ـ14 تموز 1958 / د. عدنان الظاهر


1 ـ أعوام الثورة الأولى
مرَّ التمّوزُ الشهرُ وما مرَّ التمّوزُ
مرَّ الشهرُ كما مرّتْ باقي أيامُ العُمرِ البيضُ ـ السودُ
لي فيهِ كانتْ ذِكرى
وبقايا أخجلُ مِنْ ذِكراها
كُثرٌ متباينةٌ أخشاها
منها ذكرى أحلامٍ مُرعبةٍ مرّتْ
مرّتْ رغمَ مرارتها مرّت عجلى
ذكرى الحبِّ الطائشِ لم يمكثْ إلاّ شهرا
طاشتْ فيه رؤوسٌ خائبةٌ سكرى أو كانتْ كالسكرى
الليلُ شجارُ النيرانِ الغضبى
ـ نجهلُ مصدرَ هذي النيرانِ ـ
الردُّ سريعٌ كانَ وكانتْ فُوضى
يختلطُ الحابلُ فيها بدويِّ الطلقاتِ المشدودةِ في حبلِ
يأتي الصبحُ الصيفيُّ ولا يأتي
الليل طويلُ

بين الحبِّ الشاردِ والحبِ الآتي أمَلاً مقبوضا
لا أقوى أنْ أرفضَ شيئا
الحارسُ في البابِ يُجيلُ الطْرفَ ذَهاباً وإيابا
الرمزُ هناك مزاعمٌ ومراهمٌ وزعيمُ
إبهامٌ وغموضٌ وغيوبٌ ورُجومُ
أعوامٌ مرّتْ ما مرّتْ
حالتْ أعوامٌ أربعةٌ والنسوةُ حالت ْ
لم تُنجِبْ أمٌّ فيها مُعجِزةً أو شَبَهاً من عيسى
سقطتْ أشجارُ الجيرانِ كروماً وزهوراً ونخيلا
نعقتْ بومٌ وارتفعتْ سودُ الأعلامِ حِدادا
لكنَّ الشارعَ نشوانُ
يجهلُ ( ما بعدَ منارةِ سوقِ الغزْلِ ) !
الحانةُ نشوى
دجلةُ هادئةٌ تتهادى
روّادُ مقاهيها في أعلى قامات السُكرِ
سُكراً مفتوحاً وأموراً أخرى
تكشفها أخبارُ الشرطةِ في اليومِ التالي
جُثثاً غامضةً وجروحاً وقتولا
الرأسُ وحيدٌ معزولُ

يتعالى لا يدري
أدماءٌ في دجلةَ أمْ ماءٌ يجري ؟
كالموتى لا يسمعُ إلاّ صوتا :
قائدُنا هُبَلٌ أوحدُ أسمى !
( أزعيمٌ هذا حقّا ؟ )
الحبُّ تحت القصف
الحبُّ ؟
ما الحبُّ زمانَ الخبطِ الدمويِّ وعهدِ الفُوضى
العمرُ شباباً كانَ وفي الدنيا كانت حُمّى
يطويها قلبٌ مكسورٌ بجُمانِ محاراتِ هياجِ البحرِ
مطحونٌ بخيالاتِ الثورةِ والعنبرِ والسُكّرِ والعَدْلِ
صورٌ شتّى ما زالت شاخصةً تتراءى :
في مجمعِ حفلةِ نادينا يوما
كانتْ جالسةً قُربي كفّاً ـ كفّا
في لحظات التصويرِ وكانتْ في أعلى طبقاتِ الوجدِ حلولا
الغيبةُ في السجدةِ لا تكفي
النجوى حبلٌ مهزوزُ الفتلِ
القلبُ فراغٌ أعمى
ملتبسُ الأطوارِ ظُهُورا

الحفلُ بهيجٌ والجوُّ غباءٌ وثُغاءٌ ورثاءُ
العيبُ كبيرُ
الفرحةُ بالونُ هواءٍ يطفو
كالقشةِ في بابِ النادي الشرقيِّ
الدُرُّ جُمانُ
الحبُّ حِصانٌ وحشيُّ الرشمةِ غضبانُ
مَنْ يعلو فَرَساً أو حُصْنا
مَنْ يدنو منها
حاضرةٌ قبل بلوغِ مواعيدِ الأقمارِ الحُمْرِ
قَمَرُ المُهرةِ يأتي شْفعاً لا وَترا
مَنْ يأملُ في صهباءِ الريقِ غراما ؟
غيومٌ سودٌ تتجمعُ
في الثورةِ لي ثأرٌ منها فيها
نيرانٌ حاميّةٌ تلحقُها منّي عَرْضاً ـ طولا
لؤلؤةُ الجيدِ مُزيّفةُ التشكيلِ
تكتبُ فيها ما تكتبُ سِرّاً أو جْهرا
تنقشُ في حَجَرٍ عهداً ممهوراً مغشوشا
في الثورةِ أعراقٌ ناتئةٌ نازفةٌ حُمْرُ
يشدخُها سيفٌ مخفيٌّ بتّارُ

يفجأها من خلفِ جِدارٍ مثقوبٍ للجارِ
يتربصُ بالقادةِ والساسةِ ليلاً والجُندِ
القتلُ قصاصٌ قالوا
في الشارعِ والحارةِ والمقهى والبيتِ
صُحفٌ سودُ
آلاتٌ شتّى يشحذُها جزّارُ
ليلاً ونهارا
الشقُّ كبيرُ .
2 ـ الإنقلاب / 08.02.1963
( معركة وزارة الدفاع )
[ القومُ نيامُ ]
الخلفُ أمامُ
البردُ القاسي مِقصلةُ في الشهرِ الثاني
الجوُّ شتاءٌ جوّاً برّا
الطائرُ والزاحفُ واللابدُ والماشي
الناسُ حفاةٌ عُزّلُ قربَ الأسوارِ عرايا
الرعدُ يدكُّ بقايا حُصْنٍ مكشوفٍ ينهارُ
ناراً وشظايا


النهرُ حيادُ
الجسرُ دروعٌ زاحفةٌ ونوايا وجنودٌ سودُ
الصرخةُ لا تُجدي
الشعبُ يُنادي من تحت الأصفادِ
الحصنُ بعيدُ
لا يسمعُ صوتا
يتلقى الضرباتِ شِداداً جوّاً برّا
الحصنُ عرينٌ قالوا ...
الحصنُ سينهارُ
الرمزُ مَهينُ
يزحفُ من تحت الأنقاضِ كسيراً مجروحا
يلفظُ أنفاسَ بقايا حدِّ اليأسِ
الموتُ حصارُ
[[ أوقفْ يا هذا إطلاقَ النيرانِ ]]
يستسلمُ كي ينجو
سادَ الصمتُ
الدنيا دارتْ والبيتُ خرابُ
القاسمُ ثاوٍ يتنفسُ في حوضَ التيزابِ .
3 ـ ساحةُ التحرير بعد الإنقلاب

( جدارية جواد سليم / نُصب الحُريّة )
اللوحةُ محضُ جدارِ رصاصٍ مسكوبٍ أعمى
مخروقٌ تندبهُ أَمَةٌ صابرةٌ تتساءلُ ثكلى :
أرمى العمّالُ مطارِقَهمْ ؟
وقفَ العمّالُ حِدادا
داسَ الثورُ الهائجُ تيجانَ سنابلِ ما وهبتْ تمّوزاً عِشتارُ
قلبَ الجنديُّ سياقَ مسيرتهِ شرقا
دارَ وولّى خَلْفاً غَرْبا
وجوادُ [ سليمٍ ] يشهقُ للأعلى مجروحاً مطعونا
شهداءُ الوثبةِ في اللوحة قاموا
قتلى الحَرَسِ القوميِّ وجندِ ردودِ الأفعالِ السودِ
الأمُّ تشقُّ جيوبَ عباءَتِها
تحضنُ مقتولاً يتدلّى مقلوبَ الرأسِ
قامَ [ سليمٌ ] مُحتجّاً غضبانا
فهوى يتلوّى مثقوبَ الصدرِ
النُصبُ تهاوى
العَتمةُ في الساحةِ مدّتْ حتى أعلى قضبانِ الجسرِ
يميناً وشَمالا


أعلامٌ حُمْرُ
راياتٌ سودُ
يتوسطها جسرٌ مُمتدُّ
نُصبُ الحريّةِ عبدُ
بغدادُ خرابُ .

CONVERSATION

0 comments: