لاشك أن نظام الأسد قد مات سياسياً ، منذ ان سقط أول شهيد سوري برصاص القوات النظامية ، ومن السذاجة القول أن روسيا تراهن على عكس ذلك ، لإستمرار الأسد بالسلطة! ، فهي تعرف جيداً أن حليفها السوري قد انتحر سياسياً ، ولن يعود مجدداً إلى الحياة ، وان بقاءه ميتا في غرفة إنعاش روسية أميركية ما هو إلا لتحقيق أهداف دولية لم تكتمل بعد!.
فمنذ بداية الأحداث تطرقت إلى ان الأزمة السورية تحولت إلى بوابة جحيم في المنطقة ، وأن تداعياتها ستكون مدخلا في بلوغ مرحلة الصدام الطائفي الكبير .
الإرادة الدولية تجاه سوريا لا تقضي بإبعاد الأسد من واجهة الصراع بالوقت الراهن ، وقلت ذلك قبل عام من الآن : بأن المشهد سيستمر على ماهو عليه مدة ثلاثة سنوات ، ربما أقل أو أكثر من ذلك ، لحين ان تتحقق الأهداف الدولية بشكل كامل.
ولقراءة الموقف الأميركي الروسي الآخير حيال أزمة الكيماوي السوري ، لا بد ان نتطرق إلى أسباب تأجيل إتخاذ قرار أميركي أوربي بالقضاء على الأسد خلال العامين الماضيين ، وكذلك الأصرار على التوصل إلى إتفاق مع روسيا بشأن الأزمة السورية عموماً وأزمة الكيماوي خصوصاً!.
فاستمرار الحرب وإتساعها يصبُ لمصلحة واشنطن وموسكو الإستراتيجية بهدف التخلص من اعدائهما ، في حرب تُدار بالوكالة!.حيث تحولت سوريا منذ بداية الأزمة قبل أكثر من عامين إلى ميدان حرب وساحة لتصفية حسابات دولية واقليمية مُتبقية من حرب العراق! .
عندما قررت الإدارة الأميركية سحب قواتها من العراق بالرغم من إدراكها لحجم الكارثة التي خلفتها بتسليم مفاتيح البلاد لإيران ، فهي قد حققت هدفين رئيسيين لها، نفضت عن كاهلها عبئ الحرب العراقية ، وكذلك تخلصت من المطرقة الإيرانية التي سلطتها طهران طوال سنوات عبر أذرعها الميليشياوية على القوات الأميركية!. ما يعني ان إيران كانت من أكثر الأطراف التي تضررت إزاء قرار الإنسحاب ذاك!.
رأت الإستراتيجية الأميركية إن إضعاف الدور الإيراني في المنطقة يأتي من خلال فرض عقوبات إقتصادية مشددة على طهران من جهة ، وجر حلفائها بالمنطقة إلى حرب طويلة الامد من جهة آخرى ، وكان لسوريا نصيب من معادلة الصراع تلك، كونها تشكلُ ثقلا بالمنطقة ، وتعتبر من أبرز قلاع المشروع الإيراني واليد الضاربة فيه ، لا سيما ان نظام الأسد يُعتبر الرئة التي يتنفس من خلالها حزب الله في لبنان .
فكان بالامكان لإدارة أوباما ان تتخذ قرارا بازاحة الأسد منذ الأشهر الاولى لبداية الازمة ، لكنها أرجأت ذلك كيما تتفاقم الأزمة وتتحول الثورة السلمية إلى حرب طاحنة ثم تتهيأ الجغرافية السورية لإستقطاب المقاتلين الاجانب من شتى دول العالم ، بما فيها الحرس الثوري والأطراف التابعة إلى النظام الإيراني ( حزب الله ، الميليشيات الشيعية الأخرى) للقتال إلى جانب النظام السوري من جهة ، وتنظيم القاعدة والجهاديين السُنة من شتى اصقاع الارض للقتال إلى جانب المعارضة من جهة ثانية ، بالتالي تتحول سوريا وفق هذا السيناريو إلى محرقة لكل الأطراف المتقاتلة فيها دون استثناء . وفيما يتعلق بأهمية الدور الروسي لدى واشنطن والغرب بموضوع الكيماوي السوري، حيث تقع جميع مخازن الأسلحة الكيماوية في سوريا تحت إدارة واشراف روسي حصراً ، ولا يمكن على الاطلاق ان يتم إخراج أي قطعة من السلاح الكيماوي من تلك المخازن إلا بموافقة موسكو!!!.
من جهتها كشفت هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي في تقرير لها عن توافد أعداد كبيرة من المقاتلين الشيشان إلى سوريا للمشاركة في القتال الدائر هناك ! ، أما التساؤل الذي يُطرح في هذا الخصوص هو : ماذا يعني ذلك الخبر لموسكو ، وهل تزايد أعداد المقاتلين الذاهبين إلى سوريا كان بعيداً عن أنظار المخابرات الروسية مثلاَ؟! ، أم انها سهلت إجراءات ذهابهم إلى المحرقة التي لا يعودون منها ، إلا وهم جثث هامدة؟!.
بالمحصلة النهائية ..تستفيد كلا من واشنطن وموسكو بإستمرار الحرب الطاحنة في سوريا لمواصلة تدفق المقاتلين الأجانب إلى الميدان الحربي هناك ، فتتخلص روسيا "الطامحة" إلى لعب دور إقليمي أكبر من عبئ المقاتلين الشيشان بذهابهم إلى سوريا ، وكذلك الولايات المتحدة تضرب الميليشيات الشيعية وجماعات القاعدة بحجر واحد في المحرقة السورية!.
Moh.alyassin@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق