قراءة في تقديرات مركز الزيتونة حول مستقبل فلسطينيي سورية/ صبري حجير

لاشكّ أن الحرب تستهدف معنويات الخصم ، بما لديه من قدرات ومقدرات ، وفائض قوة ، وجمهور ، فمن اجل الوصول الى مكنونات الخصم ، واختراق قدراته ، يتم الإعتماد على الاعلام كأحد أهم وسائل الإختراق والنشر والوصف والتعميم ، ولا يقف الأمر عند حدود المهنية الإعلامية ، بل يتجاوزها الى الوسائل الغير أخلاقية ، بما تحتويه من تضليل وتشكيك وكذب عبر آليات البث الإعلامي  المفبرك ، سواء كان المرئي أو المسموع أو المكتوب ، وعبر الوسائل الألكترونية الحديثة " شبكات الإنترنت  " بما تشمله من مراكز للدراسات والبحث ، ومواقع للإعلام . الحرب العالمية المنصبة على سورية ، والتي يشارك فيها العديد من دول العالم ، مازال المعادون  يستخدمون فيها ألوان التضليل والكذب ، وينشئون الأخبار الكاذبة والمضللة التي لا تستند الى الوقائع ، بل الى الرغبة والتمني ، وقد باتوا  يرتبطون في غرفٍ سوداء ، أنشئت لتحقيق أهداف خبيثة ، تديرها أجهزة  الإستخبارات الصهيونية والأمريكية والغربية ، فتوجه أدواتها المتنوعة في الفضاءات وفقاً لسياق العداء ، وأحياناً تتجاوز مهام التضليل الى التلفيق ، بعيداً عن الموضوعية والمهنية ، ومقطوعة الصلة بالأخلاق . أما المحور المعادي الآخر ، الذي يمثله التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومتفرعاته ، وما أفرزته من مجاميع  ذات أوجه مختلفة ، كحركة مقاومة فلسطينية اسلامية  ، إلاّ أنها تتقاطع في الأهداف والرؤيا ، مع الكيان الإسرائيلي وأمريكا، في الموضوع السوري ، بل باتت تتكامل معه في تجسيد الأخبار والعناوين المضللة  . 
كان مركز زيتونة للدراسات الذي يصدر من بيروت ، قد أصدر في شهر تموز يوليو الجاري 2015 تقديراً استراتيجياً يحمل الرقم  (78) . هذه التقديرات التي أطلقها " مركز الزيتونة ، تحت عنوان "مستقبل فلسطينيي سورية " وقد انتشرت عبر مواقع الإعلام الفلسطينية والعربية ، دون أن تجد مَن يتصدى لها ، أويتعامل نقدياً مع كمية الإفتراضات والإستنتاجات غير المنطقية لجملة الأضاليل التي تضمنها الموضوع المذكور . في سياق الأحداث التي عصفت في سورية ، منذ  ربيع 2011 ، وقع احتلال عدداً من مخيمات الفلسطينيين في سورية ، وكان مخيم اليرموك الذي يعتبر عاصمة الشتات ، على رأس المخيمات المستهدفة  ، من قبل عصابات الإجرام والإرتزاق ، وقد أكدت الوثائق والأبحاث والتقارير الأمريكية والدولية والمعطيات المترجمة ؛ أنّ السيدة "  هلاري كلينتون " وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ، هي التي وافقت على احتلال مخيم اليرموك ، وذلك في اجتماع رسمي لما يسمى مجلس استنبول للمعارضة السورية ! وقع النزوح الدراماتيكي لأهل المخيم على يد ما يسمى (الجيش السوري الحر وعدد من العصابات الإجرامية المسلحة التي قوامها أعداد من النازحين السوريين ، وخلايا حماس النائمة ، وجماعات دحلان  ) . والإستنتاج الذي يمكن أن نصل اليه ، من وراء هذه الدراسة وتلك التقديرات المفترضة ، التي تناولها مركز زيتونة ، من أجل بث سيناريوهات تضليلية خبيثة ، هدفها ابقاء الفلسطيني السوري في حالة من الضبابية والتوتر ، تتنازعه عوامل الصمود والبقاء كلاجئ فلسطيني ، يتحمل أمانة الحفاظ على حق العودة الى فلسطين ، أو الهجر للغرب ، ومركز زيتونة  بالمناسبة ، هو مركز حمساوي ، يزرف دموعاً على فلسطينيي سورية !
 بدايةً لابد من الإشارة بوضوح الى ان إزالة المخيمات الفلسطينية ، والإطاحة بها ، كان وما يزال هدفاً صهيونياً متجدداً ، بدليل ما دعا اليه رئيس الكنيسة " الإسرائيلي " (  رؤوبين  ريفلن ) في  16 - 09 - 2010 المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية لإزالة كافّة مخيّمات اللاجئين من الدول المضيفة ، والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ، لما يشكّله "حق العودة من تهديد على الوجود الإسرائيلي في المنطقة .
 في بداية عرض الحالة الفلسطينية في سورية ، قدم المركز المذكور احصائيات تقديرية ، طبعاً  لا تنتمي الى الواقع ، ولا يربطها أي صلة بالحقائق ، لا بل هي تقديرات احصائية ملغومة ، تستهدف التقليل من عدد الفلسطينيين الذين تركوا سورية وهجروها ، أو استقروا بالدول العربية المحيطة ، أو أقاموا مؤقتاً في تركيا ، أوالذين استقروا في أوروبا ! ويقول التقدير " المأساة التي تعرض لها (نحو 630 ألف) لاجئ فلسطيني سوري، الذين يعيش معظمهم نكبة جديدة بكل المعايير" حسب ما ذكره التقدير . أمّا في الجانب الآخر ، فإن التقدير يشير إلى أن نحو 270 ألفاً من الفلسطينيين السوريين قد توجهوا إلى ملاذات أكثر أمناً داخل سورية ، وغادر أكثر من مئة ألف إلى الخارج ، أما الباقون ، فهم تحت النار والحصار ! فيما يرى التقدير : أنه لا يبدو أن السيناريوهات المحتملة في المدى القريب تعطي أفقاً إيجابياً لمستقبل فلسطينيي سورية ، فسواء استمر الصراع الحالي ، أم حدث تفكك للدولة السورية ، واتجهت بها الحرب إلى كيانات طائفية وعرقية أو اثنية ، فإن معاناتهم سوف تستمر"
ويبدو لي ، على ضوء معطيات التقدير ، أن مركز زيتونة  يعلن النتائج التي يرغب فيها ، وتأملها القوى المعادية لسورية وفلسطين  ، بدءاً من التنظيم العالمي  للاخوان المسلمين ، الى عصابات داعش وجبهة النصرة ،  والقوى المعادية للعروبة ، وفي المقدمة منها " الدولة الصهيونية والادارة الأمريكية ، وتركيا وبعض الدول الرجعية الخليجية النفطية ، والدول الملكية المتخلفة "  لكنه استبق النتائج وألغى الوقائع ، بل كسّرَ عواميد  الحقيقة ، عندما وضع أربعة سناريوهات محتملة في سورية ! حيثُ أظهرها بما تتضمنه من انهيار لمرتكزات الدولة القومية السورية ، وانذر بتقسيم سورية الى دويلات ، وفقاً للطائفية أو الإثنية أو الجهوية ! 
في السيناريو الأول وبناءً على تقديرات مركز زيتونة ، الذي يصف الحالة ( بوصول الأطراف المتصارعة ، وكذلك البيئة الإقليمية والدولية إلى قناعة بعدم قدرة أي طرف من الأطراف السورية على حسم الأمور لصالحه ، مما قد ينشأ عن ذلك من نظام ضعيف ، وغير مستقر مركزياً ...  وهذا الوضع سوف يمثّل حالة مقلقة للاجئين الفلسطينيين في سورية مع احتمال فقدان الفلسطينيين لبعض المزايا التي كانوا يتمتعوا بها ) .
 وفي ذات السياق يضع مركز زيتونة السناريو الثاني ، والذي يتضمن تفكيك الدولة الوطنية السورية ، على اساس طائفي أو عرقي (سني، علوي، درزي، مسيحي  كردي ، الخ) وهنا يحدد المركز المذكور " إن  حدث هذا السيناريو فإنه يفرض على الفلسطينيين بذل جهود مضاعفة للتنسيق والتشبيك بين مكونهم الديني في ظلّ هذه الكيانات الناشئة " وقد يدفع الفلسطيني ثمن هذا السيناريو مزيداً من الإيذاء والتهجير أو انتقاصاً من حقوقه .
أما السيناريو الثالث الذي وضعه مركز زيتونة لسورية ( استمرار حالة الصراع والتدافع بين كرٍّ وفَرٍّ وتوسُّعٍ وانكماش في المدى المنظور، بحيث تبقى سورية لبضع سنوات قادمة على الأقل بؤرة للتوتر وتصفية الحسابات بين القوى المحلية والإقليمية والدولية. وهو ما يعني استمرار الأزمة والمعاناة السورية ومعها معاناة اللاجئين الفلسطينيين )
  السيناريو الرابع ( وهو السيناريو النهضوي الوحدوي الذي يتجاوز البعد الطائفي والعرقي ، ويتمكن من تقديم طرح قوي، يستوعب الجميع، ويعبّر عن إرادة شعوب المنطقة بعيداً عن الديكتاتوريات المحلية أو التدخل الخارجي ) . 
تقيم نقدي للخلاصات التي أراد مركز زيتونة الوصول اليها بالنسبة للفلسطينيين في سورية :
 أولاً -  أنه اسدل على  المشهد الفلسطيني السوري الستائر السوداوية والتشاؤمية ، وأضفى على مستقبل الفلسطينيين في سورية الضبابية والتشاؤم ، لكنه استثنى وفقاً للسيناريو الرابع ، اذا حدث وتضافرت جملة عوامل ، واسقطت الديكتاتورية المحلية ، والمقصود هنا النظام الحالي ، مما يجنب سورية التدخلات الخارجية من قبل الدول الأخرى ، أو من قبل المجموعات الإرهابية ( داعش )  أي أن التقديرات منحت القوى المعادية انتصاراً على النظام السوري ، وهو ما يعطي للفلسطينيين فرصة التمكن من رفع المعاناة عنهم ! وطبعاً هذا السيناريو بعيد جداً عن الواقع .
ثانياً - يفترض مركز زيتونة عدم وجود قناعة اقليمية ودولية  لجهة " الدول الغربية وعلى رأسها ( الدولة الإسرائيلية) ، والدول الخليجية والدول الرجعية وغيرها من الدول العربية ، وما فرزته هذه الدول من قوى تنظيمية إرهابية أو مخابراتية ، بحصول اتفاق مصالحة بين القوى السورية المتصارعة ، أو أن أحداً من الأطراف المتصارعة غير قادر على حسم الأمور لصالحه ، مما يعني أن الفلسطيني السوري الذي كان يتمتع بمزايا المواطنة السورية ، سوف يفتقد لتلك الميزات ، والمقصود هنا نزع الثقة الجماهيرية الفلسطينية من قدرة الدولة السورية عن حسم الأمور ميدانياً وعسكرياً لمصلحة الدولة المركزية ، وابقاء الفلسطينيين في حالة متوترة غير قادرة على الإستقرار الأمني والسياسي ! هذا الكلام ينطوي على أهداف صهيونية خبيثة ، يدعو فيه الفلسطينيين الى التقهقر والهجرة ، وترك مرابع الطفولة العربية ، وبناء مستقبل في دول الإغتراب !
ثالثاً - في السيناريو الثالث الذي يورده مركز زيتونة حول مستقبل فلسطينيي سورية بوصفهم فلسطينيي من أهل الجماعة والسنة ، فعليهم توظيف الجهد النضالي الفلسطيني لتعزيز الموقف المذهبي الذي يؤمن لهم الحضور والحياة ! انّ خباثة الطرح يتجسد في تحديد نوعية انتماء الفلسطيني السوري أو الفلسطيني بشكل عام ، بحكم انتمائه الطائفي أو المذهبي ، وليس بحكم انتمائه السياسي في الإطار القومي أو الوطني ، ما يؤكد على سياسة الإصطفاف في الساحة العربية ، على ضوء ما أفرزته الدعاية الإسرائيلية التي حددت العدو المفترض الطائفي وليس العدو الصهيوني  
رابعاً - أما السيناريو الرابع الذي حدده مركز الزيتونة يستند الى آمال تحقيق نهوضاً ثورياً عاماً في سورية تتحقق في ظله انتصاراً لما يسمى ( ثورة ) على النظام القائم ، وتأمين شروط الحماية من التدخلات الخارجية أي من داعش وأخواتها .
وخلاصة القول : أن مركز الزيتونة للدراسات لم يستند الى تحديد منطقي في الطرح الذي قدمه ، فقد كشف النقاب عن  مسألة حقيقية واحدة ووحيدة بما يخص اللاجئين الفلسطينيين في سورية ، عندما ربط  مصيرهم بمصير ما يحدث في سورية ، وهذا تقدير صحيح مئة بالمئة ، لكنه أغفل قوة الدولة السورية المركزية التي تمتلك جيشاً  وطنياً تمرس على فنون القتال ، وبات يمتلك خبرة قتالية مزدوجة تضعه في المرتبة الأولى لجيوش العالم ، وأن الدولة لها مؤسساتها الشرعية التي تم انتخابها ديمقراطياً ، وأن لها رئيساً تم انتخابه بشكل لم يسبق أن انتخبت الدولة السورية أو الدول العربية مثله من قبلُ . كلّ هذه الحقائق يغفلها مركز الزيتونة وينطلق من فرضيات لجهات حزبية وفئوية ايديولوجية " اسلامية " تتصف بالأرهاب والتبعية للقوى الغربية واسرائيل ! 

فلسطيني سوري 

CONVERSATION

0 comments: