تعتبر اثيوبيا أغنى بلاد الحوض في مصادر المياه، فهي المنبع الرئيسي لنهر النيل التي تزوده بحوالي 84% من مياهه التي تصل إلى أسوان، كما أنها مصدر المياه التي تصل إلى الصومال. وتبلغ مساحة حوض النيل بفروعه الثلاثة في اثيوبيا حوالي ثمن مساحة حوض النهر كله
واثيوبيا بلاد جبلية يشقها الاخدود الاثيوبي الغائر إلى قسمين الغربي منها تقع فيه المرتفعات الاثيوبية التي يحدها شرقا جرف الأخدود القائم، وتتصرف مياه هذه المرتفعات إلى النيل، وبها جبال عالية تغطي بعض قممها الثلوج ويبلغ ارتفاعها 4620 مترا فوق سطح البحر. وفي المقابل توجد أراضي الأخدود الواطئة والتي يصل ارتفاع أوطى نقطة فيها إلى 112 مترا تحت سطح البحر ..
ويصعب اختراق المرتفعات الاثيوبية فهي حصينة حقا فلا غرو ان احتفضظت اثيوبيا باستقلالها غبر التاريخ، وان كانت قد أمكن الإحاطة بها من كل جانب من قبل القوى المجاورة أو الاوروبية. وفي ستينات القرن التاسع عشر توغلت الجيوش المصرية في ارتريا فساحل البحر الأحمر واستولت على مينائي مصوع وزيلع (إلى الجنوب من جيبوتي) ومنها إلى سهول هرر الداخلية.
ويقع موسم الأمطار الأساسي في اثيوبيا في شهور الصيف بين أول يونيو وآخر سبتمبر من كل عام ويصل ذروته في شهر اغسطس ، ومتوسط المطر 1200 ملليمتر في السنة، وهو يختلف من مكان إلى مكان فهو بين 300 إلى 500 ملليمتر في مناطق اخري , وتقدر جملة الأمطار التي تسقط على اثيوبا بحوالي 480 بليون متر مكعب في السنة يذهب أكثر من نصفها إلى البحر ونصفها الباقي تحمله الأنهار أو ينفذ في الأرض ليكون مخزون المياه الأرضية الذي يقدر الجزء المتجدد منه بحوالي 20 بليون متر مكعب في السنة
ولازالت اثيوبيا أرضا بكرا من حيث تنمية مصادر ثروتها الطبيعية. والماء فيها متوفر يبلغ المتاح منه حوالي 110 بلايين متر مكعب في السنة جزؤه الأكبر تحمله الأنهار الاثيوبية الداخلية وجزؤه الأصغر في مخزونها الأرضي. وتقع معظم الأنهار الداخلية بداخل الأخدود الاثيوبي الغائر حيث لا يطيب العيش. ويتركز معظم السكان في سفوح الجبال والهضاب بين منسوبي 1800 و2400 متر فوق سطح البحر حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة على مدار العام حوالي 20 درجة مئوية وهي لا تتقلب إلا في حدود قليلة بين الشتاء والصيف.
وتعتبر اثيوبيا واحدة من الدول القليلة في أفريقيا التي درست أنهارها دراسة جيدة ورفعت لها خرائط تفصيلية وقد تمت هذه الدراسة بواسطة مكتب استصلاح الأراضي بالحكومة الأمريكية فيما بين سنة 1959 وسنة 1964. وكانت الحكومة الاثيوبية قد دعت هذا المكتب لدراسة حوض النيل الأزرق لبحث امكانية تنمية حوضه بعد أن اتخذت مصر قرارها ببناء السد العالي، وربما كان قبول الحكومة الأمريكية للقيام بهذه الدراسة مدفوعا بموقف مصر في ذلك التاريخ التي كانت تنتهج سياسة مستقلة عن أمريكا. فقد كان الكابوس الأكبر لمصر خلال التاريخ هو أن يقوم أحد بمنع وصول مياه النيل الأزرق عنها.
وفي الحقيقة فإن أحدا لم يكن يعرف كيف يمكن أن يتم ذلك العمل، فالنيل الأزرق يجري في خانق ضيق عميق لم يكن يركبه أحد حتى عشرينات القرن العشرين، وكان عند المصريين اعتقاد بأن بناء سد على النيل الأزرق عملية صعبة وباهظة التكاليف وأنه سيكون مرتفعا وعرضة للاطماء( الطمي)السريع وقليل الكفاءة
وقد قام المكتب الأمريكي بدراسة هيدرولوجية حوض النيل الأزرق وجيولوجيته وتضاريسه ونوعية مياهه وثروته المعدنية ومياهه الأرضية واستخدامات أراضيه واقتصاديات تنمية,
وقد أظهرت دراسة المكتب أنه لا توجد أراضي في حوض النيل الأزرق تمكن زراعتها وانما توجد أراضي في الهضاب المحيطة يمكن توصيل الماء إليها وزراعتها وعلى الأخص منطقة حول بحيرة تانا وحول منطقة الحدود الاثيوبية – السودانية. وتصل جملة الأراضي التي ذكرها التقرير إلى أكثر قليلا من المليون فدان يحتاج ريها إلى حوالي 6 بلايين متر مكعب في السنة
وركز التقرير على امكانيات توليد الكهرباء من السد علي مياه النيل الأزرق بانتاج يصل الي حوالي 25 بليون كيلو واط ساعة اي بما يزيد عن ثلاثة اضعاف كهرباء السد العالي , وقد اقترح التقرير مبدئيا بناء اربعة سدود في الجزء الأخير من المجرى لتوليد الكهرباء ، تبلغ جملتها 6 بلايين كيلو واط ساعة.
ولما كانت تكلفة المشاريع التي جاءت بالتقرير كبيرة فقد اقترح المكتب الأمريكي أن تقوم اثيوبيا بالتركيز خلال سني القرن العشرين على بناء السدود الصغيرة، أما مشروعات السدود الكبيرة على النيل الأزرق فقد اقترح تأجيل اقامتها إلى القرن الواحد والعشرين . وقدرت تكاليف مجموعة مشروعات القرن العشرين بحوالي 2 بليون دولار اثيوبي، وتكلفة سدود النيل الأزرق بحوالي 3.8 بليون دولار اثيوبي باسعار سنة 1964، وفي ظني أن تكلفة هذه المشروعات اليوم تفوق هذا السعر اضعاف الاضعاف
وفي هذا الصدد ونحن نتخبط ما بين الحلول السلمية والعسكرية هل فكرت حكومات مصر المتعاقبة التصالح مع اثيوبيا لصالح المواطن المصري والاثيوبي بصفة خاصة والافريقي بصفة عامة ام الاستكبار حال دون مد يد العون الي بلد ينبع من اراضيها شريان الحياة ونبع الامل لمصرنا بالمساهمة في بناء السدود الصغيرة التي لاتؤثر في تدفق المياه الي الوطن , وتغطي حاجة اثيوبيا الي الكهرومائية الضرورية للشعب الاثيوبي الفقير وهو في امس الحاجة الي القوة الكهربائية لزوم التنمية في كل المجالات هل حاولنا ان نشاركهم في النهوض بمستوي معيشتهم بارسال الخبراء المصريين في كل الانشطة او حاولنا ان نشجع فكرة بناء سد النهضة علي مراحل زمنية وتخزين المياه علي ستوات عديدة بحيث لايعوق جريان المياه وتفادي الجوع المائي .
اظن ان هذا كان مجديا جدا افضل من التلويح بالحروب او الارهاب الداخلي ومنغصات حياة الشعب الاثيوبي الذي سيرد الصفعة بالاستقواء الي البلاد التي لها مصالح لديهم واستثمارات عندهم وهم مستعدون للتصدي ......
يري د. بطرس غالى إفريقيا بمثابة المجال الرئيسى للتحرك الاقتصادى المصرى الخارجى فالمنطق الاقتصادى يجعل من الدول الإفريقية السوق المستقبلى الأساسى لزيادة الصادرات وتنمية المنتجات المصرية التى يصعب تصديرها إلى الأسواق الأوربية والأمريكية نتيجة المنافسة الشديدة فى هذه الأسواق لقد أثمرت هذه الرؤية الإفريقية لطبيعة الدور الدولى لمصر سياسات واستراتيجيات متكاملة طورها د.بطرس غالى لتنفيذ هذا الدور كالصندوق المصرى للمعونة الفنية لإفريقيا وبلورة مجموعة دول حوض وادى النيل
ولو اخذت مصر برؤية د.بطرس غالي لتجنبنا الموقف المتأزم مع اثيوبيا الان وتبدد الخوف من شح المياه .. لكن للاسف نري من يتهمه بانه خيالي وفوق الخيال, ويصر علي سياسة العداء التي لن تفلح بل ستزيد من وكستنا التي نصنعها باديدينا .
هوامش : مقتطفاات بتصرف من كتاب نهر النيل للدكتور رشدي سعيد
السياسة الدولية :رؤية بطرس غالى للسياسة والعلاقات الدولية : محمد السيد سليم
واثيوبيا بلاد جبلية يشقها الاخدود الاثيوبي الغائر إلى قسمين الغربي منها تقع فيه المرتفعات الاثيوبية التي يحدها شرقا جرف الأخدود القائم، وتتصرف مياه هذه المرتفعات إلى النيل، وبها جبال عالية تغطي بعض قممها الثلوج ويبلغ ارتفاعها 4620 مترا فوق سطح البحر. وفي المقابل توجد أراضي الأخدود الواطئة والتي يصل ارتفاع أوطى نقطة فيها إلى 112 مترا تحت سطح البحر ..
ويصعب اختراق المرتفعات الاثيوبية فهي حصينة حقا فلا غرو ان احتفضظت اثيوبيا باستقلالها غبر التاريخ، وان كانت قد أمكن الإحاطة بها من كل جانب من قبل القوى المجاورة أو الاوروبية. وفي ستينات القرن التاسع عشر توغلت الجيوش المصرية في ارتريا فساحل البحر الأحمر واستولت على مينائي مصوع وزيلع (إلى الجنوب من جيبوتي) ومنها إلى سهول هرر الداخلية.
ويقع موسم الأمطار الأساسي في اثيوبيا في شهور الصيف بين أول يونيو وآخر سبتمبر من كل عام ويصل ذروته في شهر اغسطس ، ومتوسط المطر 1200 ملليمتر في السنة، وهو يختلف من مكان إلى مكان فهو بين 300 إلى 500 ملليمتر في مناطق اخري , وتقدر جملة الأمطار التي تسقط على اثيوبا بحوالي 480 بليون متر مكعب في السنة يذهب أكثر من نصفها إلى البحر ونصفها الباقي تحمله الأنهار أو ينفذ في الأرض ليكون مخزون المياه الأرضية الذي يقدر الجزء المتجدد منه بحوالي 20 بليون متر مكعب في السنة
ولازالت اثيوبيا أرضا بكرا من حيث تنمية مصادر ثروتها الطبيعية. والماء فيها متوفر يبلغ المتاح منه حوالي 110 بلايين متر مكعب في السنة جزؤه الأكبر تحمله الأنهار الاثيوبية الداخلية وجزؤه الأصغر في مخزونها الأرضي. وتقع معظم الأنهار الداخلية بداخل الأخدود الاثيوبي الغائر حيث لا يطيب العيش. ويتركز معظم السكان في سفوح الجبال والهضاب بين منسوبي 1800 و2400 متر فوق سطح البحر حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة على مدار العام حوالي 20 درجة مئوية وهي لا تتقلب إلا في حدود قليلة بين الشتاء والصيف.
وتعتبر اثيوبيا واحدة من الدول القليلة في أفريقيا التي درست أنهارها دراسة جيدة ورفعت لها خرائط تفصيلية وقد تمت هذه الدراسة بواسطة مكتب استصلاح الأراضي بالحكومة الأمريكية فيما بين سنة 1959 وسنة 1964. وكانت الحكومة الاثيوبية قد دعت هذا المكتب لدراسة حوض النيل الأزرق لبحث امكانية تنمية حوضه بعد أن اتخذت مصر قرارها ببناء السد العالي، وربما كان قبول الحكومة الأمريكية للقيام بهذه الدراسة مدفوعا بموقف مصر في ذلك التاريخ التي كانت تنتهج سياسة مستقلة عن أمريكا. فقد كان الكابوس الأكبر لمصر خلال التاريخ هو أن يقوم أحد بمنع وصول مياه النيل الأزرق عنها.
وفي الحقيقة فإن أحدا لم يكن يعرف كيف يمكن أن يتم ذلك العمل، فالنيل الأزرق يجري في خانق ضيق عميق لم يكن يركبه أحد حتى عشرينات القرن العشرين، وكان عند المصريين اعتقاد بأن بناء سد على النيل الأزرق عملية صعبة وباهظة التكاليف وأنه سيكون مرتفعا وعرضة للاطماء( الطمي)السريع وقليل الكفاءة
وقد قام المكتب الأمريكي بدراسة هيدرولوجية حوض النيل الأزرق وجيولوجيته وتضاريسه ونوعية مياهه وثروته المعدنية ومياهه الأرضية واستخدامات أراضيه واقتصاديات تنمية,
وقد أظهرت دراسة المكتب أنه لا توجد أراضي في حوض النيل الأزرق تمكن زراعتها وانما توجد أراضي في الهضاب المحيطة يمكن توصيل الماء إليها وزراعتها وعلى الأخص منطقة حول بحيرة تانا وحول منطقة الحدود الاثيوبية – السودانية. وتصل جملة الأراضي التي ذكرها التقرير إلى أكثر قليلا من المليون فدان يحتاج ريها إلى حوالي 6 بلايين متر مكعب في السنة
وركز التقرير على امكانيات توليد الكهرباء من السد علي مياه النيل الأزرق بانتاج يصل الي حوالي 25 بليون كيلو واط ساعة اي بما يزيد عن ثلاثة اضعاف كهرباء السد العالي , وقد اقترح التقرير مبدئيا بناء اربعة سدود في الجزء الأخير من المجرى لتوليد الكهرباء ، تبلغ جملتها 6 بلايين كيلو واط ساعة.
ولما كانت تكلفة المشاريع التي جاءت بالتقرير كبيرة فقد اقترح المكتب الأمريكي أن تقوم اثيوبيا بالتركيز خلال سني القرن العشرين على بناء السدود الصغيرة، أما مشروعات السدود الكبيرة على النيل الأزرق فقد اقترح تأجيل اقامتها إلى القرن الواحد والعشرين . وقدرت تكاليف مجموعة مشروعات القرن العشرين بحوالي 2 بليون دولار اثيوبي، وتكلفة سدود النيل الأزرق بحوالي 3.8 بليون دولار اثيوبي باسعار سنة 1964، وفي ظني أن تكلفة هذه المشروعات اليوم تفوق هذا السعر اضعاف الاضعاف
وفي هذا الصدد ونحن نتخبط ما بين الحلول السلمية والعسكرية هل فكرت حكومات مصر المتعاقبة التصالح مع اثيوبيا لصالح المواطن المصري والاثيوبي بصفة خاصة والافريقي بصفة عامة ام الاستكبار حال دون مد يد العون الي بلد ينبع من اراضيها شريان الحياة ونبع الامل لمصرنا بالمساهمة في بناء السدود الصغيرة التي لاتؤثر في تدفق المياه الي الوطن , وتغطي حاجة اثيوبيا الي الكهرومائية الضرورية للشعب الاثيوبي الفقير وهو في امس الحاجة الي القوة الكهربائية لزوم التنمية في كل المجالات هل حاولنا ان نشاركهم في النهوض بمستوي معيشتهم بارسال الخبراء المصريين في كل الانشطة او حاولنا ان نشجع فكرة بناء سد النهضة علي مراحل زمنية وتخزين المياه علي ستوات عديدة بحيث لايعوق جريان المياه وتفادي الجوع المائي .
اظن ان هذا كان مجديا جدا افضل من التلويح بالحروب او الارهاب الداخلي ومنغصات حياة الشعب الاثيوبي الذي سيرد الصفعة بالاستقواء الي البلاد التي لها مصالح لديهم واستثمارات عندهم وهم مستعدون للتصدي ......
يري د. بطرس غالى إفريقيا بمثابة المجال الرئيسى للتحرك الاقتصادى المصرى الخارجى فالمنطق الاقتصادى يجعل من الدول الإفريقية السوق المستقبلى الأساسى لزيادة الصادرات وتنمية المنتجات المصرية التى يصعب تصديرها إلى الأسواق الأوربية والأمريكية نتيجة المنافسة الشديدة فى هذه الأسواق لقد أثمرت هذه الرؤية الإفريقية لطبيعة الدور الدولى لمصر سياسات واستراتيجيات متكاملة طورها د.بطرس غالى لتنفيذ هذا الدور كالصندوق المصرى للمعونة الفنية لإفريقيا وبلورة مجموعة دول حوض وادى النيل
ولو اخذت مصر برؤية د.بطرس غالي لتجنبنا الموقف المتأزم مع اثيوبيا الان وتبدد الخوف من شح المياه .. لكن للاسف نري من يتهمه بانه خيالي وفوق الخيال, ويصر علي سياسة العداء التي لن تفلح بل ستزيد من وكستنا التي نصنعها باديدينا .
هوامش : مقتطفاات بتصرف من كتاب نهر النيل للدكتور رشدي سعيد
السياسة الدولية :رؤية بطرس غالى للسياسة والعلاقات الدولية : محمد السيد سليم
0 comments:
إرسال تعليق