أمريكا بحاجة للحرب على سوريا/ راسم عبيدات

البعض يعتقد من السذج العرب،بأن امريكا ستشن  الحرب على سوريا،إنطلاقاً من انها تريد أن تعاقب نظام استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه على حد زعمهم،او انها تريد جلب الديمقراطية والحرية للشعب السوري،او وقف مسلسل القتل والدمار،وكأن امريكا فيما يخص مصالحها تؤمن او يعنيها من قريب او بعيد قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية وحياة البشر أبرياء وغير أبرياء،فامريكا عندما كانت متربعة على عرش العالم ومتفرده في زعامته،كانت تمارس القتل والدمار في أكثر من دولة،فهي من خرقت الشرعية الدولية بشكل سافر وخرجت على انظمتها وقوانيننها،،حيث تدخلت في الشؤون الداخلية للعديد من الدول،من اجل إسقاط انظمة شرعية ومنتخبة،لكي تاتي بأنظمة ديكتاتورية بدلاً منها،تمارس القتل والسجن والنفي بحق معارضيها،تجوع وتفقر شعوبها،وتنهب خيراتها وثرواتها،وتركب جرائم حرب،وتلقى الدعم والتأييد من امريكا،وكذلك أشعلت امريكا العشرات من الحروب المحلية وتدخلت عسكريا في اكثر من دولة فيتنام وكمبوديا..الخ لإنتاج او اعادة انتاج انظمة تدين لها بالولاء والطاعة،وبغزوها لإفغانستان وإحتلالها للعراق،نصبت من نفسها شرطي العالم الذي يقوده بالعصا،ولكن هذه القيادة والتي نتج عنها إستنزاف للإقتصاد الأمريكي نتيجة لحروبها وإحتلالاتها،خلق ازمة إقتصادية لهذا الإقتصاد أشد واعمق من الأزمة الإقتصادية (الكساد الإقتصادي) عام ،والتي نتجت عن إحتلالات بريطانيا للعالم بالقوة1929،الأزمة المالية 2008،وهذه الأزمة تؤشر إلى ان امريكا لم تعد قادرة على تكريس قيادتها وزعامتها القطبية للعالم وحيدة ومنفرده،فهناك دول اخرى تتقدم لتنازعها او تحتل منها هذه الزعامة على الصعيد العالمي،روسيا والصين ودول البركس،والتي تعيد نفس السياسة التي انتهجتها امريكا بعد أن ورثت زعامة العالم من بريطانيا،حيث تقوم هذه الدول بملء الفراغ في مناطق كانت مغلقة النفوذ على امريكا لوحدها. 
إذاً الأزمة الإقتصادية  والتطورات الدولية والإقليمية والعربية وتراجع الدور الأمريكي في قيادة وزعامة هذا العالم،هي من تلعب الدور الرئيس في التقرير  بشأن  شن الحرب على سوريا،او عدمه،فصحيح ان الإحتكارات  والكارتلات العسكرية والطغم المالية في امريكا تضغط لشن مثل هذه الحرب،ومعها اسرائيل،التي هي واحدة من المقررين بشأن هذه الحرب،او التي تشن الحرب من اجل حمايتها والدفاع عنها،ويضاف إلى ذلك الطامحين إلى إحياء نظام خلافتهم البائد على حساب الجغرافيا العربية ووراثة المشروع القومي من حكام انقرة،ولا ننسى مشيخات الكاز والنفط والتوريث والممالك والإقطاعيات في الخليج العربي،المرتبط مصيرها بمصير أمريكا وبقاءها الشرطي الضامن لمصالحها والتربع على صدور شعوبها،والتي أصبح يتهددها الخطر،بفعل المتغيرات ومفاعيل الثورات والإنتفاضات الشعبية العربية المتواصلة.
نعم هذه عوامل مهمة في التقرير لجهة شن الحرب على سوريا،ونعم امريكا بحاجة إلى حرب على سوريا،لكي تخرج من ازمتها الإقتصادية،ولكي تعيد تكريس زعامتها وقيادتها للعالم،ولكن تلك الحرب تنطوي على مخاطر كبيرة،فما كان زمن عدوانها وإحتلالها للعراق متوفراً،لم يعد ممكناً الان،فالخمسين دولة التي حشدتها لشن عدوانها على العراق،والمشاركة في شن هذه العدوان،لم تعد قائمة،بل وجزء منها،مستعد ان يدخل في صراع وحتى مواجهة عسكرية معها،في سبيل حماية والدفاع عن مصالحه روسيا والصين وايران،وايضاً تتنامي حالة العداء الشعبي العالمي ضد سياسات البلطجة والهيمنة الأمريكية،وكذلك المتغيرات في ساحة ودول امريكا اللاتينية حيث العداء للسياسة الأمريكية،ولا ننسى متغير رئيسي أربك السياسة الأمريكية في المنطقة وحد من قدراتها وإندفاعاتها،فامريكا في مشروعها للمنطقة – مشروع الفوضى الخلاقة،كانت تعتقد بأن قوى الإسلام السياسي وبالذات حركة الإخوان المسلمين ستتولى عملية مساندتها في تنفيذ هذا المخطط،ولكن سقوط حكم الإخوان في مصر،وقيام نظام حكم هناك،يبدو انه يسعى لشق عصا الطاعة على امريكا،والتوجه نحو خيار الإستقلالية،وكذلك عدم قدرة الإخوان على حسم الصراع في سوريا،وخلخلة قواعد حكم الإخوان في اكثر من بلد تونس وتركيا...الخ،وكذلك نتائج الضربة على سوريا،غير مضمونة ومحسومة،فسوريا ليس العراق ولا ليبيا،وهي ليست وحيدة ولا معزولة لا عربياً ولا إقليمياً ولا دولياً،  والضربة محفوفة المخاطر والنتائج،فهي قد تنجح في ان تعيد تكريس امريكا وزعامتها الوحيدة لهذا العالم،وبالمقابل فإنها إذا ما اخفقت،فإنها ستصبح مجرد قطب في عالم متعدد الأقطاب،كما حصل عندما ازاحت أمريكا بريطانيا عن زعامة وقيادة هذا العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
إذا لا النفط مضمون ولا امن اسرائيل مضمون،ولا تحقيق الإنتصار في هذه الحرب مضمون،ولذلك تاجيل الضربة الأمريكية على سوريا،ولجوء اوباما للكونغرس لأخذ تفويض منه بشن الحرب على  سوريا،ليس له علاقة بشخصية الرئيس،فالرئيس هو نتاج لسلطة كارتلات وإحتكارات وطغم تحكم،وهي من يقرر بذلك،ومعرفتها بأوضاع الإقتصاد الأمريكي،ومدى قدرته على تحمل تكاليف تلك الحرب،والتبعيات المترتبة عليها،هي من سيحكم قراراتها،وليس بعض التفسيرات والتحليلات الساذجة،بأن الأردن لم توافق على فتح حدودها لإستخدامها من اجل شن حرب برية على سوريا،فدولة الممر"الكرادور"،هي لا تمتلك حق التقرير بشأن اوضاعها،فهي من التقت قادة الجيوش التي ستشارك في العدوان على سوريا على أراضيها،وهي من فتحت حدودها تحت الضغط المالي السعودي من اجل إدخال السلاح والمال والمرتزقة من اجل دعم القوى المعارضة للنظام،وهي من جرت المناورات العسكرية لجيوش الدول التي ستشارك في العدوان على سوريا فوق أراضيها.
صحيح ان مشيخات النفط العربي"النشامى" سيتحملون تكاليف الحرب والعدوان والقتل،وصحيح أن اسرائيل تضغط لكونها المستهدفة من سوريا وحزب الله وايران،وهولاند يريد حصة فرنسا من الإعمار في سوريا بعد الحرب،واردوغان يريد ان يكرس زعامته كخليفة للعرب والمسلمين،ولكن ما هو أصح من ذلك،ان الغرب الإستعماري،يتردد في تأيده للحرب،خوفاً من شريان رفاهيته ورخاءه من النفط العربي سينقطع،والتردد الأمريكي متوقف على عدم نتائج الحرب،ولكن امريكا ستخوض الحرب،لنها بحاجة للخروج من ازمتها الإقتصادية،والتردد سيزيد من التآكل في هيبتها  وقيادتها للعالم.

CONVERSATION

0 comments: