الهدف من مقالي هذا هو وضع جوهر الحقيقة بين أيدي المسلمين العاقلين العادلين المتنورين المثقفين المسئولين عن سلام وصلاح بلادهم وأمَّتِهم دينياً وسياسياً واجتماعياً وإعلامياً وتعليماً وأمناً وقضاءً. أبدأ بأن بعضُ المسلمين المعتدلين، وكذلك المتظاهرون بالاعتدال، يحلو لهم تلقيب الجماعات الإرهابية الإسلامية مثل داعش وبوكو حرام والأخوان والقاعدة والسلفيون والجهاديون وحماس وحزب الله وأنصار بيت المقدس، والجماعة الإسلامية، وحركة المجاهدين، وغيرهم، بأنهم "إسلاميين" أو "متأسلمين" تبرءاً منهم. أو على الأقل مُبْدين عدم الرضى عن أعمالهم وشرورهم.
أقول لهؤلاء أن قادة وأعضاء تلك الجماعات الإرهابية وتفريعاتها التي تفوق المئة، ليسوا "إسلاميين" وليسوا "متأسلمين" بل هم مسلمون!! فهم بالقطع ليسوا مسيحيين ولا يهود ولا بوذيين ولا هندوس ولا مجوس ولا بهائيين ولا ملحدين، ولا من أي فصيل ممن ينعتهم المسلمون "كَفَرَة" و"مُشركين" و"أبناء قِردة وخنازير"!!!
إنهم، ومَن يمولونهم بالمال والسلاح والإعلام والآيات المُنتقاة، ومَن يتغاضوا عنهم، مسلمون مثلكم. رضعوا من ذات الثدي، وشربوا من ذات النبع، وأكلوا من ذات الشجرة. أي أنهم- بصراحة - درسوا ذات الكتب، ولُقِّنوا ذات الآيات والأحاديث والفتاوي، صحيحها ومدسوسها، وساقوهم ذات الشيوخ المتعصبين لغير السَّوِي من الدين، وللبعيد عن نقاء الإنسانية. رغم أن الإنسانية بفضائلها كالعدل والرحمة والأخلاق الطيبة هي جوهر الدين. فلو حادوا بتعليمات الدين عن الانسانية وفضائلها فقد جرَّدوا الدين من جوهره!!
تلك الجماعات لم يخترعوا التطرف والعنف ولم يبدعوا الإرهاب وسفك الدماء واغتصاب الأرض والعرض والسبي فتلك نوازعٌ سيئات ورثوها من مصادر لا تخفى. والتاريخ الإسلامي في جميع مراحله خلال الـ 1400 سنة يشهد بذلك!! هدأت النعرة الدينية المتشددة إلى حد ما في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. ومع بزوغ شراراتها ثم انفجارها واندلاع نارها منذ سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم، فقد الشرق العربي روح المباديء الإنسانية وطيب الخلق. فالنعرة أو (الهوجة) الدينية ما هي إلا أمية دينية في أسوأ صورها. وهي ليست السبب فقط في التخلف العلمي والثقافي والانتاجي في الدول العربية الاسلامية، بل هي السبب الرئيسي في استمرار حركات الدمار والتقلبات السياسية والاغتصابية والعدوانية من داخلها ومن خارجها.
ولو بحثنا في أعماق المشكلة لكي نصل إلى حَلٍ لها، تقع أيدينا على المتناقضات في تعاليم الدين!! إن بالإسلام أطنان من القول الحسن والآيات الطيبات التي توصي بالخير والفضائل والأخلاق الكريمة من العدل للإحسان للرحمة للسماحة وغيرها. وأدرج هنا بعضاً من تلك الآيات:
"لكم دينكم ولنا دين" - "لستَ عليهم بمسيطر" - "من شاء فيؤمن ومن شاء فليكفر" - "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فقتَلَه فَأَصبحَ مِنَ الخاسِرين" - " مَنْ قَتَلَ نَفسًا بغير نَفسٍ أو فسَادٍ في الأرضِ فكأنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعًا وَمَن أَحياها فكأَنَّما أَحيا النَّاسَ جَميعًا" - "لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" - وحتى الآية القائلة "وَقاتِلوا فِي سَبيلِ اللَهِ الّذينَ يُقاتِلُونَكُم ولا تَعْتَدوا إِنَّ اللَهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ" فبغض النظر أن الله جلَّ جلاله وجلَّت قدراته لا يمكن أن يطلب من بشر أن يُقاتِل ويَقتُل خلقَ الله الأبرياء ويُقتَل في سبيله. فالآية تنص صراحة وبالتحديد على قِتال "الذين يقاتلونكم" وعلى أن " اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين"
هذا بينما في ذات الساحة يواجهنا من يؤمن بما يناقض تلك الايات الطيبات تماماً. حيث نواجه بالحث على الظلم والعنف والقسوة والغلظة والسبي والقتل والصلب وقطع الأطراف البشرية. وأدرج هنا بعضاً من تلك الأيات الغير إنسانية:
"وَاقتُلوهُم حَيثُ ثَقِفْتُمُوهُم" - "فلَا تَهِنُوا وَتَدْعوا إلى السَّلْمِ وَأنتمُ الأعْلَوْنَ" - " فاقتُلوا المُشرِكينَ حيثُ وَجَدتُموهُم وخُذوهُم واحصُرُوهُم وَاقعُدُوا لَهُم كُلَّ مَرْصَدٍ" - "يا أَيُّها الذينَ آمَنُوا كُتِبَ علَيكُمُ القِصَاصُ في القتلَى الحُرُّ بالحُرِّ والعَبْدُ بالعَبْدِ وَالأُنْثَى بالأُنْثَى" - "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَذينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَاب حَتَّى إِذا أثخَنْتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ فإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً"
وأيضاً: "إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أنفُسَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ بأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَهِ فيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" - "فليُقَاتِلْ فِي سَبيلِ اللَّهِ الذِينَ يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنيَا بالآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ في سَبيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا" - "إِنَّما جَزاءُ الذينَ يُحَارِبُونَ اللهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ فِي الأَرضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلوا أَوْ يُصَلَبوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا"
وهنا، أمام تناقض الآيات، أتى الشيوخ المفكرون الأفذاذ بفكرة "الناسخ والمنسوخ" لكي يطمسوا الطيب بالعاطب والخير بالشر والإنساني باللا إنساني، غير مقدرين أنهم يتعاملون مع الإسلام "ديـناَ!!!" وأن روح الدين ونسيجه (في جميع الأديان) سماحة ومحبة ورحمة وعدل وغفران. وهنا أقول لهؤلاء الشيوخ وعلماء الإفتاء ما قاله كتابهم لهم:
"أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعضٍ، فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إلَا خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ويَومَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلونَ" البقرة : 85
لو يُدرك المسلمون، أو بالأحرى قادة المسلمين، ملوك ورؤساء الدول والمسئولون فيها دينياً وسياسياً واجتماعياً وإعلامياً وتعليماً وأمناً وقضاءً، أن تلك الجماعات الإسلامية الإرهابية بينما هم يسببون مضايقات للعالم الحر، لكن ضررهم على المسلمين وبلاد المسلمين، وإساءتهم لسُمعة وصورة الإسلام أكثر وأضخم من ذلك ألاف المرات!!!
ودعنا من إلقاء اللوم في ذلك على "شماعة" الغرب، فقد بُلِيَت "الشماعة" من كثرة سوء استعمالها. فتدبير المؤامرت وسفك دماء المسلمين وغير المسلمين التي طالت مواطني الجزيرة العربية وكل جيرانها، بل طالت حتى آل الرسول والصحابة والخلفاء والعلماء والشعراء والمفكرين عامة أمر يملأ صفحات التاريخ منذ القرون الأولي للإسلام، في عصور تألق الدول الإسلامية واضمحلالها على السواء. ولم يكن هناك حينئذ تواجد لدول الغرب أو تداخل منها. وإذا كانت أصابع الغرب في العصور الحديثة تلعب بالدول المسماة عربية أو إسلامية فلأن الغرب يستعمل المغفلين والأغبياء والطامحين والطامعين والخائنين لبلادهم والهادرين لهويات أوطانهم في سبيل أجر أو منصب أو صفقة!!!!
نعم هؤلاء الإرهابيون هم قبل أن يكونوا إسلاميين أو متأسلمين هم مسلمون. ولم يعد من الحكمة أو العدل تغطية الإجرام بحجاب ونقاب وقناع لا يستر عورة. ليس هناك "ديـن" من الأديان السماوية أو غير السماوية، يُحرِّض تابعيه للتفجير والحرق والسبي والغلظة والجزية وسفك دماء الأبرياء المسالمين لمجرد أنهم يدينون بدين آخر أو يتبعون عقيدة أخرى، حتى لو كان الضحايا "مشركين وكفاراً وملحدين وعُبّاداً للحجر والبقر والنار والشمس والقمر. كما أن ليس هناك دين يحلم تابعوه أنه سيحكم الأرض جميعاً، فهذا محض هراء وخيال!!
فيا مسلمين ويا قادة الإسلام وشيوخه الأجلاء، لقد حان الوقت أن تفتحوا عيونكم وعقولكم وأفكاركم وقلوبكم وتدركوا أنكم في عصر المشاركة والتعايش وتعدد العقائد والمساواة والاحترام المتبادل. حان الوقت لتبذروا المبادئ السامية السمحاء في عقول وقلوب المسلمين جميعاً وخاصة للنشء الغض سِناً وإدراكاً وفِكراً وعاطفة!!!
هؤلاء المسلمون الإرهبيون يعتقدون أو يدَّعون أنهم يمتلكون الحق المطلق وأنهم رسل الله في الأرض. ويتشدقون بأنهم حاملوا لواء الدين يدافعون عن الإسلام. وما هم إلا تجار دين يربحون من خلفه مالا وأرضاً وسبايا. وهم أكثر المسيئين للإسلام. ومن الحماقة والغباء أن المسلمون المسئولون عن مستقبل بلادهم دينياً واجتماعياً وسياسياً، بل ومصيرياً أي محض هويتها ووجودها وحدودها، في مأمن من بربرية تلك الجماعات الارهابية الاغتصابية. أقول لكم أنتم واهموم فلستم بمأمن منهم ومن بربريتهم. وما عليكم إلا أن تنظروا إلى ما وصلت إليه السودان واليمن والصومال وأفغانستان ونيجيريا، وما يحدث في العراق وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر وتونس. بل ولما حدث لمصر في الثلاث أعوام الماضية!!!
كما قلت سابقاً، إن في الإسلام أطناناً من الآيات الحسنى التي تحض على الأخلاق والفضيلة والتعايش مع البشرية،.لو تتمسكوا بها وتركزوا عليها وتربُّوا أبناءكم أطفالاً وصِبية وشباباً على معناها الكريم، وتتجاهلوا تلك الآيات والأحاديث الغير إنسانية، صحيحها ومدسوسها والمشكوك في صحتها. وأن تعلنوا وتوضحوا للنشء ظروف وملاباسات الصحيح منها وبأن ليس هناك اليوم ما يدعو إلى تطبيقها. وأن تقوموا بتنقية الأحاديث المنقولة والفتاوي الغير معقولة أو مقبولة أو غير مناسبة للعصر. لو تفعلوا ذلك تكسبوا راحة وسلاماً واستقراراً وتقدماً لكم ولأوطانكم وأولادكم وأحفادكم.. وللعالم الكبير الذي نحن جزء منه.
إننا اليوم في عصر النور العقلي والفكري والتعايش العالمي وخاصة من تسمونهم "كفار" هذا اللفظ القبيح، في حين أنهم يفتحون لكم ولأبنائكم أحضانهم وعلومهم ومدارسهم ومؤسساتهم ومنتجاتهم ومخترعاتهم وابداعاتهم.
ليتكم تفقهوا، فتعدِلوا، فتسعًدوا وتأمَنوا وتتقدموا!!!
*******
مهندس عزمي إبراهيـم
0 comments:
إرسال تعليق