معايدات/ راسم عبيدات
جيد وجميل أن يتبادل ابناء الشعب الفلسطيني والعربي التهاني بالأعياد في المناسبات الدينية والوطنية والإحتفالات،ولكن هذا يجب ان لا يكون في إطار الشعارات والمجاملات والمظاهر والمقابلات الإعلامية والإحتفالية،بل يجب ان ينعكس ذلك على السلوك والممارسة في الحياة اليومية والإجتماعية،وهذا يعني انه علينا أن نربى ونثقف في العائلة والأسرة والبيت والمدرسة والمسجد والكنيسة أبناءنا على أننا أبناء شعب واحد وقومية واحدة،ويجب أن يشرع قانون يجرم من يحرض على الطائفية أو القبلية والعشائرية،ويفرض عليه عقوبات رادعة.....وفي ظل نظام مدني وديمقراطي،يجب ان تختفي من بطاقة الهوية او جواز السفر مسألة الديانة والإستعاضة عنها بالقومية لكل مركبات الدولة والمجتمع.
إننا اليوم على مستوى المنطقة العربية،نمر في اخطر مرحلة تاريخية،حيث التراجع ليس في المد القومي فقط بالمعنى السياسي،ولكن التراجع على مستوى الفكر والمفكرين وحملة هذا المشروع،حيث إستدخلت جماعات الفكر الوهابي التكفيري ومشيخات النفط والكاز وحالموا الخلافة العثمانية على حساب المشروع القومي العربي وجماعة الإخوان المسلمون،أفكاراً ومعتقدات تعلي شأن الأيديولوجيا والحزب او الجماعة او الطائفة فوق الوطن والقومية،وهي لا تعترف بالآخر أو التعايش معه،ولا تؤمن لا بالديمقراطية ولا بالتعددية ولا بكون الشعب مصدر السلطات والتشريع،وذهبت الى أبعد من ذلك،فهي تعتبر نفسها ممثلة الله على الأرض،وكما هو في عصر الإقطاع والكنيسة ومنح صكوك الغفران والإيمان،فهي تعتبر نفسها تمتلك الحق في التكفير والتخوين،وهي صاحبة الحقيقية المطلقة،وفي سبيل فرض رؤيتها وأفكارها على الناس والجماهير،دخلت في تناقضات مع أغلب مركبات ومكونات المجتمع العربي،وأنتشرت الأفكار الإقصائية والإنغلاقية والطائفية والمذهبية،وتعددت المرجعيات الدينية،التي كل منها تفتي وفق مصلحتها وبما يخدم رؤيتها وجماعتها ومصلحتها ، فتاوى مذهبية وطائفية لا تستند الى الشريعة والدين،وهذا قلل من هيبة مجالس الإفتاء والمرجعيات الدينية،وجعل الناس تعيش وينتابها حالة من الصراع الداخلي والجدل الفكري والسياسي والأخلاقي،وكذلك تزعزعت قناعاتها بأن ما يصدر عن تلك المراجع والمجالس له علاقة بالدين من قريب او بعيد،وذلك بعد ان تلمست ذلك جيداً بالممارسة والفعل،حيث الدعوات الى القتل والقتل بطرق وحشية ومقززة،لا تحترم فيها النفس البشرية التي كرم الله ولا الإنسانية والتجرد من كل القيم والمعاني الحضارية والبشرية،قتل اقرب الى البوهيمية والوحشية،جز للرؤوس بالسكاكين والسواطير وشق صدور وبقر بطون وجلد ظهور،تحت يافطة وذريعة إقامة دولة الخلافة أو دولة الإسلام،والإسلام براءة من كل ذلك.
كل ما جرى ويجري ويحصل في العالم العربي الآن،حيث الفتنة المذهبية والطائفية انتقلت بفعل تلك القوى الى المستوى الشعبي،ثلمت وضربت وحدة النسيج المجتمعي العربي،وعززت من المذهبية والطائفية،حيث أن تلك القوى أيضاً مارست القتل والخطف بحق رجال الدين مسيحيين ومسلمين،والقتل على الهوية شيعي-سني درزي او علوي...الخ،وهذا بدوره عزز من شأن الطائفية والمذهبية.
إن ما حدث في اكثر من قطر عربي من فتن مذهبية وطائفية،هبت رياحه على كامل المنطقة العربية،بفعل ضخ جماعات الفكر الوهابي والتكفيري القادم بفعل اموال النفط والكاز والسلاح مدفوع الثمن،أفكاراً غريبة على مجتمعنا وديننا،وأصبحنا نسمع فتاو غريبة ليست من الدين بشيء ،فهناك بمن يفتي بعدم مشاركة أبناء شعبنا العربي المسيحيين اعيادهم ومناسباتهم الدينية وافراحهم واتراحهم،حتى وجدنا ان هناك من دعى الى عدم المشاركة في جنازة البابا شنودة الثالث،واحد من اعظم الوطنيين ورجال الدين،حيث دعا الى الوحدة الوطنية وحماية المشروع القومي العربي،وكانت له مواقف وطنية وقومية مشهودا لها،ليس على مستوى مصر بل على المستوى العربي والإسلامي،كواحد من رموز المحبة والتسامح بين الأديان.
ما حصل ويحصل على المستوى العربي الآن،أدخلنا في ازمة شاملة، لا تطال السلطة والمعارضة فقط،بل تطال كل مكونات المجتمع العربي،حيث الشحن والتحريض الطائفي والمذهبي في قمته واعلى درجاته.
علينا ان نعمل بكل الطرق والوسائل وعلى كل الصعد سياسياً وفكرياً واجتماعياً وتربوياً ودينياً من اجل العمل بالعودة الى مجتمعاتنا العربية الى ما كانت عليه من وحدة ولحمة لا يفرقها ولا يباعد بينها اوطان وحدود أو إختلاف مذاهب وأديان،فنحن عرب تجمعنا اللغة والقومية والتاريخ والجغرافيا والهم الواحد والمصير المشترك والهدف المشترك.
ولذلك يجب ان تكون أعياد كل مكونات مجتمعاتنا على إختلاف مذاهبها وطوائفها ،اعياد لكل أبناء الوطن،فهناك دول كروسيا والهند او الصين فيها عشرات القوميات والمذاهب والطوائف،ويتعايش أبناؤها بكل خير ومحبة دون خلافات عرقية ومذهبية وطائفية.
نعم علينا ان نتصدى وبلا هوادة وكفريق واحد،لكل الداعين الى الفتن الطائفية والمذهبية،وعلينا ان نحترم معتقدات ومذاهب بعضنا البعض،فالدين لله والوطن للجميع،والمسألة الإيمانية والإعتقادية،هي علاقة فردية بين الفرد وربه،والأساس في الدين هو المعاملة كما قال رسولنا الكريم محمد(صلعم)،والدين ليس هو العبادات ومجموعة من الفروض والطقوس،بل يجب ان تنعكس تلك الفروض والعبادات في السلوك والممارسة،فالممارسة هي الأساس.
يجب علينا ان لا نستمر كالنعام في دفن رؤوسنا في الرمال وبقية أجسادنا مكشوفة،فالمعيار والأساس على اننا أبناء وطن واحد وقومية واحدة،ليس ما يجري من مظاهر ومجاملات في تقديم التهاني والتمنيات في الأعياد والمناسبات وامام عدسات التلفاز والكاميرات وعلى الفضائيات،بل المعاير في ذلك هو ما يجري من ممارسات على أرض الواقع،بحيث ينسجم سلوكنا الظاهر مع فعلنا الكامن،وما نقوم به ونترجمه من سلوك في أفعالنا وحياتنا اليومية،حيث نرى البعض يمارس الشحن والتحريض الطائفي،ويظهر بمظهر الواعظ والناسك،وهو بفعله بعيد كل البعض عن تلك المظاهر.
0 comments:
إرسال تعليق