في الزمن الفائض بالقلق، الفائض بالحزن، الفائض بالخوف، الفائض بالدماء، الفائض بالموت، الفائض بالدمار والفائض بالغربة...جاء مارسيل خليفة الى سدني ليذكرنا بالحب ،وقال العرب اخترعوا الحب لكنهم نسوه، لم يكتفِ مارسيل بهذا القول لكنه غنى ولعب الموسيقى على "عوده الرنان" والقى الشعر، فكان واحداً من سادة الحب وسادة الفن...
جاء مارسيل الى سدني مذكراً بالالتزام بقضايانا، بإنسانيتنا، بالغناء الملتزم، بالشعر الراقي، بالأدب المعبر في زمن سطت على مسامعنا ألوان الفن الهابط في أعنف هجوم ثقافي تتعرض له الامة العربية.
جاء مارسيل حاملاً معه الأمل الذي اشعله من رماد ذكرياتنا، ففاحت رائحة قهوة الأمهات في جوانب دار الاوبرا وتراقصت قلوينا مع شتلة التبغ التي هجرنا مرارتها يوماً، فإذا بها تنبت وتنمو من جديد في جنبات اجسادنا بعنادها وصمودها امام القيظ وتقتات من الجفاف لتزهر قلماً وكتاباً وبندقية.
في زمن عولمة النهب، عولمة القهر، اعاد مارسيل تذكيرنا بالعولمة الانسانية عندما انشد اغنية جواز السفر (كل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جواز السفر) وهنا كان ملفتاً في دعوته للتأسيس في الغربة عندما رحّب بالشباب والشابات ممن حضروا للإستماع والمشاركة سواء كانوا من خلفيات عربية او أجنبية.
كان مارسيل في دار الأوبرا في سدني مساء الخميس في 28/11/2013 مختلفاً وهذا ليس بمستغرب، الغريب ان لا يكون مارسيل مختلفاً.
مارسيل الذي كبرنا معه ،حيث كنا ندخر من مصروف الجيب الخجول لشراء اشرطته ،كان مجدداً مع ولديه رامي وبشار، رامي الذي كان يستنطق البيانو انغامه ويحنو عليه بقوة الريح لتعبر موسيقاه الى القلوب متجاوزة حاسة السمع، وبشار الذي كان يضبط الايقاع صمتاً وصخباً صافياً يرتقي الى حواس الحاضرين الذين ضبطوا انفاسهم على ايقاعه.
لقد كان الثلاثي في قمة التألق خصوصاً في المقطوعات الموسيقية التي خرجت على المألوف في فن الموسيقى العربي حيث اعتدنا ان يرافق الموسيقى دائماً، صوت مطرب او مطربة ، وقد لفتني شيء آخر في الحفل وهو ادخال بعض انغام سكان استراليا الأصليين الى واحدة من القطع الموسيقية التي قدمها رامي وبشار، قد اكون مخطئاً او مصيباً، لكن هذه لفته مهمة تنم عن بعد عالمي للموسيقى وهو البعد الحقيقي للفنون العابرة للقلوب والحدود والتاريخ والثقافات.
مع الثلاثي مارسيل رامي وبشار تريد ان تفتح آذانك اكثر رغم الهدوء، لا تريد ان تتسلل اي لحظة بعيداً عن مسامعك في حفل التجديد، الالتزام، الأمل والحب.
لقد كرّمت الجالية مارسيل بحضورها الكثيف، وكرّمها هو بأن اهداها الفرح والحب الذي يعتبر نعمة من اهم نعم الحياة، كما كان الحضور طواقاً الى سماع المزيد، احتضنته دار الاوبرا في سدني، فزاد الى اعمدتها وازدادت ضياءاً.
وخرج الحضور على انغام يا بحرية ونحن نشد الهمم والهمة لا تزال قوية.
سدني
0 comments:
إرسال تعليق