أكْـرَهُ الكوتـة.. وأؤيِّـدها/ مهندس عزمي إبراهيم

الكوتـة.. ما لها وما عليها.
أنا أكره الكوتة. وكل قبطي مسيحي يكره الكوتة. وكل قبطي مسيحي يجب أن يكره الكوتة. بل وهناك أيضاً فصيلٌ من المسلمين العاقلين المعتدلين يكرهون الكوتة. والسبب الرئيسي في هذا البُغض للكوتة سببان: فاعليتها ضعيفة وسُمعتها سَيِّئة.
أولا: فاعليتها ضعيفة: لأن الكوتة يسهل التلاعب فيها. حيث يمكن سوء التصرف من جهات التعيين المغرضة في انتقاء أو تعيين اليهوذات ومحبي الظهور ومن لا يصلح لتمثيل الأقليات بفاعلية مجدية وإيجابية كما تتوقعهما الأقليات، والحديث هنا عن الأقباط. كما أنه يمكن للدولة ومؤسساتها الرسمية من جيش وشرطة وقضاء وتعليم وصحة وغيرها من الخدمات العامة وضع العقبات والعوائق في طريق الأقليات في مجالات التوظف والترقي والاستفادة بخدمات وإكراميات الدولة رغم وجود الكوتة.
ومن زاوية أخرى، حتى إذا أفادت الكوتة في بعض المواقف السياسية (مع الاستعانة بأصوات المسلمين المعتدلين)، فلن تغير من سلوكيات الناس واعتقاداتهم الإضطهادية الموروثة والمغذاة بالدعاوي الدينية المتطرفة والمتخلفة، التي هي مستمرة وفي ازديادٍ متكالبٍ ومتواكبٍ.
ثانياً: سُمعتها سَيِّئة: لأن الكوتة تُعلِن للعالم أن مصر دولة دينية عنصرية. وفي حقيقة الأمر، مصر للأسف تمر بمرحلة فيضان ديني عنصري واضح، لا شك ولا ضبابية فيه. وأخشى أن أقول أن مصر رغم ثورات شبابها ورغم مساندة جيشها ظاهرياً، تنحدر إلى أسوأ من يوم إلى يوم شأنها في ذلك شأن شقيقاتها لبنان وسوريا والعراق. والخوف كل الخوف من أن تصير كالصومال والسودان وليبيا والسعودية وأفغانستان وباكستان وغيرهم!!
ويشترك في بُغض الكوتة، مع الأقباط والمسلمين المعتدلين، فصيل آخر من المسلمين المتعصبين المتشددين المتخلفين. فصيل من قومٍ استحوازيين يكرهون الكوتة لأنها ستأتي بأقباط يشاركونهم في القرار ولو بنسبة. فحتى النسبة والنسبية ينكرهما المتعصبون على شركائهم أبناء الوطن الأقباط!!
ولكـــــن....
ولكني أؤيد الكوتة رغم أني أكرهها وأدرك سَلبياتها!! أؤيدها لأني لا أرى بديلا لها مُتاحاً لتمثيل الأقباط سياسياً لنوال حقوقهم ولو تمثيلا ضعيفاً. فهي الوسيلة الوحيدة المتاحة للأقباط للإشتراك في قرارات الوطن ولو بالنسبة. فتمثيل ضعيف أفضل من لا تمثيل. فبدون الكوتة لن يكون للأقبط صوتٌ أو وجودٌ في أي مجلسٍ أو الحصول على كرسي حساس يُدرَك بالإنتخاب. فالمُنتَخِبون في مصر غالبيتهم مسلمون، وغالبية هؤلاء في هذا الزمن عنصريون متطرفون أو مُخدَّرون بالدين أو جاهلون ولن يُعطوا قبطياً (كافراً) صوتاً!! ولو رَشَّح قبطي نفسه أمام مسلم فلن يُنتخب مهما عَلت كفاءاته الشخصية ومؤهلاته وخبراته الأكاديمية والاجتماعية والعملية والوطنية، حتى لو كان نجماً في اختصاصه مرموقا ومقدراً من العالم الحر الحضاري المتمدن!! وحتى لو حصل على أصوات جميع المسيحيين في دائرته فهم ليسوا أغلبية!!
ورأيي في تأييد الكوتة يرتكز على ركيزتين: شرط وأملٍ:
أولا: الشرط أن تكون الكوتة مقررة في فترة انتقالية محددة بثلاث دورات انتخابية فقط، حتى يستوي الأمر في مصر لتكون المدنية، إن شاءت مصر أن تكون مدنية. وأقول إن شاءت فالمدنية عكس الدينية ترغب ولا تفرض على الشعوب!!. وفعالية الكوتة رغم ضعفها المتوقع قد تساهم في ذاك التطور وبث تلك المشيئة في شعب مصر.
ثانياً: الأمل هو أن تنفض مصر عن أكتافها عباءة العنصرية الدينية في تلك الفترة، وتختار الحياة المدنية المتفتحة الغير متحيزة ضد أديان وطوائف. وللأسف لا نرى "اليـوم" معالم ذلك. فليس هناك دولة إسلامية ليست عنصرية!!! وفي خلال الأربعة عشر قرنا، عمر الإسلام، لم نرى دولة إسلامية تحولت من عنصرية إلى ديموقراطية، إلا في مصر إبان حكم أسرة محمد على المسلم التركيّ/الألبانيّ الأصل. وأشير بذلك صراحة إلى أنه لم يكن عَربيّ الأصل، أو مدعي الانتماء إلى المستعمر العربي كما يُشرِك في هوية مصر أبناؤها الجاحدين الجهلاء غير الأوفياء لها لمجرد أنهم مسلمون!!
العجيب أن مصر المدنية في عصر نهضتها التي ازدهرت في النصف الأول من القرن العشرين كانت في أزهى عصورها الإسلامية: سياسة واقتصاداً وقانوناً وثقافة وعلماً وأدباً وفنا وتعليماً وإنتاجاً وأخلاقاً وديناً. كانت مصر رغم الاستعمار الأجنبي فخورة بحضارتها الحديثة إلى جانب حضارتها الفرعونية العريقة فكانت رائعة محترمة في نظر العالم أجمع. وكان الإسلام حينئذ في أكمل وأكرم صوَرِهِ. حيث كان (الإسلام الإنساني) فأنا لاأحب تلقيبه بـ (الإسلام الوسطي) وسأشرح ذلك في مقال آخر. وكان شعب مصربأغلبيته المسلمة ومسيحييه ويهوده وغيرهم، شعباً محباً عظيماً في وطنيته وسماحته وعدالته، بدون كوته. فهل نأمل في معجزة، أن ترفض مصر أن تكون دولة دينية عنصرية، فتفتح عقولها وقلوبها وضمائرها لعيوب وأضرار الدولة الدينية، لتمارس حلاوة الحياة المدنية وعدالة الديموقراطية المتحضرة مرة أخرى؟؟
هل أنا متشائم؟؟ بالطبع لا، بل الواقعية تغلب، وتؤلم. ومن يرى أني متشائم فلينظر حوله بعيون مفتحة ولا يخدع نفسه بسراب. فلينظر بنظارة مكبرة إلى تِعداد، أو مجرد وجود، المسيحيين واليهود الذين كانوا بالشبه الجزيرة العربية واليمن وأثيوبيا والسودان والعراق وسوريا ولبنان. بل فلينظر اليوم بنظارة مكبرة إلى تعداد المسيحيين بمصر، ومجرد وجود اليهود فيها!!
لن نفقد الأمل ولننظر في الحلول. الحل الأوحد والمثالي لرفعة مصر، مسلميها قبل أقباطها وغيرهما، هو إرساء قواعد الدستور المدني، وتكرار عصر نهضتها الرائعة في النصف الأول من القرن العشرين النابتة من بذور الدولة المدنية التي بذرت في القرن التاسع عشر. وذاك بوضع دستور مدني خالي تماماً من ذكر الدين، أي دين، وأي شريعة دينية. وخالي حتى من أي جملة ركيكة المعنى مثل "كل طائفة تحتكم إلى شريعتها" فهذا مفهوم ضمنيا أنَّ كل مواطن يرجع دينياً إلى دينه وعقيدتة. كل ما يلزم وضعه بالدستور في هذا المجال هو حملة بسيطة صريحة "حرية العقائد مكفولة وعدالة القانون للجميع". وهذا لن يتأتى في مسودة الدستور الجاري وضعهً، أو في تعديله مستقبلا إلا بوجود التمثيل النسبي للأقباط وبالتعاون مع أصوات المسلمين المعتدلين.
وهنا تأتي الأسئلة الهامة: من يمثل الأقباط في الكوتة، ومن يختارهم؟؟.. ليست الكنيسة.
ومن يرفع أسماءهم للحكومة؟؟.. الكنيسة.
مبدئياً: أقترح تكوين لجنة عليا من كبار نشطاء الأقباط بمصر بينهم أب روحي واحد يمثل الكنيسة، ومعهم البعض من نشطاء المهجر. على أن يكون الجميع من الشحصيات النزيهة والموثوق بها والغير راغبين في الترشيح. تقوم تلك اللجنة باستدعاء قوائم تزكيات من لجان فرعية بجميع المحافظات بأسماء الأكفاء المدنيين. أي لا كهنوتيين، لأن الآباء الكهنة في الجدل السياسي يسهل إحراجهم وتجريحهم بل وإهاناتهم ويصعب على أبائنا الكهنة الرد بالمثل، فنخسر الموقف كما حدث بلجنة الخمسين!!. وتقوم اللجنة بفحص وتقييم وتصفية تزكيات اللجان الفرعية واختيار من يُستحسَن وضعه بقائمة الترشيح النهائي طبقاً لخبرته وقدرته وكفاءته للمنصب المزمع الترشيح له، ورفع القائمة النهائية للكنيسة لاعتمادها فقط ورفعها للحكومة. لأن الحكومة لن تقبل قائمة ترشيحات إلا من الكنيسة. مرة أخرى هذه فكرة مبدأية (نيًّة) قابلة للتهذيب والتنقيح والحذف والإضافة بل والاستبدال بغيرها، أو إلقائها بسلة المهملات.
بالكوتة يمكن أن نحقق الدستور المدني، وبالدستور المدني نحقق مصر المدنية، وبدون ذلك لن نحقق شيئاً.
مهندس عزمي إبراهيم

CONVERSATION

0 comments: