قراءة في المشهد العراقي/ شاكر فريد حسن

لا ريب أن ما جرى ويجري في العراق من أعمال إرهابية ، واستيلاء داعش السلفية التكفيرية المتطرفة على مساحات شاسعة من الأرض العراقية ، وسيطرتها على مدن عراقية ذات طابع استراتيجي وتاريخي هام كالموصل وتكريت وكركوك بعد انسحاب الجيش العراقي منها ، هو مؤشر خطير وعلامة واضحة على بدء مسلسل نزاع دموي طويل الأمد يهدد وحدة العراق وكيانه كدولة ، ومن شأنه أن يجلب الويلات للشعب العراقي ويدخل البلاد في آتون حرب مذهبية وطائفية سوف تحرق الأخضر واليابس . 
 ويندرج ذلك في إطار مشروع الفوضى الخلاقة الرامي والهادف إلى تفتيت البلاد العربية والعراق على وجه الخصوص ، وتقسيم الوطن العربي على أساس مذهبي وطائفي وعشائري ووفق الثروات . وتشارك في هذا المشروع والمخطط التفتيتي جهات وأطراف عراقية وعربية وإقليمية ودولية ، ولكل جهة أو طرف من هذه الأطراف له أهدافه وغاياته ومصالحه .
لقد شهد العراق في السنوات الأخيرة تصعيداً للأعمال التفجيرية والإرهابية من قبل المجاميع الإرهابية التكفيرية وتشكيلاتها القديمة والجديدة ، وبكل مسمياتها ، في ظل استنفار طائفي ، باتجاه سفك وإراقة دماء العراقيين من مختلف الشرائح والانتماءات الدينية ، الأمر الذي الحق أضراراً كبيرة في النسيج الاجتماعي العراقي وأصاب التنوع والتعددية الثقافية والسياسية والمجتمعية في الصميم . 
ومن الواضح أن المشهد العراقي يمر في حالة غليان واسعة ، ولم تنجح حكومة المالكي بتقديم أي حل من شأنه أن يعيد للإنسان العراقي حسه الوطني ومشاعره الوطنية بالانتماء إلى الوطن ، بلاد الرافدين .
ومما زاد الأمر تعقيداً أن المجاميع الإرهابية لها ارتباطاتها الإقليمية ، والنظام السياسي الطائفي الاقصائي الحاكم في العراق الذي زرعه وكرسه الاحتلال الأمريكي ، لعب دوراً في تعميق وترسيخ الطائفية والمذهبية ووصول العراق إلى ما هو عليه الآن .
إن الانفلات الدموي العسكري الإرهابي الداعشي الذي يجتاح العراق بسرعة مذهلة هو امتداد لما يدور في سورية الشام ، وهدفه الأساسي إضعاف العراق وتفتيته وتقسيمه إلى دويلات صغيرة ، عن طريق تدمير مقدراته وزعزعة استقراره ، وتعميق الشرخ الطائفي والمذهبي فيه ، وإشعال حرب طاحنة ومدمرة بين أبناء الشعب الواحد . ولذلك فإن الحكومة العراقية والجيش العراقي مطالبان في هذا الوقت بالتحرك السريع للتصدي ومقاومة نهج الإرهاب الداعشي الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة إحكام قبضتها والاستيلاء على العراق بكامله، وإلا فسوف يستنزف الوطن العراقي ويستوطن ألإرهاب فيه  ، وسيشهد حالة شبيهة بما يجري في سورية ، وسوف تقوم فئات وجهات شتى باستغلال الوضع الحالي لدق المسامير في نعش الدولة العراقية الموحدة .
إن مكافحة الإرهاب تقتضي وتتطلب اعتماد إستراتيجية علمية متكاملة سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وتربوياً في إطار عمل مؤسساتي موحد ، واعتماد خطة إعلامية وثقافية وتربوية مجتمعية لنشر وتأصيل ثقافة اللاعنف والتسامح والأخوة والمحبة واحترام الرأي الآخر والإقرار بالتعددية . والحل الآن في العراق هو وضع حد للمحاصصة الطائفية السياسية وإنشاء حكومة وحدة وطنية جديدة من كل ألوان الطيف السياسي العراقي ، تتميز بالكفاءة والقدرات والاستقلالية ، والتوجه بقوة نحو تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية التعددية بكل استحقاقاتها .

CONVERSATION

0 comments: