المطالبة بيهودية الدولة،ليست بالفكرة الجديدة،بل هي فكرة صار عليها رؤوساء دولة الإحتلال والرؤوساء الأمريكيين بعدما تقدمت امريكا بخارطة الطريق لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في ايار /2003،حيث إشترطت اسرائيل موافقتها على تلك الخارطة،بمطالبة الجانب الفلسطيني بالإعتراف بيهودية الدولة،والإعتراف المطلوب من الجانب الفلسطيني هنا،ليس الإعتراف بإسرائيل،كما اعترفت بها الدول الأخرى،بناء على قرار التقسيم رقم (181) لعام 1947،بل المطلوب من الجانب الفلسطيني،الإعتراف بما هية الدولة،اسرئيل دولة يهودية،من اجل الإلتفاف على حق العودة للاجئين الفلسطينيين،ومسألة الإعتراف هذه تخبو حيناً وتتصاعد حيناً اخر إرتباطاً بالعملية السياسية والمفاوضات مع الجانب الفلسطيني،فإسرائيل،تسعى من خلال التشديد على هذه المسألة والتركيز عليها،لتحقيق عدد من الأهداف،ليس فقط عملية وضع العراقيل والعصي في دولاب المفاوضات،والعمل على تعطيلها وإفشالها،بل هي تسعى كذلك لتحقيق جملة اهداف أبعد واخطر من ذلك،سنأتي على ذكرها في سياق المقالة.
ويهودية الدولة والمشروع المقترح إقراره والمصادقة عليه،يتصدره بنيامين نتنياهو،ويضغط من اجل إقراره وتمريره في "الكنيست" البرلمان الإسرائيلي،بشكل لافت للنظر،بعد توجه الطرف الفلسطيني الى الأمم المتحدة للإعتراف بفلسطين كدولة تحت الإحتلال،والتوجه الفلسطيني قريباً لمجلس الأمن الدولي،من أجل إستصدار قرار يحدد فيه سقف زمني لإنسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،تنتهي في عام 2016 .
ويجب ان نشير هنا الى ان موضوع يهودية الدولة كان وسيبقى مثار جدال ونقاش وإستثمار في الصراع الداخلي بين القوى السياسية في إسرائيل،وبخاصة بين المؤيدين والمعارضين للنشاط الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة،حيث يعمد المعارضون إلى إشهار سلاح يهودية الدولة في وجه خصومهم،تحت ذريعة أن النشاط الاستيطاني من شأنه نسف عملية السلام،ما يستتبع سقوط حل الدولتين،وتمهيد الطريق أمام الحل الآخر المعتمد على قيام دولة ثنائية القومية،وما ينطوي عليه من مخاطر على يهودية الدولة. وقد حذا عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية على منوال وطريق المعارضين الإسرائيليين للنشاط الاستيطاني،عند انتقادهم لهذا النشاط، لمسّه يهودية الدولة، وتعريض طابعها اليهودي للخطر.
ونتنياهو وقوى اليمين الديني والقومي المتطرف من "الليكود" و"اسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي" وغيرهم من الحاخامات والتوراتيين والمستوطنين،يعتقدون بأن الظروف الآن مؤاتية لتمرير هذا القرار،فالحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها،والوضع العربي في أسوء مراحلة،على ضوء ما يشهده من إنهيار وصراعات وحروب وفتن مذهبية وطائفية،وعدم قدرة الحالة الدولية على فرض حل سياسي عليها،خاصة بأن نجم الديمقراطيين الأمريكان قد أفل،بعد خسارتهم في الإنتخابات النصفية للكونغرس،وقدوم أنصار اسرائيل من الجمهوريين،والذين هم اكثر تشدداً من الصهيانة أنفسهم،تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.ولذلك هذا التيار الصهيوني القوي،الان في مركز القرار،ويستطيع ان يحسم الصراع حول طابع الدولة مع التيار الذي يتمسك بأن امن اسرائيل،هو المحرك الأساسي لصنع القرار والسياسة الإسرائيلية،على عكس هذا التيار،القائل بان الإستيطان والتوسع،هو الأساس في صنع القرار والسياسة الإسرائيلية،وهذا يقضي بشكل نهائي على المشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية،فهناك فرصة تاريخية للإحتفاظ بالأمن والسلام والإستيطان معاً، في فرصة لم تتوفر في أية ظروف ومراحل أخرى.
إقرار هذا القانون الذي يعرف اسرائيل،بأنها وطن قومي للشعب اليهودي،يصبح بمثابة القانون الأساسي الذي يحدّد في شكل واضح طابع إسرائيل 'كدولة الشعب اليهودي' مع إضفاء الشرعية عليه.
وأيضاً إقراره يشكل تعدي صارخ على الحقوق التاريخية والمدنية للشعب الفلسطيني،وفي المقدمة منها حق العودة المستهدف من هذا القانون بشكل أساسي،وهو كذلك يشكل إمعاناُ في السياسة العنصرية المتبعة بحق شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 - وبما يعني اضفاء الصفة القانونية والشرعية على سياسة التمييز العنصرية بحق شعبنا هناك،وهذا يمهد لمخاطر الطرد والترحيل الجماعي لشعبنا،عبر سياسات التطهير العرقي والتبادل السكاني والإستيلاء على الأرض.
وكذلك واضح من الإعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى،بأن هذه الحكومة المتطرفة،تريد ان تصبغ الصراع مع شعبنا الفلسطيني بالصراع الديني،وبما يمكنها من السيطرة على الأرض وإقامة المستوطنات عليها،ويشرعن لها مثل هذا القرار الضم والتهويد للقدس والسيطرة على المسجد الأقصى والمقدسات بإسلاميتها ومسيحيتها،وتبرير لما تقترفه وترتكبه من جرائم بحق شعبنا الفلسطيني.
وأبعد واخطر من ذلك،فهذا القانون القبول او التسليم به،يعني القبول بالفكرة الصهيونية،والإعتراف بالرواية الصهيونية للصراع العربي الصهيوني،بأن الصهيونية حركة تحرر وطني لما يسمى بالشعب اليهودي،وهذا يعني الإعتراف بحق اليهود والصهاينة في هذه البلاد،وإدانة لمشروعية النضال الوطني الفلسطيني،ووسم نضالات وتضحيات شعبنا ب"الإرهاب"،وبالتالي يصبح من حقهم طردنا وتهجيرنا،وإسقاط حق العودة لشعبنا اللاجىء والمشرد في مخيمات اللجوء وأرض الشتات.
لا يمكن لأي طرف فلسطيني الموافقة على هذا القانون،لأنه يعني إنتحار فلسطيني،ونهاية لقضيته ومشروعه الوطني،ولذلك علينا خوض معاركنا ونضالنا على كل الصعد والمستويات،محلياً وعربياً ودولياً،يجب العمل على بناء استراتيجية فلسطينية موحدة،وكذلك ضرورة إستكمال عضويتنا في المؤسسات الدولية،وبالذات التصديق على ميثاق روما والإنضمام الى محكمة الجنايات الدولية،من اجل جلب قادة الإحتلال الى المحاكم الدولية ومحاكمتهم كمجرمي حرب،على ما يرتكبونه من جرائم وفظائع بحق شعبنا الفلسطيني.
0 comments:
إرسال تعليق