ليلةُ رأسِ السنة: أزيزُ مِسمارٍ في نعشِ الزمن/ القنصل ماهر الخير


(1)

دقَّةُ السَّاعة

ليلةُ رأسِ السنة

خرجَ العُصفورُ من عُلبةِ السَّاعة معلناً

عُصفوريَ الأخضرُ مات

دقَّةُ السَّاعة
أزيزُ مِسمارٍ في نعشْ خشبيّ
ماذا عسايَ أغرِّدُ أم أنتحب

الضحكةُ والدَّمعةُ سواء
اللحظةُ لا تفرِّق
بين الحضورِ والغياب
ما دُمنا ظِلاً يتكسَّر
فوق غديرٍ يتدفَّق
ما دمنا قرعةَ ماء

*** ***

ما قرعت أجراسي
لن أجيئك حاملاً صليبي
ما توسَّلتُ يوماً شمعةً لقدَّاسي
كم عارياً نمتُ
وما توسَّدتُ قمراً صلداً
أصدُّ في عينيك النورَ المندفقَ
على نهرِ أحزاني
كي أتعلَّمَ كيف الليلُ يعاني
حتى انبلاجِ الصباح

*** ***

أعرفُ أنَّ نجمَك آفلٌ
إن تلمَّستْهُ أصابعي
هذي قِصةُ النَّارِ والثلج
هذي النهايةُ المحتمةُ لعُصفورين

واحدٌ من زجاج
والآخرُ من رصاص

(2)

 
غداً قَمَرٌ آخر

إنطفاءات السنين عادةً ما ترسم في داخلنا سيفَ حسرةٍ يستلُّ أعناقَ الأيامَ، يسفكُ دماء الذكريات
الوردية، ونبكي على صباحٍ ركضنا فيه مرَّةً، بمريولنا الأزرق ونحن في طريقنا إلى مدرستنا الصغيرة، ونبكي على مساءٍ تبادلنا فيه القبلةَ الأولى الهوجاء مع الحبيب... ونبكي على عزيزٍ فارقنا، وقريبٍ أصبح في ديار الحق... ونبكي على تفاصيل كثيرة: قفصٌ فارغٌ أبيض ( طارَ البلبلُ الجميلُ)، صورة عروسين ( إنكسر زجاج الإطارِ وتآكلت أطرافها)، حوض أسماكٍ ( كفَّت نافورته عن العزفِ، واعشوشبت ماؤه بالأخضرِ الداكن )... مصباحٌ معطَّل، دميةٌ بلا يدين، مرآةّ دبَّ الصدأ في عروقها، شجرةٌ ترهَّلت عند مدخل الدار، سوارٌ يجهد كي يلمعُ في معصمِ إمرأةٍ عجوز، دفتر ذكرياتنا المصفرّ في أدراج خزانةِ ورقِ الوردِ العتيقة، وجهُ أمٍّ أيام الصِّبا تحت الشمس والتي بهتت اليوم وغابت... غابت... غابت

إنطفاءات السنين موجعة، حين نتلمَّسُ وجوهنا ونتنبَّه للفاجعة: الوردة الغضَّة ذبلت... وداعاً يا حديقة العمر الغنَّاء... وداعاً
ماذا فعلَ إقتحامُ الشتاء؟

إنطفاءاتُ السنين موحشة ، تتفرَّسُ لإفتراسِ التفَّاحاتِ الطازجات من أشجارنا، تماماً مثل الطيور السوداء الجائعة. أو مثل سنجابٍ أستراليّ غريبٍ غير مألوفٍ متسللِّل، في حلكة ليالي الصيف، إلى بستان مسترخي على جدران بيتٍ شاعريّ في كانبرا

إنطفاءاتُ السنين لا يجمِّلُ ملامحها إلا الولادات الجديدة في حياتنا، لربَّما بصيصُ قصة حُب في مقهى نزلٍ مطلٍّ على وادٍ شهيق منفرجٍ على خليجٍ بحري
توركوازي اللون ، تنتابه ومضاتٍ فوسفوريةٍ باهرة، هناك حيث أعتاد الكبار في السِّن أن يمضوا ما تبقى لهم من أيام ، يفرطون في عِشقِ الماء، هناك، يلتقي
عجوزان ويتعانقان ويفتحان أمامنا صفحة بعنوان: غداً نهارٌ آخر، وللحب موعد، وللحياةِ يقيَّة

إنطفاءات السنين، لا يُشعلها من جديد، إلا بريق أمل في عيون طفلة، أو وردة حمراء مشكولة في شَعر صبيّة فاحم ، أو طوقُ ياسمين يزيِّن عُنقَ فاتنة جيداء، تتطلَّع من شرفتها، للضفة الأخرى من البحر... وكأنها تقول لنا أن هناك بحراً خلف بحر، وحياةً بعد حياة

الولادات الجديدة وحدَها تفرحنا في ليلة رأس السنة، فنضيء شمعةً للحظةٍ قادمة، وشمعةً لمن نحب، ولمن أضاء لنا مرةً أو مرتين أو أكثر، شمعةً أو شمعتين أو أكثر، وتتوهَّجُ الوجوهُ الجميلة، وتشعًّ نجمةٌ على الجبين، وقمر على الكتفِ الأيمن، ونتبادلُ التهاني
كُلَّ عامٍ وأنتم تشعلونَ الشموعَ على الدرب... كُلَّ عام وأنتم تشعلونَ الشموعَ في القلب، كُلَّ عامٍ وأنتم بخير

CONVERSATION

0 comments: