يدخل المقدسيون العام الجديد والجسد المقدسي يئن تحت وطأة ثقل الهموم والمشاكل،فالمحتل يتوعدهم بالمزيد من القمع والبطش والحرب الشاملة،حيث يخطط المحتل لزيادة وجوده العسكري الدائم في المدينة،بزيادة (400) عنصر شرطي وحرس حدود،وكذلك افتتاح مراكز شرطية جديدة في سلوان والعيسوية والبلدة القديمة وغيرها من البلدات الفلسطينية المقدسية،ومع اول يوم من العام الجديد أعطت ما يسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية،وفي إطار تشريع العقوبات الجماعية وقوننتها الضوء الأخضر لحكومة الإحتلال وأجهزتها الأمنية لهدم بيوت اهالي الشهداء غسان وعدي ابو جمل ومحمد جعابيص وابراهيم العكاري،في خطوة يشتم منها ان الإحتلال مصمم على تسخين الوضع وتصعيده في مدينة القدس،حيث سياسة هدم المنازل متواصلة،وقوات الإحتلال وأجهزتها الشرطية والبلدية إرتكبت مجزرة بحق الحجر في آخر يومين من العام الماضي في قرية جبل المكبر،والتي واضح بان الإحتلال يستهدفها على وجه الخصوص،وكل الكتل البرلمانية الصهيونية وأحزابها في برامجها ودعايتها الانتخابية للإنتخابات الإسرائيلية القادمة في 17/آذار القادم، تتبارز وتتصارع في كيل الوعيد والتهديد للفلسطينيين العرب في القدس بالمزيد من الإجراءات القمعية والعقوبات الرادعة من هدم بيوت ورفع وتيرة وسقف العقوبات والتضييق على الوجود والمزيد من الاعتقالات وخنق الحريات،ومحاكمة نشطاء "الفيسبوك" المقدسيين السبعة مقدمة لهجمة اوسع وأشمل،وكذلك هي العقوبات الجماعية الأخرى من إبعاد للنشطاء المقدسيين ونفي لهم عن القدس والأقصى،حيث نفي ستة شبان مقدسيين الى خارج مدينتهم لمدة خمسة شهور،وأبعد العشرات عن المسجد الأقصى ومكان سكنهم لمدد مختلفة،وهذا يترافق مع "تغول" و"توحش" للإستيطان في القدس،لكي يلتهم كل أراضي المقدسيين،ويحولهم الى جزر معزولة في محيط إسرائيلي واسع،وطبعاً عمليات الإقتحام للأقصى تسير بوتائر أعلى وأسرع وبشكل جماعي،والحفريات تتواصل حوله وأسفله،وأكثر من إنهيار حصل أسفله،بحيث أصبحت الأساسات الجنوبية للمسجد الأقصى مهددة بالإنهيار،بسبب سحب الأتربة من تحتها،وهدف تلك الإنهيارات المقصودة واضح،طمس المعالم التراثية والأثرية والحضارية العربية – الإسلامية وتغيير ملامح المدينة،وتوسيع منطقة حائط البراق- القسم الغربي من المسجد الأقصى،ما يطلقون عليه "الكوتيل"،والعديد من الأنفاق الواصلة من منطقة عين سلوان بإتجاه باب المغاربة فحائط البراق تم إنجازها.
واضح بأن العام الجديد يحمل الكثير الكثير للمقدسيين،على صعيد تهديد وجودهم وبقائهم في المدينة،فسياسة التطهير العرقي ستزداد حدة وعنفاً،وستسن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية،وستتخذ الكثير من القرارات التي تسهل طرد المقدسيين وتهجيرهم القسري عن مدينتهم.
المقدسيون الوحش الصهيوني المنفلت من عقاله،أكبر من طاقاتهم وقدراتهم على المجابهة والتصدي،ولكنهم قادرين إذا ما طورا وبنوا إستراتيجية جديدة موحدة،وبنوا وأبدعوا في إيجاد البرامج والخطط،ونوعوا وزاوجوا في أشكال المقاومة والمجابهة،من أن يوجهوا ضربات مؤلمة لهذا الوحش،وان يدموا جسده ويفشلوا خططه وبرامجه،وهذا رهن بحالة الوعي والنضج عند القيادات المقدسية على مختلف مسمياتها،بان ذلك غير ممكن بدون العمل الجدي على إيجاد قيادة مقدسية موحدة تمثيلية للمقدسيين، تحظى بثقتهم وإحترامهم،وتعبر عن إرادتهم وهمومهم ومشاكلهم،وتنبع منهم،فشرط الإنتصار المقدسي في هباتهم الجماهيرية وتحويلها لإنتفاضة شعبية،يتطلب أولاً القيادة والتنظيم والهدف،وخلق القناعة عند الجماهير المقدسية بالمشاركة الشعبية الواسعة،ولكي نغادر خانة الهبات الجماهيرية العفوية أو ردات الفعل الفردية،والتي هي نتاج لغياب العمل التنظيمي والقائد والموجهة لتلك الأنشطة والفعاليات والهبات الجماهيرية.
وحتى تنجح الإنتفاضة الشعبية وتكون إنتفاضة أمل وليس إنتفاضة يأس، فلا يمكن تنظيمها وقيادتها بالأدوات القديمة أو من خلال القيادات المتكلسة والمتنمطة وغير المنتجة،او عبر أحزاب تقتات بتاريخها وإرث قياداتها التاريخية،أو قوى وأحزاب تميل الى تخليد فكر الأزمة.
فكما الطبيعة لا تحتمل الفراغ،فكذلك هي الحياة الإجتماعية،وذلك المطلوب هنا قيادات مبدعة وخلاقة،تحمل رؤيا وفكر تقود وتوجه الجماهير،وتعبر عن نبضها وألمها وتعايش همومها فعلاً لا قولاً،قيادات تطلق العنان للعقل والفكر والإبداع،ولا تضع صيغ وبرامج العمل في قوالب جامدة،بل تتغير مع تغير حركة الواقع وطبيعة الهجمة والمشروع المضاد.
والأشكال التنظيمية السائدة،وحتى أحزابها المعبرة عن برامجها التنظيمية والفكرية والسياسية،ليست ب"التابو" او "الأيقونات المقدسة" التي يجب ان لا تمس،بل يمكن هدمها كلياً او جزئيا،وإعادة البناء من جديد،فالأحزاب الصهيونية تجربتها واسعة وغنية في هذا الجانب.
فنحن نجد أنفسنا أمام العديد من المقولات المفاهيم والأفكار والنظريات قد شاخت بفعل حركة الواقع والتاريخ،أو حتى طرق وأشكال النضال والعمل الحزبي والتنظيمي،فالأحزاب والقوى والتنظيمات غير القادرة على تغيير نفسها،لن تستطيع أن تخطو خطوة واحدة تجاه تغيير المجتمع.
المقدسيون أمام خصوصية ظرف وواقع معقد ومركب،ولذلك هم بحاجة الى قيادة من طراز خاص،قيادة نابعة من رحم هذا الواقع،ملتحمة مع جماهيرية،قادرة على أن تشكل هيئة أركان حربه،تجمع اوسع تمثيل له في صفوفها من مختلف شرائحه وفئاته المجتمعية،ومن قادته السياسيين والمفكرين والمثقفين،قيادة جسمها الرئيسي علني يجابه ويقارع ويتصدي للإحتلال في كل الميادين والمجالات،وأقرب الى صيغة لجنة المتابعة العربية في الداخل الفلسطيني،ودون ان يكون منسلخاً عن الجسم الوطني الفلسطيني ولكن ليس كصدى او بوق له.
العام الحالي سيكون صعباً على المقدسيين،فالإحتلال عاقد العزم على كسر إرادة المقدسيين وإخضاعهم بكل الطرق والوسائل القمعية،ويستعد لإقرار ما يسمى بيهودية الدولة،وعشرات القوانين والتشريعات والعقوبات الجماعية،بما فيها سحب الإقامة والطرد والإبعاد عن المدينة وهدم المنازل،وغيرها الكثير الكثير،فهل يتداعى المقدسيون من اجل ان يوحدوا صفوفهم وعناوينهم،ويسهروا جهودهم وطاقاتهم في بوتقة واحدة ،لكي يستطيعوا ان يحموا وجودهم وبقاءهم في المدينة،ام سيستمر مسلسل الفرقة والشقاق،وتعدد العناوين والمرجعيات،ملقي بظله على الحالة المقدسية...؟
0 comments:
إرسال تعليق