جماعة الإخوان المسلمين جرى حظرها في مصر للمرة الثالثة،وارتبطت عمليات الحظر تلك بالتآمر على السلطة القائمة،ومحاولة السيطرة على الحكم،أو التحالف مع الأعداء على نظام الحكم القائم،كما حصل مع الزعيم القومي الكبير الراحل جمال عبد الناصر،والحظر الأخير ارتبط بعمليات ممارسة الإخوان للعنف والتخريب والفوضى والقتل،على خلفية إقالة مرسي وعزله،وسقوط حركة الإخوان،التي فشلت في إدارة البلاد،فقد سعت لتغليب الديني/الإخواني على الوطني والقومي،وعملت على اخونة الدولة والمجتمع،وأقصت أغلب مركبات المجتمع المصري السياسية والمجتمعية ودخلت معها في صراعات وتناقضات،حتى تلك القوى التي تنهل من نفس المنهل الفكري"السلفيين" فالحظر الأول كان على زمن الملك فاروق في عام 1948 والحظر الثاني على زمن الرئيس الراحل عبد الناصر عام 1954،والحظر الثالث على يد حكومة الببلاوي والعسكر،وفي المرتين الأولى والثانية التي جرت فيها عملية الحظر لحركة الإخوان لم تختفي من الخارطة السياسية،واتكأت على خطاب المظلومية التاريخي،ولكونها كانت في المعارضة،فقد استطاعت ان تستقطب الجماهير وتلفها من حولها،وبالتالي الكسب نفوذاً وجماهيريا،معتمدة على سيطرتها على العمل الاغاثي والاجتماعي وملكيتها لرأسمال كبير جداً،فوجودها وحضورها بين التجار،كفئة جذرها الطبقي يمتد عميقاً في اوساطها وكبرجوازية طفيلية وكمبرادورية معولمه وفوق قومية،نشأ لديها اسطول مالي كبير، جندته لخدمة أغراضها واهدافها وشراء الذمم، ناهيك عن استخدامها للخطاب الديني المدغدغ للعواطف والمشاعر عند الجماهير،والذين جرى خداعهم وتضليلهم،بأن الإخوان هم جماعة من النساك والصالح الورعين التقيين المؤمنيين،والذين ترتقي الثقة والإيمان بهم وبفكرهم حد القداسة، فهم الذين يحاربون الكفر والالحاد والفساد والانحلال الأخلاقي،وهم الأمل في إنتشال البلاد من الفقر والجوع والبطالة..،وتحقيق العدالة الإجتماعية،ولم تجري اية اختبارات جدية لكشف حقيقتهم وتعرية مواقفهم،إلا بعد وصولهم للحكم في مصر،فقد قادوا البلاد بالمنطق الإخواني،مصلحة الجماعة والحركة فوق مصلحة الوطن،لم يقوموا بأية إصلاحات او تغيرات او معالجات جدية للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية الكبرى في مصر،بل على العكس من ذلك إزدادت تفاقما وحدة،كما ان عماهم السياسي وفئويتهم المفرطة ونظرتهم الإقصائية،قادتهم ودفعتهم الى عدم القدرة على بناء أية تحالفات او إئتلافات وطنية عريضة من اجل إدارة البلاد،ولسان حالهم كان يقول مصر إخوانية دولة ومجتمع وسلطة وبدون ذلك فيأتي الطوفان،كما ان خطابهم اتسم بالتحريض والفتنة المذهبية،وفي الجانب السياسي وجدنا انهم نسخة سيئة عن النظام الديكتاتوري السابق،فهم ابقوا على الإتفاقيات والمعاهدات مع اسرائيل،بل ورفعوا من سقف تعاونهم الأمني مع اسرائيل وامريكا.
سقوط الإخوان وعزل مرسي وحظر حركتهم للمرة الثالثة،لم يقد الإخوان الى إجراء مراجعة جدية لفترة حكمهم وإعترافهم بإرتاكبهم للأخطاء والخطايا بحق مصر والمصريين،بل أمعنوا في خيار العنف والفوضى والتخريب وإرتكاب عمليات القتل وحرق الممتلكات العامة والإعتداء على رجال الشرطة والجيش،معتقدين بأن الإستمرار في مثل هذه الأعمال، من شأنها ان تعيدهم للسلطة وتعيد الرئيس المعزول مرسي،منطلقين من عدم شرعية الإنقلاب،وكأن هذه الشرعية الإنتخابية منحت لهم من السماء وليس من الشعب،الذي منحهم إياها وخرج عليهم من اجل إستردادها،عندما فشلوا في إدارة البلاد والعباد.
وكنت اعتقد بأنه عندما كتب الدكتور حمزه زويع الناطق باسم حزب الحرية والعدالة مقالته على موقع الحزب"أخطانا وكذلك فعلتم...وهذا هو الطريق"تلك المقالة التي عكست نفساً وتوجهاً جديداً في التعاطي مع مسألة المصالحة الوطنية،من حيث خلو المقالة من الإشتراطات الإخوانية المتكررة للدخول في الحوار السياسي مع القوى الأخرى والشروع في إنجاز "المصالحة الوطنية"،ولكن تلك المقالة يبدو انها،لم تكن تعبر عن موقف الإخوان،فقد تعرضت الى عملية نقد لازع وهجوم شرس على شخص الدكتور زويع من قيادات إخوانية في مصر وخارج مصر،فالدكتور زويع في مقالته اعترف بان الإخوان فشلوا في بناء الإئتلافات الوطنية العريضة لإدارة المرحلة الإنتقالية،واظهروا حباً وتعطشاً للسلطة اكثر من اي حزب سياسي آخر،وكانوا يريدون الإستحواذ على كل شيء ولا يعترفون بالأخر،وحكمهم نهج الهيمنة والتفرد.وكذلك اعترف بأن هناك خطاب فتنوي /تحريضي مارسه الإخوان في مربع رابعة الأمني،وهو بلغته يقول ويتحدث عن علو نبرة التحريض،ويرجع ذلك لعدم السيطرة على الخطباء والمنابر بسبب اجواء الإحتقان والإستهداف والتخويف المتبادل.
الآن جرى حظر جماعة الإخوان للمرة الثالثة بقرار قضائي من المحكمة،قرار يمكن السلطة الحاكمة من ضرب العصب الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين،بمصادرة اموالهم وممتلكاتهم،والتي تقدر ب 60 مليار جنيه،وبمعنى أخر ضرب بنيتهم التحتيه الإجتماعية والإغاثية ومشاريعهم الرأسمالية،تلك التي مكنتهم من إستقطاب الجماهير وربط مصير الملايين منهم بالحركة،كرصيد بشري إحتياطي لها.
صحيح بأن عملية الحظر والإقصاء ليست هي الحل،ولن تقضي على جماعة الإخوان المسلمين،فمصر بحاجة الى حل سياسي يشارك به الجميع،ويجب ان تقدم المبادرات من قبل نظام الحكم لهم للمشاركة في العملية السياسية،ولا يجوز الرد على الهيمن بالهيمنة المضادة او الإقصاء بالإقصاء المضاد،وعلى الجماعة ان تدرك بأنه يجب عليها الحديث عن مرحلة ما بعد مرسي وليس عودة مرسي والشورى والدستور،والجماعة إرتكبت اخطاء وخطايا بحق مصر والمصريين،والمصريين الذين كانوا يتعاطفو معها في فترة كونها في المعارضة وتتكىء على خطاب المظلومية التاريخي،سقط مع وصولها الى الحكم وإنكشاف ممارستها وسياساتها أمام الجماهير،فهي إذا ما اختارت الإستمرار في ممارسة العنف والفوضى من اجل عودة مرسي والشورى والدستور،لن تلقى نفس التعاطف الشعبي الذي كانت تلقاه سابقاً،إذا ما أقدم النظام على حل الجماعة ومصادرة ممتلكاتها واموالها،ووضع يده على بنيتها التحتية ورؤوس أموالها ومشاريعها الإنتاجية والإجتماعية والإغاثية والسيطرة على مؤسستها.
فهل تتعظ هذه الجماعة وتثوب الى رشدها،وتتخلى على شهوتها وحبها للهيمنة والتفرد والسيطرة على السلطة،وتشرع في خطوات جدية للمصالحة الوطنية من خلال الحوار مع السلطة وبقية مكونات ومركبات المجتمع المصري،لإنجاز ديمقراطية مصرية حقيقية تقود مصر الى شط وبر الأمان ام ستستمر في طريق ممارسة الفوضى والعنف والتخريب،وبالتالي ستكون خسارتها وخسارة مصر كبيرة وفادحة؟؟.
0 comments:
إرسال تعليق