يواجه كل مهاجر الى أستراليا أكبر مشكلة . مشكلة السكن . وهذه مشكلة يواجهها أبناء الدول النامية ، الدول التي تصرف أكثر أموالها أما على التسلح لمحاربة جيرانها ، أو الحرب لمحاربة بعضها البعض الأخر ، أو الدول التي تواجه زيادات هائلة في أعدادها المتزايدة التي تسابق بها الأرانب .
لم يكن متوقعا أبدا أن تشترك أستراليا مع الدول النامية في مشكلة السكن . لكن أستراليا لا يهتم بها أحد منذ أستيطان الرجل الأبيض فيها وجلبه مساجين بلده لتعميرها والحال على ما هو عليه .
السجين الذي جاء لم يحصل على حريته . كل الذي حصل عليه هو مكان أوسع ، بدلا من زنزانة ذات الحيطان الأربعة والشباك الصغير ، أصبحت الأرض التي يعمل عليها هي زنزانته . وأن ترك كرباج السجان علامة فوق ظهره ، فهذا تكفير عن جريمته .
نأتي ألى مهاجر اليوم . كما قلت أستراليا لم تتغير ، ولكن الزمن تطور وتغير . لم يعد السجين هو المجرم الذي جاء ليقضي المدة المحكوم عليه بها هنا . بل صار كل مهاجر جاء هاربا من عذاب الجحيم في بلده . جحيم الحياة من تعصب أو من قلة الدخل ، أو عدم التجاوب مع المجتمع الذي كان يعيش فيه .
بناء عليه جاء هذا المهاجر المسكين ظانا أنه في بلد الموعد . بلد العسل واللبن . لم تدم فرحته . وجد نفسه يدور في دائرة عذابها أكثر من العذاب الذي كان يعيش فيه مسجون القرن الثامن عشر ، الذي كان يستطيع أن ينام من شدة التعب والأرهاق . وليس مهم عنده أين ينام . يضع رأسه على حجر أو " مخده " المهم أنه ينام وبعمق . أما غلبان اليوم ، كلما وضع رأسه على " المخده " يهرب من عينيه النوم .
السجان في القرن الثامن عشر كان ينام أيضا . لكن سجان هذا القرن ليس له مكان ينام فيه . لأنه يعيش معه في داخله والى جوار سجينه . عملت المدينة على تغيير هذا السجان . بدلا من رجل من رجال الشرطة ، ألى بنوك ومصارف وبيوتات التسليف .
كل من يأتي يجد نفسه بكامل حريته يدخل سجن البيوت .. أشتري .. أشتري . نعم أشتري اليوم وإلا لن تستطيع غدا . سترتفع الأسعار . لن تنخفض فوائد القروض . لماذا تستأجر ! ما تدفعه أيجارا سيضيع هباء منثورا . عكس الشراء . ما تدفعه عائد أليك ويصير البيت بيتك . تفرح وتقول نعم بيتي . وتبحث عن أغنية المرحومة فايزة أحمد " بيت العز يا بتنا " وتستمع أليها ليل نهار .
لم أكن أملك شيئا في بلدنا . وها أنا أمتلك السيارة والثلاجة والتلفزيون والراديو والفديو .. ألخ مما تقع عليه عيني وتكتمل الفرحة بشراء البيت .
يبدأ السجان في رفع كرباجه على المسكين . يبدأ في العمل وقتا أضافيا . تبدأ الزوجة في العمل أيضا . يحاول كل منهما أن يجد عملا ثانيا . لا بد من وجود " عربون " ومصاريف المحامي وخلافه، وتكثر الأبتهالات الى الله في إيجاد البيت .
نمتلك البيت ونستريح من الأيجار ومن " دبدبة " الجيران فوق رؤسنا . ويجري السجان وراءنا بكرابيج الدفع . هذا للبلدية وهذا للمياه وهذه للكهرباء وهذا للتأمين . تأتي فاتورة " التليفون " . نعم هذه المرة أكثر من التي سبقتها لأنك أتصلت بالأهل والأصدقاء والأحباب تخبرهم بأنك أصبحت من ذوي الأملاك .
يأتي مأمور السجن بكرباج يختلف عن بقية الكرابيج . كرباج يترك أثارا لا تمحى على صحتك . كرباج قسط البيت الشهري ، وتزداد الأمراض والأوجاع ، ونجد أنفسنا غير قادرين على النوم . لأن سجان هذا العصر معنا ولا يفارقنا على شكل ورقة صغيرة مكتوب عليها " أخر موعد للدفع اليوم الفلاني " وألا يباع بيتك بالمزاد العلني .
وأستراليا هذه الأيام ونحن في العام 2015 تباع لمن معه المال للشراء . لقد أرتفعت فجأة أسعار البيوت دون سابق أنزار وليس كالمعهود في أرتفاع العقارات ، بل الأسعار أصبحت ليست في مقدرة متوسطي الدخل . أصبحت بالملايين .
جاء أصحاب الملايين من كل مكان ليشتروا أستراليا . فرح أصحاب العقارات بالزاحفين لشراء أستراليا . وبالفعل صرنا في حالة لا نحسد عليها . من يمتلك بيتا متوسطا عليه أن يتمسك به ، مهما كان ثمن البيع فلن يساعده في شراء غيره وفي أي منطقة أو مدينة من مدن أستراليا .
كان السجين الذي أرسلوه ألى أستراليا للتعمير يجد البيت الذي يستطيع أن يكون أسرة بداخلة بعد أن يتم العفو عنه . تحول السجان بعد ذلك من أنسان ألى بيوتات التسليف والتشجيع لشراء البيت . زادت على المهاجر الجديد أعباء شراء البيت وتسديد أقساطه . لكنه أشترى وعاش في بيته وأسرته وهو يدفع الثمن ورضي عن ذلك .
والأن كيف له " المهاجر الجديد " متوسط الدخل أن يشتري منزلا والأسعار الجديدة أصبحت حكرا للأغنياء القادمين من الدول القادرة !.
تباع البيوت بالأسعار الخيالية . لن يستطيع المواطن ذو الدخل الصغير أن يشتري بيتا . عليه أن يستأجر . وأرتفعت أيضا أسعار الأيجار للعقارات بشكل يبعث على الأحباط فأين المفر ؟
أخاف على أستراليا أن تنتشر بها الأحياء العشوائية مثلما يحدث في دول العالم الثالث .
فهل سيعي كل مسئول في أستراليا خطورة ما نحن مقبلون عليه ؟
أتمنى أن يفيقوا من غفلتهم ويتم أيقاف بيع العقارات لمن هم من خارج البلاد ، أو لمن يشتري من الداخل لأصحاب الأموال في الخارج .
كلام .. وكلام
** أجمل ما في الحياة ، حلو ذكرياتها
وأحلى ما في الذكريات .. اليوم الذي تغلبت فيه على عادة أضرت بي .
** سعادة القلب تظهر على الوجه.. خاصة سعادة الحب ، لأنه قمة السعادة التي ينشدها الأنسان على الأرض .
** سهل أن تحارب في سبيل المباديء .. صعب أن تطبقها .
** لا تعرف حقيقة المرأة حتى تقع في شباكها .
0 comments:
إرسال تعليق