مسبحة أمي/ فؤاد نعمان الخوري

أيلول ٢٠٠٥

مين ل بيسافر بـ ۱۱ أيلول؟
وحدو الغريب الشاعر المفتول
تحسّن ببالو يعمل نكايه
بالصحّ والمسموح والمقبول...
ويرجع بعد ما انقلبت الآيه
وفلّ الغريب وركعت اسطنبول!
... ۱۱ سنه الايام تهجايه
وبدو كرج يقرا برج الفصول..
وبتبلّش من الجو الحكايه
وتنزل الطيّاره الكبيره نزول:
يطلّ الارز لوحه مضوّايه
والشمس قونه والتلج مريول...
الوادي سرير، التلّ تكّايه
وضياع... شامات بوجه الحقول
والصخر حامل للسما مرايه
وتفرق الغيمه شَعرها المبلولْ!
وترجف الطيّاره المهدّايه
بكمشة صلا ورهبة وعد مجهول
يتمتم: أنا جايي... ولَ شو جايي؟
طوّلت... والاعمار ما بتطولْ!
نطروك دهر، تعذبو كفايه
وفلّو عَ أرض الشوك والملّول...
وتطلّ بيروت المغطّايه
بشرشف وجع عَ قياسها مشغول
وتسرح الدمعه عا درج الوصولْ!
***
وصلت النعوة يا وطن، ممنون!
جايي عَ دفنة "حاجز المدفون"
يا جبيل غطّي قلعتك بالغار
ودقّي جراس اللوز يا البترون!
وينُنْ؟... وصارو عَ الطريق غبار
وعَ الصخر نسر مكسّر ومحزون
والبحر يتضحك متل ختيار
ببالو مرق عمر الصبا المجنونْ!
... وشارد ابن عمّي مع الاخبار:
عجّل قبل الغياب، يا انطون!
وتطلّ شكا نجمة البحّار
ويسلّم الزيتون في أميون!
وعا كوع مزياره الورد زنار
و"الحرف" سيف بهالمدى مسنون
وعا درب بحويتا ولاد زغار
ضحكاتُنْ تخربش بهالطيّون!
وصلنا! وعَ صرخة: "ياهلا بالجار"
تذكّر البيدر عجقة الطاحون
بوّست بيتي وسألت الحجار:
وين اللي كانو هون وسع الكون؟
... وعيون صارت تهرب من عيون!
***
حملو الحكايات وإجو لعنّا:
البوسه كدش من عمّنا حنا
وهيفا بدربا قطفت التينات
وبو نمر عا كاس العرق غنّى!
وجريس يقلّي: دوق هالعسلات!
وفنجان قهوه بس.. ما تنّى!
ضغطو علي من يوم ما النحلات
عليهن الدبّور الشقي تجنّى...
وبشير يفتح بير خبريّات:
شو قال طنسا وشو عمل مَنّا...
ويدلّ بو فيليب عَ الغيمات
ويقلّهن: شوفو ما ريّحنا!
وصوب السياسه تزحط الكلمات
وكل من باسم ولون يتكنّى:
الليمون "عوني"، والحبق "قوّات"
والفلّ بـ سليمان يتغنّى...
يتشارعو... وتتعانق الكاسات
ما في زعل: كلّن لنا ومنّا
وكليتنا باقة اقليّات
أكبر جريمه الحقد يفتنّا...
وكليتنا... لو حزّت الحزّات
الإيد الغريبه ما بتحضنّا
يللاّ بقا نلغي الحساسيّات
ونجمع كنايسنا ومآذنّا!
... وفرّق لُنْ مكاتيب وسلامات
وخالي يقلّي: بعد طمّنا!
و"لميا" الزغيره صاحبت البنات
وصارت على البونجور تتأنى...
ووصلو الشباب ولعبت الغمزات
وتسابقو بحمل الشنط عنا
واختي (ويا عيني عا وفا الخيّات)
سمعتا عم توشوش خدود الباب:
عاد الاسم عّ البيت... تتهنى!
***
ومن بعد ما فكّت السهريّه
وحلّ التعب عَ البنت وعليّي
غطيت "لميا" بـ شرشف الاحلام
وقلتلّها: نامي يا عينيّي!
لكن أنا من وين بدّي نام
واصوات عم تهدر بدينيّي
وقدّام عيني تمرق الايام
لوحات وحكايات فضيّه!
خلّصت جسمي من حبس الحرام
وفتّشت بالقوضه الرماديّه
عن عمر بعتو لتاجر الأوهام
وعن صوت امي وعن وجه بيّي!
***
درفة خزانه، نصّ مفتوحه
فتحت جروحي عَ وسع همّي
ما بين كنزه وشال، مشلوحه
فوطة حرير... ومسبحة امي!
حبّاتها عصافير مدبوحه...
ولما الصليب ارتاح عا تمّي
شمّيت ريحة إيد مجروحه
وشفاف تعرق ورد وتسمّي...
صار الحكي نايات مبحوحه
والنار اخدت مجدها بدمّي
وشفت العمر عَ السطح مرجوحه
والمسبحه مسّحتها بكمّي
وركعت صلّي بمسبحة امي!

***
بالمسبحه صلّيت اول بيت
ولمحتها ركعت عم تصلّي
تقلّو: يا الله، ليش تا ربيت؟
تا ضلّ وحدي طير عا تله؟
تعبت عيوني من سكون البيت
امتين بدّن يرجعو، قلّي!
ونسمة هوا تمرق على السكّيت
توطّي بها لقنديل... وتعلّي!
صلّيت تاني بيت... شفت حقول
القندول فارش فرشتو عليها
وحيطان مكروره وحبق مقتول
وكرزه فقيره قصار إيديها...
وجبال صارت من طمعنا سهول
قصّت الكسّارات إجريها
وبيوت مهجوره... مرق أيلول
رشرش رمَد أصفر بعينيها..
صلّيت تالت بيت... خفت كتير
عا كون ما بيخاف من الله،
عا عصر ظلم وكفر ومسامير
والعتم خيّم عَ الدني كلاّ..
وبجرد عالي لمحت ضوّ زغير:
شربل بمحبستو ركع صلّى
و"رفقا" عا كفّا جوقة عصافير
والنور نازل من "نعمة الله"!
صلّيت رابع بيت عَ ل راحو
خلف البحر.. راحو تا يرتاحو!
ولادُنْ حيارى بين تذكرتين
بيتُنْ ما عندن غير مفتاحو!
عصافير مجروحين عَ الميلين
وصيّاد مش عم يرحم سلاحو
وبلبل يغني، ودمعتو بالعين،
طلّ التعب والشيب بجناحو!
وصلّيت خامس بيت... شفت بلاد
بين الضبع والديب مقسومه،
وولاد ما داقو فرح العياد
وعيال... كسرة خبز محرومه!
... وبلاد فتحت قلبها لْ "فؤاد"
يا رب تحميها من البومه
لا حكم محكوم، ولا استبداد،
ولا ديوك تتناقر بالحكومه!
***
من بعد خامس بيت شوقي فاق
تذكّرت لبنان وشعل دمي!
وصرخت: وين العهد والميثاق
بين الوطن والشعب والامّه؟
معقول هالشعب الغني الخلاّق
يعمل عا حبة "اسبرو" لمّه
ويقبل بعد كل شي انوجع وانضاق:
"يللي اخد امي... طلع عمي"؟
... فزعان لولا تفرّقو العشّاق
يزغر الحلم وتبرد الهمّه
وما يضلّ الاّ كم صوره عتاق
وشروال بيّي ومسبحة امي!
***
يا مسبحة امي اشفعي فينا
نحنا اللي دشّرنا أهالينا
وصرنا شجر بالريح مزروعين
وشلوشنا بعدا بأراضينا!
وبين الشلش والغصن محتارين:
شلش الطفوله لْ عم تنادينا
وولادنا اغصان عريانين
تا نتركن ونروح... ما فينا!
ومنركض... وعا طول مسبوقين
العشرين ساعه ما بتكفينا
وبيروح نوار بيجي تشرين
والتلج بيغطّي علالينا..
وبيطيّرو عصافيرنا الحلوين
ومنصير نتحسّر عَ ماضينا
ولمين بدنا نشتكي وعا مين؟
وكل من بيقلّك: ما بيعنينا!
منشوفُنْ بلبنان مختلفين
وبتزيد بالغربه مآسينا
ومنقول: نحنا هون محظوظين
مليح ل حملنا ولادنا وجينا!
عم نلحس المبرد ومبسوطين
علقنا... والمصيبه اذا حكينا
وتا نفضح الاسرار، مخجولين
وعزة نفس مش عم تخلّينا!
ابني اخد بشهادتو تسعين
وعَ الجامعه نقلت أمانينا
يا مسبحة امي، هالفلاحين
لو يعرفو بهالارض شو شقينا!
مبارح قطعنا عتبة الخمسين
وضوّو لنا شمعه بليالينا
يا مسبحه، يا كنز المساكين
عَ حياتنا ردّي مجد لبنان
وحسنه.. قبل ما نموت، ردّينا!
***
وسمعت امي بخشة الحبّات
قالت: عيوني عليك يا بنيّي
ناطورتك من تلّة التلاّت
بستفقدك بالليل ليليّه!
رجال انت وحامل الحملات
لا تخاف من غربه وعبوديه
يا ابني الوطن منّو كيلو مترات
لكن كرامه، وفعل حريّه!
وخلّيك يا ابني فارس الكلمات
الثوره بلا كلمه دكتاتوريّه!
وتذكّر الانجيل والوزنات
وداوي جرح قلبك بغنيّه!
وغنّي وجع عمرك بهالحفلات
رش الشعر عا كل سهريّه
كلما حدا بيطلب لك الطلبات
طلباتهُنْ بتطرطش عليّي!
ومهما ولادك ياخدو شهادات
لا يخسرو شهاده اساسيه:
الاخلاق والاشواق والعادات
اللي ورتّهنْ من بيّك وبيّي!
وهالمسبحه اللي خطفتها بالذات
ردّا على العلبه الرماديّه
بهاك الخزانه، خلف المرايات
تا تفيّقك عَ البيت يوميّه...
بوعدك يا حلوة الحلوات
نفّذ هالوصيّه بعينيّي
وهالمسبحه ما تطوّل الغيبات:
رح ردّها بأول الصيفيّه!
***
وانتو بقلبي مسبحة امي
وكل حبّة ندر... ومهمّه!
عندي طلب منكن كتير زغير
نكسر الكسره ونرفع الضمّه...
هَيْ مسبحتكُنْ شلتها من البير
ها همّكُنْ لْ تجسّد بهمّي
وهيك الشعر همزة وصل بيصير:
احساسكُنْ بقلوبكُنْ مغمور
الليلة انسكب موّال عا تمّي!
***

CONVERSATION

0 comments: