جدية حافظ الأسد بالتسوية ومحاولته الاتصال بعدنان عقلة
و تصاعد العنف والعنف المضاد
حافظ الأسد يحاول تخفيف غلواء العنف الثوري ويوجه رسالة سلام
حافظ الأسد: (الإخوان المسلمون في سورية ليسو جميعاً مع القتل بل كثير منهم، القسم الأكبر منهم ضد القتل ويدين القتل)
كان حافظ الأسد جاداً بالتوصل إلى تسوية مع جماعة الإخوان المسلمين وجميع أطياف المعارضة السورية، وأن يلتقي معها في منتصف الطريق، وأن يُمأسس مبادرته للمصالحة الوطنية وتطويرها إلى نوع من عقد جديد، لا يتخطى قواعد النسق الجبهوي السياسي السائد، لكنه يقبل بتطويرها، وينعش أشكال المشاركة السياسية، بشكل يجمع ما بين استمرار هذا النسق واستقراره، وبين الاستجابة لكثير من تطلعات معارضيه. في حين كان معارضوه غير مستوعبين لعبة المساومة والتسوية اللتين هما الوسيلتان الأنجع في الوصول إلى نقاط لقاء ينهي الخلاف ويوصل الأطراف إلى ما يمكن الاتفاق عليه، وإنهاء حالة الاحتقان في المجتمع، وحفظ ماء وجه السلطة في الوقت ذاته.
محاولة لقاء الأسد لعدنان عقلة
أسرَّ الرئيس حافظ الأسد إلى ضباط خليته المقربة منه أنه يود اللقاء مع عدنان عقلة بأي ثمن ليعرف منه سقف مطالبه والتعامل معها بما يوصله معه إلى حلول وسط يتفق معه عليها، وقد أصبح عقلة كابوس يؤرق حياة حافظ الأسد، وذكّره أحد الضباط بصديقه المساعد الحلبي (م.د) الذي اختبأ عنده في دمشق أيام ملاحقته خلال عهد الانفصال، فطلب إليه الاتصال به حالاً، وبالفعل اتصل هذا الضابط بالمساعد المتقاعد (م.د) ليقوم بهذه المهمة بتكليف من حافظ الأسد، وكان يربط (م.د) صلة قرابة مع أحد قيادات الطليعة في حينها وهو (م.ر) وكان هذا فاراً لملاحقته من قبل أجهزة الأمن والفرقة الثالثة التي تحتل حلب، وطلب منه أن يوصل رسالة إلى عدنان عقلة من الرئيس حافظ الأسد ورغبته في لقائه، فطلب (م.ر) كتاباً خطياً من (م.د) وموقع من حافظ الأسد بعدم التعرض له، وبالفعل وصل الكتاب موقعاً من الرئيس حافظ الأسد بعدم التعرض ل(م.ر).
في نفس اليوم ذهب (م.ر) بصحبة (م.د) إلى حلب وبعد مفارقته ل(م.د) توجه إلى أحد أماكن تواجد عدنان عقلة السرية التي يعرفها (م.ر) والتقى به وعرض عليه المهمة التي جاء من أجلها، فأصاب الغرور عدنان عقلة ووجه أقسى عبارات اللوم والتقريع إلى (م.ر) ورفض أي لقاء مع حافظ الأسد، لاعتفاده أن سقوطه بات مسألة وقت، ولا مجال للمساومة!
تصاعد العنف والعنف المضاد
أفضى إضراب – عصيان آذار عام 1980م بما رافقه من عنف إلى فتح الأبواب طليقة أمام سياسة (العنف الثوري) التي تبناها العقيد رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع وشقيق الرئيس حافظ الأسد، الذي زاد من عنف (الطليعة)، ودفع الشعب السوري ثمناً باهظاً في مواجهة هذا العنف المتبادل المجنون، الذي سيطر عليه الحمقى المغرورين من كلا الطرفين، دون تمييز، وكان الخاسر الأكبر هو تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، فكان حالهم كمن وقع بين المطرقة والسندان.
وأقدم صقور السلطة الذين أصبحوا سادة الموقف على عملية تفكيك ممنهجة – ليس للقوى الطليعية المنفلتة التي تتبنى إستراتيجية العنف وتمارسها – بل تخطوا ذلك إلى القوى الإسلامية التي تنبذ العنف وترفضه، وكذلك مجموع القوى السياسية المعارضة. حتى غدا العنف والعنف المضاد السيد في ساحة البلاد، وحاول حافظ الأسد في إطار سياسة العنف الثوري التي انغمس فيها النظام أن يعطي المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين طابعاً حزبياً، يواجه فيه البعث بوصفه حزباً الإخوان المسلمين، فحرص على حضور مؤتمرات المنظمات الشبيبية والفلاحية والعمالية وخاطب أعضاءها مباشرة، وبرز لأول مرة كخطيب ثوري في حين كانت خطاباته السابقة تتميز تقليدياً بالهدوء والاتزان. وهذا ما جعل عقلية عسكرة الحزب تسيطر على المنظمات الحزبية التي افترض فيها أن تكون إطاراً هيكلياً لمؤسسات المجتمع المدني، وأسبغ شرعية غير قانونية على عنف جهاز الدولة.
حافظ الأسد يحاول تخفيف غلواء العنف الثوري
حاول حافظ الأسد في 23 آذار عام 1980م أن يخفف من غلواء (العنف الثوري) الذي يقوده شقيقه رفعت الأسد. فخاطب الشباب (شباب الحزب والمنظمات الحزبية) داعياً إلى التمييز ما بين (الإخوان المسلمين) المتورطين في العنف، و(الإخوان المسلمين) المعارضين للعنف. وقال بنبرة جديدة فاجأت الشباب: (أريد أن أوضح أمراً يتعلق بحزب الإخوان المسلمين في سورية. الإخوان المسلمون في سورية ليسو جميعاً مع القتل بل كثير منهم، القسم الأكبر منهم ضد القتل ويدين القتل.. هؤلاء أيها الشباب، لا خلاف لنا معهم إطلاقاً بل نحن نشجعهم، ولهؤلاء الحق بل وعليهم واجب، أن يقترحوا علينا وأن يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين).
وميز حافظ الأسد بين (القطاع المحافظ) و(الرجعية)، وانتقد علناً تصرف (مظليات الشبيبة) اللاتي رحن كقطعان الذئاب يخلعن الحجاب عن رؤوس حرائر دمشق في الأسواق والساحات وأماكن التجمع العامة، بأسلوب خسيس وغير أخلاقي، مما أدى إلى حدوث بعض المشاجرات والعراك الذي أسفر في بعض الحالات إلى مقتل بعض الشبيبات، الأمر الذي دفع رفعت الأسد إلى تسيير دوريات من سرايا الدفاع التي يقودها لحماية الشبيبيات وتسهيل مهمتهن.
حافظ الأسد يوجه رسالة سلام
كان من المفترض أن يؤدي تلميح حافظ الأسد في إشارته إلى التمييز بين من يدعون إلى العنف ومن ينبذونه إلى إرساء تعاطٍ مختلف مع الإسلاميين، لا يضعهم في سلة واحدة مع دعاة العنف، وأيضاً إلى تقليص عنف الدولة تجاههم. وهذا يعني أن حافظ الأسد وجد في العنف والعنف المضاد طريقاً لا يؤدي إلى عودة الأمن إلى الشارع السوري، ومن هنا نجد أن الأسد أراد في هذا التمييز توجيه رسالة سلام تتجنب استمرار المجابهة وتعيد تفعيل آليات المصالحة الوطنية.
لقد كان – على ما يبدو – أن مبدأ المصالحة الوطنية ما يزال يشغل مساحة من تفكير الأسد. وقد أكد على هذه الرسالة الأمين العام المساعد للحزب (عبد الله الأحمر) في جلسة حزبية قيادية داخلية في حلب في أيار عام 1980م، فقد طرح فكرة تأسيس حزب محافظ، وضمه إلى الجبهة، أي استيعاب التيار المحافظ في إطار النسق السائد.
يتبع
محاولة لقاء الأسد لعدنان عقلة
أسرَّ الرئيس حافظ الأسد إلى ضباط خليته المقربة منه أنه يود اللقاء مع عدنان عقلة بأي ثمن ليعرف منه سقف مطالبه والتعامل معها بما يوصله معه إلى حلول وسط يتفق معه عليها، وقد أصبح عقلة كابوس يؤرق حياة حافظ الأسد، وذكّره أحد الضباط بصديقه المساعد الحلبي (م.د) الذي اختبأ عنده في دمشق أيام ملاحقته خلال عهد الانفصال، فطلب إليه الاتصال به حالاً، وبالفعل اتصل هذا الضابط بالمساعد المتقاعد (م.د) ليقوم بهذه المهمة بتكليف من حافظ الأسد، وكان يربط (م.د) صلة قرابة مع أحد قيادات الطليعة في حينها وهو (م.ر) وكان هذا فاراً لملاحقته من قبل أجهزة الأمن والفرقة الثالثة التي تحتل حلب، وطلب منه أن يوصل رسالة إلى عدنان عقلة من الرئيس حافظ الأسد ورغبته في لقائه، فطلب (م.ر) كتاباً خطياً من (م.د) وموقع من حافظ الأسد بعدم التعرض له، وبالفعل وصل الكتاب موقعاً من الرئيس حافظ الأسد بعدم التعرض ل(م.ر).
في نفس اليوم ذهب (م.ر) بصحبة (م.د) إلى حلب وبعد مفارقته ل(م.د) توجه إلى أحد أماكن تواجد عدنان عقلة السرية التي يعرفها (م.ر) والتقى به وعرض عليه المهمة التي جاء من أجلها، فأصاب الغرور عدنان عقلة ووجه أقسى عبارات اللوم والتقريع إلى (م.ر) ورفض أي لقاء مع حافظ الأسد، لاعتفاده أن سقوطه بات مسألة وقت، ولا مجال للمساومة!
تصاعد العنف والعنف المضاد
أفضى إضراب – عصيان آذار عام 1980م بما رافقه من عنف إلى فتح الأبواب طليقة أمام سياسة (العنف الثوري) التي تبناها العقيد رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع وشقيق الرئيس حافظ الأسد، الذي زاد من عنف (الطليعة)، ودفع الشعب السوري ثمناً باهظاً في مواجهة هذا العنف المتبادل المجنون، الذي سيطر عليه الحمقى المغرورين من كلا الطرفين، دون تمييز، وكان الخاسر الأكبر هو تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، فكان حالهم كمن وقع بين المطرقة والسندان.
وأقدم صقور السلطة الذين أصبحوا سادة الموقف على عملية تفكيك ممنهجة – ليس للقوى الطليعية المنفلتة التي تتبنى إستراتيجية العنف وتمارسها – بل تخطوا ذلك إلى القوى الإسلامية التي تنبذ العنف وترفضه، وكذلك مجموع القوى السياسية المعارضة. حتى غدا العنف والعنف المضاد السيد في ساحة البلاد، وحاول حافظ الأسد في إطار سياسة العنف الثوري التي انغمس فيها النظام أن يعطي المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين طابعاً حزبياً، يواجه فيه البعث بوصفه حزباً الإخوان المسلمين، فحرص على حضور مؤتمرات المنظمات الشبيبية والفلاحية والعمالية وخاطب أعضاءها مباشرة، وبرز لأول مرة كخطيب ثوري في حين كانت خطاباته السابقة تتميز تقليدياً بالهدوء والاتزان. وهذا ما جعل عقلية عسكرة الحزب تسيطر على المنظمات الحزبية التي افترض فيها أن تكون إطاراً هيكلياً لمؤسسات المجتمع المدني، وأسبغ شرعية غير قانونية على عنف جهاز الدولة.
حافظ الأسد يحاول تخفيف غلواء العنف الثوري
حاول حافظ الأسد في 23 آذار عام 1980م أن يخفف من غلواء (العنف الثوري) الذي يقوده شقيقه رفعت الأسد. فخاطب الشباب (شباب الحزب والمنظمات الحزبية) داعياً إلى التمييز ما بين (الإخوان المسلمين) المتورطين في العنف، و(الإخوان المسلمين) المعارضين للعنف. وقال بنبرة جديدة فاجأت الشباب: (أريد أن أوضح أمراً يتعلق بحزب الإخوان المسلمين في سورية. الإخوان المسلمون في سورية ليسو جميعاً مع القتل بل كثير منهم، القسم الأكبر منهم ضد القتل ويدين القتل.. هؤلاء أيها الشباب، لا خلاف لنا معهم إطلاقاً بل نحن نشجعهم، ولهؤلاء الحق بل وعليهم واجب، أن يقترحوا علينا وأن يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين).
وميز حافظ الأسد بين (القطاع المحافظ) و(الرجعية)، وانتقد علناً تصرف (مظليات الشبيبة) اللاتي رحن كقطعان الذئاب يخلعن الحجاب عن رؤوس حرائر دمشق في الأسواق والساحات وأماكن التجمع العامة، بأسلوب خسيس وغير أخلاقي، مما أدى إلى حدوث بعض المشاجرات والعراك الذي أسفر في بعض الحالات إلى مقتل بعض الشبيبات، الأمر الذي دفع رفعت الأسد إلى تسيير دوريات من سرايا الدفاع التي يقودها لحماية الشبيبيات وتسهيل مهمتهن.
حافظ الأسد يوجه رسالة سلام
كان من المفترض أن يؤدي تلميح حافظ الأسد في إشارته إلى التمييز بين من يدعون إلى العنف ومن ينبذونه إلى إرساء تعاطٍ مختلف مع الإسلاميين، لا يضعهم في سلة واحدة مع دعاة العنف، وأيضاً إلى تقليص عنف الدولة تجاههم. وهذا يعني أن حافظ الأسد وجد في العنف والعنف المضاد طريقاً لا يؤدي إلى عودة الأمن إلى الشارع السوري، ومن هنا نجد أن الأسد أراد في هذا التمييز توجيه رسالة سلام تتجنب استمرار المجابهة وتعيد تفعيل آليات المصالحة الوطنية.
لقد كان – على ما يبدو – أن مبدأ المصالحة الوطنية ما يزال يشغل مساحة من تفكير الأسد. وقد أكد على هذه الرسالة الأمين العام المساعد للحزب (عبد الله الأحمر) في جلسة حزبية قيادية داخلية في حلب في أيار عام 1980م، فقد طرح فكرة تأسيس حزب محافظ، وضمه إلى الجبهة، أي استيعاب التيار المحافظ في إطار النسق السائد.
يتبع
0 comments:
إرسال تعليق