هل الدعوة للتصالح هى مع "الإرهاب" أم مع "الإسلام"؟/ مجدى نجيب وهبة

** هذا السؤال هو المحور الرئيسى ، الذى ظل مطروحا على كل موائد التفاوض مع الإرهابيين .. منذ أربعين عاما وحتى هذه اللحظة .. ورغم بشاعة الجرائم التى ترتكب يوميا بإسم الإسلام من قبل الجماعات الإسلامية وأنصار الشريعة ، والجرائم الأسبوعية التى ترتكب عقب صلاة كل يوم جمعة ، والتى يقودها جماعات الإخوان المسلمين ، والأخوات المسلمات من ترويع المواطنين وحرق المنشآت ، والإعتداء على رجال الشرطة المدنية ، وأفراد القوات المسلحة المصرية ، وحرق السيارات دون أى ردع من مؤسسات الدولة الحاكمة .. سواء كان من رئيس الدولة المؤقت ، المستشار "عدلى منصور" مرورا بالحكومة السابقة حتى الحكومة الحالية التى يترأسها المهندس "إبراهيم محلب" .. لم يتغير شئ ولا يدركون معنى الحرب التى تخوضها مصر .. ليس ضد هؤلاء الشراذم فحسب ، بل ضد أمريكا والإتحاد الأوربى ، ودول الغرب ، وبريطانيا ، ودويلة قطر ، وتركيا ...
** ورغم أن هذه الجرائم التى يقوم بها الجماعات الإسلامية والجهاديين والتكفيريين ، بل ويستعينوا بمنظمات إرهابية تساندهم بالداخل ، وتدعمهم أمريكا .. إلا أنه حتى تاريخ هذه اللحظة ونحن نسطر هذا المقال .. لم يخرج علينا قرار واحد من الحكومة أو رئيس الدولة بتصنيف هذه الجماعات جماعة إرهابية ، رغم صدور حكم محكمة الأمور المستعجلة بأنها جماعة محظورة غير شرعية .. فى الوقت الذى يخرج علينا العديد من المبادرات والتصريحات التى تطالب بالتصالح .. بشرط ألا تكون أيديهم ملوثة بالدم ..
** والسؤال هنا هل يشترط أن يكون الإرهابى هو فقط من يحمل السلاح ويضغط على الزناد ليقتل خصومه .. أم أن الإرهابى هو من يصدر الفتوى وهو من يحرض على العنف ، وهو من يدعم الصبية والبلطجية لتنفيذ جرائمهم الإرهابية .. الإرهابى هو من يعلم بالجريمة ، ويتغاضى عن القصاص للضحايا والشهداء .. الإرهابى هو من يحرف بعض الآيات القرآنية ليبرر الجرائم التى ترتكب بإسم الإسلام ضد الأخرين ، سواء من إختلفوا معهم دينيا أو فكريا .. فهذا هو نهج الجماعة وأسلوبها منذ نشأتها على يد الشيخ حسن البنا وسيد قطب ..
** إذن .. فيجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا .. هل الحوار والمصالحة مع من يرفع راية الإسلام ، ويرفع شعار "الإسلام هو الحل" ، أم تكون المصالحة مع من يرددون بعض الآيات القرآنية ويفسرونها كما يريدون ، والتى وردت فى سورة "التوبة" .. تقول هذه الأيات  "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " .. وقالوا "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا" .. وقالوا "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ" .. وقالوا "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" ..
** وهكذا .. يجب أن نعترف أن هؤلاء يقتلون بإسم الإسلام منذ أكثر من 40 عاما ، ولا تفعل الدولة لهم شيئا .. فهذه الأفكار لم تتغير منذ عصر السادات وإن تبدلت بعض الوجوه ، وتغيرت بعض الأسماء .. مرورا بعصر مبارك حتى الحكم الفاشى للإرهابى "مرسى العياط" ..
** كان السادات يعلم بجرائمهم ، ويعلم أنه حُكِم على الشيخ "سيد قطب" بالإعدام ، ويعلم أنها مدرسة إرهابية تتخذ من الدين ستارا للجرائم الإرهابية ، ومع ذلك فتح لهم أبواب المعتقلات والسجون فى بداية عصره ، وعفى عنهم وأطلق سراحهم .. بل أطلق لهم حرية الدعوة فى المساجد والزوايا والجامعات .. وحدثت جرائم إرهابية يندى لها الجبين ضد الكنيسة والأقباط .. صمت أمامها السادات بل أعلن أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة .. فظهرت الجماعات الإسلامية بكل عنفها وإرهابها .. وظهر ما سمى بأمير الجماعة ، والجناح العسكرى للجماعة ، وأهداف الجماعة .. وعقب كل جريمة كانوا يخرجون علينا ببيان هزيل يستنكرون فيه الحدث ، ويغسلون أيديهم من الجريمة ..
** وإذا تم القبض على بعض عناصر الإخوان يضعون لك ألف مبرر للجريمة ، وألف فتوى .. ويتم القبض عليهم ولا يحاكموا ، ويضعوا فى السجون طبقا لقانون الطوارئ .. ولا تمضى بضعة شهور إلا ويتم الإفراج عنهم بزعم عمل "المراجعة" والمقصود بها "عمل مراجعة لأفكارهم" .. وفى الحال يتم الإفراج والعفو عنهم .. ولا تمضى بضعة أيام أخرى ليعودوا لنفس الجرائم ، بل أبشع منها .. والأمثلة عديدة على رأسهم الإرهابى "عاصم عبد الماجد" الهارب فى قطر ، والذى أفرج عنه الرئيس السابق المعزول مرسى العياط ..
** نعود لعصر السادات الذى إنتهى بإغتياله على أيدى بعض أعضاء هذه الجماعة الذين إندسوا بين أفراد الجيش المصرى يوم إحتفال السادات والقوات المسلحة المصرية بذكرى نصر أكتوبر العظيم ..
** فى عصر مبارك .. لم يتغير الوضع كثيرا .. بل إزداد سوء مع ظهور الكتاب الإسلاميين وشيوخ الفتنة والمنابر والزوايا وفتاوى تكفير الأخر ، التى ظهرت بصورة علنية .. والتى وصلت إلى تحريم بناء الكنائس وعدم مصافحة الأقباط ، وتهنئتهم بالأعياد والسير فى جنائزهم ، أو المشاركة فى الصلاة على أمواتهم ، ومنع سير هذه الجنازات أمام القبور الإسلامية ، ومنع بناء القباب أو دق الأجراس حتى لا تؤذى مشاعر المسلمين ، وبالفعل كان يتم ممارسة كل هذه الفتاوى ، ولم يحرك مبارك ساكنا .. بل ظل صامتا طوال فترة حكمه ، بل لم يقدم أى إرهابى للمحاكمة ، وكانت تصدر الفتاوى والأحكام بأنه مختل عقليا حتى يفلت من المحاكمة أو القصاص .. بل أنه كانت هناك فتاوى وأحاديث بألا يؤخذ دم المسلمين بدم المسيحى أو بدم غير المسلم .. بل وصلت السفاهة والإرهاب لأحد أعضاء الإخوان د."سليم العوا" بإتهام الكنيسة بتخزين الأسلحة ، والمطالبة بتفتيشها ..
** ظلت هذه الفوضى والتخلف مستمرة ضد المجتمع ، وضد الأقباط .. حتى سقوط مبارك وحكومته .. ولكن السقوط والإستسلام كان لصالح الجماعات الإرهابية بتدعيم أمريكى أوربى تركى قطرى كامل ، وهو ما دعانا إلى التحذير من هوجة 25 يناير .. لأنها إنتقلت بنا للأسوأ ..
** ودخلت مصر والأقباط فى مرحلة من الإرهاب والفوضى الكاملة .. فبدأنا نسمع عن هدم الكنائس وسط التهليل "الله أكبر" ، بدأت بكنيسة صول فى أطفيح  مرورا بكنيسة الماريناب فى أسوان ، ووجدت هذه الظاهرة إستحسان من كل المسئولين ، وبدأ محمد مرسى العياط الإفراج عن كل الإرهابيين والمعتقلين والمتطرفين بأوامر أمريكية ، بل فتح الدولة على البحرى لحركة حماس الإرهابية ، وبدأ السلفيين يخرجون من جحورهم فى كل وسائل الإعلام .. يكفرون الأقباط علانية ، ويرفضون تعيين قبطى لمنصب المحافظ ، ورضخت الدولة لمطالب المتطرفين والسلفيين ، ورفعت اللافتات فى محافظة أسوان لطرد الأقباط .. فلا ولاية لقبطى على مسلم بعد نكسة 25 يناير .. ثم إنطلقت فتاوى بهدم الأثار وتحريم الفن وتفعيل دور جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتطبيق الحدود .. وتم الهجوم على الكاتدرائية بالمولوتوف والحجارة والقنابل المسيلة للدموع لأول مرة فى تاريخ الدولة المصرية ..
** لم يجد الشعب المصرى بأقباطه ومسلميه إلا التوحد لمواجهة هذه الظواهر ، وإسقاط حكم الإخوان .. ووقف الجيش خلف الشعب يؤازره ويلبى مطالبه ، وتم عزل الإرهابى محمد مرسى وقبض عليه هو وعصابته ، وقدموه للمحاكمة ..
** ونجحت الثورة المصرية فى 30 يونيو 2013 ، بقهر الإخوان الإرهابيين ، ووقف سيناريو المؤامرة القذرة التى تقودها أمريكا والغرب لإسقاط الدولة المصرية ..
** كان من الطبيعى بعد أن تخلصنا من حكومة الإخوان أن نفيق من هذا الكابوس الذى ظل جاثما على صدورنا أكثر من 40 عاما .. ولكن يبدو أننا سوف نظل واهمين .. فبعد ثورة 30 يونيو العظيمة مرت بمصر حكومتان ورئيس للدولة مؤقت وهو المستشار "عدلى منصور" ، فشلت الحكومة الأولى وهى حكومة الببلاوى فى تحقيق الأمن والأمان والمواطنة .. بل زادت جرائم الإرهاب ، ولم يشغل الحكومة السابقة التى ترأسها د."حازم الببلاوى" إلا الدعوة للمصالحة أو إجراء حوار مع القتلة والإرهابيين مع إضافة تلك العبارة الروتينية التى تقول "على ألا تكون أيديهم ملوثة بالدماء" .. فهل تتم المصالحة التى يصرون عليها مع الجماعات الإرهابية ويتناسون كل جرائمهم .. هل تتم المصالحة مع من دعم الإرهاب وسانده وصفق له رغم أن يديه لم تضغط على الزناد ؟ ..
** هل تتم المصالحة مع الذين إعتلوا المنابر والمساجد وهم يفتون بتكفير المختلفين معهم دينيا أو مذهبيا ؟ .. هل تتم المصالحة مع أصحاب الأقلام التحريضية وهم ينشرون الفتاوى والأكاذيب للتحريض ضد الأخر؟ .. هل تتم المصالحة مع شيوخ الفتنة وأصحاب فتاوى التكفير ؟ ..
** فإذا إفترضنا أن كل هؤلاء هم مسلمون وليسوا مجرمين أو إرهابيين .. إذن فالمصالحة معهم واجب على كل مسلم طبقا للقول "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" ..
** إذن .. فنحن نضحك على أنفسنا عندما نزعم أننا نرفض الإرهاب ، ولكن الحقيقة أن الإرهاب يعيش فى نفوسنا .. فلا فائدة من الببلاوى ولا فائدة من محلب .. فهم يدعون محاربة الإرهاب ، وفى الحقيقة أنه حتى اليوم لم يصدر قرارا سياديا واحدا أو قرار حكومى بأن هذه الجماعة هى جماعة إرهابية .. رغم صدور حكم قضائى من محكمة الأمور المستعجلة بحظر نشاط هذه الجماعة .. ومع ذلك لم تتوقف دعاوى الحوار أو المصالحة .. ولم يحدد لنا أصحاب هذه الدعاوى .. هل المصالحة مع الإرهاب أم مع الإسلام .. وهل مازال الكثير حتى الأن لا يدركون أنه يجب أن نفصل بين الإرهاب والإسلام ..
** ولكن من الواضح أن المستشار "عدلى منصور" هو المسئول الأول عما يحدث فى مصر ، ولا يريد أن يعترف بأن هذه الجماعات هى جماعات إرهابية تكفيرية .. فهل مصر مازالت تعيش فى كنف الإرهاب رغم سقوط مئات القتلى من الجيش والشرطة والشعب فى أقذر حرب يقودها الجيش المصرى والشرطة والقضاء ضد الإرهاب ، وضد أمريكا ، وضد الشعب الأمريكى الذي يقف صامتا .. بل أقول أنه ربما يكون مصفقا لما يفعله القواد الأمريكى "أوباما" ..
** ودعونا نتساءل .. أين منظمات الأقباط فى الخارج ؟ .. أين مؤتمراتهم الفاشينكية التى ملأت الدنيا ضجيجا فى عصر السادات ومبارك .. عندما كان يتعرض بعض الأقباط للهجوم من المتطرفين عليهم وعلى الكنائس الأرثوذكسية فى مصر ، والتى وصلت لحد إختطاف الفتيات القاصرات وتعرضهن للإغتصاب وإجبارهن على الأسلمة .. أين كل هؤلاء فى تلك الأيام السوداء التى تعيشها مصر فى حرب شرسة تقودها أمريكا ؟ .. أين ذهبت أصواتهم للدفاع عن الوطن .. هل هم يتلذذون بما يحدث فى مصر ؟ .. هل هم يستمتعون بالحرب التى تشنها أمريكا بدعم كامل للإرهاب لإسقاط الدولة المصرية ؟ ..
** وإذا قمنا بالفعل بثورة عظيمة فى 30 يونيو .. حيث خرج أكثر من 45 مليون مواطن مصرى لقهر الإرهاب والمؤامرة .. فلماذا ترفض أمريكا حتى الأن الإعتراف بتلك الثورة ؟ .. الإجابة بمنتهى البساطة إنها لا تريد الإعتراف بها لأنها ضد إرادتها وضد مخططاتها الإرهابية .. وإذا كان هذا هو رأى أمريكا فما هو رأى أقباط المهجر ، ولماذا صمتهم حتى اليوم ؟ ..
** أخيرا .. لم يبقى لنا سوى سؤال واحد محدد .. وهو هل الذين يدعون للتصالح أو التفاوض هو للمصالحة والتفاوض مع الإرهابيين والقتلة والمحرضين وأصحاب الفتاوى المكفرة .. أم هى دعاوى للمصالحة مع الإسلام الذى هو برئ براءة الذئب من دم بن يعقوب ...
مجدى نجيب وهبة
صوت الأقباط المصريين

CONVERSATION

0 comments: