الطفل الطموح/ عبدالقادر رالة

جذبني ذاك الطفل وأنا لا أزال تلميذا في الطور الثالث من التعليم الابتدائي، فكلما كنت أمر الى المدرسة أجده جالسا عند حائط المدرسة...وقد أتأخر بعض المرات عن المدرسة لبضع دقائق...ألمحه من بعيد واقفا أمام نافذة القسم الخارجية ينصت باهتمام الى المعلمة وهي تشرح الدرس....ذهب مصطفى الى المدرسة...المدرسة.... الصحراء جميلة.... وفي مرات عديدة كنت أتعمد التطلع اليه من داخل القسم ...يستمر واقفا... يصغي باهتمام ونحن نعيد بعد المعلمة نطق الكلمات...الاجتهاد...الصبر...الطموح...الـتأني...النجاح.... أراه دائما تحت نافذة القسم الا في الأيام الممطرة أو المثلجة....
ترددت في البداية في الاقتراب منه ، ولم أكن أن تكون فرحته كبيرة لما عرضت عليه مساعدته في تعليم كتابة الحروف...كان يفهم المعاني لكن يعجز عن تحويل تلك الكلمات المنطوقة الى أحرف حية ! وصرنا نلتقي كل مساء في الحديقة فأكتب له ما سمعه ، وفي الحقيقة وجدته طفلا طموحا ذو إرادة قوية إذ تمكن في وقت قصير تعلم ما يعجز الكثير من زملائي على تعلمه...ولم أشأ أن أسأله لماذا لم يلتحق بالمدرسة المجانية مثل كل أطفال مدينتنا الصغيرة ... أخبرني وهو يبتسم بأنه يتيم ويعيش مع جده الفقير...فإن كانت الدولة توفر التعليم المجاني فكيف له تدبر ال وأدوات المدرسية والكتب والمئزر والملابس الجديدة والحذاء؟... .
وبعد الطور السادس اضطررت لتوديعه إذ انتقلت الى المتوسطة ثم الثانوية والجامعة ، وإن كنا نلتقى بين الحين والأخر...ثم اختفى فجأة ولم أعد أراه وإن احتفظت باسمه وابتسامته المميزة...
انشغلت بالصراع التعليمي في الجامعة...وانخرطت في همومها العلمية وعواصفها العاطفية..... وفي أحد الليالي لما مللت من مراجعة الدروس، وأيضا من لعب الدومينو مع الزملاء في المرقد...فتناولت مجلة ثقافية كانت موضوعة بين الكتب والمراجع...وفتحتها...لفت انتباهي مقال بعنوان" تحت نافذة المدرسة"...اسم الكاتب لم يكن غريبا عني... أيضا الصورة...تمعنت فيها جيدا...إنه ...يا الهي...إنه ذاك الطفل ! الملامح لم تتغير...لا تزال عيناه تشعان بالإصرار والتحدي... ! وشرعت في قراءة المقال ... وكلما أكملت سطرا ازددت
طربا وازددت أكثر احتراما له.... إنه يذكر مدرستي الحبيبة خلف خيرة التي قضيت فيها أحلى أيامي....وأيضا يذكر المعلمة حورية التي تزوجت ورحلت مع زوجها الى مدينة بعيدة....
يا لسعادتي...إنه يذكرني بالاسم...بودواية محمود... إنه يقول أني صاحب الفضل عليه في أن صار كاتبا قصصيا كبيرا تثير قصصه ومقالاته اهتمام القراء ومتعتهم، ويترجم بعضها الى اللغات العالمية...قال لولا وقوفي بجانبه لما استطاع تحقيق شيئ ولكان اليأس دب الى قلبه !
طلبت من زميلي صاحب المجلة أن يبيعها لي...لأن العدد قد مضى على صدوره الأربعة أشهر...تعجب زملائي لأني أدرس البيطرة في الجامعة ولا اهتمام لي بالأدب والمجلات الثقافية.....

CONVERSATION

0 comments: