نعم للثورة.. لا لتغيير الهوية/ نرمين كحيلة

بينما كانت الثورة المصرية المجيدة تطلق أولى شراراتها ارتفعت حناجر ممن تصطاد فى الماء العكر للمطالبة بتعديل المادة الثانية فى الدستور حتى لا يصبح الإسلام هو مصدر التشريع.. وأقول لهؤلاء إن هذه الثورة قامت للوقوف ضد الظلم والفساد ولتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير حياة كريمة للمصريين ولم تقم لتغيير هوية مصر الإسلامية أو العربية.. ومصر ستظل إن شاء الله إسلامية ولن تخلع رداءها الإسلامى إلى يوم القيامة لأنها تستمد قوتها واستمرارها من الإسلام ولن تكون مصر أبدًا تركيا أخرى ولن يقوم فيها أتاتورك آخر، ولا يمكن ان تصبح مصر دولة علمانية. بل على العكس نحن ما تأخرنا إلا بسبب ابتعادنا عن الإسلام ولن ننتكس للوراء .. إن الدين هو جزء هام فى التركيبة الأساسية فى شخصية المصرى منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم ولا يمكن تجاهله أو تهميشه.

فقد جعل الإسلام من البدو الحفاة الفقراء قادة عسكريين وحكامًا يديرون سياسة الأمم وعلماء يبتكرون وينشئون ويشيدون.. أى حولهم من رعاة الغنم إلى رعاة الأمم كل ذلك فى فترة قصيرة من عمر الزمان. كذلك سوف يفعل الإسلام اليوم فى مصر فقد أصبح تطبيق الحدود والعقوبات الإسلامية ضرورة حتمية لما فيها من حزم وردع بعد أن رأينا الرشوة والتسيب ونهب أموال الشعب والفساد والخمور والمخدرات تنتشر حتى بين الشباب والأطفال بحيث لم تعد هناك وسيلة للقضاء على كل هذه الانحرافات إلا بحدود الله وليس بقانون العقوبات المدنى الذى أثبت عدم جدواه فالذى يسرق فيدخل السجن يخرج ليسرق مرة أخرى .. ولكن الحكم بالاسلام سوف يقضى على كل مظاهر الفساد والانحراف والجهل والفقر والمرض. فإذا طبقنا مثلا عقوبة قطع يد السارق هل يستطيع أحد أن يسرق بعدها ؟ من المؤكد لا ويكفى دليلا على ذلك أن هذه العقوبة لم تنفذ فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم سوى مرة واحدة وعهد الخلفاء الراشدين جميعهم لم يشهد سوى بضع مرات تعد على الأصابع مما يدل على أن العقوبة إذا طبقت فى مناخ إسلامى فلن تكون هناك حاجة إلى استعمالها لأنها رادعة ويحضرنى هنا كمثل بسيط عندما أصدر الاتحاد السوفيتى قرارًا بعقوبة الإعدام للمرتشى .. وعندما تقابل الزعيم الأمريكى بالزعيم السوفيتى قال له:"إن هذه العقوبة القاسية تدل على أن الحياة الإنسانية عندكم لا قيمة لها فقال له الزعيم الروسى:"حقيقة إنها عقوبة قاسية ولكن منذ أن أصدرناها لم تحدث حادثة رشوة واحدة ولم نحتاج إلى تطبيقها. وإذا طبقنا مثلا حد الحرابة على البلطجية الذين يروعون الآمنين ويقطعون طريقهم وعلى الذين قاموا بتفجير كنيسة الإسكندرية فهل سيجرؤ أحد على تكرار ذلك؟

فقد قال الله تعالى:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"(المائدة 44) ،"وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك"(المائدة 49) .. ومعنى ذلك أن الله تعالى لن يرضى عن أى أمة مسلمة لا تطبق تعاليمه فى حياتها وفى دستورها وحكمها ولن يتحقق لهذه الأمة العزة والمجد الذين وعد الله بهما المؤمنين فى قوله تعالى:"وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين". ثم إن الإسلام به دستور كامل للحياة ورحم الله عمر بن الخطاب حين قال:"نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله". ولو كان الدين للآخرة فقط لما وجدنا تشريعات الميراث والزواج والطلاق....إلخ. أين تذهب هذه التشريعات إذا لم يكن الإسلام هو مصدر التشريع؟

ويقول الدكتور أحمد شوقى الفنجرى فى كتابه:"كيف نحكم بالإسلام فى دولة عصرية؟" إن خير ما نفعله هذه الأيام هو وضع مبادئ الحكم التى جاء بها القرآن والسنة فى شكل دستور مكتوب محدد ومفصل وواضح المعالم.. ويجب تشكيل لجنة من كبار علماء القانون والدستور وكبار المفكرين وعلماء الفلسفة والتربية والاجتماع وحتى علماء الطب والنفس والهندسة.. إلى جانب علماء الشريعة الإسلامية من حملة الدكتوراة والتخصص فى الفقه الإسلامى.. ويكون هدف اللجنة وضع دستور إسلامى حديث بحيث يستمد كله من القرآن والسنة وبأسلوب وتبويب الدساتير العصرية مع مراعاة أحدث ما جاءت به نظم العلم الحديث فى الحكم والإدارة والتشريع وكفالة الحريات".

فمن المعروف أن الحكم فى الإسلام يعتمد على الشورى وإلا فقد شرعيته فقد قال الإمام ابن عطية:"الشورى من قواعد الشريعة ومن تركها فعزله واجب" ولقد دخل العالم الإمام أبو مسلم الخراسانى على معاوية بن أبى سفيان فقال:"السلام عليك أيها الأجير" فاستنكر جلساء الخليفة وقالوا له:"قل السلام عليك يا أيها الأمير" فأعاد فى إصرار:"بل السلام عليك أيها الأجير" وهنا فطن معاوية إلى قصده وقال:"دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول. فقال:"إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الأمة لرعايتها فإن أنت داويت مرضاها وشفيت جرحاها وفَّاك سيدها أجرك وإن أنت لم تفعل عاقبك سيدك". ولم تكن هذه النظرة إلى الحاكم المسلم قاصرة على عهد الخلفاء الراشدين وحدهم حتى فى عهود الاستبداد والحكم الموروث وانحطاط الدولة الإسلامية كان الحاكم يعتبر نفسه أجيرًا لدى الشعب. وقد قال الحديث الشريف:"وأنا أشهد الله تعالى على من وليته شيئا قليللا أو كثيرًا من أمور المسلمين فلم يعدل فيهم أن طاعة له .. وهو خليع مما وليته وقد برئت ذمم الذين معه من المسلمين وإيمانهم وعهدهم فيستخيروا الله عند ذلك ثم يستعملوا عليهم أفضلهم فى أنفسهم" .. وهذه هى ضمانات الإسلام لعدم استبداد الحكام.

وقد ظل جميع المستشرقين فى الغرب حتى يومنا هذا يتعجبون من روعة هذا التشريع الإسلامى الذى كان فى القرن السادس الميلادى يعتبر الحاكم مجرد أجير يمكن عزله أو قبض الراتب عنه أو سحب التوكيل منه فى حين كان الحكام فى أوروبا إذ ذاك يعاملون كأنصاف آلهة.

ومن مصلحة الجميع أن تحافظ مصر على هويتها الإسلامية فالأقباط واليهود لم ينالوا حريتهم إلا تحت عباءة الإسلام فهم متساوون أمام القانون فى الحقوق والواجبات فالشرع يسميهم أهل الذمة أى أنهم فى ذمة الحكومة الإسلامية لا تتعرض لهم ولا تجبرهم على شئ يخالف دينهم.

فهل هناك دستور آخر غير الإسلام يضمن للإنسان حياة مثالية ديمقراطية كالدستور الإسلامى؟ أفلا تعقلون؟

CONVERSATION

0 comments: