تحصيل الحقوق المهضومة للمصري القبطي، وفي إعفاء الكنيسة المصرية ورئاساتها من التهجمات الاعلامية والغوغائية والضغوط الحكومية التطرفية. كانت صفحة المقال، رغم بعض الشوائب، بوتقة لسديد الآراء في تحبيذ موضوع "الوحـدة الاعلامية والسياسية للأقباط" وهذا مجرد وصف تلقائي وليس إسماً لها. كما زكى بعض الأخوة المعلقين أفضلية اختيار إسم وطني لا ديني ولا طائفي لها.
الأفكار والآراء عديدة وسهلة على الكثيرين منا. ولكن أخذها إلى حيز الوجود، أي حيز التنفيذ لترى النور حقاً وتصير ملموسة ومرئية وفعالة فهذا هو "العمـل". الإيمان بالأفكار والآراء أمر جيد، ولكن كما قال الكتاب المقدس "إيمان بلا عمل باطل"، وأترجم هذا بأن "أفكار بلا عمل قصور". فأفكارنا وآراؤنا كتاب ومعلقين على قدر جديتها وحسن هدفها  ليس لها أرجل تقف عليها، ليس لها هيكل عظمي أو عمود فقري. الأفكار والآراء بضاعة في سوق الكلام. هي قطعاً في منتهى الأهمية لأن لا أعمال بدون آمال وأفكار وآراء وتخطيط. ولكن الأفكار في مُجمَلها لم تخرج عن صفحة الأحلام المكتوبة. في واقعيتها ليست إلا "كـلام".
من ضمن أقوالي التي كررتها كثيرا في مقالاتي وتعليقاتي عبر هذا الموقع، أني أقدر وأحترم وأجل كل من يكتب ولو سطراً واحدا عن القضيتين: قضية حرية مصر وقضية حقوق الأقباط. فمن كل قلبي وفكري أحني هامتي لكل كتاب الموقع ومعلقيه الجادين. فهم الجاهدين بـ "الكلمـة" في المسيرة المقدسة نحو الهدف المنشود لهاتين القضيتين، حتى تتاح لها الظروف أن تصير "عمـلا"
لقد لقبت الأخ الكبير، الكاتب والمفكر والمحلل السياسي د. ميشيل فهمي في تعليقاتي العديدة بأنه "حامل شعلة الكلمة في مقدمة المسيرة". أخذها البعض كتقدير مُوَفّق مني ومُستحَق له، وأخذها البعض الآخر كمجاملة و.. و.. و..!! وعلى أية حال، لو نفحص قائمة كتاب الموقع الأكفاء وأنا منهم (ولست بالضرورة من الأكفاء) لا نجد منا من خرج عن حيز "الكلمـة" أو "الفكـرة" أو "الـراي" إلى حيز "الوجـود" و"النـور" و"العمـل"، إلا واحد أتيحت له "الجرأة الشخصية" أو "الظروف المحيطة" أو كليهما، وهو الدكتور ميشيل فهمي.
ولن أطيل "الكلام". هذا المقال نداءٌ أو رجاءٌ للدكتور ميشيل فهمي: أخي الكبير قلباً وقلماً ومقاماً، لا تضع الشعلة جانباً. لا تتنحى عن جهادك في مسيرة الهدف المنشود. وضعت قدميك على منصة الكلمة فكنت قمة، وخطوت بهما إلى ساحة التنفيذ فكنت شجاعاً. وكما لم تهتز المنصة من تحت قدميك، لن تهتز الساحة من تحت خطواتك. مهما اشتدت رياح التقسيم والتفتيت والتشتيت والأغراض. فلا يوجد قائد في صفحات التاريخ لم تواجهه تلك الرياح العاصفة.
هذا رأيي الشخصي أبديه. وأرجو من يوافقني الرأي من الأخوة كتاب الموقع ومعلقيه ومتصفحيه، أن يضموا أصواتهم إلى صوتي في هذا الرجاء في هذه الصفحة. وأرجوكم أن تعلموا مُسبَّقاً أن من يعمل هو من يُحتَمَل أن يُخطئ، أما هؤلاء الذين لا يخطئون، فهم لا يخطئون لأنهم لا يعملون. وإن كنتم تبحثون عن من لا يُخطئ فابحثوا بين الأنبياء.
د. ميشيل فهمي، نحن في أمس الحاجة إلى "وحـدة" تضمنا في مصر وخارجها. أرجوك،  التقط الحبل مرة أخرى، وحاول، فمعظم الثورات الناجحة لم تولد ناجحة، بل نبتت ونمت من تمردات ومحاولات صغيرة بعضها انتكس ولاقي الفشل وأخيراً تم لها النجاح. ومحاصيل الحقول لم تنمو إلا من بذور عديدة بذرها الفلاح. بعضها لم ينبت، وبعضها لم يزدهر.. ولم ييأس الفلاح الذكي.
وأنت فلاح ذكي.

CONVERSATION

0 comments: