أنً إنْسَانِيَتَنا هِبَة راقِيَة مِنْ الله و حُريَتُنا حَقْ مُكْتَسَب لِكُل إنسان و إحْتِرامُنا للأديان المَوْجودة و لِحُرِيَتِنا الفَرْدية كَبَشَر يَجْعَلُنا ارقى مِنْ حَمَلات سَفْكِ الدِماء و التي إتْسَمَتَ بها احداث الرَبيعْ العَرَبي في آخر ثَلاثَةْ سِنينْ تَقْريباً مُنْذُ إنْتِفَاضَتْ تَونِسْ الى يَوْمِنَا هذا...بَلْ إراقَةْ الدِمَاء مَعْ الأَسَفْ أصْبَحَت موضَا تُلازِم عالَمُنا العَرَبي مُنْذُ انْدلاعْ هَذِهِ المَشَاكِلْ بالمِنْطَقَة بِرُمَتِهَا، دَرَسْتُ بِمَدْرَسَة أمريكية و لِمُدًة ثلاثة عَشَر سَنَة مُنْذُ طُفولتي الى أن تَخَرًجْتُ مِنْ الثانوية العامة في عام 1992، تقابَلْتُ مَعْ اعداد وَفيرَة مِنْ الطُلاب و المُدَرِسين مِنْ أجناس و جِنْسيات مُخْتَلِفَة مِنْ البَشَر...مِنْهُم مِنْ تَرَكَ أثراً بِحَياتي كَطالِبْ مِنْ خِلال مُعامَلَتِهِ الطَيٍبَة و مِنْهُم مِنْ نَسيتُهُم لِيَبْقى بِطَيْ النِسْيَان بِذاكِرَتي...أتَذَكًر أسْمَاء بَعْض مِنْهُم و الآخرين عِبَارَة عَنْ وُجوه مُبْتَسِمَة بِلا أسْمَاء لَمَسَتْ حياتي بِلُطْفِها لِبُرْهَة مِنْ الزَمَان ثُمً إخْتَفَت مِنْ حياتي لِتَذْهَبت في سَبيلِها الى غَدِها المَجْهول...و الذي يُمَيٍز خِبْرَتي الدراسِيًة أنًني دَرَسْتُ بِهَذِهِ المَدارِس الأمريكية التي كانت تَضُم طُلاب مِنْ جِنسِيًات مُخْتَلِفَة و كادِرْ تَدْريسي أْمريكي و بريطاني و لِغَايَة الآن لا أعْلَم عَدَد الديانات التي يَنْتَمي اليها هذا الجَسَد الأكاديمي الهائِل الذي كان يَجْتَمِع سَواءً مُدَرِساً لِلْعِلْم او طالباً لَهُ كل يوم...مَدْرَسَة دُوَلِيًة العِلْم مُبْتَغاها لِتَرانا نَكْبُر مِنْ طُفولَة بَريئَة الى شَباب واعِدْ و لَكِن الذي إسْتَوْقَفَني أَنًهُ و لا حَتًى لِيَوْم واحِدْ بِهَذِهِ المَدْرَسَة لَمْ نَصْرِف وَقْتاً بِتَأَمُل المَذاهِب التي يَنْتَمي اليها كُل طالِب او اسْتَاذْ فَقَد كان إحْتِرام مَشاعِر و أحاسيس الآخر تِلْقائياً مِنْ بَديهيَات هذا الصَرْح الأكاديمي الهائِل...بل كان مُخْزي و عَيْب أنْ نَتَعامَل مع اي شَخْص بِناءاً على مَذْهَبِه الديني او جِنْسِيَتِه...كنا طُلاباً و إذا أسْعَفَتْني ذاكِرَتي مِنْ امريكا و فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و تركيا و ارمينيا و كندا و البرازيل و بورتو ريكو و الأرجنتين و اليابان و الصين و تايوان...هَذِهِ الجِنْسيَات التي كُنْتُ أعْلَم أن آلآف الطُلاب معي يَنْتَمون اليها نَجْتَمِع معاً لِطَلَب العِلْم فَقَط و الله لا أعْلَم ديانات تِسْعَة و تِسْعينْ بالمائة مِنْ مَنْ إلْتَقَيْت بِهِم بِهذا الصَرْح التَعْليمي المُحْتَرَمْ و إذا عَلِمْنا هَذِهِ الخُصوصيات كُنا نَحْتَرِم شُعور الطالِبْ لعَقيدَتِه و لا نَتَعامَل مَعَهُ بِتَمَيُز بَتاتاً...حَقًقْنَا نَجاحاً و أقَمْنا بُطولات رِياضِيًة مراراً و تِكْراراً و دَعَيْنا المَدارِس الأمريكية حول العالم العَرَبي لِلْمُشارَكَة بها و نَظًمْنا مَحلياً الأُمْسِيَات المَسْرَحِيًة التي شَارَكْنَا بها و حَقًقْنَا بالتَكاتُف و العَمَل الجَماعي ما لا يَخْطُر على بال أحَدْ مِنْ الفَعاليات الناجِحَة و مَرًت بِنَا سِنين طَوِيلَة لِتَبْقى هَذِهِ الأمور ذِكريات مَيًزَت طُفولَتي و شبابي لِيَسْتَوْقِفَني دافِعْ قَوي لأَكْتُبْ ما أَكْتُب بِهَذِهِ الأَسْطُر و أُشَارِكْ بها المُجْتَمَعْ مِنْ حَوْلي...فَدَرَسْتُ بِهَذِهِ المَدارِس و ما شَعَرْتُ يوماً بِدافِع لأَكْتُبْها إلا عِنْدَما إعْتَرَكْتُ بالعَالَمْ الواقِعي و أحْداث الرَبيعْ العَرَبي و ثَوْراتِهِ الذي يَبْتَعِد جوهره كثيراً عَنْ هَذِهِ المَدْرَسَة النَموذَجِيَة...لِيَحْدُث تَبايُن بَيْن الإحْتِرام لِعَقيدَة الشَخْص الذي كُنَا نُمارِسَهُ و المَواقِف التي تَشْحَنُها العُنْصُرِيَة الدينية...نجانا الله مِنْ هَذِهِ المواقِفْ فَهَل يَعْلَم كيف يَحْتَرِم الطِفْل و الشَاب اليافِعْ شُعور و عَقيدَة الآخر و البالِغين يَتَناحَرون مَعْ بَعْض بناءاً على دِياناتِهِم و قَناعاتِهِم؟ إذا كان الأَمْر كَذَلِك فالتَناسانا أقْدَارُنا أطْفالاً حَقْناً لِلْدِماء و لِيَبْتَعِد النُضوج بعيداً فَبِطُفولَتِنا تَسْمو قِيَم المَلائِكَة و النَقاء و البَراءَة التي يَعْشَقُها الله و تَتَكَلًل بِوُجودِه الطاهِر...
قَد وَصَلْتُ لِقَناعَة أنً العَالَم يَخْتار سَفْك الدِماء بَدَل مِنْ لَحَظات يَمْضيها بالتَفْكير بِمَا يُؤَسِس الحِوار البَنًاء و الصَادِق و التَفَاهُمْ و السَلامْ...و لا نَطْلُب السَلام لأَجْلِنا فَقَط ...بَلْ لِأَجْل أن يَكْبُروا أطفَالَنا لِيَجِدوا غَدْ يَخْلو مِنْ الثَأْر و المَواقِف المَشْحونَة بالكُرْه الموروث، رُبَمَا سَتُشْرِق شَمْسٌ ساطِعَة على عالَمِنا العَربي و تَنْقَشِع هَذِهِ الغُيوم الداكِنَة التي خَيًمَتْ فَوْقَنا لِعِدَةْ سِنينْ مَاضِيَة جَلَبَت الثَوْرات الطاحِنَة مَعَها و الحُروب التي لَمْ تَشْهَدْها مِنْطَقَتْنا مِنْ قَبْل...و لَكِن علينا بالبَحْث عَنْ هذا الغَدْ أكْثَر و الصَلاة...علينا أن نُمارِس المَحَبًة و التَسامُح مَعْ بَعْض في مُجْتَمَعاتنا...علينا العَمَل بِضَمير في مُجْتَمَعاتنا و وظائِفْنا...علينا بالسَعي وراء الفَضائِل الإيجابِيَة...علينا ان نَحْتَرِم مَشاعِر بَعْض أكْثَر و إحْتِرام الآخر...لِيَفْعَل كُل واحد مِنَا ما يَسْتَطيع كَفَرْد لِزَرْع هَذِهِ الفَضائِل مِنْ حَوْلِه فَسَنَجِد السَلام و الإنجاز مِنْ خِلالِها...كَلِمات بَسيطَة و لَكِن تَعْني الكَثير لي و لِبِلادِنا...أَتَمَنَى السَلامْ لِسورِيَا و مِصْر و الأُرْدُن و فِلَسْطينْ...أَتَمَنَى انْ يَفْهَمْ مِنْ يَقراء هَذِهِ الخَواطِرْ و اهْدَافَهَا النَبيلَة...أَتَمَنى...
الكتب المقدسة ليست محصنة ضد نقد العالم، فهنالك معضلة كبرى لا يجد لها الدين الحل إطلاقا فقصة طوافان نوح عليه السلام جاء ذكرها في معظم القصص التراثية في معظم الحضارات الإنسانية العتيقة، فتسائل العلم بعد هذه المكتشفات عن مصداقية ما ذكر بالتوراة و الكتب المقدسة و القرآن الكريم، و بالنسبة لعلماء الاثار و الباحثين في شؤون التاريخ الديانات السماوية هي مجموعة من المعتقدات كان الإنسان بحاجة اليها للعبادة فالتوراة هي مجموعة من الحوادث و المعتقدات تم تدوينها على يد أدباء من الشعب اليهودي قبل ميلاد السيد المسيح كما كان الحال في العصورة السالفة في الحضارات الإنسانية المختلفة ففي الإمبراطوية الوثنية كانت للرومان الديانات الوثنية التي آمنوا بها و كذا الحال مع جميع الحضارات الإنسانية العتيقة في الصين و الهند و أوروبا قديما فماذا عسانا أن نقول لهؤلاء العلماء الذين يضعون الديانات السماوية في نفس السلة ما باقي الديانات الوثنية...هل سنأخذ البنادق و الرهوات و نسافر اليهم لنهاجمهم مثلما يفعل الإنسان قليل الحضارة و الثقافة أم سنتقبل وجهة نظرهم آخذين بعين الإعتبار أنهم اصحاب علم و ثقافة عملية فكر عملي...
و ماذا سنقول للفلاسفة الكبار عبر التاريخ الذين وصلوا الى الوجود الإلهي من دون واسطة التوراة و الإنجيل و القرآن الكريم؟ فهل نسينا الفرعون المشهور الذي اقترب جدا من وحدانية الله و بعد بحث و تفكير شعر أن أتون إله الشمي هو الإله الاوحد الموجود دون جميع الألهة المعبودة حينها التي كانت في الحضارة الفرعونية و بأنه كفرعون مرسل من لدن هذا الإله؟ بالرغم من محاولته لترسيخ هذا المعتقد وجد معارضة من الكهنة الذين كانت لديهم مآرب خاصة و مصالح خاصة من وراء إستمرار العبادة الوثنية في عهد هذا الفرعون؟ أم ماذا سنقول بأمر الفلاسفة الإغريق و اليونانين القدماء مثل أرسطة و بلايتو (أفلاطون) و سقراط الذين وضعوا اسس المنطق و الرياضيات و العلوم المختلفة في عصرهم...بل وضعوا أسس الفلسفة الأولى الحديثة في تاريخ البشرية على الإطلاق؟ فقد وصلوا الى هذه العلوم الحديثة من دون الكتب المقدسة، و بالرغم من أنه ليس لدينا المجال هنا للتوسع بما قدموه من علوم حديثة إلا أن ما قاموا بإنجازه ما زال يدرس في المداس و ما زال يؤثر في المسيرة الأكاديمية للإنسانية الى يومنا هاذ؟
يجب أن تكون مداركنا أوسع من مهاجمة من يطرح الأسئلة، فالإنسان خلق ليفكر...ليبحث...ليستنتج عن طريق الفكر الجدلي ما سيوصله الى الحقائق الثابته، فالذات الإلهية تعشق من يفكر لذلك خلق الله بنا هذه القدرة لا ليلجمها عن عملها...فلولا قدردتنا على التفكير و الإستيعاب لما أدركنا الذات الإلهية و فهمناها و وُجودها بالكون و العلوم الفلسفية المحيطة بالأديان البشرية جمعاء...فهل هنالك معجزة أكبر من العقل الإنساني المفكر الذي استطاع الوصول الى الذات الإلهية و أدراك وجودها من دون الكتب السماوية؟ هل أمنا بالكتب السماوية لكي يتوقف تفكرينا كليا عن عمله و نتحول الى أقراص مدمجة تحفظ ما تتلوه لنا تلك الكتب من دون حقنا بأن نفكر؟...هل انحدرت تلك الكتب لكي تطوق حريتنا و ارادتنا الحرة و لكي تنهي حريتنا في قول قناعاتنا...الله احترم و قدر حرية البشر بنقد وجود ذاته الإلهية و هذا أخطر بكثير مما قالته فاطمة ناعوت عن الاضاحي...فهنالك فيلسوف هندي قال بعد رحلة بحث طويلة عن الله (عبدت الله لأنه ترك لي حرية انكاره)، فالله اعطانا عقل جبار قادر على انكاره و التفكير و البحث و الجدل فقد أسست البشرية منذ عتقية التاريخ حضارات كانت لها أديان وثنية و لكنها عملاقة حكمت مناطق واسعة من العالم و كانت لها أسسها الثقافية و السياسية و الدينية الكبيرة أمثال الإمبراطوية الرومانية و اليونانية و الصينية و الياباينة فماذا عسانا أن نقول بها؟ نعم كانت وثنية و لكن اعطاها الله الإزدهار...أم كيف ازدهرت حتى قبل التاريخ من دون رضى الله و كتبه السماوية؟
مازال بعصرنا رغم انتشار الكتب السماوية بلاد ينتمي مواطنوها الى الأديان الوثنية كالهندوس في الهند و البوذيين في الصين و اليابان...فهل حرمهم الله من النعم التي أعطاها للمؤمنين به؟ شمسه مازالت تشرق على المسكونة جمعاء و أمطاره تهطل على كافة البلدان دون استثناء و التربة في جميع بقاع العالم تنبت للجميع الغلال الصالحة...فماذا سنقول بالعناية الإلهية التي ترعى كل جنس البشر؟ فلا أظن أن ما قالته فاطمة ناعوت من أنها لا تستطيع أن تتحمل مذابح الدماء من نحر الخرفان هو تجديف على الذات الإلهية فهنالك بشر لا تستطيع نفسيتهم تحمل منظر اراقة الدماء، و لا أظنه بالتصريح الخطير الذي يستوجب مهاجمتها بهذه الشراسة، فللذي يشعر بالهيبة الإلهية كيف تحكم البشر جميعا و للذي يقراء و يطالع مسيرة البشر الثقافية و ما حققه فلاسفتها و علمائها عبر العصور سيفهم أمور كثيرة...فخلقنا لنفكر...لنسأل...لنبحث...بل لنسأل الذات الإلهية عن أمور كثيرة...لنتكلم مع الله بالصلاة...خلقنا لنفكر، و هذه ليست جريمة فلو لم يردنا الله أن نفكر لما وهبنا من ذاته الإلهية الأدراك و التفكير، فهل يعطينا الله هذه الصفة البشرية لِنَعْقِلَ أمور كثيرة بحياتنا و يبقا هو من دونها...أليس هو منبع العقل و الحكمة و الإدراك و الصلاح؟ خالق العلوم الوفيرة التي نستوعبها كبشر، فهو كان قبلنا و ندرك نحن ما قد خلقه و وفره للبشر، المشكلة بأن نوسع ادراكنا و صدرنا...هذا كل شيئ...
0 comments:
إرسال تعليق