عـروبيــَة/ د. أحمد محمد المزعنن


يا حاديَ العيسِ ماذا جئتَ تنبينا
عن الشـآمِ ؟ أما زالت بساتينا؟

نسيمها من جنان الخلد ترسله
رَوْحًا يداوي جراحـات المحبينا

وغيدها الحور بالألحاظ جارحةٌ
لولا فؤادٌ غشاهُ الهمُّ عاصــينا

وتُرْبُها التِّبْرُ بالأطيابِ ضمَّخَه
نزفُ النجيع الذي يسقي روابينا

فمن نسائمها صُغنا قصائدنا
ومن رُؤاها هوىً بالقلبِ شاجينا

على الشآم سلامُ الله من وطنٍ
أبرِّ من أُمنا إن جار راعينا

وبالشآم هيامٌ من ضراوته
نذوبُ وجدًا وقد شابت نواصينا

وبالشآم ربوعٌ لو نفارقها
نهفو إليها وإن شـتت نوادينا

يا حادي العيسِ لا تبرح منازلنا
حتى تخبرنا عن حـال أهلينا

أطلْ حديثك إنَّا ما يزال بنا
شوق لكـل أثيرٍ من مغَانينا

لم يبقِ من أمسنا إلا معللةُ
بالصدر نامت على ذكرى تبادينا

أجئتنا بعد أن يممت غزَّتَنا
وطفتَ بالقدسِ والأطلالُ تبكينا؟

أمِنْ حديثٍ عن الأمجاد تحمله
تروي به ظماً بالنفس صادينا

عن غادةٍ من ضمير الغيب مبعثُها
هلت لتحيي على اللقيا أمانينا؟

سمراءُ حوراءُ من مسِّ النسيم لها
في الحسن من يعرب الأعلى أفانينا

شمَّاءُ فرعاءُ في العلياء من مُضرٍ
لهـا من الرئمِ أشـباهٌ يغارونا

أَمِنْ رفـيفِ الذرا بالشأم مقدمُها
صوبَ العراق تداوي جُرحَ باكينا ؟

أمْ هاجَ أهلَ ضفافِ النيل ما سمعوا
بالرافـدين ومـا يرويه راوينا

أمْ طاف من شَممِ الأُوراسِ مأثرةٌ
تـُجددُ العهد والذكرى لثاوينا

أم يممتْ قلعةً للجــودِ ما فتئت
تبني على رُبا نجدِ للعليا براهينا

قامت مع الليل تدعو كلَّ مَنْ سلفوا
من الجدود إذ الأحياءُ ناسينا

لما دعاها نداءُ الشوق من عدنٍ
جرحٌ شجاها فنادت في اليمانينا

:قوموا لأختِكُم مأْسورةٌ رُزِئتْ
ألستمُ إرثَ من كانوا السلاطينا؟

قحطانُ لبَّى النِّدا وانداح في سبأ
وطاف فوق الذُّرا يدعو الميامينا

وعـاد لما رأى الأجناد غافلةً
فقــام يندبُ أحياءً لفـانينا

:ياغادةَ العُرب هل أبكتكِ عاديةٌ
من العوادي ؟ فما أبكاك يبكينا؟

أغضتْ حياءً وزادت في تَصبُرِها
وأعلنتْ ما وعتهُ منْ مراثينا

:ناديتُ فيكم دماءَ العُرْبِ صارخةًً
غابَ المُنَادَى ولم ألقَ الملبينا

ذابتْ حُشاشةُ قلبي مِنْ تفرُّقِكم
في وَهْدَةِ اليأس لم ألفَ المواسينا

:ياغادةَ العُربِ ما فينا إذا نزلت
بنا النـوازل إلا الآهُ تكـوينا

إذا دعا الشوقُ للأمجادِ أقعدَنا
مِنْ حاضرٍ نكدٍ ما بات يضنينا

فكان أجدرَ لو ناديتِ مستمعًا
لكنَّ من ترتجي أطيافُ لاهينا

يُقرِّبونَ غريبًا جاءَهم طمعًا
وينبذونَ أخـاهم لو دنا حـينا

أضحوا شراذمَ لا تُغني بمسغبةٍ
وليس يغنون في الرمضاء صادينا

صاروا غُثاءً وقد خارت عزائمُهم
ماذا دهاهم يطيعون الشياطينا؟

تاهوا ببيداء لا يُرجى لهم فرجُ
وليس مَنْ ضيعوا القربى بناجينا

يرددون حديثأ زائفًا كذِبًا من مـكـــر صهيون أو عشَّاقِ صهيونا

يا نائحَ الطلحِ في أدواحِ أندلسٍ
أشجاكَ ما حلَّ فينا من تجافينا؟

أم تَنْشُدُ العودَ للأمجادِ إذ فرغت
مـِنَ المـآذنِ أصواتُ المنادينا؟

الله أكبر ما عـادت تحركُـنا
ولا الشـهادة في الميدان تعنينا

ولا دماءُ الضحايا قطُّ توقظنا
ولا التنادي إلى الثاراتِ يغرينا

أبلت صروفُ الليالي كلَّ مَكرمةٍ
صمتُ المقـابرٍ قَدْ لفَّ اللواوينا

وفي المشارقِ من أشباهِ أندلسٍ
جُـرحٌ يُؤَرقُ دُنيانا ويدمينا

يا أختَ يَعْربَ هبِّي من مواضينا
وإن دعيتَ إلى العلياء فادعينا

عودي إلى المجدِ في أفعالِ أوَلِنا
لعـلَّ أيدي لهم بيضاءَ تغنينا

وقلِّبي صفحاتِ الأمس إنَّ لنا
فيها سـوابق أمجـاد تسلينا

وإن سقتك الليالي مُرَّ علقمها
فلتذكري الصيد من أبناء نادينا

خيولُ يعربَ مشهود لصولتها
بالغار حـُفَّتْ وباللقيا تغادينا

بالأعوجـيةِ سـدناها مذللةً
وبالبـواتر من صنع اليمانينا

يا أخت يعرب من آرام ما برحت
لواعج الشوق للأمجاد تكوينا

لأمـةٍ ملأت آفاقـنا ألقـًا
كانت على الدهر إكسير المصابينا

قصِّي علينا حكاياتٍ معطرةً
قد شاب منها أريجُ الأمس نسرينا

تَجَدَدَ الشوق إذ هبت شآميةٌ
ما ضرَّها لوعطرت سَحَرًا فلسطينا ؟

جاءت من الشام في أجفانها وسنٌ
عـن سِحْـرِ آرام والكنعان يُنبينا

وطوفت في فضاء الكون مغربةً
نحـو الكنانة تهـديها الرياحينا

جازت مع الليل نحو النيل تنشده
لحـن الخلود على أنغام حادينا

وشدها للضفاف الخضر أغنية
للمجد رنَّ صداها في صحارينا

نجدية أنت من أم القرى انطلقت
ما كـان عطـر الدنا إلا يمانينا

ضمي جناحيك من بغداد واستبقي
لمـع البروق وقرِّي في مآقينا

وحدثي الكون عن دار السلام إذا
مالت عن الحق أهواءُ المغالينا

عن الرشـيدِ وما كانت مقالتُه
يدعو السحابة إلا صوتَ ماضينا

:جودي بقطرِك أنَّى شئتِ إنَّ لنا
منك الخراجُ وكل الخير آتينا

يا جُرحَ بغدانَ والأيامُ شاهدةٌ
على التخاذلِ في نَصرِ المنادينا

يا جُرحَ بغدادَ لا كانت لنا هِممٌ
لا تردعُ الظلمَ إذ يأتوك غازينا

دارَالسلام أعيدي اليوم مُعتصمًا
لا ترتجي من غثاء السيل مأمونا

يا ويحَ وجهَك والغربيُّ ورَّدَه
ريحُ البنفسج فاحت من روابينا

جودي علينا بأنفاس معطـرة
تعيد للنفس بعضًا من تصابينا

واسترجعي العشق عذريًا فما برحت
أنغام مغناك في الأعماق تشجينا

أنغام أغنية من نظـم مبدعـة
مازال منها الصدى يثري أمانينا

سرت مع الليل في الآفاق هاتفة
لبَّى نداها الخزامى في صحارينا

وبثها من عبير ساحـر عبق
عـرارُ نجـد فزاد الجو تلوينا

وحين مسَّ الصبا أوتار مِعْزَفِها
تضوع الطيب نبضا في أمانينا

فأورقت في البوادي كلُّ بادرةٍ
واخْضَّر ما كان يَبْسًا من معانينا

وأوقدت في الحنايا جذوةٌ صعدت
تؤججُ الشوق نارا أضرمت فينا

ولََََلَمغاربُ في أفق الدنا دررٌ
لو تسألون لقال الشرق آمينا

إن ضاق بالمجد رحب الأرض وانحسـرت فجاجه فثواه جنب وادينا

مذ كان في الناس شرع كان أولنا
قـضاة حق وما ضاقوا بشانينا

بالدين سدنا الدنا حتى غدت تبعا
لرأينا والحجى كانت موازينا

نحن الأُولى دوخوا كسرى وما وهنــت عزائم جرعته الذل غسلينا

وقيصر وعلوج الروم إذ ذهلت
عيونهم إذ رأت عـزا وتمكينا

لصيحة الحق والرايات مشرعةٌ
راياتُ أحمدَ بالتوحيد تحـدونا

إذا رضوا سالموا أو أغضبوا حربوا
أوهادنوا صدقوا أمنـا وتأمينا

النور صحراؤنا كانت منازله
وكل حفاظ وحي الله هم فينا

والعـلم أوله كانت مرابعنا
دارا له شَرُفتْ صرحًا وبانينا

والذكر أحيا لسان الضاد إذ نزلت
آياته بالهدى والحـق تبيينا

الحق فينا شـهادات موثقـة
في شرع طه وأسفار المؤدينا

والبيت يشهد أن الله فضلنا
على الخلائق دنيا كان أو دينا

والأرض لولا نبي العُربِ ما بُسطت
لراكعٍ ساجدٍ قد أيقن الدينا

ولا السماء تناهت في محاسنها
تزدان بالوحي ترتيلاً وتلقينًا

من ذا ينازعنا في مجد أوَّلِنا
تلقَ السوابقَ مـنَّا والمصلينا

ومن يقوم بموسى يدِّعي نسبا
فنحن موسى وعيسى والحوارينا

ونحن كنعان والكلدان ما نسلوا
إلا جبابرة كانوا السلاطينا

ونحن كنا ملوك الأرض مذ خلقت
ونحن آشور بابل والفراعينا

ونحن فينيق هلوا من جزيرتنا
واستوطنوا البحر روادا ربابينا

وفي عُمان بقايا الأصل شاهدة
ملأوا الخليج علامات براهينا

دانت لمقدمهم أعتى البحار على
ظهر السفائن رُوَّاحا وغادينا

ما أنبتت أرضنا إلا جهابذة
من كان في رَيْبٍ فليسأل الطينا

فمنه خصَّ إله العرش معِدنَنا
بخالص الطيب من آثار ماضينا

من مات منهم على سنن الهدى رشدوا
نحن الخلائفَ للآباء سمُّونا

ومن تنكب عن شرع الإله غوى
والشر بالشر أحكاما موازينا

( خضرٌ مرابعنا بيضٌ صنائعنا
سودٌ وقائعنا حمرٌ مواضينا *)

يا أمـة ما بلـونها على ألمٍ
أغـضت لباغ ولا لانت لغازينا

ولا استكانت على لأواءَ نازلـةٍ
حـتى تُفَجـِرَ دنياهـا براكينا

وما عرفنا لها في العز من مثلٍ
حتى رأينا الردى قد سلَّ سكينا

فقطَّع الأرض والآفاق قيَّدهـا
وعـمَّق الجرح أنَّى دَسَّ إسفينا

من كان يرجو له في المجد منزلةً
فليركبِ الصعب إن رام العرانينا

قومي لحاضرك الموسوم وادعي به
شـبابَك الغرَّ منهم والمحبينا

يجددون عـهودًا من تتابعها
شاب الزمان وما انفكت لنا دينا

وأورديهم رياض العلم وارفةً
تلقي الأُساة النطاسى والأساطينا

نسقيك منا نجيع القلب إن وطّأّتْ
ثرى حمـاك لمكـروه أعـادينا

نفديك بالروح والأعمار نرخصها
وإن طلبت العـلا هذي أيادينا

نبني بها سلمًا نحو العلا صَعَدًا
لترتقي في الأعالي من معالينا

أبناءَ يعربَ والبيضاءُ شِرعتنُا
عـارٌ عليـكم إذا أبديتم اللينا

هيا انظروا أممًا طالت عداوتهم
قد أصبحوا وِحدة للمجد سـاعينا

وأنتمُ أخـوة الدين الذي علموا
نمتم عـن الحـق للأمجاد سالينا

في دينكم قيمٌ،في فرعكم شَممٌ
في أصلكم همم،للخير تّسْعونا

أبناءَ يعربَ هبوا من رقادكـم
هيا أعيدوا لنا أمجاد حطينا

إني لأسمع في قلبي خيولََكـمُ
ضُـباحـها بنـفيرِ النصرِ آتينا

تعدو مع الفجر نحو الشمس مقبلةً
تصوغ منها رماحًا للمغيرينا

توري سنابكُها قدحًا قد انطلقت
تحمي الذِّمار وتفني من يعادينا

بالرافدين على اللقيا تَواعُدُنا
وفي فلسطين للأقصى تهادينا

*تقاطعًا مع صفي الدين الحلي

CONVERSATION

0 comments: