قواعد أمريكا العسكرية/ د. عدنان الظاهر

يُثير عجبي حماسُ بعض الكتّاب العراقيين والمتأمركين الجُدد .. أثاروا عَجَبي بل والكثير من ذهولي بخيانتهم لما كانوا يحملون من قناعات وعقائد ومواقف سياسية من الإستعمار عامة والإمبريالية الأمريكية على وجه الخصوص. ألا ما أقبحهم.  
يروّجُ هؤلاء إلى فكرة أنَّ التحالف مع أمريكا يجلب للأطراف المتحالفة التطور والنماء والرخاء كلّه ولا يكفّون عن ضرب الأمثلة من ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية ومن تحالفات المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات فيما بعد مع أمريكا وقبولها بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها . ألا شاهت الوجوهُ وحاد العقلُ السليمُ وهانت العزّة الشخصية والوطنية والإنسانية .
أسألُ هذا النفر : هل القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي الألمانية واليابانية هي سبب نهوض هذين البلدين العملاقين بعد الدمار الذي لحق بهما في الحرب العالمية الثانية التي خسراها واستسلما للحلفاء ؟ هل قنبلتا هيروشيما وناكازاكي الذرّيتان كانتا سبب قيام المارد الياباني من بين موته ورماده ؟
إذا نهضت ألمانيا واليابان من دمار الحرب العالمية الثانية بسبب قيام القواعد العسكرية الأمريكية وباقي حلفائها فرنسا وبريطانيا على أراضيها فهل نهضت مملكة آل سعود وقطر والإمارت الخليجية كما نهضت وقامت ألمانيا واليابان ؟ كيف يقارن هذا الرهط بين ما حصل في ألمانيا واليابان وما هو حاصلٌ في السعودية والخليج العربي ؟ هل تطور ألمانيا واليابان المُذهل في حقول العلم والتكنولوجيا والثقافة وباقي مناحي الحضارة، هل يُقارن هذا بعدد وإرتفاع ناطحات السحاب التي قامت في قطر مثلاً والإمارات العربية المتحدّة ؟ ما أنتجت السعودية لشعوبها وللبشرية من كشوفات واختراعات وصناعات وحاجات يومية يفيد منها العالم ؟ قارنوا بما هو حاصل في إسرائيل حليف أمريكا الستراتيجي وما هو حاصل في الجزيرة العربية حيث لم تزلْ مملكة آل سعود تمنع المرأة السعودية من قيادة سيارتها الشخصية ! وتضطهد وتقهر سكّان القطيف والأحساء وهم سعوديون لكنهم شيعة !
حكومات السعودية والخليج مرتاحة جداً جداً من علاقاتها الحميمة مع أمريكا ومن وجود قواعد أمريكا العسكرية على أراضيها لأنَّ أمريكا هي ضامن وجود هؤلاء الحكّام جائرين مستبدين قاتلين لشعوبهم متقاسمين ريع النفط والغاز مع سادتهم الأمريكان. المصالح مشتركة.
نتكلم الآن عن العراق :    
يدّعي المتأمركون العراقيون الجُدد أنَّ القواعد العسكرية الأمريكية ضمان أكيد لإستقرار العراق ! لم يقولوا أيَّ عراقٍ سيستقر! من أين جاءوا بهذا العلم ومن يا تُرى أوحى لهم به ؟ هل في إيران قواعد عسكرية أمريكية أو في الصين ؟ هل هناك شك في استقرار هذين البلدين الخاليين من أي أثر لأي وجود أمريكي على أراضيهما ؟ لامَ أحدهم الحكومة العراقية السابقة أنها لم تمنح أمريكا مساحة كيلومتر مربع واحدٍ لإقامة قاعدة عسكرية ! هل ـ يا ناس ـ يكفي هذا الكيلومتر المربع لإقامة قاعدة عسكرية بريّة لها منشآتها الحصينة فوق وتحت سطح الأرض فضلاً عن مدارج الطائرات الحربية العملاقة ... هل يعرف هذا الشخص بمَ يهذي ويثرثر وعلى مَنْ يُصرّف بائر بضاعته ؟ كشف نفسه ألا بئسَ ما كشف وما أكثرَ ما كشف ! ليقرَّ عيناً فلا من أحدٍ يقف في وجهه ويمنعه من الثرثرة والترويج للأمركة بعد يسارية وشيوعية و ... و ... 
سخر هذا الشخص ذات يوم بمبدأ الإستقلال الوطني وها هو اليوم يكرّسُ مقالة كاملة يروّجُ فيها للإنبطاح أمام أمريكا وتقديم أرض العراق هدية مجانية لإقامة قواعد عسكرية بزعم أنَّ هذه القواعد تحمي وتصون العراق وتجلب له الرخاء. ثم إنه ربط وجود داعش اليوم في العراق برفض حكومة المالكي المنتهية الصلاحية لأي وجود عسكري أمريكي وإصرار تلك الحكومة على ضرورة مغادرة الجيوش الأمريكية للأراضي العراقية. الناس يعرفون أنَّ داعش وأخواتها صناعة أمريكية ـ إسرائيلية ـ ناتوية خلقتها أمريكا وحلفاؤها جيشاَ آخرَ ينفذ مهمات لا تريد أو لا تستطيع تنفيذها لأسبابها الخاصة. أمريكا تحارب داعش في العراق لكنها لا تحاربه في سوريا وهي التي أسسته وجرى تسليحه وتمويله من بعض حلفاء وأصدقاء أمريكا في المنطقة. أيُّ نفاق ودجل وأية سخرية في هذا الفعل الذي تفعل أمريكا وتوابعها.
سمحت أمريكا لداعش أن يغزو العراق ويحتل محافظة نينوى تحت سمعها وبصرها بالتواطؤ مع تركيا وبعض العشائر العراقية وعناصر بعثية، ولما نفّذت داعش هذا الجزء من المخطط الرهيب وشرعت بتهديد برزانستان أفاقت إدارة أوباما وأحست بالخطر فأرسلت المستشارين وفرق حماية المصالح الأمريكية ومؤسساتها القنصلية والدبلوماسية في شمال العراق رافق ذلك كله قيام طائرتها الحربية بقصف بعض مواقع ومعسكرات داعش ولكنْ في مناطق محددة ومتواضعة. أين كانت أمريكا في وبعد اليوم العاشر من شهر حزيران الماضي وحين دنت داعش من العاصمة العراقية بغداد وهددت باحتلالها ثم التوجه نحو كربلاء والنجف ؟ ثم ما تفسير أقوال السيد مسعود برزاني بعد سقوط الموصل في أيدي الدواعش : حدودنا بعد اليوم ليس مع العراق إنما مع داعش ! ثم قوله الآخر الذي لا يقل خطورة : لا مجال بعد اليوم للكلام عن المادة 140 ! ثم قوله بعد دخول قوات البيشمة ركة مدينة كركوك : ما جرى بعد العاشر من حزيران لا رجعةَ فيه لما كان قبله ! يقصد أنَّ كركوك وبعض مناطق محافظة ديالى غدت جزءاً من إقليم كردستان.
هل وضُحتْ أبعادُ وأهدافُ مؤامرة دخول داعش لمحافظة نينوى والأطراف الرئيسة التي وقفت وراء هذا الدخول ومهدت له والمصالح النفطية فوق الجميع التي حرّكت الأحداث الجسام والكارثة التي لحقت بالمدنيين في مركز محافظة نينوى ثم ما جرى للمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة وأخيراً ما جرى للإيزيديين في سنجار ومخمور وباقي قرى وقصبات الإيزيديين ؟
أرى المؤامرة التي لم تقع لولا مباركة ورعاية أمريكا وشاركت فيها تركيا وإسرائيل والسعودية وقطر .. أراها حسب تكهناتي وقد يكونُ بعض هذه التكهنات غير دقيق لكنَّ الزمن القادم سيكشف الكثير من حقائق الأمور ويتبين الصح من الخطأ وعسى أنْ يتعظ المتأمركون الجُدد من المنبطحين على وجوههم أمام أمريكا وحلفائها.
المؤامرة كما يلي وتُنفذ على مراحل تمت المرحلة الأولى منها بتسليم نينوى للدواعش ومسعود إبن مُلاّ مُصطفى برزاني ذو خبرة في هذا الشأن فقد سبق له أنْ استعان بقوات صدام حسين لطرد قوات حزب الإتحاد الوطني الكردستاني ، حزب مام جلال طالباني، من أربيل :
1ـ إعلان إستقلال محافظة نينوى كأقليم. وطالما هدد محافظها السيد أثيل النجيفي بذلك قبلاً.
2ـ إتحادها كونفدرالياً مع إقليم كردستان . قد لا يحصل هذا لكنه يبقى احتمالاً وارداً.
3ـ إعلان إستقلال دولة كردستان على أرض العراق. تصريحات السيد مسعود برزاني بهذا الخصوص معروفة وهي كثيرة.
4ـ إنسلاخ محافظة نينوى وانضمامها إلى تركيا والكل يعرف مطامع تركيا في الموصل منذ حقبة معاهدة سايكس ـ بيكو بعد الحرب العالمية الأولى التي فككت ممتلكات تركيا العثمانية ( الرجل المريض ) وقسّمتها أسلاباً بين بريطانيا وفرنسا. أي سيحصل لمحافظة نينوى ما حصل لمحافظة الأسكندرون السورية : اللواء السليب .
5ـ وحصيلة كل ذلك هو ضمان تدفق نفط كركوك، وقد غدت جزءاً من دولة كردستان آل برزان، ونفط الموصل وكردستان رخيصاً إلى تركيا لتأخذ حصتها منه وتمرر باقيه إلى إسرائيل لتكررَ هذه بعضاً منه وتعيد تصدير الباقي بسعر السوق العالمي إلى أوربا وبلدان أخرى تحتاجه وبهذا تجني إسرائيلُ أرباحاً طائلة وتتحرر أوربا من أزماتها مع النفط والغاز الروسيين فشكراً لداعش ومسعود برزاني وتركيا وشكراً للحليف الأمريكي الستراتيجي أبداً. 
قلت إنها مجرد تكهنات لكني أراها بعين الغيب فإنْ لم تقع اليوم فغداً أو بعد غدٍ وإنَّ غداً لناظرهِ قريبُ. وإذا لم تقع كما توقعتُ أو تكهنتُ فربما سيقع ما هو أسوأ منها وسوف أضع حدّاً للتكهنات ...
هل تمنع القواعد العسكرية الأمريكية قيام ونجاح هذا المخطط الرهيب وهي التي تبنّته وأمدّته بسبل ووسائل الحياة والتنفيذ وكانت أرسلت نائب الرئيس الأمريكي السيد جو بايدن للعراق ليبشر ويمهد لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم ؟ أليس هذا هو مخطط إعادة النظر بمشروع سايكس ـ بيكو وفرض آخرَ جديد على كلٍ من العراق وسوريا وكافة بلدان الشرق الأوسط وإعادة تشكيل خارطة جديدة لهذا الشرق الأوسط.
أخيراً : ما سيفعل التحالف الدولي الذي أعدّت له أمريكا وحلفاؤها في حلف الناتو وإسرائيل بزعم القضاء على داعش في العراق ؟ لا يحتاج المرءُ إلى علم وفلسفة لمعرفة النتائج المتوخاة : إحتلال العراق مرة ثانية ! إحتلال العراق يتطلب وجود قواعد عسكرية ومطارات وخطوط إمداد طويلة . معروف عن السيد مسعود برزاني سخاؤه في عرض أقامة قواعد عسكرية أمريكية في العراق على أراضي كردستان وقد قالها وكررها مراراً. أي ستكون كردستان قاعدة عسكرية هائلة لحلف الناتو مما يُعجّل ويُيسّر قيام دولة كردستان الجنوبي شمال العراق.
هل يستطيع الدكتور حيدر العبادي وغيره من الساسة اليوم الحيلولة دون حصول ذلك ؟

CONVERSATION

0 comments: