مساء 26 أوت 2014 قد يكون زمنا لا يقبل النسيان من طرف سكان غزة خاصة والفلسطينيين عامة بالإضافة إلى المتضامنين من بقية شعوب العالم لأنه تاريخ إنهاء العدوان والحصار وبداية الفرح بالنصر.
لا يشك أحد في تضحيات الشعب الفلسطيني على مدى عقود من الزمن ولا يقلل بأي شكل بسالة المقاومة في غزة وقدرتها الكبيرة على الردع والصمود وعلى تحقيق توازن الرعب مع العدو وعلى ثباتها في أرض المعركة ودفاعها المستميت عن الثوابت والمقدسات والحقوق الشرعية في السيادة على الأرض. لقد تحقق بفضل السواعد العاملة للمقاومين والعقول المخططة للمرابطين والقلوب الصابرة للمنحازين المساندين نصرا عسكريا مؤزرا وتم إذلال العدو وإجباره على تقديم التنازلات والاعتراف بالهزيمة وتم افتكاك عناصر المبادرة والمباغتة وبطريقة مدهشة ووقع تمزيق الصورة المضخمة عن الجيش المنتصر والعقل المتفوق وتحقق على أرض الواقع انتزاع الأرض من تحت الأقدام المدنسة وتنقية الأجواء من جحافل الجراد والسواد وتم تسديد الضربات الموجعة في أعماق الكيان الغاصب وحظر الطيران والتحليق والسفر والإبحار عن كل ما يتحرك في مسارب السماء وفوق وتحت الأرض وعلى عباب أمواج البحر.
من حق الفلسطينيين أن يفرحوا بانتصارهم وأن يخرج الأهل في غزة في حالة من الابتهاج والامتنان وأن تتباهى الضفة الغربية بملحمة سكان غزة ومن حق هؤلاء أن يهدوا انتصارهم الباهر بعد الإعلان عن وقف القتال التام والشامل إلى كل الفلسطينيين من سكان 48 والمناضلين في الضفة والمخيمات والشتات والمهجر ومن حقهم جميعا أن يفتخروا بكتائب وفصائل وسرايا وألوية المقاومة المسلحة وأن يتمسكوا بخيار الكفاح والاستثبات والنضال كخيار للتحرير وافتكاك الحقوق وفرض وجهة نظر الكرامة الذاتية على الآخر بواسطة سلاح الحق ومنطق الصمود الميداني ووحدة الصف الوطني الفلسطيني وتزايد الدعم الشعبي ومن حق العرب والمسلمين وجميع محبي الخير والعدل في العالم أن يفتخروا بالنضال الفلسطيني.
صحيح أن عدد الشهداء فاق الألفين وأن عدد الجرحى والمصابين ناهز عشرة آلاف وحجم الدمار في العمران والبنية التحتية والمرفقات العمومية كان فظيعا ومريعا ولكن تمكنت المقاومة الباسلة من وضع الساق الأولى على الأرض المحررة ويأمل في وضع الساق الثانية في القدس ورام الله وكامل الأرض المحتلة. الآن استطاع المقاوم أن يفتك بجسده مسطح محايثة الدائرة الوطنية واقتدر الفلسطيني أن يطالب بمطار وميناء ومعابر مفتوحة وحرية تنقل في الداخل وشراكة مع دول الجوار وجسور تواصل مع العالم.
من حق الطفل الفلسطيني أن يحلم بدولة يعم فيها الأمن والسلام وتنتشر فيها العدالة والمساواة والسيادة والحرية ويغيب فيها الترويع والإرهاب والاستيطان والتمييز والغلق والمصادرة والاستغلال والاحتكار. لقد أجبرت المقاومة صانعي القرار في الدول الكبرى على إذعان لشروطها والتفاوض وفق البرنامج الذي سطرته وتمكنت بفضل صلابتها وإصرارها من الفوز بجملة من النقاط الحاسمة في المجال الاستراتيجي. قد لا تكون ملحمة غزة في صيف 2014 مجرد صمود أسطوري لشهر ونصف تته بعض فترات التهدئة لبعض الساعات والأيام وإنما هي خطوة هامة في السير نحو بيت المقدس واستكمال مشروع التحرير. فمتى يستقيم حال العرب ويستفيقوا من غفوتهم ويحرمون شهوة القتل التي انتابتهم ويتوقف التحارب الأهلي المندلع في ربوعهم والذي أتى على الأخضر واليابس ويكاد يغرقهم في ظلمة القرون الوسطى؟
كاتب فلسفي
0 comments:
إرسال تعليق