السيسي .. ليس عبد الناصر/ أنطوني ولسن

الشعوب المغلوبة على أمرها دائما وأبدا تبحث عن شخصية للإنسان الذي بيده العصى السحرية ليحقق أحلامهم ويجعل أيامهم وردية وحياتهم سعادة وهناء ، لديهم المسكن والسيارة والوظيفة والعيش الرغيد . هذا هو حالنا في مصر والعالم العربي مع شديد الأسف .

مرت مصر والمنطقة العربية بظروف متقلبة وحكام لم يكن الإخلاص والولاء لشعوبهم حتى  بعدما أقسم كل واحد منهم قسم الولاء لله وللوطن والشعب . وأصبح الولاء للذات الحاكمة . أما الشعب فيكفيه الإنبهار بالكارزما " تسمية جديدة لجباروت الحاكم " التي يتمتع بها سيادة الرئيس أو الملك أو الحاكم . وهكذا عاشوا ، وهكذا سيعبشون منذ أيام الجاهلية حيث كانوا يصنعون آلهتهم من " العجوة " وعندما لا يجدون طعامهم يأكلونهم " آلهتهم التي من التمر " .

المنطقة العربية تمر بأسوأ المراحل التي لا خيار لها فيها، إما أن تكون أو لا تكون.

فإن إختارت أن تكون . تبدأ البحث عن القائد الذي سيحقق لهم هذه الكينونة . يبحثون عنه مع الأسف بنفس الطريقة التي صنعوا بها آلهتهم بشكل مختلف قليلا حيث أن الآلهة الحديثة لا تصنع من " العجوة " لكن لابد وأن تكون لديها " الكاريزما " المهابة والشخصية التي يخشاها العدو ويعمل لها ألف حساب

 وحساب . وهذا ما يحدث هذه الأيام عندما بدأنا نفكر في إختيار القائد الهمام الذي يستطيع أن ينقذهم مما هم فيه بعد حكم اللاإخوان .

تطلعت الأنظار إلى شخصية عسكرية كان لها الفضل في إنقاذ مصر ومنطقة  " الربيع العربي " التي أرادت أميركا تحويلها إلى " الخراب العربي " فاختارت هذا الفصيل من البشر الملطخة يداه بدماء الأبرياء طوال فترة وجودهم منذ نشأتهم في العام 1928 وحتى اليوم .

من الطبيعي أن نعرف أن هذه الشخصية العسكرية هي المشير عبد الفتاح السيسي ولكي نؤكد على أنه هو المنقذ المختار لمصر والمنطقة بدأنا نشبهه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر . لكن الحقيقة أوجه الشبه بينهما قليلة جدا .

لأن السيسي .. ليس عبد الناصر .

تعالوا نعيد النظر في زمان عبد الناصر والوقت الحالي لـ السيسي .

أولا : أوجه التشابه ..

** كلاهما تخرج من هيئة عسكرية " القوات المسلحة المصرية " ، وهي هيئة مشهود لها بالكفاءة والأخلاص للوطن وتدافع قواتها عن الوطن وتضحي بدمائها حرصا وحفاظا لسلامة الوطن والشعب .

** كلاهما من أسرة مصرية متوسطة الحال ولد كل منهما ونشأ وترعرع بين البسطاء من أبناء مصر .

** كلاهما له أحلام وتطلعات لبلده مصر والشعب المصري . حاول الأول  ناصر  تحقيقها ، ومن المؤكد أن الثاني  السيسي  سيبذل قصارى جهده لتحقيق ما يمكن تحقيقه لمصر والشعب المصري ، مع تكملة ما عجز عن تحقيقه  ناصر.

** كلاهما واجه إعتراضا شديدا من الولايات المتحدة الأمريكية . بالنسبة لناصر توليه سُدة الرئاسة . وبالنسبة للسيسي الخوف من توليه سُدة الحكم .

** تأثر عبد الناصر بحرب 1948 وما لحق بالجيش المصري نتيجة ما أطلق عليه في ذلك الزمان " الأسلحة الفاسدة " التي أستخدمها الجيش المصري عندما واجه العدو الصهيوني في معركة خاسرة .

** كذلك تأثر السيسي  بالأحداث التي كانت تمر بها مصر بعد أن تولى الاإخوان تسير أمور البلاد ، وبدأ في التفكير الجدي لخلاص مصر .

** كوّنَ  عبد الناصر فريق من مخلصي ضباط القوات المسلحة في السر ما أطلق عليهم " الضباط الأحرار " للعمل على التمرد على الملك والحكومة بإنقلاب عسكري يمكنهم من تحقيق الخير لمصر .

** إنتظر السيسي المبادرة الشعبية على أيدي شباب مصر للتمرد  ضد حكم اللاإخوان .

بعد نجاح حملة الشباب في جمع الملايين من موافقة أبناء مصر من رجال ونساء وشباب وشابات ورغبتهم في إسقاط النظام الحاكم الذي حاد عن الشرعية التي منحها له الشعب لخدمة مصر والشعب المصري . تشجع السيسي وزملائه من قادة فروع القوات المسلحة على التلاحم مع مطالب الشعب الشرعية والتي خولت لهم " القوات المسلحة " حق الوقوف مع الشعب وعزل الرئيس السابق محمد مرسي "  وإبعاده عن الحكم وليس الإستيلاء على الحكم " .

ثانيا : أوجه الإختلاف بينهما ..

** جمال عبد الناصر وجد صعوبة للإلتحاق بالقوات المسلحة لوضعه الإجتماعي في ذلك الوقت .

** أما السيسي لم يعوق وضعه الإجتماعي المتوسط من الإلتحاق بالقوات المسلحة .

" لكن مع شديد الأسف مازال المصري المسيحي تعوقه مسيحيته من الإلتحاق بالقوات المسلحة . وفي حالة تجنيده يُبعد عن أداء دوره الوطني في بعض المهام العسكرية " . أعتذر عن الإبتعاد عن الموضوع . لكن الشيء بالشيء يذكر .

** جمال عبد الناصر قام بالإنقلاب وهو بكباشي أركان حرب فقط .

** أما السيسي إستطاع أن يتدرج في الرتب العسكرية والخدمة في المخابرات العسكرية مما أهله لمعرفة الكثير مما يدور حوله داخل وخارج القوات المسلحة ، مما أثار مخاوف الإخوان عندما تولى مرسي سُدة الحكم . ومخاوفهم بدون شك كانت تدور حول تفكيك قوة وقدرة القوات المسلحة في التصدي لأي محاولات ضد مصر . ووضع السيسي العسكري له مخاوفه لديهم .

** مهد الأخوان لعبد الناصر وصحبه التحرك بسرعة بعد أحداث حريق القاهرة في 26 يناير 1952 . فحدد يوم الأربعاء 23 يوليو يوم التحرك للتخلص من حكم الملك. وإستطاع ناصر أن يصل إلى سُدة الحكم بعد الإطاحة باللواء محمد نجيب أول رؤساء الجمهورية المصرية .

** ما قامت به جماعة الإخوان بعد تنصيب مرسي رئيسا للبلاد من أعمال ، جعل السيسي يتململ مما يشاهد ويسمع ويعيش . لكنه صمت في إنتظار الفرصة القانونية والشرعية التي يمنحهما له الشعب للتخلص من حكم الإخوان . وقد منحه الشعب بحركة تمرد التي تعتبر وبحق إستفتاء شعبي لعزل مرسي . كذلك إلتحام الشعب مع السيسي في 3 من يوليو2013 .  لكن الشعب ينتظر ترشحه الرسمي للرئاسة أو معرفة دوره في المستقبل القريب .

** بعد الأعتداء الثلاثي " إنجلترا وفرنسا وإسرائيل " على مصر، وإيقاف الرئيس الأميركي أيزنهاور في ذلك الوقت لهم وأمرهم بالإنسحاب. بدأ ناصر التطلع إلى دور أكبر له خارج مصر فشارك في مؤتمرات كثيرة وساعد الدول الثائرة على حكامها .وأطلقت " نكته " في ذلك الوقت أنه بلغ عبد الناصر قيام ثورة على السفينة " بونتي " فأعلن وقوفه إلى جانب ثوار السفينة " بونتي " .

 بل أنه أراد الزعامة العربية فتصدت له المملكة السعودية مما أثار حفيظته فهاجم الملك سعود في إحدى خطبه . بل وساعد بالقوات المسلحة المصرية في دخول حرب اليمن على الرغم أن مصر لا دخل لها في تلك الحرب القائمة بين اليمن والمملكة السعودية . وكانت تكاليف تلك الحرب مليون جنيه مصري في اليوم الواحد . مما أثر على ميزانية الدولة وقلب معاير الحياة لمتوسطي الدخل .

** الملاحظ العلاقة المصرية مع الخليج العربي بدأت تأخذ شكلا مغايرا تماما وخاصة بعد أحداث عزل مرسي وظهور السيسي على الساحة السياسية . حقيقة لا يمكن تجاهلها أنه في عهد السادات ساهمت المملكة السعودية العربية بضخ أموال هائلة لشراء الأسلحة اللازمة لمصر للحرب ضد الصهاينة بما عُرفَ بحرب أكتوبر المجيدة في 6 من أكتوبر عام 1973 ، والذي أطلقت عليها يوم النصر الحزين  .أعود إلى دول الخليج حاليا وتعاونها مع مصر على أنه قد يكون السيسي الرئيس المصري القادم إذا رشح نفسه للرئاسة . مما جعل الوحدة العربية المصرية تعود إلى الواقع الذي أصابه صدع أيام ناصر وأثناء حكم الأخوان . وهذا واضح على الرغم من وجود دولة قطر المارقة بعيدة كل البعد عن دول الخليج.  وتحيك المؤامارت ضد مصر والشعب المصري ولا تتمنى للسيسي أن يصل إلى سُدة الحكم وهذا في حد ذاته مؤشر خطر على مصر وبقية دول الخليج .

ولا ننسى تلك المناورات الحربية بين مصر ودولة الإمارات وذهاب السيسي بزيه العسكري لمشاهدة تلك المناورات ، قد هزت كرسي الإدارة الأمريكية مما جعل أوباما يُعد العُدة للقيام بزيارة للملكة السعودية العربية .

مصر في مرحلة شديدة الأهمية والخطورة . مصر محاطة بأعداء على أتم إستعداد لهدم مصر والقضاء على الشعب المصري الصامد ضد كل محاولات اللاإخوان الرامية إلى تركيع السيسي والشعب المصري ليعودوا إلى حكم مصر حتى ولو خربوها . وأميركا الأم الراعي لهم على أتم إستعداد بالتمويل اللازم لتنفيذ حلمهم الشرير .

 ونسأل .. ما الذي يحدث لو سقطت مصر لا سمح الله ؟ وأيضا ما العائد على الدول الخليجية من تضامنها مع مصر خاصة لو أن السيسي قبل الترشح  وفاز في الإنتخابات ؟ هذه أسئلة على جانب كبير من الأهمية على ما أعتقد .

لا شك أن سقوط مصر يعني نجاح أوباما في تحطيم الصخرة المصرية العائق الوحيد له ولإخوانه الغيرمسلمين . وتثبيت أقدام الإحوان في منطقة الربيع العربي وبالتالي يأتي الدور على الخليج العربي ويتم مسح الوجود العربي من على خارطة الشرق الأوسط ، الذي سيصبح " الشرق الأوسخ " على أيدي الخونة تجار الدماء. وتفرح إسرائيل ويطبل ويزغرد الحمامسة في غزة ويبقى يقابلني صفوت حجازي وشلته لو فكروا في القدس اللي رايحيين لها بالملايين .

أما الأجابة عن السؤال الثاني " وأيضا ما العائد على الدول الخليجية من تضامنها مع مصر ، خاصة لو أن السيسي قبل الترشح وفاز في الإنتخابات ؟ 

أقول لحضراتكم ما هو العائد في رأي المتواضع ..

دول الخليج لها تطلعات مثلها مثل الدول النامية والتي لديها إمكانيات إن كانت من ناحية البترول أو البناء والتعمير على أحدث ما تكون عليه التكنولوجيا الحديثة .شباب وشبات دول الخليج يتعلمون في أحسن جامعات العالم ، ويحصلون على أعلى درجات علمية في جميع فروع العلوم الأدبية والعلمية على حد سواء .

يعرف أهل الخليج قيمة مصر التعليمية في المنطقة ، ويقدرون المتعلم المصري ويحترمونه خاصة وأمامهم الكثير من نوابغ المصريين الذين هاجروا وعملوا في بلاد المهجر التي فتحت لهم ذراعيها فأعطوها علمهم ومقدرتهم العلمية والعملية . وبهذا يعود على الخليج العربي ، والربيع العربي بعد نهضته وطرد الأخوان وحكمهم إلى قوة علمية لا يستهان بها .

ومن هنا يولد شرق أوسط جديد .. عربه ليسوا بجهله ولا أحد يوجههم إلى حيث لا يريدون . وتعود لمصر مصريتها ، وللشعب المصري قدراته التي أهملها  كل من

عهد " الأخوان / السادات / ومبارك " .. عهود الظلام .

CONVERSATION

0 comments: