النكبة في شعر جمال قعوار/ شاكر فريد حسن

يعرف القراء جمال قعوار اديباً وشاعراً رقيقاً وشفافاً مرهف الحس ملتزما بقضايا الوطن والجماهير ، ويمتلك مخزوناً ثقافياً وموروثاً ادبيا واسعاً . فهو شاعر الهم والمأساة الفلسطينية ، التي عاشها واحسها على جلده وكان شاهداً على احداثها وفصولها ، ويؤمن بقضية شعبه العادلة التي ينافح ويدافع عنها من خلال ادواته التعبيرية .
وهو ابن الناصرة زنبقة الجليل وبلد المسيح ومدينة التأخي والتسامح ، التي ارتوى من عذب مائها ، وتنفس من نسيمها ، وسحرته اشجارها وازاهيرها وخمائلها وطيورها وحدائقها الغناء .. افليس هو القائل :
على ثراها الطيب    درجت طفلا وصبي
نسيمها من عنبر      وتربها  من    ذهب
والخير في جليلها     ملوح           للنقب
وجمال قعوار كغيره من شعراء فلسطين كتب اشعاراً في النكبة الفلسطينية ، التي مزقت الاشقاء والاهل والاحبة وفرقت ابناء الوطن وجعلتهم يتشردون ويتناثرون في الكهوف وفي الخيام ، حتى في العراء ، يعانون الاغتراب والشقاء والحرمان ووجع الغربة . وقد احتلت مأساة النكبة والتهجير والترحيل قلبه ، ولها خصوصية وسمة بارزة في شعره .
وفي قصائده نجده يصور فجائع النكبة والخيام ويصف خروج ونزوح اللاجئين الفلسطينيين تحت الشمس المحرقة وتشتتهم، حيث تبعثر السبي ممزقاً كالجنائز بلا قبور . ويتحسس اوجاعهم والامهم وينقل صورة من صور الشقاء والبؤس والعذاب التي يعيشونها في خيام القهر والتشرد ، بعد ان كان لهم بيت وحديقة وبيارة برتقال، فاضحوا اجساداً عارية ويكاد الجوع يقتلهم .. فيقول :
وخيمة اهلها يا طول بعدهمو !
                     وما يعانون من بؤس ومن شظف
ينال غير همو التمرات يانعة
                   يا ليت يبقى لهم بعض من السعف
لا عشت ام كان شعري غير مكترث
                  ولم يصور مآسيهم  ولم    يصف

ويتأجج الحزن والاسى في فؤاد جمال قعوار عندما سقطت فلسطين واغتصبت ارضها وشرد اهلها ، بعد ان كان بلبلاً غريداً يملأ الأجواء بصوته العذب ، وبعد ان كان شعره يفيض نغماً ويتردد على شفاه الحسان .. لنسمعه يقول :
مرت رياح الحزن تحمل قصة
                       شهق الوجود لبوحها وتنهدا
هذي ربوع الحب عطلها الأسى
                      وحدائق الأحباب أغفلها الندى
وبيوت اهلي أقفرت من أهلها
                     وغدت مقاماً للغريب    ممهداً
يا قلب فاحتضن الأسى وأضف الى
                  جرح الهوى جرح الضياع مجدداً
وأنا الذي كنت الهزار مغرداً
                  ولنصرة الحب السعيد مجنداً
ولأجل من أهوى بعثت قصائدي
                  نغماً على شفة الحسان مردداً
لأخلص الأيام من موج الأسى
                وأتوج الحب المنمنم       سيداً
جمال قعوار شاعر وطني رغم محاولات البعض من ذوي القربى نزع هذه الصفة عنه ، وقد كرس عدداً من قصائده للحديث عن احوال واوضاع اللاجئين من شعبه بحرقة ولوعة واخلاص ووعي ، وفي هذه القصائد تتبدى روحه الانسانية المرهفة الواعية بما فيها من نبل وصفاء ، وروح الرفض والنقمة على المحتل مغتصب الارض والهوية .
 ان القصيدة القعوارية مفعمة بالعبق الفلسطيني الجليلي ، الماً ووجعاً ووجداً وحلماً ومعاناة ، وتقدم بحس عميق ما يختلج في قلبه وصدره من عواطف وطنية وانسانية جياشة . وما يميزها اللغة الحية الجميلة والتعبير المركز والدفء والشفافية والبساطة والعفوية والجمالية والاحساس المفرط والدفق الوجداني والابتعاد عن الصور الشعرية المعقدة.
صفوة القول ، جمال قعوار شاعر واضح المعالم ، مضطرم العاطفة ، وقصيدته فيها مسحة من الخزن والمرارة والغربة الروحية ، وهو متمكن من التعبير عن المه الخاص والعام في مزاوجة بين بساطة العبارة وعمقها .

CONVERSATION

0 comments: