حرامي وطني/ الدكتور رافد علاء الخزاعي

ان الحرمنة في الازمان الغابرة كانت تعتبر مباهاة في الشجاعة والفتوة وهي مترسخة في العقليات الانسانية من الطبيعة البدوية التطور السكاني نحو حياة المدن والاستقرار والحياة الأمنة المحمية بقوة القانون .
وهكذا تكتنز الذاكرة الانسانية والشعبية بحرامية شرفاء تضفي عليهم القصة والاسطورة البطولة والرجولة لأن الغرض من حرمنتهم وسرقاتهم  كان نداءً يدعو للتضامن والتكافل الاجتماعي الذي يراد منه في النهاية الخير للجميع وخاصة الناس المعوزين من الأهل والأقارب بل هي تأكيد بأن للفقراء حق في مال الأغنياء‏ ......
فهذا الشاعر العربي صاحب المعلقات الفريدة عنترة بن شداد العبسي  امتهن الغزو وسرقة الابل والنوق اكراما لحبيبته عبلة ومن اجل ان ياخذ مكانة مرموقة في قبيلته التي كانت تنظر له عبدا لسواد بشرته رغم انه ابن شداد  من اسياد قبيلة عبس من جاريته زبيبة ام شيبوب ورغم فصاحة عنترة المتوارثة من ابيه وعشيرته وبطولاته المعروفة فانهن لم يشفعن له من الفوز  بعبلة وقلبها.....وظلت قصته تتداولها الحكايات وافلام السينما لترسخ في عقولنا ان الحب ممكن ان يفرض من خلال البطولة والسرقة.
وهكذا هم الصعاليك  الشعراء الذين امتهنوا الشعر والغزو تحت راية انصار الفقراء والمحتاجين من اموال الفقراء ورغم ان كلمة صعلوك تعني في اللغة   بأنه الفقير الذي لايملك المال الذي يساعده على العيش وتحمل أعباء الحياة, مؤكداً أن هذه اللفظة تجاوزت دلالاتها اللغوية وأخذت معاني أخرى كقطاع الطرق الذين يقومون بعمليات السلب والنهب من اجل تحقيق الاكتفاء للاخرين .
امتهن الصعاليك غزو القبائل بقصد الاخذ من الاغنياء وإعطاء المنبوذين أو الفقراء، ولم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى ما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، وبالتالي عاشوا حياة ثورية تحارب الفقر والاضطهاد وتسعى للتحرر في شكله المتمرد وهذه الصبغة وجدنها في كل شعوب العالم وقصصهم عن صعاليكهم مثل تأبط شرا وعروة بن الورد والشنقري و روبن هود وغيره وهي اصطبغتها الحركات الثورية الحديثة تحت مسميات تحقيق العدالة الاجتماعية بقوة السلاح وسار على طريقها الشقاوات والفتوات  والقبضايات وغيرهم من اشداد الطرق والحارات.
واصطبغت أدبيات الصعاليك برؤيتهم عن الحياة فجاءت معظم قصائدهم تحكي عن شجاعتهم وقدرتهم وتحديهم للمجتمع. وشعرهم يمتاز بقوة العاطفة وسعة الخيال وفيه من الحكمة الشيء الكثير وهكذا تكون قصصهم وشجاعتهم حديث الليالي والمقاهي ومجالس السمر لكي يقتدي بهم الشباب الطامح الثائر الباحث عن العدالة وسبل تطبيقها.
وفي هذا يقول الشاعر الصعلوك ابي خراش الهذلي :
وإني لأثوي الجوع حتى يملني‏ ***فيذهب لم يدنس ثيابي ولاجرمي‏
وأغتبق الماء القراح فأنتهي‏*** إذا الزاد أمسى للمز لج ذا طعم‏
أرد شجاع البطن قد تعلمينه‏*** وأوثر غيري من عيالك بالطعم‏
مخافة أن أحيا برغم وذلة‏*** وللموت خير من حياة على رغم‏
وهكذا كان الصعاليك وحرامية الزمن الماضي يسطرون بعض اللمحات الفنية فهذا احد حرامية بغداد وهو يسطوا على بيتا من بيوتها الامنة وفي بحثه عن الحاجات النفيسة تملاء رائحة البامية المحفوظة فوق الطباخ خياشيم ذائقته الشمية فيترك طلبته  وينهمك بثرد الخبز واكل البامية بنهم وبعد ان اتم وجبته من اهل الدار خرج منها خالي الوفاض وعندما ساله اصحابه لماذا عدت بخفي حنين قال لهم  لقد اصبح بيننا وبينهم زاد وملح وثريد بامية فكيف بعد تمتد يدي على اغراضهم.... وقصص كثيرة عن حرامي في زمن الحصار الاقتصادي كان متخصص بسرقة الحصة التمونية من البيوت وعند سرقته لكيس الطحين وجد ان صاحبة المنزل قد اخفت حاجيتها الثمنية وذهبها بين الطحين فما كان من هذا الحرامي الشريف الا ان يعيد الذهب والحاجات الثمنية لاصحاب الدار قائلا ان لااسرق الا مايكفيني من الطعام وهكذا تسير قصص كثيرة عن الصعاليك والحرامية واخلاقهم.....
 ولكن في زمننا الاغبر هذا ابتلائنا الله بحرامية شذاذ لايخافونه وليس لديهم اخلاق سرقوا مال البلد ومقدراته وهم ملتحون مسبحين لاطمين حاجين الى بيته كل عام والستنهم تنطق بالورع والدين وهو منهم براء ولكن لايخلوا زمننا الاغبر من حرامية وطنيون مثل حرامينا هذا الذي ساروي لكم قصته  وهو من احدى احياء بغداد وقد استهوائه برج للاتصالات حديث النصب غريب المنظر لبيت مؤجر حديثا خاليا من السكان فقد دخل حرامينا الوطني الغيور للمنزل بعد ان تسور السياج ودلف عن طريق فتحة التبريد الى فناء المنزل وهو يحاول فك الجهاز وبرج الاتصالات لاحظ خرائط واعلام داعشية تفوق الالفين علم مخزنة في احد اركان المنزل   واجهزة اتصالات مختلفة وووو فبهت حرامينا وجلس برهة يفكر  متحيرا بين طلبته وامن الوطن وخرج مسرعا لاقرب مركز امني مخبرا قصته لضابطها الذكي الذي تعامل مع الموقف بحرفية ووضع البيت تحت المراقبة والقى القبض على الشبكة التي تديره بالتتابع وبعدها عاد الضابط بعد التحقيق الاولي للحرامي الوطني الشريف قال له ما استهواك من هذا المنزل لتسرقه فهو حلال لك واذهب به مباركا  ومنصورا..........
هكذا هو الوطن محفوظ ومحروس ما زال لدينا حرامية وطنيون وشرفاء وليتعلموا منهم من سرق الوطن وباعه مفككا بدون وزاع وضمير....
ولله صعلوك صحيفة وجهه *** ‏كضوء شهاب القابس المتنور‏
مطلاً على أعدائه يزجرونه*** ‏بساحتهم زجر المنيح المشهر‏
وإن بعدوا لايأمنون اقترابه*** ‏تشوف أهل الغائب المتنظر‏
فذلك إن يلق المنية يلقها*** ‏حميداً وإن يستغن يوماً فأجدر‏

CONVERSATION

0 comments: