ما المطلوب بعد فشل جولة كيري العاشرة؟/ راسم عبيدات

بات من الواضح ان كيري يريد طحناً وليس طحيناً،فهو  بعد جولاته التسعة بات على قناعة تامة،بان الطرف الذي يجب أن يضغط عليه ويضحى به،هو الطرف الضعيف،وهو الطرف الفلسطيني،وخصوصاً ان مجده الشخصي وتطلعه لنيل  جائزة نوبل للسلام في خطر حقيقي،حيث اسرائيل وجهت  له انتقادات لاذعة،فيما يتعلق بالتوقيع على الإتفاق الإيراني- مع مجموعة الخمس + 1،وهو في سبيل إرضائها،سيعمل على صوغ اتفاق إطار يستجيب لكل تطلعاتها الأمنية واشتراطاتها،فهو يريد من الفلسطينيين الموافقة على شرط يهودية الدولة،والتخلي عن قضية اللاجئين،بل وحتى القدس،مع قبول كل الترتيبات الأمنية الإسرائيلية،وأي دولة فلسطينية يتوافق عليها يجب ان تكون وفق مقاسات اسرائيل الأمنية،فلا سيطرة للدولة الفلسطينية لا على حدود ولا معابر ولا اجواء ولا موانيء،بل زد على ذلك محطات انذار على رؤوس الجبال ووجود عسكري ومدني في الأغوار وقوات متعددة الجنسية على المعابر،وبقاء الكتل الإستيطانية الكبرى تحت السيادة والسيطرة الإسرائيلية.

الان نحن بحاجة الى قرارات فلسطينية جريئة على المستوى الداخلي،قرارات بحاجة إلى رؤيا واستراتيجية فلسطينية موحدة لكيفية المواجهة،فالان وقت المستشارين وكبار المفاوضين والوعاظ والمرشدين من فلسطينيين وعرب،لم يعد مجدياً ولا مفيداً،فالمطلوب الان هو تصفية مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني،تصفية قضية اللاجئين،والى حد كبير القدس،والقبول بشرعنة الإستيطان والإحتلال،ولذلك فالصدام مع الإدارة الأمريكية،التي قالت السلطة انها عادت الى المفاوضات،لكي تتجنبه ولا تتحمل مسؤولية فشل المفاوضات،هو الان واقع لا محالة،إلا إذا إختارت السلطة الإنتحار سياسياً والموافقة على خطة كيري ومشروع التصفوي.

أمريكا واسرائيل اناطتا مهمة تصفية القضية الفلسطينية لقطر،حيث كان اميرها  السابق حمد أنذاك وفي القمة العربية الأخيرة التي عقدت في قطر،مكلف بهذا الملف،ولكن الفشل القطري في الملف السوري،لخبط الأوراق،وتسلم المهمة السعوديين برئاسة بندر بن سلطان،فأمريكا واسرائيل تشعران وفق تقدير استخباراتهما العسكرية،بأن هذه فرصة تاريخية لن تتكرر،لدفن القضية الفلسطينية والى الأبد،فالحالة الفلسطينية في أشد حالات ضعفها،إنقساماً وتفككاً،والحالة العربية على نحو أسوء بكثير،بحيث لم يعد هناك أي تهديد عربي جدي لدولة اسرائيل،فجيوش الدول العربية المركزية الثلاثة العراقية والسورية والمصرية،دمرت وأستنزفت.

واسرائيل رغم عودة الطرف الفلسطيني للمفاوضات،لم تلتزم للحظة واحدة بشروط العودة إليها،حيث ضاعفت وصعدت من  إستيطانها في الضفة الغربية والقدس على وجه الخصوص،وربطت الإفراج عن كل دفعة من أسرى ما قبل اوسلو(104) بالإعلان عن مناقصات وعطاءات ومشاريع لإقامة الالآف الوحدات الإستيطانية الجديدة،وبدأت التململ من اجل التنصل من الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى،والتي تضم أغلبها  أسرى الداخل الفلسطيني- 48 -،وبدأ هذا التململ بالتلاعب بأسرى الدفعة الثالثة توقيتاً واسماءاً،فنتنياهو يريد إبتزاز الطرف الفلسطيني سياسياً،وكذلك يريد الضغط على الأمريكان من اجل إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي "جونثان بولارد".

نعم الآن نحن أمام مرحلة على درجة عالية من الخطورة،فمشروعنا الوطني كله في مهب الريح وقد تعصف الريح والعواصف بمرتكزاته،ولذلك علينا أن نفكر جدياً وملياً،كيف سندير المواجهة بعد فشل جولة كيري العاشرة،وعلينا أن نستجمع كل نقاط قوتنا وعلاقاتنا،وعلينا ان نستفيد من المتغيرات والتوازنات الدولية الجديدة،ونوظفها لصالحنا،فأمريكا لم تعد قدر العالم ولا شرطيه الأوحد الوحيد،ولم يعد مفيد الحديث عن الخيار والنهج التفاوضي،بل الان علينا أن نعرف كيف سندير الصراع والمواجهة مع الإدارة الأمريكية الأكثر تطرفاً من حكومة نتنياهو نفسها فيما يخص حقوقنا وثوابتنا الوطنية،علينا ان نقول لها ولكل العالم،بانه لم يعد من المجدي لكم جعل اسرائيل دولة فوق القانون الدولي ودعم إجرامها وإحتلالها.

صحيح ستمارس علينا الكثير من الضغوط من كل صوب وحدب دولية واوروبية غربية وإقليمية وعربية،ولكن نحن إما ان ننتصر لحقوقنا وثوابتنا،او نستشهد على أبواب الصمود والدفاع عنها.

المطلوب دراسة جدية ومعمقة لكل خياراتنا،من حيث شكل المقاومة الذي علينا أن نجعل منه الرئيس في المواجهة مع المحتل،وكذلك حان الوقت لكي نغلق ملف الإنقسام المدمر،وأيضاً علينا أن لا نستمر في فقط "لوك" الشعارات عن الوحدة الوطنية،بل نحتاج لفعل جدي ينقلها الى حيز التنفيذ على أساس الشراكة الحقيقية في القرار،وأيضاً علينا أن نضع رؤيا واستراتيجية لكيفية مواجهة ومقاومة ما سيمارس علينا من ضغوط بدءاً من امريكا وإنتهاءا ببعض المشيخات العربية،وهل سنستمر في القول بأننا اخطانا بعدم الذهاب لإستكمال عضويتنا في المؤسسات والمنابر الدولية،ام سنذهب لإستكمال عضويتنا فيها؟،وهل سنلاحق اسرائيل قانونياً وقضائياً وسياسياً وجنائياً...الخ فيما يخص إرتكابها لجرائم حرب بحق شعبنا الفلسطيني،مثل الإستيطان او الأسرى او محاولة السيطرة على الأقصى وغيرها؟ وأيضاً كيف سيكون شكل العلاقة بين السلطة والمنظمة،وهل سيستمر تجويف وتهميش المنظمة لصالح السلطة؟،أم سيتم إعادة الإعتبار للمنظمة ومؤسساتها وقراراتها،من خلال إعادة بنائها على أسس ديمقراطية،تمكن من تمثيل كل ألوان الطيف السياسي الوطني والإسلامي فيها،وهل سنخرج  المفاوضات من تحت العباءة والمرجعية الأمريكية ونقلها للرعاية الدولية،فامريكا لم تعد كما كانت،فالتغيرات والتوازنات الدولية والإقليمية الجديدة،تمكننا من الإستفادة منها،بان يكون لقضيتنا جنيف خاص بها،كما لبقية القضايا العربية والإقليمية،وهذا يتطلب منا توسيع دائرة علاقاتنا  بالأطراف الفاعلة دولياً وإقليمياً،من اجل ان تقف الى جانبنا وتدعم قضيتنا.

كيري حتماً سيفشل في مهمته،فمشروعه تصفوي ويضرب مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني(اللاجئين والقدس)،وعلينا كفلسطينيين أن نعد أنفسنا جيداً من أجل مواجهة ومقاومة التداعيات الناتجة عن ذلك.

CONVERSATION

0 comments: