خيبات متناثرة فوقَ تثاؤباتِ الزَّمان/ صبري يوسف


1
خيبةٌ أن يحاورَكَ محتالاً أهوجاً
مدّعياً أنّه نصير الفقراء!
2
خيبةٌ أن تحلمَ بالزَّيزفونِ
وأنتَ مصابٌّ بحساسيّةِ من
استنشاقِ عبقِ الهواء!
3
خيبةٌ أن تكتبَ شعراً
ولا يقرَؤهُ أغلب الأصدقاء!
4
خيبةٌ أن تتواصلَ مع بشرٍ
تتشرشرُ من أشداقهم حماقة البلداء!
5
خيبةُ أن تكتبَ شعراً
ولا تجيدَ احتضانَ الضّياء!
6
خيبةٌ أن تحلمَ بمراقصةِ أنثى
من لونِ المطر
ولا تجيدَ العبورَ
في خصوبةِ المساء!
7
خيبةٌ أن تكونَ غنيّاً
وتبخلَ على نفسِكَ
كأنَّكَ من فصائل البؤساء!
8
خيبةٌ أن تحملَ بين جناحيكَ
طموحاً كبيراً
وأنتَ غارقٌ في طقوسِ البكاء!
9
خيبةٌ أن تزرعَ المحبّةَ
بينَ سهولِ مَن لا يقدِّرون المحبّة
بين سهولِ السُّفَهاء!
10
خيبةٌ أن تحبَّ المطرَ
وأنتَ تائهٌ في لظى الصَّحراء!
11
خيبةٌ أن تقصَّ أجنحةَ الأنثى
وأنتَ تحلمُ بعاشقة
من نكهةِ الضّياء!
12
خيبةٌ أن تنتظرَ موعداً دافئاً
وإذ به يزجّكَ
في أعتى متاهات الشَّقاء!
13
خيبةٌ أن ترى العدالة ثابتةً
مثلَ أحجارِ الصوّانِ
لا تتغيّر!
حتّى أحجار الصوّان تتغيّر
بفعلِ الحتّ وعوامل التَّعرية والهواء!
14
خيبةٌ أن تلدَ في بلدٍ
تتوالدُ فيه الحروبُ
مثلما تتوالدُ الأرانبُ
على أيدي الزُّعماء!
15
خيبةٌ أن تُزَجَّ في معركةٍ
لا ناقة لكَ فيها ولا جمل
سوى تقديمِ الدّماء!
16
خيبةٌ أن تكونَ مواطناً
فقط في سجلات النُّفوس
لا في إنتعاشِ وإنعاشِ النفوس!
17
خيبةٌ أن تحلمَ وتحلمَ
فلا تجدُ أمامكَ أبواباً مفتوحة
إلا بوّابات الحلم
وضباب السَّماء!
18
خيبةٌ أن لا يفهمَكَ
أقرب المقرّبين منكَ
ويعبرَ أغوارَكَ الأعداء!
19
خيبةٌ أن تُتَّهمَ بالخيانةِ
وأنتَ أشرف من المتَّهمين
ألف مرةٍ رغمَ الإدِّعاء!
20
خيبةٌ أن يعشِّش حبقُ الشِّعر
في كينونتكِ
ولا ترى مَن يحتضن
إشتعال الكلمات
بقدر ما يحتضنُ مراسيل الرِّياء!
21
خيبةُ أن ترى العالم يشتعلُ
في رابعة النَّهار
ولا تستطيع أن تخمد ناره
إلا باهتياجِ الكلمات
كلَّما يغفو المساء!
22
خيبةٌ أن تخرجَ من خيبة خفيفة
وتعبرَ في خيبةٍ أخرى
مشرشرة بأكوامِ الغبار!
23
خيبةٌ أن تزرعَ خيراً
وأنتَ محاصرٌ بالنَّار!
24
خيبةٌ أن تعشق الموسيقى بعمق
ولا تملكُ أوتارَ عودٍ
ولا حنانَ جيتار!
25
خيبةٌ أن تقرأَ ربع قرن
ثم تبحثَ عن عملٍ
فيما تبقّى من أوجاعِ النَّهار!
26
خيبةٌ أن تغنّي
وأنتَ تعلمُ علم اليقين
أن صوتكَ مخشخشُ الطبقاتِ
ومُشَنْفرٌ فيه القرار!
27
خيبةٌ أن تكونَ حاكماً للبلاد
ولا تعرفُ حدودَ البلاد
ولا هلالاتِ المدار!
28
خيبةٌ أن تكون قاضياً
وأنتَ تستحلبُ قوانينكَ
من غلاصمِ الأعداء!
29
خيبةٌ أن تصادقَ تافهاً
وهو من أقربِ الأقرباء!
30
خيبةٌ أن تعيشَ عمراً طويلاً
دونَ أن تعبُرَ يوماً
في أبراجِ الهناء!
31
خيبةُ أن تغوصَ
في موبقاتِ الحروبِ
إلى أن تستاءَ من فوقكَ السَّماء!
32
خيبةُ أن تعبرَ البحرَ
مع عاشقة دافئة
ولا تعرفَ كيف تفرشُ الدفءَ
فوق أجنحةِ المساء!
33
خيبةٌ أن تبكي ولا تجدَ
من يقدِّرُ إنسيابَ أريجِ الوفاء!
34
خيبةٌ أن تبحثَ عن صديقٍ
توارى فجأةً
وإذْ بكَ تراهُ مُقنّعاً
بأدهى أنواعِ الريّاء!
35
خيبةٌ أن تحبّني حتّى النِّخاع
ولا تدري كيفَ تخفِّفُ آهاتي
المنبعثة من تراكماتِ الشَّقاء!
36
خيبةٌ أن تعيشَ
على هامشِ الحياة
ولا تعرف كيفيّة العبور
إلى واحاتِ الهناء!
37
خيبةٌ أن لا تحبّ الموسيقى والرقصَ
ولا تجيدَ الغناء!
38
خيبةُ أن تكونَ بلادنا غنيّة
ونحنُ من أفقرِ الفقراء!
39
خيبةٌ أن نشتهي أن نقهقهَ عالياً
فيحبطنا الخجلُ أو الحياء!
40
خيبةٌ أن نحلمَ بالزّهورِ
ولا نشمّها حتّى الانتشاء!
41
خيبةٌ أن تحبّني أنثى من نكهةِ التِّينِ
ولا تعرفَ كيف تزرعُ
في روحي الصَّفاء!
42
خيبةٌ الخيباتِ أن لا أعانقَ غداً
صديقةً من تواشيحِ الضِّياء!
43
خيبةٌ أن يرحلَ الإنسان
دونَ أن يكتبَ كلمته
في ليلةٍ قمراء!
44
خيبةٌ أن أكتبَ خيبةً تلوى الأخرى
ولا تقرأها فراشةٌ
من لونِ البهاء!
45
خيبةٌ أن يتواصلَ معكَ قارئٌ
فتطرحُ نفسكَ عليه
كأنّكَ هاطلٌ من أعالي السّماء!
46
خيبةٌ أن لا نزرعَ السَّلامَ
فوق تخومِ الكونِ
رغم أنفِ الجبناء!
47
خيبةٌ أن نستسلمَ للطغاةِ
ولا نبقى في وجهِ الدَّهاء!
48
خيبةٌ أن لا نعرف كيف نعمِّرُ البلادَ
رغمَ توافرِ كلّ تواشيحِ الوفاء!
49
خيبةٌ أن تعشقَ حبيبةً
وهي غائصة طوالَ الوقتِ
معَ عوالمِ النُّسكِ والدُّعاء!
50
خيبةٌ أن تقعَ في غرامِ أميرةٍ
من سلالةِ الأميراتِ
وأنتَ لا تجيدُ لغةَ الأبراجِ العاجيَّة
ولا لغةَ (الحراقبة) الأذكياء!
51
خيبةٌ أن لا نحبّ فراشةً
من أبهى ألوانِ الوفاء!
52
خيبّةٌ أن نعبرَ دكنةَ الليلِ
ولا نقدّرَ
بهاءَ زرقة السَّماء!
53
خيبةٌ أن نعيشَ عصراً
جلّ أسافينه متمحورة
حول الرّياء!
54
خيبةٌ أن أصبحَ شاعراً
ولا أجدَ عملاً
على امتدادِ الضياء!
55
خيبةٌ أن يتساءلَ
أوباش هذا الزَّمان
ماذا نستفيد من نصوصِ
أو حكمةِ الشُّعراء؟!
56
خيبةٌ أن تُسَدَّ بوّاباتُ الحياةِ
في وجهِ الشُّعراء!
57
خيبةٌ أن تندلعَ الحروبُ
يوماً بعد يومٍ
فتتزعزع خمائل العمرِ
عن واحاتِ البراء!
58
خيبةٌ أن لا نرى
أجيجَ النّارِ من حولنا
ولا تفاقماتِ الوباء!
59
خيبةٌ أن نطرحَ أنفسنا
عباقرة العصرِ
ولسنا أكثرَ من ضجرٍ
في قواميسِ العطاء!
60
خيبةٌ أن نقتلَ
القاتلَ والمقتول معاً
دونَ أن نستمدَّ حكمنا
من بخورِ السّماء!
61
خيبةٌ أن تتعالى أكوامُ الضَّحايا
من شدّةِ القحطِ
من انشراخِ جماجم الفقراء!
62
خيبةٌ أن نلهو بدماء الطُّفولة
بوحشيةٍ بربريّة
في غايةِ الدَّهاء!
63
خيبةٌ أن لا نزرعَ
وجهَ الدُّنيا
بباقاتِ المحبّة والوفاء!
64
خيبةٌ أن أصادقَ فراشةً
ولا أشربَ معها
فنجاناً من الدُّفءِ
في ليلةٍ متلألئةٍ
بأبهى تواشيحِ الضّياء!
65
خيبةٌ أن نكتبَ شعراً
من وهجِ العشقِ
فيسلخ جلدنا الأغبياء!
66
خيبةٌ أن أعبرَ البحرَ
دون رجعةٍ
دونَ أن أكحّلَ عينيَّ مليَّاً
من عيونِ الأصدقاء!
67
خيبةٌ أن أزرعَ حبّاً
ولا أجني
إلا سياطَ الدُّهماء!
68
خيبةٌ أن تعشقَ أنثى
من نكهةِ الليل
وإذْ بها مكفهرّة
من بهجةِ الانتشاء!
69
خيبةٌ أن تتزاحمَ الخيبات
فوق رحابِ الذَّاكرة
حتّى الامتلاء!
70
خيبةٌ أن ننتظرَ السَّلامَ
من محنّطي الرُّوحِ والفكرِ
عجباً ..
هل تناثروا من جَبصينِ المومياء!
71
خيبةٌ أن تعيشَ
في بيئةٍ خائبة
خاوية
خالية من الأوفياء!
72
خيبةٌ أن تكونَ محاصراً
بأصدقاءٍ
يتشرشرُ من أشداقهم
أزيزُ الدَّهاء!
73
خيبةٌ أن تعطي وتعطي
لكلّ مَن يحيطكَ
وحالما تقعُ
يتوارى الجميع
فتظلُّ وحيداً
محاصراً بفقاقيع الرّياء!
74
خيبةٌ أن نتورّطَ
تورّطاً لذيذاً
مع خيباتِ الفراشة
نكتبُ يوماً بعد يوم
ولا تنتهي الخيبات
عجبا أرى
كيف تفشَّى كل هذا الشَّقاء؟!
75
خيبةٌ أن نزرعَ أملاً
فيتلقَّفه الآخر تشاؤماً
أينَ المفرُّ من تفاقماتِ الجفاء!
76
خيبةً أن تكونَ
طيّباً للغاية
تجترُّ خيباتكَ في الخفاء!
77
خيبةٌ أن لا تقفَ
في وجهِ الخيباتِ
ولا تضعَ حدّاً
لانسيابِ نزيفِ الدِّماء!
78
خيبة أن تكونَ ذكياً
وحولكَ أطواقاً سميكة
من عنادِ الأغبياء!
79
خيبةٌ أن تملكَ أفكاراً
معبّقة بالزَّيزفون
ولا تنقشها
على وجنةِ الكونِ
في ليلةٍ عامرة
برذاذاتِ الشِّتاء!
80
خيبةٌ أن تطفو
فوقَ عوالمكَ الخيبات
وأنتَ في منتهى الرقّةِ والوفاء!
81
خيبةٌ أن نحلمَ ونحلمَ
ولا نقبضَ إلا
على خريرِ الدّماء!
82
خيبةٌ أن تكتبَ نصّاً
ولا يتلقَّفَه إلا مخيّبي الآمال!
83
خيبةٌ أن تقودَ
أهم تضاريس الكون
ثلّةٌ فاشلة من الرِّجال!
84
خيبةٌ أن لا يستفيد المرء
من حضارات بعيدة
غير معفَّرة بالدِّماء!
85
خيبةٌ أن يصرَّ الإنسان
مكشِّراً أنيابه
مثلَ أشرسِ الذئاب!
86
خيبةٌ أن تزرعَ الرّياحين
حولَ حماقةِ الحمقى
على تخومِ الجفاء!
87
خيبةٌ أن تفتحَ صدركَ لصديقٍ
غيرُ آبهٍ إلا بطيفِ الحرباء!
88
خيبةٌ أن تزرعَ ورداً
ولا تجني إلا أشواكَ الدَّهاء!
89
خيبةٌ أن تعبرَ البحرَ
وفي أعماقِهِ
حيتان الرِّياء!
90
خيبةٌ أن ترسمَ حمائمَ السلام
ولا تجدَ إلا سموماً
تفوحُ من مغائر الزُّعماء!
91
خيبةٌ أن تغفو على هديلِ العشقِ
وعلى صدغِكَ تنهالُ
سيوفُ الجبناء!
92
خيبةُ أن تلملمَ أزاهيرَ الرّبيع
وخلفكَ قنّاصٌ ماكرٌ
يتربّصُكَ في الخفاء!
93
خيبةٌ أن تحبَّ الناسَ
ولا تجني سوى الشَّقاء!
94
خيبةٌ أن ترسمَ بسمة الطُّفولة
ولا ترى حولكَ إلا خفافيش المساء!
95
خيبةٌ أن تكتب شعراً
ولا تلقى إلا قارئاً
مرصرصاً بالغباء!
96
خيبةٌ أن تخرجَ من نجاحٍ
إلى جحورِ الأفاعي
حيثُ خباثةُ الخبثاء!
97
خيبةٌ أن ترى نجومَ اللَّيلِ
شراراتِ حربٍ
فوقَ أحلامِ الفقراء!
98
خيبةٌ أن تشعلَ شمعةً
فتحرقَ سنابلَ الضياء!
99
خيبةٌ أن تصادقَ فناناً
وإذ بهِ
مدبقٌّ بمُكرِ الثعالبِ
بالكثيرِ الكثيرِ من ألوانِ الرِّياء!
100
خيبةٌ أن ترقصَ فرحاً
على إيقاعِ الموجِ
وحولَكَ ثلَّةٌ من أسفهِ السُّفهاء!
**
ستوكهولم: ربيع 2005
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: